الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقوم سوءا فلا مردّ له، وإن الوليد بن يزيد بدّل نعمة الله كفرا، فسفك الدماء:
فسفك الله دمه، وعجّله إلى النار، وولّى خلافته من هو خير منه، وأحسن هديا:
يزيد بن الوليد، وقد بايعه الناس، وولّى على العراق الحارث بن العباس بن الوليد، ووجّهنى العباس لآخذ يوسف وعمّاله، وقد نزل الأبيض ورائى على مرحلتين، فخذ يوسف وعماله، لا يفوتنّك منهم أحد، فاحبسهم قبلك، وإياك أن تخالف فيحلّ بك وبأهل بيتك مالا قبل لك به، فاختر لنفسك أودع».
وقيل إنه لمّا كان بعين التّمر كتب إلى من بالحيرة من قواد أهل الشأم يخبرهم بقتل الوليد ويأمرهم بأخذ يوسف وعماله، وبعث بالكتب كلها إلى سليمان بن سليم ابن كيسان، وأمره أن يفرّقها على القوّاد، فأمسكها سليمان ودخل على يوسف، فأقرأه كتاب منصور إليه، وسهّل له طريق الهرب فهرب إلى البلقاء، ثم قبض عليه وقتل (1) سنة 27 هـ. (تاريخ الطبرى 9: 28)
500 - كتاب يزيد إلى أهل العراق
ولما وجّه يزيد بن الوليد منصور بن جمهور إلى العراق كتب إلى أهل العراق كتابا فيه مساوى الوليد، فكان مما كتب به:
(1) لما هرب يوسف بن عمر سلك طريق السماوة حتى أتى البلقاء (وهى كورة بين الشام ووادى القرى) فاستخفى بها وكان أهله مقيمين فيها، ونمى خبره إلى يزيد بن الوليد، فوجه فى طلبه محمد بن سعيد الكلبى فى جماعة من الفرسان، فأحاطوا بداره بالبلقاء، وما زالوا يفتشون عنه فلا يجدونه، وكان يوسف قد لبس لبسة النساء، وجلس مع نسائه وبناته، ففتشهن فظفر به مع النساء، فجاء به فى وثاق، فحبسه يزيد مع الغلامين: الحكم وعثمان ابنى الوليد بن يزيد- وكان يزيد قد حبسهما عند قتله أباهما- فأقام يوسف فى السجن حتى مات يزيد (فى ذى الحجة سنة 126 هـ) وولى الخلافة أخوه إبراهيم بن الوليد (وكانت ولايته أربعة أشهر، وقيل سبعين يوما) ولبث يوسف فى السجن مدة ولاية إبراهيم، فلما ظهر أمر مروان ابن محمد والتقى عسكره وعسكر إبراهيم، هرب عسكر إبراهيم، وقدم مروان الشأم وقرب من دمشق، فخافت جماعة إبراهيم أن يدخل مروان دمشق فيخرج الحكم وعثمان ابنى الوليد من السجن، ويجعل لهما الأمر، فلا يستبقيا أحدا ممن أعان على قتل أببهما، فأجمع رأيهم على قتلهما، وتولى ذلك يزيد بن خالد بن عبد الله القسرى فبعث أبا الأسد مولى أبيه فى عدة من أصحابه، فدخلوا السجن، وشدخوا الغلامين بالعمد، وأخرجوا يوسف بن عمر فضربوا عنقه- انتقاما منه لخالد القسرى والد يزيد- ولما قتل أخذوا رأسه عن جسده، وشدوا فى رجليه حبلا، فجعل الصبيان يجرونه فى شوارع دمشق.
«إن الله اختار الإسلام دينا، وارتضاه وطهّره، وافترض فيه حقوقا أمر بها، ونهى عن أمور حرّمها، ابتلاء (1) لعباده فى طاعتهم ومعصيتهم، فأكمل فيه كلّ منقبة (2) خير، وجسيم فضل، ثم تولّاه فكان له حافظا، ولأهله المقيمين حدوده وليّا، يحوطهم ويعرّفهم بفضل الإسلام، فلم يكرم الله بالخلافة أحدا يأخذ بأمر الله وينتهى إليه، فيناوبه أحد بميثاق، أو يحاول (3) صرف ما حباه الله به، أو ينكث ناكث إلا كان كيده الأوهن، ومكره الأبور، حتى يتمّ الله ما أعطاه، ويدّخر له أجره ومثوبته، ويجعل عدوّه الأضلّ سبيلا، الأخسر عملا، فتناسخت (4) خلفاء الله ولاة دينه، قاضين فيه بحكمه، متّبعين فيه لكتابه، فكانت لهم بذلك من ولايته ونصرته ما تمّت به النعم عليهم، قد رضى الله بهم لها حتى توفّى هشام.
ثم أفضى الأمر إلى عدوّ الله الوليد، المنتهك للمحارم التى لا يأتى مثلها مسلم، ولا يقدم عليها كافر، تكرّما عن غشيان مثلها، فلما استفاض ذلك منه واستعلن، واشتدّ فيه البلاء، وسفك فيه الدماء، وأخذت الأموال بغير حقها مع أمور فاحشة لم يكن الله ليخلّى العاملين بها إلا قليلا، سرت إليه مع انتظار مراجعته، وإعذار إلى الله وإلى المسلمين، منكرا لعلمه وما اجترأ عليه من معاصى الله، متوخّيا من الله إتمام الذى نويت، من اعتدال عمود الدين والأخذ فى أهله بما هو رضا، حتى أتيت جندا وقد وغرن (5) صدورهم على عدو الله، لما رأوا من عمله، فإن عدوّ الله لم يكن يرى من شرائع الإسلام شيئا إلا أراد تبديله، والعمل فيه بغير ما أنزل الله، وكان ذلك منه شائعا شاملا، عريان لم يجعل الله فيه سترا، ولا أحد لأحد فيه شكّا، فذكرت لهم الذى نقمت وخفت، من فساء الدين والدنيا، وحضضتهم على تلافى دينهم
(1) أى اختبارا.
(2)
المنقبة المفخرة.
(3)
فى الأصل «أو بحلول» وهو تحريف، وحباه: أعطاه ومنحه.
(4)
أى تعاقبوا وتداولوا، تناسخت الأشياء: تداولت فكان بعضها مكان بعض.
(5)
وغر صدره: امتلأ غيظا.