الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
274 - بين الوليد وعمر بن عبد العزيز
وفى سنة 88 هـ بعث الوليد إلى عمر بن عبد العزيز- وكان عامله على المدينة- بكتاب يأمره بإدخال حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسجد رسول الله، وأن يشترى ما فى مؤخره ونواحيه حتى يكون مائتى ذراع فى مائتى ذراع، ويقول له:
فأقرأهم كتاب الوليد، فأجاب القوم إلى الثمن فأعطاهم إياه، وأخذ فى هدم بيوت أزواج النبى صلى الله عليه وسلم وبناء المسجد، فلم يمكث إلا يسيرا حتى قدم الفعلة، بعث بهم الوليد.
وفى هذه السنة أيضا كتب الوليد إلى عمر فى تسهيل الثّنايا (1) وحفر الآبار بالمدينة، وخرجت كتبه إلى البلدان بذلك، وكتب الوليد إلى خالد بن عبد الله القسرى بذلك- وكان على مكة-.
وكتب الوليد أيضا إلى عمر أن يعمل الفوّارة التى كانت عند دار يزيد بن عبد الملك، فعملها عمر وأجرى ماءها، فلما حج الوليد وقف عليها، فنظر إلى بيت الماء والفوارة فأعجبته، وأمر لها بقوّام يقومون عليها، وأن يسقى أهل المسجد منها ففعل ذلك.
(تاريخ الطبرى 8: 65، 66)
275 - كتب بين الحجاج والوليد وسليمان ابنى عبد الملك
ولم يجتزئ الحجاج بعزل يزيد بن المهلّب عن خراسان كما قدمنا، بل حبسه هو وإخوته، وأغرمهم ستة آلاف ألف وعذّبهم (2)، فأعملوا الحيلة فى الفرار من سجنه
(1) جمع ثنية، وهى الطريق فى الجبل.
(2)
وكان يزيد يصبر على عذابه صبرا حسنا، وكان الحجاج يغيظه ذلك، فقيل له: إنه رمى بنشابة
(سنة 90 هـ) ففزع الحجاج وذهب وهمه أنهم ذهبوا قبل خراسان، وكان يقول:
إنى لأظنه يحدّث نفسه بمثل الذى صنع ابن الأشعث، وكتب إلى الوليد: يخبره بهربهم وأنه لا يراهم أرادوا إلا خراسان، وبعث البريد إلى قتيبة بن مسلم يحذّره قدومهم، ويأمره أن يستعدّ لهم، وبعث إلى أمراء الثغور والكور أن يرصدوهم ويستعدوا لهم.
ومضى يزيد وإخوته حتى قدموا الشام، فلاذوا بسليمان بن عبد الملك متعوّذين به فأجارهم، فكتب الحجاج إلى الوليد:
فلما بلغ الوليد مكانه عند سليمان، هوّن عليه بعض ما كان فى نفسه، وطار غضبا للمال الذى ذهب به، وكتب إلى أخيه سليمان بذلك.
فكتب سليمان إلى الوليد:
«إن يزيد بن المهلّب عندى، وقد آمنته، وإنما عليه ثلاثة آلاف ألف، كان الحجاج أغرمهم ستة آلاف ألف، فأدّوا ثلاثة آلاف ألف، وبقى ثلاثة آلاف ألف، فهى علىّ.
أو كتب إليه:
«يا أمير المؤمنين: إنى ما أجرت يزيد بن المهلّب إلا لأنه هو وأبوه وإخوته من صنائعنا قديما وحديثا، ولم أجر عدوا لأمير المؤمنين، وقد كان الحجاج قصده وعذّبه وغرّمه أربعة آلاف ألف درهم ظلما، ثم طالبه بثلاثة آلاف ألف درهم، وقد سار إلىّ واستجار بى فأجرته، وأنا أغرم عنه هذه ثلاثة آلاف ألف الدرهم، فإن رأى أمير المؤمنين
- فثبت نصلها فى ساقه فهو لا يمسها شىء إلا صاح، فإن حركت أدنى شىء سمعت صوته، فأمر أن يعذب ويدهق ساقه (أى تغمز شديدا) فلما فعل ذلك به صاح، وأخته هند بنت المهلب عند الحجاج، فلما سمعت صياح يزيد صاحت وناحت فطلقها.
ألّا يخزينى فى ضيفى فليفعل، فإنه أهل الفضل والكرم».
فكتب إليه الوليد:
«لا والله، لا أومنه حتى تبعث به إلىّ فى وثاق (1)» .
فكتب إليه سليمان:
«ولئن أنا بعثت به إليك لأجيئنّ معه، فأنشدك الله (2) أن لا تفضحنى ولا تخفرنى (3)» .
فكتب إليه الوليد: والله لئن جئتنى لا أومنه».
فقال يزيد: ابعثنى إليه، فو الله ما أحب أن أوقع بينك وبينه عداوة وحربا، ابعث إليه بى وأرسل معى ابنك، واكتب إليه بألطف ما قدرت عليه.
فأحضر سليمان ابنه أيوب فقيّده ودعا يزيد بن المهلّب فقيّده، ثم شد قيد هذا إلى قيد هذا بسلسلة وغلّهما جميعا بغلّين، وأرسلهما إلى أخيه الوليد، فدخلا عليه، فلما رأى الوليد ابن أخيه فى سلسلة أطرق استحياء، وقال: لقد أسأنا إلى أبى أيوب إذ بلغنا به هذا المبلغ، ودفع الغلام كتاب أبيه إلى عمه، وقال: يا أمير المؤمنين، نفسى فداؤك، لا تخفر ذمة أبى وأنت أحقّ من منعها، ولا تقطع منا رجاء من رجا السلامة فى جوارنا لمكاننا منك، ولا تذلّ من رجا العز فى الانقطاع إلينا لعزّنا بك». وكان فى الكتاب:
«لعبد الله الوليد أمير المؤمنين من سليمان بن عبد الملك، أما بعد: يا أمير المؤمنين، فو الله إن كنت لأظنّ- لو استجار بى عدو قد نابذك (4) وجاهدك فأنزلته وأجرته- أنك لا تذلّ جارى ولا تخفر جوارى، بل لم أجر إلا سامعا مطيعا حسن البلاء والأثر فى الإسلام هو وأبوه وأهل بيته، وقد بعثت به إليك، فإن كنت إنما
(1) الوثاق بالفتح ويكسر: ما يشد به.
(2)
أى أسألك بالله.
(3)
أخفره وخفر به كضرب: نقض عهده.
(4)
نابذه: خالفه وعصاه، ونابذه الحرب كاشفه إياها وجاهره بها.
تغزو (1) قطيعتى، والإخفار لذمتى، والإبلاغ فى مساءتى، فقد قدرت إن أنت فعلت، وأنا أعيذك بالله من احتراد (2) قطيعتى، وانتهاك حرمتى، وترك برّى وصلتى، فو الله يا أمير المؤمنين ما تدرى ما بقائى وبقاؤك، ولا متى يفرّق الموت بينى وبينك، فإن استطاع أمير المؤمنين- أدام الله سروره- أن لا يأتى علينا أجل الوفاة إلا وهو لى واصل، ولحقّى مؤدّ، وعن مساءتى نازع (3)، فليفعل، والله يا أمير المؤمنين ما أصبحت بشىء من أمر الدنيا- بعد تقوى الله فيها- بأسرّ منى برضاك وسرورك، وإن رضاك مما ألتمس به رضوان الله، فإن كنت يا أمير المؤمنين تريد يوما من الدهر مسرّتى وصلتى وكرامتى وإعظام حقى، فتجاوز لى عن يزيد، وكلّ ما طلبته به فهو علىّ».
فلما قرأ كتابه قال: لقد شققنا (4) على سليمان، ثم دعا ابن أخيه فأدناه منه، وتكلم يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين، إن بلاءكم عندنا أحسن البلاء، فمن ينس ذلك فلسنا ناسيه، ومن يكفر فلسنا كافريه، وقد كان من بلائنا أهل البيت فى طاعتكم، والطعن فى أعين أعدائكم، فى المواطن العظام فى المشارق والمغارب، ما إنّ المنّة علينا فيها عظيمة». فقال له: اجلس فجلس، فآمنه وكف عنه، ورجع إلى سليمان، وسعى إخوته فى المال الذى عليه.
(1) تقصد.
(2)
الاحتراد افتعال من الحرد (بالفتح) وهو القصد، حرد كضرب: قصد- ولم تذكر كتب اللغة المزيد- وفى وفيات الأعيان «اختيار» .
(3)
أى كاف.
(4)
شق عليه: أوقعه فى المشقة، وفى قوله تعالى:(وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ).