الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
306 - عهد سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز بالخلافة
وعهد سليمان بن عبد الملك بالخلافة من بعده إلى عمر بن عبد العزيز، ثم إلى يزيد ابن عبد الملك، وكتب بذلك كتابا بيده، وهذا نصه:
(سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزى ص 48، وتاريخ الطبرى 8: 129)
صورة أخرى
وروى ابن قتيبة هذا العهد بصورة أخرى، وهى:
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به عبد الله سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، عهد أنه يشهد لله عز وجل بالرّبوبيّة والوحدانية، وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، بعثه إلى محسنى عباده بشيرا، وإلى مذنبيهم
(1) هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى، ولى المدينة من سنة 96 إلى سنة 100 فى خلافة سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز- انظر تاريخ الطبرى الجزء الثامن، حوادث السنين من 96 إلى 100، وصبح الأعشى ج 4: ص 296 - .
(2)
أنجح الرجل: صار ذا نجح بالضم.
(3)
أى ذو راحة.
نذيرا، وأن الجنة والنار مخلوقتان حقّا، خلق الجنة رحمة لمن أطاعه، والنار عذابا لمن عصاه، وأوجب العفو جودا وكرما لمن عفا عنه، وأنّ سليمان مقرّ على نفسه بما يعلم الله من ذنوبه، وبما تعلمه نفسه من معصية ربه، موجبا على نفسه استحقاق ما خلق من النقمة، راجيا لنفسه ما خلق من الرحمة، ووعد من العفو والمغفرة، وأن المقادير كلّها خبرها وشرّها من الله (1). وأنه هو الهادى، لم يستطع أحد لمن خلق الله لرحمته غواية، ولا لمن خلق لعذابه هداية، وأن الفتنة فى القبور بالسؤال عن دينه ونبيه الذى أرسل إلى أمّته، لا منجى لمن خرج من الدنيا إلى الآخرة من هذه المسألة إلا لمن استثناه عز وجل فى علمه. وسليمان يسأل الله الكريم بواسع فضله، وعظيم منّه، الثبات على الحق عند تلك المسألة، والنجاة من هول تلك الفتنة (2)، وأنّ الميزان حق يقين، يضع الموازين القسط (3) ليوم القيامة، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفّت موازينه فأولئك هم الخاسرون، وأنّ حوض محمد صلى الله عليه وسلم يوم المحشر والموقف للعرض حق، وأن عدد آنيته (4) كنجوم السماء، من شرب منه لم يظمأ أبدا، وسليمان يسأل الله بواسع رحمته أن لا يردّه عن حوض نبيه عطشان، وأن أبا بكر وعمر خير هذه الأمة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، والله يعلم بعدهما حيث الخير وفيمن الخير من هذه الأمة، وأن هذه الشهادة كلّها المذكورة فى عهده هذا، يعلمها الله من سرّه وإعلانه وعقد ضميره، وأنه بها عبد ربّه فى سالف أيامه وماضى عمره، وعليها أتاه يقين ربه، وتوفّاه أجله، وعليها يبعث بعد الموت إن شاء الله، وأن سليمان كانت له بين هذه الشهادة
(1) وفى صبح الأعشى: «وأن المقادير كلها خيرها وشرها مقدورة بإرادته، مكونة بتكوينه، وأنه الهادى، فلا مغوى ولا مضل لمن هداه وخلقه لرحمته، وأنه يفتن الميت فى قبره
…
».
(2)
وفى صبح الأعشى: «الثبات على ما أسر وأعلن من معرفة حقه وحق نبيه عند مسألة رسله والنجاة من هول فتنة فتانيه، ويشهد أن الميزان يوم القيامة حق يقين، يزن سيئات المسيئين، وحسنات المحسنين، ليرى عبادة من عظيم قدرته ما أراده من الخير لعباده بما لم يكونوا يحتسبون، وأن من ثقلت موازينه
…
».
(3)
القسط: العدل، مصدر وصف به للمبالغة.
(4)
الآنية والأوانى: جمع إناء.
بلايا وسيئات لم يكن له عنها محيص (1) ولا دونها مقصّر بالقدر السابق، والعلم النافذ فى محكم الوحى، فإن يعف ويصفح فذلك ما عرف منه قديما، ونسب إليه حديثا، وتلك صفته التى وصف بها نفسه فى كتابه الصادق، وكلامه الناطق، وإن يعاقب وينتقم، فبما قدّمت يداه، وما الله بظلّام للعبيد، وأنى أحرّج (2) على من قرأ عهدى هذا وسمع ما فيه من حكمة أن ينتهى إليه فى أمره ونهيه، بالله العظيم، وبمحمد رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم، وأن يدع الإحن المضغنة (3) ويأخذ بالمكارم المدجنه (4) ويرفع يديه إلى السماء بالابتهال الصحيح، والدعاء الصّريح (5)، يسأله العفو عنى والمغفرة لى والنجاة من فزعى والمسألة فى قبرى، نملّ الودود أن يجعل منكم مجاب الدعوة بما علىّ من صفحه يعود، إن شاء الله.
وأن ولىّ عهدى فيكم وصاحب أمرى بعد موتى فى جندى ورعيتى وخاصّتى وعامّتى وكلّ من استخلفنى الله عليه واسترعانى النظر فيه الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز ابن عمى لما بلوت من باطن أمره وظاهره، ورجوت الله بذلك، وأردت رضاه ورحمته إن شاء الله، ثم ليزيد بن عبد الملك من بعده، فإنى ما رأيت منه إلا خيرا، ولا اطّلعت له على مكروه، وصغار ولدى وكبارهم إلى عمر، إذ رجوت ألّا يألوهم رشدا وصلاحا، والله خليفتى عليهم، وعلى جماعة المؤمنين والمسلمين، وهو أرحم الراحمين، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله، ومن أبى عهدى هذا وخالف أمرى فالسيف، ورجوت أن لا يخالفه أحد، ومن خالفه فهو ضالّ مضلّ يستعتب (6)، فإن أعتب وإلّا فالسيف، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله القديم الإحسان».
(الإمامة والسياسة 2: 80، وصبح الأعشى 9: 360)
(1) فى صبح الأعشى: «لم يكن له عنها محيد ولا بد، جرى بها المقدور من الرب، النافذ إلى إتمام ما حد، فإن يعف
…
».
(2)
التحريج: التضييق.
(3)
الإحن: جمع إحنة، وهى الحقد والمضغنة: المسببة للضغينة.
(4)
المدجنة: أى الثابتة الملازمة، من أدجن إذا أقام فى بيته ولزمه.
(5)
وفى صبح الأعشى: «ويرفع يديه إلى الله بالضمير النصوح، والدعاء الصحيح. والصفح الصريح
…
».
(6)
أى تطلب إليه العتبى (كحبلى) وهى الرجوع عن الذنب والإساءة، وأعتبنى فلان: ترك ما كنت أجد عليه من أجله، ورجع إلى ما أرضانى عنه بعد إسخاطه إياى عليه.