الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما أرادوا من إفساده، فاليوم فليتعجب المتعجّب من توثّبك يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل فى الدين معروف، ولا أثر فى الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله ولكتابه، والله حسيبك، فستردّ وتعلم لمن عقبى الدار، وبالله لتلقينّ عن قليل ربّك، ثم ليجزينّك بما قدّمت يداك، وما الله بظلام للعبيد.
إن عليّا لما مضى لسبيله- رحمة الله عليه يوم قبض، ويوم منّ الله عليه بالإسلام، ويوم يبعث حيا- ولّانى المسلمون الأمر بعده، فأسأل الله أن لا يؤتينا فى الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به فى الآخرة مما عنده من كرامة، وإنما حملنى على الكتاب إليك الإعذار فيما بينى وبين الله عز وجل فى أمرك ولك فى ذلك إن فعلته الحظّ الجسيم، والصلاح للمسلمين، فدع التمادى فى الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتى، فإنك تعلم أنى أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أوّاب (1) حفيظ ومن له قلب منيب، واتق الله ودع البغى واحقن دماء المسلمين، فو الله مالك خير فى أن تلقى الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به، وادخل فى السّلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله، ومن هو أحق به منك، ليطفئ الله النائرة (2) بذلك، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلا التمادى فى غيك، سرت إليك بالمسلمين، فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين». (شرح ابن أبى الحديد م 4: ص 12)
صورة أخرى لرد معاوية على الحسن
وروى أيضا: رد معاوية على الحسن بصورة أخرى وهى:
فكتب معاوية إليه:
من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسن بن على: سلام عليك فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو، أما بعد: فقد بلغنى كتابك، وفهمت ما ذكرت به
(1) آب إلى الله تعالى: رجع عن ذنبه وتاب، فهو أواب، مبالغة.
(2)
النائرة: العداوة والشحناء.
محمدا رسول الله من الفضل، وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل كلّه، قديمه وحديثه، وصغيره وكبيره، وقد والله بلّغ وأدّى، ونصح وهدى، حتى أنقذ الله به من الهلكة، وأنار به من العمى، وهدى به من الجهالة والضّلالة، فجزاه الله أفضل ما جزى نبيّا عن أمته، وصلوات الله عليه يوم ولد، ويوم بعث، ويوم قبض، ويوم يبعث حيا، وذكرت وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، وتنازع المسلمين الأمر بعده، وتغلّبهم على أبيك، فصرّحت بتهمة أبى بكر الصديق، وعمر الفاروق، وأبى عبيدة الأمين، وحوارىّ (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلحاء المهاجرين والأنصار، فكرهت ذلك لك، إنك امرؤ عندنا وعند الناس غير الظّنين ولا المسئ ولا اللئيم، وأنا أحب لك القول السديد، والذكر الجميل.
إن هذه الأمة لما اختلفت بينها، لم تجهل فضلكم ولا سابقتكم ولا قرابتكم من نبيكم، ولا مكانكم فى الإسلام وأهله، فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها، ورأى صلحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس وعوامّهم أن يولّوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاما، وأعلمها بالله، وأحبّها له، وأقواها على أمر الله، فاختاروا أبا بكر، وكان ذلك رأى ذوى الدين والفضل والناظرين للأمة، فأوقع ذلك فى صدوركم لهم التّهمة، ولم يكونوا متّهمين، ولا فيما أتوا بالمخطئين، ولو رأى المسلمون أن فيكم من يغنى غناءه (2). ويقوم مقامه، ويذبّ عن حريم الإسلام ذبّه، ما عدلوا بالأمر إلى غيره رغبة عنه، ولكنهم عملوا فى ذلك بما رأوه صلاحا للإسلام وأهله، والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خيرا.
وقد فهمت الذى دعوتنى إليه من الصلح، والحال فيما بينى وبينك اليوم مثل الحال التى كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، فلو علمت أنك أضبط منى للرعية، وأحوط على هذه الأمة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال،
(1) هو الزبير بن العوام، والحوارى: الناصر أو ناصر الأنبياء.
(2)
الغناء: النفع، وأغنى غناءه: أجزأ عنه وقام مقامه.