الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث الرّسائل فى العصر الأموى
خلافة الحسن ومعاوية
1 - كتاب عبد الله بن عباس إلى الحسن بن علىّ رضى الله عنهما
كتب عبد الله بن عباس إلى الحسن بن على رضى الله عنهما إذ ولّاه الناس أمرهم بعد الإمام على كرم الله وجهه فى رمضان سنة 40 هـ.
«أما بعد، فإن المسلمين ولّوك أمرهم بعد علىّ عليه السلام، فشمّر للحرب (1)، وجاهد عدوّك، وقارب أصحابك، واستر من الظنين ذنبه بما لا يثلم دينك (2)، وولّ (3) أهل البيوتات والشرف، تستصلح بهم عشائرهم، حتى يكون الناس جماعة،
(1) وفى رواية: «إن الناس قد ولوك أمرهم بعد على فاشدد عن يمينك
…
».
(2)
الظنين: المتهم، من ظننته إذا اتهمته فهو فعيل بمعنى مفعول، ويثلم: يعيب وينقص، وأصله من ثلم الإناء إذا كسر حرفه وبابه ضرب وفرح» ويروى «واشتر من الضنين دينه بما لا يثلم دينك» والضنين البخيل
(3)
وفى رواية «واستعمل» وفى أخرى «ووال» .
فإن بعض ما يكره الناس- ما لم يتعدّ الحقّ، وكانت عواقبه تؤدى إلى ظهور العدل، وعزّ الدين- خير من كثير مما يحبه الناس، إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور، وذلّ المؤمنين، وعزّ الفاجرين، واقتد بما جاء عن أئمة العدل، فقد جاء عنهم:
«إنه لا يصلح الكذب إلا فى حرب أو إصلاح بين الناس، فإن الحرب خدعة (1)» ولك فى ذلك سعة، إذا كنت محاربا، ما لم تبطل حقّا.
واعلم أن عليّا أباك إنما رغّب الناس عنه إلى معاوية أنه آسى (2) بينهم فى الفىء، وسوّى بينهم فى العطاء، فثقل عليهم. واعلم أنك تحارب من حارب الله ورسوله فى ابتداء الإسلام، حتى ظهر أمر الله، فلما وحّد الربّ، ومحق الشّرك، وعزّ الدين، أظهروا الإيمان، وقرءوا القرآن مستهزئين بآياته، وقاموا إلى الصلاة وهم كسالى، وأدّوا الفرائض وهم لها كارهون، فلما رأوا أنه لا يعزّ فى الدين إلا الأتقياء الأبرار، توسّموا بسيمى الصالحين، ليظن المسلمون بهم خيرا، فما زالوا بذلك حتى شركوهم فى أماناتهم، وقالوا حسابهم على الله، فإن كانوا صادقين فإخواننا فى الدين، وإن كانوا كاذبين كانوا بما اقترفوا هم الأخسرين، وقد منيت بأولئك وبأبنائهم وأشباههم، والله ما زادهم طول العمر إلا غيّا، ولا زادهم ذلك لأهل الدين إلا مقتا، فجاهدهم ولا ترض دنيّة، ولا تقبل خسفا (3)، فإن عليّا لم يجب إلى الحكومة حتى غلب على أمره فأجاب، وإنهم يعلمون أنه أولى بالأمر إن حكموا بالعدل، فلما حكموا بالهوى رجع إلى ما كان عليه حتى أتى عليه أجله، ولا تخرجنّ من حقّ أنت أولى به، حتى يحول الموت دون ذلك، والسلام».
(شرح ابن أبى الحديد م 4 ص: 8، والعقد الفريد 1: 9، 2: 244)
(1) الحرب خدعة مثلثة الخاء، وبضمها مع فتح الدال أى تنقضى بخدعة.
(2)
آسى بينهم: أى سوى.
(3)
ذلا.