الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الله وإلى أمير المؤمنين، فتولّى من ذلك ما ولّاه الله، وعرف من حقنا ما جهلت، وحفظ منا ما ضيّعت، وسيحكم فى ذلك ربّ هو أرضى للمرضى، وأسخط للمسخط، وأقدر على الغير فى يوم لا يشوب الحقّ عنده الباطل، ولا النور الظلمة، ولا الهدى الضلالة، والله لو أن اليهود أو النصارى رأت من خدم موسى بن عمران أو عيسى ابن مريم يوما واحدا، لرأت له ما لم تروا لى فى خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين.
قال: اعتذر إليه الحجاج وترضّاه حتى قبل عذره، ورضى عنه، وكتب برضاه وقبوله عذره، ولم يزل الحجاج له معظّما هائبا له، حتى هلك رضى الله عنه.
259 - رد الحجاج على عبد الملك
وكتب الحجاج إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان:
«بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عبد الملك بن مروان:
«أما بعد: أصلح الله أمير المؤمنين وأبقاه، وسهّل حظّه وحاطه (1) ولا أعدمناه، فإن إسمعيل بن أبى المهاجر رسول أمير المؤمنين- أعزّ الله نصره- قدم علىّ بكتاب أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- وجعلنى من كل مكروه فداءه- يذكر شتمى وتوبيخى بآبائى، وتعييرى بما كان قبل نزول النعمة بى من عند أمير المؤمنين- أتمّ الله نعمته عليه، وإحسانه إليه- ويذكر أمير المؤمنين- جعلنى الله فداءه- استطالة منى على أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، جرأة على أمير المؤمنين، وغرّة بمعرفة غيره ونقماته وسطواته على من خالف سبيله، وعمد إلى غير محجّته، ونزل عند سخطته، وأمير المؤمنين- أصلحه الله- فى قرابته من محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم إمام الهدى وخاتم الأنبياء، أحقّ من أقال عثرتى، وعفا
(1) صانه وحفظه.
عن ذنبى، وأمهلنى ولم يعجبنى عند هفوتى، للّذى جبل عليه من كريم طبائعه، وما قلّده الله من أمور عباده، فرأى أمير المؤمنين- أصلحه الله- فى تسكين روعتى، وإفراج كربتى، فقد ملئت رعبا وفرقا (1) من سطوته، وفجاءة نقمته (2)، وأمير المؤمنين- أقاله الله العثرات، وتجاوز له عن السيئات، وضاعف له الحسنات، وأعلى له الدّرجات- أحقّ من صفح وعفا، وتغمّد (3) وأبقى، ولم يشمت بى عدوّا مكبّا (4)، ولا حسودا مضبّا (5)، ولم يجرّعنى غصصا، والذى وصف أمير المؤمنين من صنيعته إلىّ، وتنويهه (6) بى، بما أسند إلىّ من عمله، وأوطأنى من رقاب رعيّته، فصادق فيه، مجزىّ بالشكر عليه، والتوسّل منى إليه بالولاية، والتقرّب له بالكفاية.
وقد عاين إسماعيل بن أبى المهاجر رسول أمير المؤمنين وحامل كتابه، من نزولى عند مسرّة أنس بن مالك، وخضوعى عند كتاب أمير المؤمنين، وإقلاقه إياى، ودخوله بالمصيبة علىّ، ما سيعلمه أمير المؤمنين ويشهد إليه، فإن رأى أمير المؤمنين- طوّقنى الله بشكره، وأعاننى على تأدية حقه، وبلّغنى إلى ما فيه موافقة مرضاته، ومدّ لى فى أجله، أن يأمر لى بكتاب من رضاه وسلامة صدره، يؤمّننى به من سفك دمى، ويردّ ما شرد من نومى، ويطمئنّ به قلبى، فعل، فقد ورد علىّ أمر جليل خطبه، عظيم أمره، شديد علىّ كربه، أسأل الله أن لا يسخط أمير المؤمنين علىّ، وأن ينيله فى حزمه، وعزمه، وسياسته، وفراسته، ومواليه، وحشمه، وعمّاله، وصنائعه، ما يحمد به حسن رأيه، وبعد همته، إنه ولىّ أمير المؤمنين، والذابّ عن سلطانه، والصانع له فى أمره، والسلام».
(1) خوفا.
(2)
وفى صبح الأعشى «وقحمات نقماته» جمع قحمة بالضم وهى المهلكة.
(3)
تغمد فلانا وغمده بالتشديد: ستر ما كان منه.
(4)
مكبا: أى على التنقيب عن سيئاتى وارتقاب ما ينوبنى من الخطوب، من أكب عليه إذا أقبل ولزم.
(5)
الضب بالفتح وبكسر: الغيظ والحقد، وأضب: حمل الضب.
(6)
نوه فلان بفلان: إذا رفعه وطير به وقواه، ومنه قوله:
ونوهت لى ذكرى وما كان خاملا
…
ولكن بعض الذكر أنبه من بعض