الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فدعا عبد الرحمن الناس إليه، فقال لهم: قد كان من رأيى فيما بينكم وبين عدوّكم رأى استشرت فيه ذوى أحلامكم وأولى التجربة للحرب منكم، فرضوه لكم رأيا، ورأوه لكم فى العاجل والآجل صلاحا، وقد كتبت إلى أميركم الحجاج، فجاءنى منه كتاب يعجّزنى، ويضعّفنى، ويأمرنى بتعجيل الوغول بكم فى أرض العدو، وهى البلاد التى هلك إخوانكم فيها بالأمس، وإنما أنا رجل منكم أمضى إذا مضيتم، وآبى إذا أبيتم». فثار إليه الناس، فقالوا: لا، بل نأبى على عدو الله، ولا نسمع له، ولا نطيع، وقام خطباؤهم فسفّهوا رأى الحجاج، ونادوا بخلعه، ومبايعة عبد الرحمن، فأجابهم الناس، ووثبوا إلى عبد الرحمن فبايعوه على النّصرة له، والجهاد معه حتى ينفى الحجاج من أرض العراق، وبعث عبد الرحمن إلى رتبيل فصالحه على أن ابن الأشعث إن ظهر فلا خراج عليه أبدا ما بقى، وإن هزم فأراده ألجأه عنده، وخرج من سجستان مقبلا إلى العراق، فلما دخل الناس فارس اجتمع بعضهم إلى بعض، فقالوا: إنا إذا خلعنا الحجاج عامل عبد الملك فقد خلعنا عبد الملك، فخلعوه إلا قليل منهم، ووثبوا إلى عبد الرحمن فبايعوه على كتاب الله وسنة نبيه، وخلع أئمة الضلالة، وجهاد المحلّين. (تاريخ الطبرى 8: 8)
230 - كتب بين ابن الأشعث والحجاج وصاحب اليمن وعبد الملك
قال الطبرى:
فلما بلغ الحجاج خلعه، كتب إلى عبد الملك يخبره خبر عبد الرحمن ويسأله أن يعجّل بعثة الجنود إليه، وبعث كتابه (أى كتاب عبد الرحمن) إلى عبد الملك يتمثّل فى آخره بهذه الأبيات- وهى للحارث بن وعلة (الجرمىّ) -:
سائل مجاور حرم هل جنيت لهم
…
حربا نفرّق بين الجيرة الخلط (1)
وهل سموت بجرّار له لجب
…
جمّ الصّواهل بين الجمّ والفرط (2)
وهل تركت نساء الحىّ ضاحية
…
فى ساحة الدار يستوقدن بالغبط (3)
وقال أبو العباس المبرّد فى الكامل:
وكتب صاحب اليمن إلى عبد الملك بن مروان فى وقت محاربته ابن الأشعث:
«إنى قد وجّهت إلى أمير المؤمنين بجارية اشتريتها بمال عظيم، ولم ير مثلها قطّ» .
فلما دخل بها عليه رأى وجها جميلا، وخلقا نبيلا، فألقى إليها قضيبا كان فى يده فنكست لتأخذه، فرأى منها جسما بهره، فلما همّ بها أعلمه الآذن أن رسول الحجاج بالباب فأذن له، ونحّى الجارية، فأعطاه كتابا من عبد الرحمن فيه سطور أربعة بقول فيها:
سائل مجاور جرم هل جنيت لها
…
حربا تزيّل بين الجيرة الخلط (4)
وهل سموت بجرّار له لجب
…
جمّ الصواهل بين الجمّ والفرط
وهل تركت نساء الحىّ ضاحية
…
فى ساحة الدار يستوقدن بالغبط
وتحتها (بيت آخر على غير الروىّ من الأبيات الأول، وهو: )
قتل الملوك، وصار تحت لوائه
…
شجر العرا وعراعر الأقوام (5)
(1) جرم: بطنان، بطن فى قضاعة، والآخر فى طيء. والخلط جمع خليط، وهو الشريك والقوم الذين أمرهم واحد، والمخالط.
(2)
بجرار: أى بجيش جرار: واللجب: الجلبة والصياح، جم الصواهل: أى جم الخيول الصواهل أى كثيرها. الجم والفرط: موضعان.
(3)
ضاحية: بارزة للشمس، وربما كان «صاخبة» والغبط جمع غبيط: والغبيط: الرحل وهو للنساء يشد عليه الهودج وقوله: فى ساحة الدار يستوقدن بالغبط، قال المبرد: يقال فيه قولان متقاربان:
أحدهما أنهن قد يئس من الرحيل فجعلن مراكبهن حطبا. هذا قول الأصمعى، وقال غيره: بل قد منعهن الخوف من الاحتطاب.
(4)
تزيل: تفرق.
(5)
العرا بضم العين مقصورا: نبت، والعراء بفتح العين ممدودا: وجه الأرض، وعراعر الأقوام رءوسهم، جمع عرعرة بضم العينين، وعرعرة كل شىء أعلاه، والبيت لمهلهل.