الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
422 - رد سالم على كتاب عمر
فأجابه سالم:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من سالم بن عبد الله بن عمر إلى عبد الله عمر أمير المؤمنين:
«سلام عليك، فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو، أما بعد: فإن الله عز وجل خلق الدنيا لما أراد أن يخلقها له، فجعل لها مدة قصيرة، كأنّ ما بين أولها وآخرها ساعة من نهار، ثم قضى عليها وعلى أهلها الفناء، فقال: «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» لا يقدر أهلها منها يا عمر على شىء حتى تفارقهم ويفارقوها، بعث بذلك رسوله، وأنزل كتابه، ضرب فى ذلك الأمثال، وضرب فيه الوعيد، جعل دينه فى الأولين والآخرين دينا واحدا فلم يختلف رسله، ولم يبدّل قوله، ثم إنك يا عمر لست تعدو أن تكون رجلا من بنى آدم، يكفيك ما يكفى رجلا منهم، من الطعام والشّراب، فاجعل فضل ذلك فيما بينك وبين الربّ الذى توجّه إليه شكر النعم، فإنك قد وليت أمرا عظيما، ليس يلى عليك أحد دون الله عز وجل، إن استطعت أن لا تخسر نفسك وأهلك يوم القيامة فافعل، فإنه قد كان قبلك رجال عملوا ما عملوا وأحيوا ما أحيوا من الباطل، وأماتوا ما أماتوا من الحق، حتى ولد فى ذلك رجال ونشئوا فيه، وظنوا أنها السّنّة، فسدّوا على الناس أبواب الرّخاء، فلم يسدّوا منها بابا إلا فتح الله عليهم باب بلاء، فإن استطعت- ولا قوة إلا بالله- أن تفتح على الناس أبواب الرخاء فافعل، فإنك لن تفتح منها بابا إلا سدّ الله الكريم عنك باب بلاء، ولا يمنعك من نزع عامل أن تقول لا أجد من يكفينى عمله، فإنك إذا كنت تنزع لله، وتستعمل لله، أتاح الله لك أعوانا، فأتاك بهم، وإنما
قدر عون الله إياك بقدر نيتك، فإن تمّت نيّتك تمّ عون الله الكريم، إياك، وإن قصرت نيتك قصر من الله العون بحسب ذلك.
فإن استطعت أن تأتى الله يوم القيامة لا يتبعك أحد بظلم، ويجىء من كان قبلك وهم غابطون لك بقلة أتباعك، وأنت غير غابط لهم بكثرة أتباعهم، فافعل، ولا قوة إلا بالله، فإنهم قد عاينوا هول المطلع، وعالجوا نزع الموت الذى كانوا منه يفرّون، فانشقّت بطونهم التى كانوا لا يشبعون بها، وانفقأت أعينهم التى كانت لا تنقطع لذّتها، واندقّت رقابهم فى التراب غير موسّدين، بعد ما تعلم من تظاهر (1) الفرش والمرافق والسّرر والخدم، فصاروا جيفا فى بطون الأراضى تحت مهادها، والله لو كانوا إلى جانب مسكين لتأذّى بريحهم بعد إنفاق مالا يحصى عليهم وعلى خواصّهم من الطّيب، كل ذلك إسرافا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ما أعظم الذى ابتليت به، وأفظع الذى سيق إليك من أمر هذه الأمة! أهل العراق: وأهل العراق يكونوا من صدرك بمنزلة من لا فقر بك إليه، ولا غنى بك عنه، أهل العراق أبرهم منك منزلة من لا فقر بك إليه ولا غنى بك عنه فمن بعثت من عملك إلى العراق، فانهه نهيا شديدا شبيها بالعقوبة عن أخذ الأموال وسفك الدماء إلا بحقّها، المال المال يا عمر، الدم الدم يا عمر، فإنه لا نجاة لك من هول جهنّم من عامل بلغك ظلمه ثم لم تغيّره، وانه من بعثت من عمالك أن يعملوا بمعصية، أو أن يحكموا بشبهة، أو أن يحتكروا على المسلمين بيعا، فإنك إن اجترأت على ذلك أتى بك يوم القيامة ذليلا صغيرا، وإن تجنبت عنه عرفت راحته فى سمعك وبصرك وقلبك. ثم إنك كتبت إلىّ تسألنى أن أبعث إليك بكتب عمر وبقضائه فى أهل القبلة، وفى أهل العهد، وإن عمر رضى الله عنه عمل فى غير زمانك، وعمل بغير رجالك، وإنك إن عملت فى زمانك على النحو الذى عمل عمر بن الخطاب فى زمانه بعد الذى
(1) يقال: ظاهر بين ثوبين، إذا طابق بينهما ولبس أحدهما على الآخر، وكأنه من التظاهر وهو التعاون والتساعد.