الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وينكشف عنك المرد، فإن شئت فسر، وإن شئت فقرّ، ولا أرى الإقامة لك إلا ريث أن يأتيك ما أوعدك [فإنى وإياك كالزجاجة والحجر: إن وقع عليها رضّها، وإن وقعت عليه فضّها (1)] فاتمر أمرك، فإنك غير مكذّب، ولا ناكص (2)، والسلام». (اختيار المنظوم والمنثور 13: 420، ونثر الدرر 3: 256)
505 - رسالة عبد الحميد بن يحيى الكاتب عن مروان إلى ابنه عبد الله بن مروان
وكتب عبد الحميد بن يحيى الكاتب عن مروان بن محمد إلى ابنه عبد الله بن مروان، حين وجّهه لمحاربة الضحّاك بن قيس الشّيبانى الخارجى (3):
«أما بعد، فإن أمير المؤمنين- عند ما اعتزم عليه، من توجيهك إلى عدوّ الله الجلف الجافى الأعرابى المتسكّع (4) فى حيرة الجهالة، وظلم الفتنة، ومهاوى الهلكة، ورعاعه الذين عاثوا (5) فى أرض الله فسادا، وانتهكوا حرمة الإسلام استخفافا، وبدّلوا نعم الله كفرا، واستحلّوا دماء أهل سلمه جهلا- أحبّ أن يعهد إليك فى لطائف (6) أمورك، وعوامّ شئونك، ودخائل أحوالك، ومصطرف (7) تنقّلك، عهد يحمّلك فيه أدبه، ويشرع لك به عظته، وإن كنت- والحمد لله- من دين الله وخلافته
(1) لم يرد فى نثر الدرر من هذه الرسالة إلا ما بين القوسين.
(2)
نكص عن الأمر: أحجم ورجع.
(3)
خرج الضحاك سنة 127 هـ وغلب على الكوفة-، ثم استولى على الموصل وكورها سنة 128 هـ، وبلغ مروان خبره وهو محاصر حمص مشتغل بقتال أهلها، فكتب إلى ابنه عبد الله وهو خليفته بالجزيرة، يأمره أن يسير فيمن معه إلى نصيبين ليشغل الضحاك عن توسط الجزيرة، فشخص عبد الله إلى نصيبين وهو فى نحو من سبعة آلاف أو ثمانية، وسار إليه الضحاك من الموصل فقاتله، فلم يكن لعبد الله قوة لكثرة من مع الضحاك، إذ قيل إنه كان فى عشرين ومائة ألف، ثم إن مروان سار إليه فالتقيا بأرض كفرتوثا من أعمال ماردين فقاتله، وأحدقت بهم خيول مروان فألحوا عليهم حتى قتلوهم، وبعث مروان برأس الضحاك إلى مدائن الجزيرة فطيف به فيها- انظر تاريخ الطبرى 9:76.
(4)
تسكع: مشى مشيا متعسفا، وتمادى فى الباطل.
(5)
أفسدوا.
(6)
جمع لطيف وهو الدقيق، لطف ككرم صغر ودق.
(7)
اصطرف، تصرف فى طلب الكسب. وفى المنظوم والمنثور «ومضطرب» من اضطرب: أى تحرك وهو افتعل من ضرب فى الأرض: إذا خرج تاجرا أو غازيا، أو سار فيها فى ابتغاء الرزق.
بحيث اصطنعك (1) الله لولاية العهد، مختصّا لك بذلك دون لحمتك (2) وبنى أبيك.
ولولا ما أمر الله تعالى به دالّا عليه، وتقدّمت فيه الحكماء آمرين به: من تقديم العظة، والتذكير لأهل المعرفة، وإن كانوا أولى سابقة فى الفضل، وخصّيصاء فى العلم (3) لاعتمد أمير المؤمنين منك على اصطناع الله إياك، وتفضيله لك بما رآك أهله فى محلّك من أمير المؤمنين، وسبقك إلى رغائب أخلاقه، وانتزاعك محمود شيمه، واستيلائك على مشابه تدبيره.
ولو كان المؤدّبون أخذوا العلم من عند أنفسهم، ولقّنوه إلهاما من تلقائهم، ولم يتعلّموا شيئا من عند غيرهم، لنحلناهم (4) علم الغيب، ووضعناهم بمنزلة خالقهم (5) المستأثر بعلم الغيب عنهم بوحدانيته وفردانيته فى إلهيّته، احتجابا منهم لتعقّب فى حكمه، وتثبّت فى سلطانه، وتنفيذ إرادته على سابق مشيئته، ولكنّ العالم الموفّق للخير، المخصوص بالفضل، المحبوّ بمزية العلم وصفوته، أدركه معانا عليه بلطف بحثه، وإذلال كنفه، وصحّة فهمه، وهجر سآمته.
وقد تقدّم أمير المؤمنين إليك، آخذا بالحجّة عليك، مؤدّيا حقّ الله الواجب عليه فى إرشادك، وقضاء حقك، وما ينظر به الوالد المعنىّ الشفيق لولده، وأمير المؤمنين يرجو أن ينزّهك الله عن كل قبيح يهشّ (6) له طمع، وأن يعصمك من كل مكروه حاق بأحد، وأن يحصّنك من كل آفة استولت على امرئ فى دين أو خلق، وأن يبلّغه
(1) أى اختارك.
(2)
اللحمة: القرابة.
(3)
فى المنظوم والمنثور (بعد إصلاح ما فيه): «ولولا ما أمر الله به دالا عليه بتقدمة المعرفة لمن كانوا أولى سابقة فى الدين وخصيصى فى العلم» وخصه بالشىء خصا (بالفتح) وخصوصا وخصوصية (بالفتح والضم) وخصيصى (بالكسر والقصر ويمد) وخصية (بالفتح والتشديد) وتخصة: فضله.
(4)
أى لنسبنا إليهم.
(5)
فى صبح الأعشى: «ووضعناهم بمنزلة قصر بها عنهم خالقهم المستأثر بعلم الغيب عنهم بوحدانيته فى فردانيته وسابق لا هوتيته» .
(6)
هش (من بابى تعب وضرب) هشاشة وهشاشا: إذا خف إليه وارتاح له ونشط، وهو به هش بش، والطمع: الطامع.
فيك أحسن ما لم يزل يعوّده ويريه من آثار نعمة الله عليك، سامية بك إلى ذروه الشرف، متبحبجة (1) بك بسطة الكرم، لائحة بك فى أزهر معالى الأدب، مورثة لك أنفس ذخائر العزّ، والله يستخلف عليك أمير المؤمنين، ويسأل حياطتك، وأن يعصمك من زيغ الهوى، ويحضرك داعى التوفيق، معانا على الإرشاد فيه، فإنه لا يعين على الخير، ولا يوفّق له إلا هو.
اعلم أنّ للحكمة مسالك تفضى مضايق أوائلها- بمن أمّها سالكا، وركب أخطارها (2) قاصدا إلى سعة عاقبتها، وأمن سرحها (3)، وشرف عزها، وأنها لا تعار بسخف الخفّة، ولا تنشأ بتفريط الغفلة، ولا يتعدّى فيها بامرئ حدّه (4)، وربما أظهرت بسطة الغى مستور العيب، وقد تلقّتك أخلاق الحكمة من كل جهة بفضلها، من غير تعب البحث فى طلبها، ولا تطاول لمنال ذروتها (5)، بل تأثلت (6) منها أكرم نبعاتها، واستخلصت منها أعتق (7) جواهرها، ثم سموت (8) إلى لباب مصاصها، وأحرزت منفس (9) ذخائرها، فاقتعد (10) ما أحرزت، ونافس فيما أصبت.
(1) تبحبح: تمكن فى المقام والحلول، وتبحبح الدار: توسطها. وفى المنظوم والمنثور «ومنجحة لك بسطة الكرم» .
(2)
فى المنظوم والمنثور: «وركب أخبارها» .
(3)
السرح: فناء الدار.
(4)
وفى المنظوم والمنثور: «وأنها لا تعاف سخف الخفة، ولا تسى بتفريط الغفلة، ولا يتعدى فيها بأمن حد وهو تحريف» .
(5)
فى المنظوم والمنثور «ولا متطاول المنال لذروتها» وفى صبح الأعشى «ولا متطاول لمناولة ذروتها» وقد ضبط «متطاول» بكسر الواو بصيغة اسم الفاعل، والأنسب أن يكون بفتح الواو على أنه مصدر ميمى، لعطفه على مصدر وهو «تعب» وربما كان الأصل «ولا تطاول» بصيغة المصدر كما أوردته.
(6)
تأثل المال: اكتسبه. والنبع: شجر تتخذ منه القسى، وتتخذ من أغصانه السهام، الواحدة نبعة. وفى المنظوم والمنثور «أكرم معانيها» .
(7)
من العتق بالكسر، وهو الكرم والجمال.
(8)
فى المنظوم والمنثور «ثم شمرت» ، ولباب كل شىء ولبه بالضم: خالصه، والمصاص: خالص كل شىء أيضا.
(9)
نفس الشىء بالضم فهو نفيس ونافس: رفع وصار مرغوبا فيه، وأنفس فهو منفس: صار نفيسا، وأمر منفوس فيه: أى مرغوب فيه.
(10)
اقتعد الدابة: ركبها، والمعنى تمسك به واحرص عليه.
واعلم أن احتواءك على ذلك، وسبقك إليه بإخلاص تقوى الله فى جميع أمورك مؤثرا بها، وإضمار طاعته منطويا عليها (1)، وإعظام ما أنعم الله به عليك شاكرا له، مرتبطا فيه للمزيد، بحسن الحياطة له، والذّبّ عنه من أن تدخلك منه سآمة ملال، أو غفلة ضياع، أو سنة تهاون، أو جهالة معرفة، فإن ذلك أحقّ ما بدئ به ونظر فيه، معتمدا عليه بالقوّة والآلة والعدّة، والانفراد به من الأصحاب والحامّة (2)، فتمسّك به لاجئا إليه، واعتمد عليه مؤثرا له، والتجئ إلى كنفه متحيّزا إليه (3)، فإنه أبلغ ما طلب به رضا الله، وأنجحه مسألة، وأجزله ثوابا، وأعوده نفعا (4)، وأعمّه صلاحا، أرشدك الله لحظّك، وفهّمك سداده، وأخذ بقلبك إلى محموده.
ثم اجعل لله فى كل صباح ينعم عليك ببلوغه، ويظهر منك السلامة فى إشراقه، من نفسك نصيبا تجعله لله، شكرا على إبلاغه إياك يومك ذلك بصحة جوارح، وعافية بدن، وسبوغ (5) نعم، وظهور كرامة، وأن تقرأ فيه من كتاب الله عز وجل جزءا تردّد رأيك فى آيه (6)، وتزيّن (7) لفظك بقراءته، وتحضره عقلك ناظرا فى محكمه، وتتفهّمه متفكرا فى متشابهه، فإن فى القرآن شفاء القلوب من أمراضها، وجلاء وساوس الشيطان وسفاسفه (8)، وضياء معالم النور- تبيانا لكلّ شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.
ثم تعهّد نفسك بمجاهدة هواك، فإنه مغلاق الحسنات، ومفتاح السيئات، وخصم العقل.
(1) وفى المنظوم والمنثور «واصطبار طاعته» .
(2)
الحامة: خاصة الرجل من أهله وولده.
(3)
وفى المنظوم والمنثور «والتجئ إلى كنهه متحرزا به» .
(4)
وفيه «وأعوده سعيا» ويقال هذا أعود: أى أنفع، والعائدة: المنفعة.
(5)
أى اتساعها.
(6)
آى جمع آية، وفى المنظوم والمنثور «فى أدبه» .
(7)
وفى صبح الأعشى «وترتل» والأولى أنسب.
(8)
السفساف بالفتح: الردىء من كل شىء، وفى صبح الأعشى «وصعاصعه» ، وفى هامشه:«جمع صعصع» بالفتح، وهو طائر يصيد الجنادب، شبه وسوسة الشيطان به، والرواية الأولى أظهر.
واعلم أن كلّ أهوائك (1) لك عدوّ يحاول هلكتك، ويعترض غفلتك، لأنها خدع إبليس، وحبائل (2) مكره، ومصايد مكيدته، فاحذرها مجانبا لها، وتوقّها محترسا منها، واستعذ بالله عز وجل من شرها، وجاهدها إذا تناصرت عليك، بعزم صادق لا ونية (3) فيه، وحزم نافذ لا مثنويّة (4) لرأيك بعد إصداره عليك، وصدق غالب لا مطمع فى تكذيبه، ومضاءة صارمة لا أناة (5) معها، ونية صحيحة لا خلجة شكّ فيها، فإن ذلك ظهرىّ (6) صدق لك على ردعها عنك، وقمعها دون ما تتطلّع إليه منك، وهى واقية لك سخطة ربك، داعية إليك رضا العامة عنك، ساترة عليك عيب من دونك، فازدن بها متحلّيا (7)، وأصب بأخلاقك مواضعها الحميدة منها، وتوقّ عليها الآفة التى تقتطعك عن بلوغها وتقصّر بك دون شأوها (8)، فإن المئونة (9) إنما اشتدّت مستصعبة (10) وفدحت باهظة أهل الطّلب لأخلاق أهل الكرم، المنتحلين سموّ القدر، بجهالة مواضع ذميم الأخلاق ومحمودها، حتى فرّط أهل التقصير فى بعض أمورهم، فدخلت عليهم الآفات من جهات أمنوها، فنسبوا إلى التفريط، ورضوا بذلّ المنزل، فأقاموا به جاهلين بموضع الفضل، عمهين (11) عن درج الشرف، ساقطين دون منزلة أهل الحجا، فحاول بلوغ غاياتها محرزا لها بسبق الطلب
(1) فى المنظوم والمنثور «كل أعدائك» وهو تحريف.
(2)
فى صبح الأعشى «وخواتل مكره» أى وخوادع، من الختل وهو الخداع.
(3)
يقال: افعل ذلك بلاونية: أى بلاتوان.
(4)
يقال: حلف فلان يمينا ليس فيها مثنوية ولا ثنيا «بالضم» ولا ثنوى «بالفتح» ولا ثنية «كبقية» أى استثناء.
(5)
أى لا تؤدة فيها، تأنى فى الأمر، تمكث ولم يعجل، والاسم منه أناة، وخلجة: اسم من تخالج فى صدرى منه شىء أى شككت فيه، وأصل الاختلاج الحركة والاضطراب.
(6)
أصل ذلك البعير الظهرى: وهو العدة للحاجة إن احتبج إليه، نسب إلى الظهر على غير قياس.
(7)
وفى المنظوم والمنثور «ملتحفا» .
(8)
الشأو: الغاية، وفى المنظوم والمنثور «ساميها» .
(9)
من قوله: «فإن المئونة
…
» إلى قوله «أهل الحجا» ساقط من المنظوم والمنثور.
(10)
استصعب الأمر: صار صعبا، وفدحه الأمر: أثقله، وكذا بهظه.
(11)
من العمه بالتحريك، وهو التحير والتردد.
إلى إصابة الموضع، محصّنا أعمالك من العجب، فإنه رأس الهوى، وأوّل الغواية، ومقاد الهلكة، حارسا أخلاقك من الآفات المتصلة بمساوى العادات وذميم إيثارها (1)، من حيث أتت الغفلة، وانتشر الضّياع، ودخل الوهن، فتوقّ غلوب (2) الآفات على عقلك، فإنّ شواهد الحقّ ستظهر بأماراتها تصديق رأيك عند ذوى النّهى، وحال الرأى، وفحص النظر، فاجتنب لنفسك محمود الذّكر، وباقى لسان الصدق، بالحذر لما تقدّم إليك فيه أمير المؤمنين، متحرّزا من دخول الآفات عليك، من حيث أمنك وقلة ثقتك بمحكمها.
من ذلك أن تملك أمورك بالقصد، وتدارى جندك بالإحسان، وتصون سرّك بالكتمان، وتداوى حقدك بالإنصاف، وتذلّل نفسك بالعدل، وتحصّن عيوبك بتقويم أودك (3)، وتمنع عقلك من دخول الآفات عليه بالعجب المردى، وأناتك فوقّها الملال وفوت العمل، ومضاءتك (4) فدرّعها رويّة النظر واكنفها بأناة الحلم، وخلواتك فاحرسها من الغفلة واعتماد الراحة، وصمتك فانف عنه عىّ اللفظ، وخف فيه سوء القالة (5) واستماعك فأرعه حسن التفهّم، وقوّه بإشهاد الفكر، وعطاءك فامهد له (6) بيوتات الشرف وذوى الحسب، وتحرّز فيه من السّرف واستطالة البذخ (7) وامتنان الصّنيعة، وحياءك فامنعه من الخجل وبلادة الحصر (8)، وحلمك فزعه (9) عن التهاون، وأحضره قوة الشّكيمة، وعقوبتك فقصّر بها عن الإفراط، وتعمّد بها أهل الاستحقاق، وعفوك فلا تدخله تعطيل الحقوق، وخذ به واجب
(1) وفى صبح الأعشى: المتصلة «بمساوى الألقاب وذميم تنابزها» والتنابز. والتعاير والتداعى بالأنباز، وهى الألقاب جمع نبز بالتحريك وهو اللقب.
(2)
لم يرد هذا المصدر فى كتب اللغة،
(3)
الأود: الاعوجاج.
(4)
فى المنثور والمنظوم «ومصابك» وهو تحريف.
(5)
القول فى الخير، والقال والقيل والقالة فى الشر.
(6)
من مهد المهد للصبى إذا هيأه وبسطه، والمعنى: فضعه فى بيوتات الشرف.
(7)
الكبر.
(8)
العىّ.
(9)
وزعه: كوضعه: كفه، والشكيمة: الأنفة.
المفترض، وأقم به أود الدين، واستئناسك فامنع منه البذاء وسوء المثافنة (1)، وتعهّدك أمورك فحدّه أوقاتا، وقدّره ساعات لا تستفرغ قوّتك، ولا تستدعى سآمتك، وعزماتك فانف عنها عجلة الرأى ولجاجة الإقدام، وفرحاتك فاشكمها (2) عن البطر، وقيّدها عن الزّهو، وروعاتك فحطها من دهش الرأى واستسلام الخضوع، وحذراتك فاصرفها عن الجبن، واعمد بها للحزم، ورجاءك فقيّده بخوف الفائت، وامنعه من أمن الطّلب.
هذه جوامع خلال، دخّال النقص منها واصل إلى العقل بلطائف أبنه، وتصاريف حويله (3)، فأحكمها عارفا بها، وتقدّم فى الحفظ لها، معتزما على الأخذ بمراشدها، والانتهاء منها إلى حيث بلغت بك عظة أمير المؤمنين وأدبه إن شاء الله.
ثم لتكن بطانتك وجلساؤك فى خلواتك، ودخلاؤك فى سرّك، أهل الفقه والورع من خاصّة أهل بيتك، وعامّة قوّادك ممّن قد حنّكته السّنّ بتصاريف الأمور وخبطته فصالها بين فراسن (4) البزّل منها، وقلّبته الأمور فى فنونها، وركب أطوارها، عارفا بمحاسن الأمور، ومواضع الرأى، وعين المشورة، مأمون النصيحة، مطوىّ الضمير على الطاعة.
(1) بذؤ الرجل ويثلث بذاء وبذاءة: سفه وأفحش فى منطقه، وثافنه: جالسه، وفى صبح الأعشى «وسوء المناقشة» نفث فلانا بالكلام: آذاه.
(2)
شكم الفرس كنصر: وضع الشكيمة فى فيه، والشكيمة من اللجام: الحديدة المعترضة فى فم الفرس، والمعنى فامنعها.
(3)
الأبن جمع أبنة بالضم: وهى العيب، والحويل والحول كشمس وعنب: الحيلة والاحتيال، وفى المنظوم والمنثور: «هذه جوامع دخال النقص
…
».
(4)
فراسن جمع فرسن كزبرج، والفرسن للبعير كالحافر للدابة، والبازل: الجمل فى تاسع سنيه (وليس بعده سن تسمى) وجمعه بزل ككتب وركع وبوازل، والبازل أيضا: الرجل الكامل فى تجربة، والفصال جمع فصيل: وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه.
ثم أحضرهم من نفسك وقارا يستدعى لك منهم الهيبة، واستئناسا يعطف إليك منهم المودّة، وإنصاتا (1) يفلّ إفاضتهم عندك بما تكره أن ينشر عنك من سخافة الرأى، وضياع الحزم، ولا يغلبنّ عليك هواك فيصرفك عن الرأى، ويقتطعك دون الفكر.
وتعلّم أنك وإن خلوت بسرّ، فألقيت دونه ستورك، وأغلقت عليه أبوابك، فذلك لا محالة مكشوف للعامّة، ظاهر عنك- وإن استترت بربّما ولعلّ، وما أرى إذاعة ذلك وأعلم (2) - بما يرون من حالات من ينقطع به فى تلك المواطن، فتقدّم فى إحكام ذلك من نفسك وسدّ خلله عنك، فإنه ليس أحد أسرع إليه سوء القالة، ولغط العامّة بخير أو شر، ممن كان فى مثل حالك ومكانك الذى أصبحت به من دين الله، والأمل المرجوّ المنتظر فيك، وإياك أن يغمز (3) فيك أحد من حامّتك وبطانة خدمك بضعفة يجد بها مساغا إلى النطق عندك بما لا يعتزلك عيبه، ولا تخلو من لائمته، ولا تأمن سوء الأحدوثة فيه، ولا يرخص سوء القالة به إن نجم ظاهرا وعلن باديا (4)، ولن يجترئوا على تلك عندك إلّا أن يروا منك إصغاء إليها، وقبولا لها، وترخيصا لهم فى الإفاضة بها.
ثم إيّاك أن يفاض عندك بشىء من الفكاهات والحكايات والمزاح والمضاحك التى يستخفّ بها أهل البطالة، ويتسرّع نحوها ذوو الجهالة، ويجد فيها أهل الحسد مقالا لعيب يذيعونه (5)، ولطعن فى حق يجحدونه، مع ما فى ذلك من نقص الرأى، ودرن العرض، وهدم الشرف، وتأثيل (6) الغفلة، وقوّة طباع السّوء الكامنة
(1) وفى المنظوم والمنثور «وإنصافا يغل أقاصيهم له عنك بما تكره أن ينتشر عنك
…
الخ».
(2)
أرى بالضم أى أظن، وأعلم معطوف عليه أى وما أعلم. والمعنى وإن استترت وراء هذه الألفاظ.
(3)
أغمز فى فلان: عابه وصغره، واغتمزه طعن عليه أيضا.
(4)
نجم كنصر: ظهر، وعلن كنصر وضرب وكرم وفرح: ظهر أيضا.
(5)
وفى المنظوم والمنثور «يدفعونه» .
(6)
أى تأصيل وتمكين، والحجر الصلد: أى الصلب الأملس.
فى بنى آدم كمون النّار فى الحجر الصّلد، فإذا قدح لاح شرره، وتلهّب وميضه ووقد تضرّمه، وليست فى أحد، أقوى سطوة، وأظهر توقّدا، وأعلى كمونا، وأسرع إليه بالعيب، وتطرّق الشّين، منها لمن كان فى مثل سنّك من أغفال (1) الرجال وذوى العنفوان فى الحداثة، الذين لم تقع عليهم سمات الأمور، ناطقا عليهم لائحها، ظاهرا عليهم وسمها، ولم تمحضهم (2) شهامتها، مظهرة للعامة فضلهم، مذيعة حسن الذّكر عنهم، ولم يبلغ بهم الصّيت فى الحنكة مستمعا (3) يدفعون به عن أنفسهم نواطق ألسن أهل البغى، وموادّ أبصار أهل الحسد.
ثم تعهّد من نفسك لطيف عيب لازم لكثير من أهل السلطان والقدرة من إبطار الذّرع (4) ونخوة الشرف والتّيه وعيب الصّلف، فإنها تسرع بهم إلى فساد رأيهم، وتهجين (5) عقولهم فى مواطن جمّة، وأنحاء مصطرفة، منها قلة اقتدارهم على ضبط أنفسهم فى مواكبهم ومسايرتهم العامّة، فمن مقلقل شخصه بكثرة الالتفات عن يمينه وشماله، تزدهيه الخفّة، ويبطره إجلاب (6) الرجال حوله، ومن مقبل فى موكبه على مداعبة مسايره بالمفاكهة (7) له والتضاحك إليه، والإيجاف (8) فى السير مرحا، وتحريك الجوارح متسرّعا، يخال أن ذلك أسرع له وأحثّ (9) لمطيّته،
(1) أغفال جمع غفل كقفل وهو من لم يجرب الأمور، وعنفوان الشباب: أوله.
(2)
من محضه الود وأمحضه: أى أخلصه.
(3)
فى المنظوم والمنثور «ولم يبلغ بهم الصمت فى الحركة مستمعان» وهو تحريف، والصلف:
مجاوزة قدر الظرف والادعاء فوق ذلك تكبرا،
(4)
فى المنظوم والمنثور «من أقطار الدرع» وفى صبح الأعشى «من أبطال الذرع» وفى مفتاح الأفكار «من أبطال البدع» وأرى أن ذلك تحريف، والصواب «من إبطار الذرع» ومعناه من الذرع: أى القوة المبطرة: أى الداعية إلى البطر، كما يدل عليه سياق الكلام.
(5)
التهجين: التقبيح.
(6)
الجلب والجلبة بالتحريك: اختلاط الأصوت، وقد جلبوا كنصر وضرب وأجلبوا وجلبوا.
(7)
فى المنظوم والمنثور «بالمصاحبة له» والأولى أنسب وأولى.
(8)
وجف الفرس: عدا، وأوجفه: أعداه، والمرح بالتحريك: شدة الفرح والنشاط، وفى المنظوم والمنثور «مهرجا» .
(9)
وفيه «وأخف» .
فلتحسن فى ذلك هيئتك، ولتجمل فيه دعتك (1)، وليقلّ على مسايرك (2) إقبالك، إلّا وأنت مطرق النظر، غير ملتفت إلى محدّث، ولا مقبل عليه بوجهك فى موكبك لمحادثته، ولا موجف (3) فى السير، مقلقل لجوارحك بالتحريك والاستنهاض، فإن حسن مسايرة الوالى واتّداعه (4) فى تلك الحالة دليل على كثير من غيوب أمره ومستتر أحواله.
واعلم أن أقواما سيسرعون إليك بالسّعاية، ويأتونك من قبل النّصيحة (5)، ويستميلونك بإظهار الشفّقة، ويستدعونك بالإغراء والشّبهة، ويوطئونك عشوة (6) الحيرة، ليجعلوك لهم ذريعة إلى استئكال العامّة، بموضعهم منك فى القبول منهم، والتصديق لهم على من قرفوه (7) بتهمة، أو أسرعوا بك فى أمره إلى الظنّة، فلا يصلنّ إلى مشافهتك ساع بشبهة، ولا معروف بتهمة، ولا منسوب إلى بدعة، فيعرّضك لإيتاغ (8) دينك، ويحملك على رعيّتك بما لا حقيقة له عندك، ويلحمك (9) أعراض قوم لا علم لك بدخلهم، إلا بما أقدم به عليهم ساعيا، وأظهر لك منهم منتصحا.
وليكن صاحب شرطتك، ومن أحببت أن يتولّى ذلك من قوّادك، إليه إنهاء (10) ذلك، وهو المنصوب لأولئك، والمستمع لأقاويلهم، والفاحص عن نصائحهم، ثم لينه ذلك إليك على ما يرفع إليه منه، لتأمره بأمرك فيه، وتقفه على
(1) وفيه «ولتحمل فيه رعيتك» وهو تحريف.
(2)
وفيه «على مسائلك» .
(3)
وفيه «ولا مخفف» .
(4)
الاتداع: السكون والاستقرار. وفى المنظوم والمنثور «وابتداعه» وهو تحريف.
(5)
وفى صبح الأعشى «ويأتونك على وجه النصيحة» .
(6)
العشوة، مثلث العين: ركوب الأمر على غير بيان، وهو يستأكل الضعفاء: أى يأخذ أموالهم.
(7)
قرفه كضربه: اتهمه، والظنة: التهمة.
(8)
أوتغ دينه بالإثم إيتاغا: أفسده، وفى المنظوم والمنثور «فيعرضك لإيباع دينك» .
(9)
ألحمه: أطعمه اللحم. ودخل الرجل بالكسر والفتح: نيته ومذهبه، والدخل بالفتح ويحرك: العيب والرببة.
(10)
وفى صبح الأعشى: «وليكن صاحب شرطتك المتولى لإنهاء ذلك المنصوب لأولئك
…
»
رأيك، من غير أن يظهر ذلك للعامّة؛ فإن كان صوابا نالتك حظوته (1)، وإن كان خطأ أقدم به عليك جاهل، أو فرطة سعى بها كاذب، فنالت الساعى (2) منهما أو المظلوم عقوبة، وبدر (3) من واليك إليه نكال، لم يعصب ذلك الخطأ بك، ولم تنسب إلى تفريط، وخلوت من موضع الذم فيه (4)، محضرا إليه ذهنك وصواب رأيك.
وتقدّم إلى من تولّى ذلك الأمر وتعتمد عليه فيه، أن لا يقدم على شىء ناظرا فيه، ولا يحاول أخذ أحد طارقا له، ولا يعاقب أحدا منكّلا به، ولا يخلّى سبيل أحد صافحا عنه، لإصحار (5) براءته، وصحّة طريقته، حتى يرفع إليك أمره، وينهى إليك قضيته، على جهة الصدق، ومنحى الحق، ويقين الخبر، فإن رأيت عليه سبيلا لمحبس (6)؛ أو مجازا لعقوبة، أمرته بتولّى ذلك من غير إدخاله عليك، ولا مشافهة لك منه، فكان المتولّى لذلك، ولم يجر على يديك مكروه رأى، ولا غلظة عقوبة، وإن وجدت إلى العفو عنه سبيلا، أو كان مما قرف به خليّا، كنت أنت المتولّى للإنعام عليه بتخلية سبيله، والصفح عنه بإطلاق أسره، فتوليت أجر ذلك واستحققت ذخره، وأنطقت لسانه بشكرك، وطوّقت قومه حمدك؛ وأوجبت عليهم حقّك؛ فقرنت بين خصلتين، وأحرزت حظوتين: ثواب الله فى الآخرة (7)، ومحمود الدكر فى العاجلة.
(1) وفيه «نالتك خيرته» .
(2)
وفى المنظوم والمنثور «فنالت الباغى منها» .
(3)
بدر أى سبق، ولم يعصب: أى لم يقرن ولم يلصق.
(4)
بعد هذا فى المنظوم والمنثور «فافهم ذلك وتقدم إلى من تولى فلا يقدم على شىء
…
الخ».
(5)
أى لوضوح براءته، من أصحر الرجل إذا برز إلى الصحراء، وفى حديث على «فأصحر لعدوك» وامض على بصيرتك» أى كن من أمره على أمر واضح منكشف.
(6)
أى لحبس وهو مصدر ميمى.
(7)
وفى المنظوم والمنثور «فتوليت أجر ذلك وذخره ونطق لسانه بشكرك فقرنت خصلتين:
ثواب الله- الخ».
ثم إياك وأن يصل إليك أحد من جندك وجلسائك وخاصّتك وبطانتك بمسألة يكشفها لك، أو حاجة يبدهك (1) بطلبها، حتى يرفعها قبل ذلك إلى كاتبك الذى أهدفته (2) لذلك، ونصبته له، فيعرضها عليك، منهيا لها على جهة الصدق عنها، وتكون على معرفة من قدرها، فإن أردت إسعافه بها، ونجاح ما سأل منها، أذنت له فى طلبها، باسطا له كنفك، مقبلا عليه بوجهك، مع ظهور سرورك بما سألك، وفسحة رأى، وبسطة ذرع، وطيب نفس، وإن كرهت قضاء حاجته، وأحببت ردّه عن طلبته (3)، وثقل عليك إجابته إليها وإسعافه بها، أمرت كاتبك فصفحه (4) عنها، ومنعه من مواجهتك بها، فخفّت عليك فى ذلك المئونة، وحسن لك الذكر، ولم ينشر عنك تجهّم (5) الردّ، وينلك سوء القالة فى المنع، وحمل على كاتبك فى ذلك لائمة (6) أنت منها برىء السّاحة.
وكذلك فليكن رأيك وأمرك فيمن طرأ عليك من الوفود، وأتاك من الرّسل، فلا يصلنّ أحد منهم إلا بعد وصول علمه إليك، وعلم ما قدم له عليك، وجهة ما هو مكلّمك به، وقدر ما هو سائلك إياه إذا هو وصل إليك، فأصدرت رأيك فى حوائجه (7) وأجلت فكرك فى أمره، واخترت معتزما على إرادتك فى جوابه (8)، وأنفذت مصدور رويّتك فى مرجوع مسألته، قبل دخوله عليك، وعلمه بوصول حاله إليك، فرفعت عنك مئونة البديهة، وأرخيت عن نفسك خناق (9) الرويّة، وأقدمت على ردّ جوابه بعد النظر وإجالة الفكر فيه، فإن دخل إليك أحد
(1) بدهه بالأمر كمنعه: استقبله به مفاجأة.
(2)
أراد: نصبته كالهدف.
(3)
الطلبة: ما طلبته.
(4)
صفح السائل وأصفحه: رده.
(5)
تجهمه وتجهم له: استقبله بوجه كريه، وهذه الجملة وما بعدها ساقطة من المنظوم والمنثور.
(6)
اللائمة: اللوم.
(7)
فى المنظوم والمنثور «فى جوابه» .
(8)
هذه الجملة ساقطة من المنظوم والمنثور.
(9)
الخناق: الحبل يخنق به.
منهم فكلّمك بخلاف ما أنهى إلى كاتبك، وطوى عنه حاجته قبلك، دفعته عنك دفعا جميلا، ومنعته جوابك منعا وديعا (1)، ثم أمرت حاجبك بإظهار الجفوة له والغلظة عليه، ومنعه من الوصول إليك، فإنّ ضبطك لذلك مما يحكم لك تلك الأسباب، صارفا عنك مئونتها، ومسهّلا عليك مستصعبها (2)، إن شاء الله.
احذر تضييع رأيك، وإهمالك أدبك فى مسالك الرضا والغضب، واعتوارهما (3) إياك، فلا يزدهينّك إفراط عجب تستخفّك روائعه (4)، ويستهويك منظره، ولا يبدرنّ منك ذلك خطأ ونزق خفّة لمكروه إن حلّ بك أو حادث إن طرأ عليك، وليكن لك من نفسك ظهرىّ ملجأ تتحرّز به من آفات الرّدى، وتستعهده (5) فى مهمّ نازل، وتتعقّب به أمورك فى التدبير، فإن احتجت إلى مادّة من عقلك، ورويّة من فكرك، أو انبساط من منطقك، كان انحيازك إلى ظهريّك مزدادا مما أحبيت الامتياح منه (6) والامتيار، وإن استدبرت (7) من أمورك بوادر جهل، أو مضى زلل، أو معاندة حق، أو خطل تدبير، كان ما احتجنت (8) من رأيك عذرا لك عند نفسك، وظهريا قويّا على ردّ ما كرهت، وتخفيفا لمؤنة الباغين عليك فى القالة وانتشار الذكر، وحصنا من غلوب الآفات عليك، واستعلائها على أخلاقك.
وامنع أهل بطانتك وخاصّة خدمك وعامّة رعيّتك من استلحام (9) أعراض
(1) فى المنظوم والمنثور «منعا ودفعا» .
(2)
هذه الجملة ساقطة من المنظوم والمنثور.
(3)
أى تداولهما.
(4)
جمع رائع، من راعه الشىء إذا أعجبه، واستهواه، استماله.
(5)
استعهد فلانا من نفسه: ضمنه حوادث نفسه، وفى صبح الأعشى «وتستعضده» وفى كتب اللغة: اعتضد به: استعان به، أقول والاستعضاد كالاستعانة: أى تتخذه عضدا لك.
(6)
امتاح: استقى، وامتار لأهله: جلب لهم الميرة بالكسر أى الطعام.
(7)
هكذا فى الأصول التى نقلت منها، ولعل صوابه «أدبرت» بمعنى وقعت ولا يستطاع تلافيها، ويستأنس لذلك بقوله بعد «أو مضى زلل» أو صوابه ابتدرت أى ابتدرتك بوادر جهل، وابتدره الأمر عاجله، والبادرة: ما يبدر من حدتك فى الغضب من قول أو فعل.
(8)
من احتجن المال: أى ضمه واحتواه.
(9)
معناه أكل لحومهم بالغيبة، وفى كتب اللغة استلحم الطريدة: تبعها، واستلحم الطريق: ركب أوسعه واتبعه.
الناس عندك بالغيبة، والتقرب إليك بالسّعاية، والإغراء من بعض ببعض، والنّميمة إليك بشىء من أحوالهم المستترة عنك، أو التحميل لك على أحد منهم بوجه النصيحة ومذهب الشفقة، فإن ذلك أبلغ بك سموا إلى منال الشرف، وأعون لك على محمود الذكر، وأطلق لعنان الفضل، فى جزالة الرأى، وشرف الهمّة، وقوة التدبير.
واملك نفسك عن الانبساط فى الضحك والانفهاق (1)، وعن القطوب بإظهار الغضب وتنحّله، فإن ذلك ضعف عن ملك سورة (2) الجهل، وخروج من انتحال اسم الفضل، وليكن ضحكك تبسّما أو كشرا (3) فى أحايين ذلك وأوقاته، وعند كل رائع مستخفّ مطرب (4)، وقطوبك إطراقا فى مواضع ذلك وأحواله، بلا عجلة إلى السّطوة، ولا إسراع إلى الطّيرة، دون أن يكنفها رويّة الحلم، وتملك عليها بادرة الجهل.
إذا كنت فى مجلس ملئك وحيث حضور العامة مجلسك، فإياك والرمى ببصرك إلى خاصّ من قوّادك، أو ذى أثرة (5) عندك من حشمك، وليكن نظرك مقسوما فى الجميع، وإعارتك (6) سمعك ذا الحديث بدعة هادئة ووقار حسن، وحضور فهم مستجمع، وقلة تضجّر بالمحدّث، ثم لا يبرح وجهك إلى بعض قوّادك وحرسك متوجّها بنظر ركين، وتفقّد محض، فإن وجّه إليك أحد منهم نظره محدّقا (7)، أو رماك ببصره ملحّا، فاخفض عنه إطراقا جميلا باتّداع (8) وسكون، وإياك والتسرع فى الإطراق، والخفّة فى تصريف النظر، والإلحاح على من قصد إليك فى مخاطبته إياك رامقا بنظره.
(1) انفهق الشىء: اتسع، وقطب كضرب قطبا وقطوبا. زوى ما بين عينيه وكلح كقطب، وانتحل قول غيره وتنحل: ادعاه لنفسه.
(2)
ملك مثلث الميم مصدر ملك، وسورة الجهل:
حدته.
(3)
كشر عن أسنانه كضرب كشرا: أبدى، يكون فى الضحك وغيره، وفى المنظوم والمنثور «أو كبرا» وهو تحريف.
(4)
وفيه «وعند كل رأى ملين ومستخف مطرب» وهو تحريف.
(5)
ذى أثرة بالضم والكسر وأثرة بالتحريك: أى من اختصصته بفضلك وقدمته.
(6)
أعاره سمعه: أصغى إليه، وفى صبح الأعشى ومفتاح الأفكار «وإراعتك» وهو تحريف.
(7)
حدق إليه بالنظر: شدد النظر إليه، وفى المنظوم والمنثور «محدثا» .
(8)
وفيه «بإبداع» وهو تحريف.
واعلم أن تصفّحك وجوه جلسائك، وتفقّدك مجالس قوّادك (1)، من قوّة التدبير، وشهامة القلب، وذكاء الفطنة، وانتباه السّنة، فتفقّد ذلك عارفا بمن حضرك وغاب عنك، عالما بمواضعهم من مجلسك، ثم اعد بهم عن ذلك، سائلا لهم عن أشغالهم التى منعتهم من حضور مجلسك، وعاقتهم بالتخلّف عنك إن شاء الله.
إن كان أحد من حشمك وأعوانك تثق منه بغيب ضمير، وتعرف منه لين طاعة، وتشرف منه على صحّة رأى، وتأمنه على مشورتك، فإياك والإقبال عليه فى كل حادث يرد عليك، والتوجّه نحوه بنظرك عند طوارق ذلك، وأن تريه أو أحدا من أهل مجلسك أنّ بك إليه حاجة موحشة، وأن ليس بك عنه غنى فى التدبير، أو أنك لا تقضى دونه رأيا، إشراكا منك له فى رويّتك، وإدخالا منك له فى مشورتك واضطرارا منك إلى رأيه فى الأمر يعروك (2)، فإن ذلك من دخائل العيوب التى ينتشر بها سوء القالة عن نظرائك، فانفها عن نفسك خائفا لاعتلاقها (3) ذكرك، واحجبها عن رويّتك، قاطعا أطماع أوليائك عن مثلها عندك، أو غلوبهم عليها منك
واعلم أن للمشورة موضع الخلوة وانفراد النظر، ولكل (4) أمر غاية تحيط بحدوده وتجمع معالمه، فابغها محرزا لها، ورمها طالبا لنيلها (5)، وإياك والقصور عن غايتها، أو العجز عن دركها، أو التفريط فى طلبها إن شاء الله تعالى.
إياك والإغرام (6) بكثرة السؤال عن حديث مّا أعجبك، أو أمر مّا ازدهاك، أو القطع لحديث من أرادك بحديثه حتى تنقضه عليه بالخوض فى غيره، أو المسألة عما ليس منه، فإن ذلك عند العامة منسوب إلى سوء الفهم، وقصر الأدب عن تناول
(1) وفى المنظوم والمنثور «واعلم أن تصفحك وجوه قوادك، من قوة التدبير، وشهامة القلب، فتفقد ذلك
…
».
(2)
أى يعتربك وينزل بك، وفى المنظوم والمنثور «واضطرارا إلى رأيه» .
(3)
اعتلقه: تعلق به، وفى المنظوم والمنثور «لاعتقالها ذكرك» .
(4)
هذه الجملة ساقطة من المنظوم والمنثور.
(5)
فيه «طالبا لسانها، وإياك والقصور عن غايتها والإفراط فى طلبها» .
(6)
أغرم بالشىء: أولع به.
محاسن الأمور والمعرفة بمساوئها، ولكن أنصت لمحدّثك، وأرعه سمعك، حتى يعلم أنك قد فهمت حديثه، وأحطت معرفة بقوله، فإن أردت إجابته فعن معرفة بحاجته وبعد علم بطلبته، وإلّا كنت عند انقضاء كلامه كالمتعلّل (1) من حديثه بالتبسّم والإغضاء، فأجزى (2) عليك الجواب، وقطع عنك ألسن العتب.
إياك وأن يظهر منك تبرّم بطول مجلسك، وتضجّر ممّن حضرك، وعليك بالتثبّت عند سورة الغضب، وحميّة الأنف، وملال الصبر فى الأمر تستعجل به، ولعمل تأمر بإنفاذه، فإن ذلك سخف شائن (3)، وخفّة مردية، وجهالة بادية، وعليك بثبوت المنطق، ووقار المجلس، وسكون الريح، والرفض لحشو الكلام، والترك لفضوله، والإغرام (4) بالزيادات فى منطقك، والترديد للفظك من نحو: اسمع، وافهم عنى، ويا هناه (5)، وألا ترى. أو ما يلهج به من هذه الفضول المقصّرة بأهل العقل، الشائنة لذوى الحجا فى المنطق (6)، المنسوبة إليهم بالعىّ، المردية لهم فى الذّكر.
وخصال من معايب الملوك، والسّوقة عنها غبيّة النظر (7) إلّا من عرفها من أهل الأدب، وقلّما حامل لها، مضطلع (8) بها، صابر على ثقلها، آخذ لنفسه
(1) فى صبح الأعشى «كالمتعجب» .
(2)
مسهل عن أجزأ: أى أغنى.
(3)
فى المنظوم والمنثور «سخف سائر» .
(4)
معطوف على فضوله: أى وعليك بالترك للإغرام بالزيادات الخ».
(5)
هن: كلمة يكنى بها عن اسم الإنسان، فإذا ناديت مذكرا بغير التصريح باسمه قلت: ياهن أقبل، ولك أن تدخل فيه الهاء فتقول يا هنه (بفتح النون وسكون الهاء) كما تقول لمه وماليه، ولك أن تشبع الحركة فتتولد الألف فتقول يا هناه أقبل (وتزاد الألف والهاء فى آخره فى النداء خاصة) وهذه الهاء تصير تاء فى الوصل، وتضم على تقدير أنها آخر الإسم وتكسر لاجتماع الساكنين، ولك أن تقول ياهناه أقبل بهاء مضمومة، وفى المنظوم والمنثور «من نحو اسمع أو اعجل أو ألا ترى» .
(6)
هذه الجملة ساقطة من المنظوم والمنثور.
(7)
فيه «والسوقة عيبها عند النظر» وهو تحريف.
(8)
أى قوى على احتمالها، والثقل: الحمل الثقيل.
بجوامعها، فانفها عن نفسك بالتحفظ منها، واملك عليها اعتيادك (1) إياها معتنيا بها، منها كثرة التنخّم والتبصّق والتنخّع والثّؤباء والتمطّى والجشاء وتحريك القدم وتنقيض الأصابع والعبث بالوجه واللحية والشارب والمخصرة وذؤابة السيف، والإيماض بالنظر والإشارة بالطّرف إلى أحد من خدمك بأمر إن أردته، والسّرار فى مجلسك، والاستعجال فى طعمك وشربك، وليكن طعمك متّدعا (2)، وشربك أنفاسا، وجرعك مصّا، وإياك والتسرع إلى الأيمان فيما صغر أو كبر من الأمور، والشتيمة بقول:
يا هناه (3)، أو الغميزة (4) لأحد من خدمك وخاصّتك، بتسويغهم مقارفة الفسوق بحيث محضرك أو دارك وفناؤك، فإن ذلك كله مما يقبح ذكره، ويسوء موقع القول فيه، وتحمل عليك معايبه، وينالك شينه، وينشر عنك سوء نبئه، فاعرف ذلك متوقّيا له، واحذره مجانبا لسوء عاقبته.
استكثر من فوائد الخير، فإنها تنشر المحمدة، وتقيل العثرة، واصطبر على كظم الغيظ، فإنه يورث الراحة (5)، ويؤمّن الساحة، وتعهّد العامّة بمعرفة دخلهم، وتبطّن (6) أحوالهم، واستثارة دفائنهم، حتى تكون منها على مرأى العين، ويقين الخبرة، فتنعش عديمهم، وتجبر كسيرهم، وتقيم أودهم، وتعلّم جاهلهم، وتستصلح
(1) فى المنظوم والمنثور «واملك عنها اعتقادك معيبا بها بكثرة التنخم والتبزق والتنحنح والتثاؤب والجشاء والتمطى وتنقيض الأصابع وتحريكها والعبث باللحية والشارب
…
الخ» وتنخم: دفع بشىء من صدره أو أنفه، وبصق وبسق وبزق واحد، والبصاق والبساق والبزاق كذلك، وتنخع: رمى نخامته- والنخامة والنخاعة بالضم: ما يخرج من الصدر أو من الخيشوم، والثؤباء: التثاؤب، قال مصحح القاموس:
ونقل صاحب المبرز عن ابن مسحل «أنه يقال ثوباء بالضم فالسكون، نقله الفهرى وغيره، وهو غريب» والجشاء: اسم من التجشؤ وهو تنفس المعدة، وفى كتب اللغة: أنقض أصابعه: ضرب بها لتصوت، أقول:
ونقض المضعف كأنقض المهموز، والمخصرة: عصا صغيرة يشير بها الملك إذا خاطب، وذؤابة السيف:
علاقة قائمة، وأومض: سارق النظر وأشار إشارة خفية، والسرار: المسارة، وطعمه كسمعه طعما وطعاما.
(2)
وفى المنظوم والمنثور «مبتدعا» وهو تحريف.
(3)
فى صبح الأعشى «يقول: يا بن الهناة» وفى المنظوم والمنثور «بابن الهيبة» .
(4)
معناها هنا الإطماع، يقال فى هذا الأمر غميزة ومغمز: أى مطمع (أو مطعن أيضا).
(5)
فى المنظوم والمنثور «يورث العز» .
(6)
فيه «وينظر أحوالهم» .
فاسدهم، فإن ذلك من فعلك بهم يورثك العزّة، ويقدّمك فى الفضل، ويبقى لك لسان صدق فى العاقبة (1)، ويحرز لك ثواب الآخرة، ويردّ عليك عواطفهم المستنفرة منك، وقلوبهم المتنحيّة (2) عنك.
قس (3) بين منازل أهل الفضل فى الدين والحجا والرأى والعقل والتدبير والصّيت فى العامة، وبين منازل أهل النّقص فى طبقات الفضل وأحواله، والخمول عند مباهاة النسب (4)، وانظر بصحبة أيّهم تنال من مودّته الجميل، وتستجمع لك أقاويل العامّة على التفضيل، وتبلغ درجة الشرف فى أحوالك المتصرّفة بك، فاعتمد عليهم مدخلا لهم فى أمرك، وآثرهم بمجالستك لهم مستمعا منهم، وإياك وتضييعهم مفرّطا، وإهمالهم مضيّعا.
هذه جوامع خصال قد لخّصها لك أمير المؤمنين مفسّرا، وجمع لك شواذّها (5) مؤلّفا، وأهداها إليك مرشدا، فقف عند أوامرها، وتناه عن زواجرها، وتثبّت فى مجامعها، وخذ بوثائق عراها، تسلم من معاطب الرّدى، وتنل أنفس الحظوظ، ورغيب (6) الشرف، وأعلى درج الذّكر، وتؤثّل سطوة العز (7)، والله يسأل لك أمير المؤمنين حسن الإرشاد، وتتابع المزيد، وبلوغ الأمل، وأن يجعل عاقبة ذلك بك إلى غبطة يسوّغك إياها، وعافية يحلّك أكنافها، ونعمة يلهمك شكرها، فإنه الموفّق للخير، والمعين على الإرشاد، منه تمام الصالحات، وهو مؤتى الحسنات، عنده مفاتيح الخير وبيده الملك، وهو على كل شىء قدير.
(1) فيه «فى العامة» .
(2)
فيه «المستجنة» .
(3)
فيه «فبين» .
(4)
فيه «والجمود عند مناها بأهل الحسب ونظر فصيحة أمهم تنال مودة الجميع» والعبارة محرفة.
(5)
فيه «شواهدها» والأولى أصح وأنسب لقوله «مؤلفا» .
(6)
فيه «ومزية الشرف» والرغيب: المرغوب فيه.
(7)
وردت هذه الجملة فى صبح الأعشى، هكذا «وتأثل سطر العز» مع علامة توقف، وقد صلحتها كما ترى، وأثله: أصله وقواه.
فإذا أفضيت نحو عدوّك، واعتزمت على لقائهم، وأخذت أهبة قتالهم، فاجعل دعامتك التى تلجأ إليها، وثقتك التى تأمل النجاة بها، وركنك الذى ترتجى به منالة الظفر، وتكتهف (1) به لمعالق الحذر، تقوى الله عز وجل، مستشعرا لها بمراقبته، والاعتصام بطاعته، متّبعا لأموه، مجتنبا لسخطه، محتذيا سنّته، والتوقّى لمعاصيه فى تعطيل حدوده، وتعدّى شرائعه، متوكّلا عليه فيما صمدت (2) له، واثقا بنصره فيما توجّهت نحوه، متبرّئا من الحول والقوة فيما نالك من ظفر، وتلقّاك من عز، راغبا فيما أهاب (3) بك أمير المؤمنين إليه من فضل الجهاد، ورمى بك إليه، محمود الصبر فيه عند الله عز وجل من قتال عدوّ الله للمسلمين، أكلبه (4) عليهم، وأظهره عداوة لهم، وأفدحه ثقلا لعامّتهم، وآخذه بربقهم (5)، وأعلاه عليهم بغيا، وأظهره فيهم فسقا وجورا، وأشدّه على فيئهم الذى أصاره الله لهم (6) وفتحه عليهم مئونة وكلّا (7) والله المستعان عليهم، والمستنصر على جماعتهم، عليه يتوكل أمير المؤمنين، وإياه يستصرخ عليهم، وإليه يفوّض أمره، وكفى بالله وليّا وناصرا ومعينا، وهو القوى العزيز.
ثم خذ من معك من تبّاعك (8) وجندك بكفّ معرّتهم، وردّ مستعلى جورهم (9)، وإحكام خللهم، وضمّ منتشر قواصيهم، ولمّ شعث أطرافهم،
(1) معناه: وتتحصن به، واشتقاقه من الكهف وهو الوزر والملجأ، يقال: فلان كهف أهله أى ملجأ لهم.
(2)
صمده وصمد إليه قصده، ومنه الصمد بالتحريك: أى السيد الذى يصمد إليه فى الحوائج.
(3)
أهاب به: دعاه، من أهاب بالإبل، إذا دعاها بقوله: هاب هاب.
(4)
أى أشدهم عليه وآذاهم له يقال: كلب الدهر كفرح كلبا بالتحريك: إذا ألح عليهم، واشتد، وكلب الشتاء: اشتد أيضا، ودفعت عنك كلب فلان: أى شره وأذاه.
(5)
الرق بالكسر: حبل فيه عدة عرى تشد به البهم، كل عروة ربقة بالكسر والفتح.
(6)
فى المنظوم والمنثور «أصاده الله لهم مئونة» وما بعد ذلك ساقط.
(7)
الكل: الثقل.
(8)
تباع جمع تابع، وفى المنظوم والمنثور «من تبعك» .
(9)
فى صبح الأعشى «ورد مشتعل جهلهم، وإحكام ضياع عملهم» .
وخذهم (1) بمن مرّوا به من أهل ذمتك وملّتك بحسن السّيرة، وعفّة الطّعمة، ودعة الوقار، وهدى الدّعة، وجمام (2) النفس، محكما ذلك منهم، متفقّدا لهم فيه تفقّدك إياه من نفسك.
ثم اصمد (3) لعدوّك المتسمّى بالإسلام خارجا من جماعة أهله، المنتحل ولاية الدين مستحلّا لدماء أوليائه، طاعنا عليهم، راغبا عن سنّتهم، مفارقا لشرائعهم، ببغيهم الغوائل، وينصب (4) لهم المكايد، أضرم حقدا عليهم، وأرصد عداوة لهم، وأطلب لغرّات فرصهم من التّرك (5) وأمم الشّرك وطواغى الملل، يدعو إلى المعصية والفرقة والمروق من دين الله إلى الفتنة، مخترعا بهواه للأديان المنتحلة، والبدع المتفرّقة، خسارا وتخسيرا، وضلالا وإضلالا، بغير هدى من الله ولا بيان، ساء ما كسبت يداه، وما الله بظلّام للعبيد، وساء ما سوّلت له نفسه الأمّارة بالسوء، والله من ورائه بالمرصاد، وسيعلم الّذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون.
حصّن (6) جندك، واشكم نفسك بطاعة الله فى مجاهدة أعدائه، وارج نصره، وتنجّز موعوده، متقدّما فى طلب ثوابه على جهادهم، معتزما فى ابتغاء الوسيلة إليه على لقائهم، فإنّ طاعتك إياه فيهم، ومراقبتك له، ورجاءك نصره، مسهّل لك وعوره (7)، وعاصمك من كل سبّة (8)، ومنجيك من كل هوّة، وناعشك (9) من كل صرعة، ومقيلك من كل كبوة، ودارئ (10) عنك كلّ شبهة، ومذهب عنك لطخة
(1) فيه «وتقييدهم عمن مروا به» .
(2)
فيه «وجمام المستجم» والجمام: الراحة، - وجم ماؤه واستجم: كثر واجتمع.
(3)
ورد هذا الفعل فى لسان العرب من باب ضرب، وفى مختار الصحاح من باب نصر.
(4)
وهذا الفعل أيضا ورد فى اللسان ومختار الصحاح والمصباح من باب ضرب وفى القاموس «ونصبه المرض ينصبه بالكسر: أوجعه، والشىء وضعه ورفعه» وعلى هامشه «أى ونصب الشىء من باب كتب فليس من باب ما قبله» قاله الشيخ نصر، فتأمل.
(5)
وفى المنظوم والمنثور «وأرصد عداوة لهم من الترك. الخ» .
(6)
فى المنظوم والمنثور «حض جندك» .
(7)
وفيه «وعوده» وهو تحريف.
(8)
وفيه «سيئة» .
(9)
يقال: نعشه الله كمنعه وأنعشه ونعشه: أى رفعه.
(10)
أى دافع.
كلّ شك، ومقوّيك بكل أيد (1) ومكيدة، ومعزّك فى كل معترك (2) قتال، ومؤيّدك فى كل مجمع لقاء، وكالؤك عند كلّ فتنة مغشية (3)، وحافظك (4) من كل شبهة مردية، والله وليّك وولىّ أمير المؤمنين فيك، والمستخلف على جندك ومن معك (5).
اعلم أن الظّفر ظفران: أحدهما- وهو أعمّ منفعة، وأبلغ فى حسن الذكر قالة، وأحوطه سلامة وأتمّه عافية، وأعوده (6) عاقبة، وأحسن فى الأمور موردا، وأعلاه فى الفضل (7) شرفا، وأصحّه فى الرويّة (8) حزما، وأسلمه عند العامّة مصدرا- ما نيل بسلامة الجنود، وحسن الحيلة، ولطف المكيدة، ويمن النّقيبة (9)، واستنزال طاعة ذوى الصّدوف (10) بغير إخطار (11) الجيوش فى وقدة جمرة الحرب، ومنازلة (12) الفرسان فى معترك الموت، وإن ساعدك الحظّ، ونالك مزيّة السعادة فى الشرف، ففى مخاطرة التّلف مكروه المصائب، وعضاض السيوف، وألم الجراح، وقصاص الحروب وسجالها (13) بمغاورة أبطالها، على أنك لا تدرى لأىّ الفريقين
(1) الأيد: القوة، آديئيد: اشتد وقوى.
(2)
هذه الجملة ساقطة من المنظوم والمنثور.
(3)
وهذه أيضا، وكلأه كمنعه كلأ بالفتح وكلاءة وكلاء بالكسر: حرسه وحفظه، ومغشية أى مغطية للأبصار، يقال غشى الله على بصره وأغشى، ومنه قوله تعالى:(فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) أو هى (مغسية) بالسين من أغسى الليل إذا أظلم: أى فتنة مدلهمة سوداء، أو هى «معشية» بالعين أى تعشى البصر فلا يهتدى إلى طريق الخلاص منها.
(4)
وفى صبح الأعشى «وحائطك» أى سندك.
(5)
هذه الجملة ساقطة من المنظوم والمنثور.
(6)
هذه ساقطة من صبح الأعشى.
(7)
ساقطة من المنظوم والمنثور.
(8)
فى المنظوم والمنثور «فى الرواية» «وأسهله» وهو تحريف.
(9)
النقيبة: النفس.
(10)
ساقطة فى المنظوم والمنثور، وصدف عنه: أعرض.
(11)
معناه إيقاعهم فى الخطر.
(12)
فى صبح الأعشى «ومبارزة» وفيه «وإن ساعدتك طلوق الظفر» والظاهر أنه «وإن ساعدك» بدون تاء التأنيث، والطلوق معناه الانطلاق، يقال: أطلقت الناقة فطلقت أى حل عقالها، وأطلقت الإبل إلى الماء حتى طلقت (كنصر) طلقا وطلوقا أى توجهت إلى الماء.
(13)
يقال: الحرب بينهم سجال: أى نصرتها متداولة بينهم، وأصلها من السجل بالفتح وهو الدلو العظيمة مملوءة: أى سجل منها على هؤلاء وآخر على هؤلاء، والمغاورة مفاعلة من الإغارة، وفى حديث قيس بن عاصم «كنت أغاورهم فى الجاهلية» أى أغير عليهم ويغيرون علىّ، وتغاور القوم:
أغار بعضهم على بعض.
يكون الظفر فى البديهة، ومن المغلوب يالدّولة (1)؟ ولعلك أن تكون المطلوب بالتمحيص، فحاول إصابة أبلغهما فى سلامة جندك ورعيّتك، وأشهرهما صيتا فى بدوّ تدبيرك ورأيك (2)، وأجمعهما لألفة وليّك وعدوّك، وأعونهما على صلاح رعيّتك وأهل ملتك، وأقواهما شكيمة فى حزمك، وأبعدهما من وصم عزمك، وأعلقهما بزمام النجاة فى آخرتك (3)، وأجزلهما ثوابا عند ربك، وابدأ بالإعذار إلى عدوك، والدّعاء لهم إلى مراجعة الطاعة، وأمر الجماعة، وعزّ (4) الألفة، آخذا بالحجة عليهم، متقدما بالإنذار لهم، باسطا أمانك لمن لجأ إليك منهم، داعيا لهم بألين لفظك (5)، وألطف حيلك، متعطّفا برأفتك عليهم، مترفّقا بهم فى دعائك، ومشفقا عليهم من غلبة الغواية لهم، وإحاطة الهلكة بهم، منفذا رسلك إليهم بعد الإنذار، تعدهم إعطاء كل رغبة يهشّ إليها طمعهم فى موافقة الحق، وبسط كلّ أمان سألوه لأنفسهم ومن معهم ومن تبعهم، موطّنا نفسك فيما تبسط لهم من ذلك على الوفاء بوعدك، والصبر على ما أعطيتهم من وثائق عهدك، قابلا توبة نازعهم (6) عن الضلالة، ومراجعة مسيئهم إلى الطاعة، مرصدا للمنحاز إلى فئة المسلمين وجماعتهم إجابة إلى ما دعوته إليه، وبصّرته إياه من حقّك وطاعتك، بفضل المنزلة، وإكرام المثوى، وتشريف الجاه (7) وليظهر من أثرك عليه وإحسانك إليه ما يرغب فى مثله الصّادف عنك، المصرّ على خلافك ومعصيتك، ويدعو إلى الاعتلاق بحبل النجاة، وما هو أملك به فى الاعتصام عاجلا، وأنجى له من العقاب آجلا، وأحوط على دينه ومهجته بدءا وعاقبة، فإن ذلك مما تستدعى به من الله عز وجل نصره عليهم، وتعتضد (8) به فى تقدمة الحجّة إليهم، معذرا ومنذرا إن شاء الله.
(1) الدولة فى الحرب أن تدال إحدى الفئتين على الأخرى، يقال: كانت لنا عليهم الدولة: أى الغلبة والنصرة.
(2)
وفى المنظوم والمنثور «فى بدى رأيك» .
(3)
ساقطة من المنظوم والمنثور.
(4)
فيه «وعرى الألفة» .
(5)
فيه «لطفك» .
(6)
نزع عن الأمر: كف.
(7)
وفيه «الحال» .
(8)
فيه «وتعتصم» .
ثم أذك (1) عيونك على عدوّك، متطلعّا لعلم أحوالهم التى يتقلّبون فيها، ومنازلهم التى هم بها، ومطامعهم التى قد مدّوا أعناقهم نحوها، وأىّ الأمور أدعى لهم إلى الصلح، وأقودها لرضاهم إلى العافية، وأسهلها لاستنزال طاعتهم (2)، ومن أىّ الوجوه مأتاهم.
أمن قبل الشدة والمنافرة والمكيدة والمباعدة والإرهاب والإيعاد، أو الترغيب والإطماع؟
متثبّتا (3) فى أمرك، متخيّرا فى رويّتك، مستمكنا من رأيك، مستشيرا لذوى النصيحة، الذين قد حنّكتهم السّنّ، وخبطتهم التجربة (4)، ونجذّتهم (5) الحروب، متشزّنا (6) فى حربك، آخذا بالحزم فى سوء الظن، معدّا للحذر، محترسا من الغرّة، كأنك- فى مسيرك كلّه ونزولك أجمع (7) - مواقف لعدوك رأى عين، تنتظر حملاتهم، وتتخوّف كرّاتهم (8)، معدّا أقوى مكايدك، وأوهب عتادك (9)، وأنكأ جدّك، وأجدّ تشميرك، معظّما أمر عدوك لأعظم مما بلغك، حذرا يكاد يفرط، لتعدّ له من الاحتراس عظيما، ومن المكيدة قويا، من غير أن يفتأك (10) ذلك عن إحكام أمورك، وتدبير رأيك، وإصدار رويتك، والتأهب لما يحزبك (11)، مصغّرا له بعد استشعار الحذر، واضطمار (12) الحزم، وإعمال الرويّة، وإعداد الأهبة، فإن ألفيت عدوّك كليل
(1) أذكى عليه العيون أرسل عليه الطلائع.
(2)
هذه ساقطة من المنظوم والمنثور.
(3)
فيه «مستنا» وهو تحريف.
(4)
فيه «الذين قد حنكتهم التجربة» . وحنكته السن: أحكمته التجارب.
(5)
رجل منجذ: جرّب الأمور وعرفها وأحكمها.
(6)
تشزن للرمى والأمر: استعد له، وتشزن له: انتصب له فى الخصومة وغيرها.
(7)
فى المنظوم والمنثور «كأنك منزل كله ومنازلك جمع» وهو تحريف.
(8)
فيه «غاراتهم» .
(9)
العتاد: العدة، ونكأ العدو ونكاه ونكى فيه نكاية: قتل وجرح، وفى المنظوم والمنثور «معدا أقوى مكيدتك، وأجد تشميرك، وأرهب عتادك، معظما لأمر عدوك لأكثرهما
…
بفرط تبعة له من الاحتراس عظيما من المكيدة قويا من غير
…
الخ» وهو تحريف.
(10)
فتأه: سكنه وكسره، وفتأ القدر: سكن غليانها.
(11)
حزبه الأمر: اشتد عليه، وفى المنظوم والمنثور «والتأهب لحربك مصغ له» وهو تحريف
(12)
افتعال من الإضمار، وفى المنظوم والمنثور «واطمان الحزم» .
الحدّ، وقم الحزم (1)، نضيض (2) الوفر، لم يضرّك ما اعتددت له من قوة، وأخذت له من حزم، ولم يزدك ذلك إلا جرأة عليه، وتسرّعا إلى لقائه، وإن ألفيته متوقّد الجمر (3) مستكثف الجمع، قوىّ التّبع، مستعلى سورة الجهل، معه من أعوان الفتنة وتبع إبليس من يوقد لهب الفتنة مسعّرا، ويتقدم إلى لقاء أبطالها متسرّعا، كنت لأخذك بالحزم، واستعدادك بالقوة، غير مهين الجند، ولا مفرّط فى الرأى، ولا متلّهف على إضاعة تدبير، ولا محتاج إلى الإعداد، وعجلة التأهّب مبادرة تدهشك، وخوفا يقلقك، ومتى تغترّ بترقيق المرقّقين (4)، وتأخذ بالهوينى فى أمر عدوك لتصغير المصغّرين، ينتشر عليك رأيك، ويكون فيه انتقاض (5) أمرك، ووهن تدبيرك، وإهمال الحزم فى جندك، وتضييع له، وهو ممكن الإصحار، رحب المطلب، قوى العمصة، فسيح المضطرب، مع ما يدخل رعيّتك من الاغترار والغفلة عن إحكام أحراسهم (6)، وضبط مراكزهم، لما يرون فيه من استنامتك (7) إلى الغرّة، وركونك إلى الأمن، وتهاونك بالتدبير، فيعود ذلك عليك فى انتشار الأطراف، وضياع الأحكام، ودخول الوهن، بما لا يستقال محذوره، ولا يدفع مخوفه.
احفظ من عيونك وجواسيسك ما يأتونك به من أخبار عدوّك، وإياك ومعاقبة أحد منهم على خبر إن أتاك به اتّهمته فيه، أو سؤت به ظنا، وأتاك غيره بخلافه، أو أن تكذّبه فيه فتردّه عليه، ولعله أن يكون قد محضك النصيحة وصدقك الخبر،
(1) وقم مصدر بمعنى المفعول أى موقوم الحزم أى مقهوره، من وقم الدابة إذا جذب عنانها لتكف، ووقمه: قهره وكسره وأذله، وفى المنظوم والمنثور «وكم النجوم» وهو تحريف.
(2)
نضيض: قليل، يقال: رجل نضيض اللحم أى قليله، ونض الماء كضرب: سال قليلا قليلا أو خرج رشحا، والنضيض: الماء القليل، والوفر من المال والمتاع: الكثير الواسع، أى قليل العدة.
(3)
فى صبح الأعشى «متوقد الحرب» .
(4)
رققه وأرقة: ضد غلظه أى جعله رقيقا ضئيلا، وفى المنظوم والمنثور «ومتى تعزم على ترقيق التوقير» وهو تحريف.
(5)
الانتقاض: الانتكاث.
(6)
فيه «عن إحكام أسرارهم» .
(7)
استنام إليه: سكن واطمأن.
وكذبك الأول، أو خرج جاسوسك الأول متقدما قبل وصول هذا من عند عدوك.
وقد أبرموا لك أمرا، وحاولوا لك مكيدة، وأرادوا (1) منك غرّة، فازدلفوا (2) إليك فى الأهبة، ثم انتقض بهم رأيهم، واختلف عنهم جماعتهم، فأوردوا (3) رأيا، وأحدثوا مكيدة، وأظهروا قوة، وضربوا موعدا، وأمّوا مسلكا لمدد (4) أتاهم، أو قوة حدثت لهم، أو بصيرة فى ضلالة شغلتهم، فالأحوال بهم متنقّلة فى الساعات، وطوارق الحادثات، ولكن البسهم (5) جميعا على الانتصاح، وارضخ لهم المطامع (6) فإنك لن تستعبدهم بمثلها، وعدهم جزالة المثاوب (7) فى غير ما استنامة منك إلى ترقيقهم أمر عدوك، والاغترار إلى ما يأتونك (8) به، دون أن تعمل رويّتك فى الأخذ بالحزم، والاستكثار من العدّة، واجعلهم أوثق من تقدر عليه، وآمن من تسكن إلى ناحيته، ليكون ما يبرم عدوّك فى كل يوم وليلة عندك، إن استطعت ذلك، فتنقض عليهم برأيك وتدبيرك ما أبرموا (9)، وتأتيهم من حيث أمنوا (10) وتأخذ لهم أهبة ما عليه أقدموا (11)، وتستعد لهم بمثل ما حذروا.
واعلم أن جواسيسك وعيونك ربّما صدقوك، وربما غشوك، وربما كانوا لك وعليك، فنصحوا لك وغشوا عدوك، وغشوك ونصحوا عدوك، وكثيرا ما يصدقونك ويصدقونه، فلا تبدرنّ منك فرطة عقوبة إلى أحد منهم، ولا تعجل بسوء الظن
(1) فيه «وازدادوا» وهو تحريف.
(2)
أى اقتربوا وتقدموا، ومحل هذه الجملة فى المنظوم والمنثور «وإن دفعوا إليك فى الأمر» وصوابه «واندفعوا» .
(3)
فى صبح الأعشى «فأرادوا» .
(4)
فى المنظوم والمنثور «لعدد» .
(5)
أى خالطهم وعاملهم والضمير للجواسيس. لابسه: خالطه.
(6)
رضخ له من ماله: أعطاه، والرضيخة: العطية، وقيل: العطية المقاربة. وقيل القليلة، وفى المنظوم والمنثور «وأن صح لهم المطامع» وهو تحريف.
(7)
جمع مثوبة بالفتح وهى الثواب.
(8)
وفيه «والاغترار بما لم يأتوك به» .
(9)
وفيه «ما لم يرموا» ورم الشىء كنصر وضرب: أصلحه.
(10)
فيه «من حيث أقدموا» .
(11)
ساقطة من المنظوم والمنثور.
إلى من اتّهمته على ذلك، واستنزل نصائحهم بالمياحة والمنالة (1)، وابسط من آمالهم فيك، من غير أن ترى أحدا منهم أنك أخذت من قوله أخذ العامل به والمتّبع له، أو عملت على رأيه عمل الصادر عنه، أو رددته عليه ردّ المكذّب به، المتهم له، المستخفّ بما أتاك منه فتفسد بذلك نصيحته، وتستدعى غشّه، وتجترّ عداوته، واحذر أن يعرفوا فى عسكرك، أو يشار إليهم بالأصابع. وليكن منزلهم على كاتب رسائلك. وأمين سرّك. ويكون هو الموجّه لهم. والمدخل عليك من أردت مشافهته منهم.
واعلم أن لعدوّك فى عسكرك عيونا راصدة. وجواسيس كامنة (2). وأنه لن يقع رأيه عن مكيدتك بمثل ما تكايده (3) به، ويحتال لك كاحتيالك له. ويعدّ لك كإعدادك له فيما تزاوله منه. ويحاولك كمحاولتك إياه فيما تقارعه عنه (4). فاحذر أن يشهر رجل من جواسيسك فى عسكرك. فيبلغ ذلك عدوّك. ويعرف موضعه. فيعدّ له المراصد. ويحتال له بالمكايد، فإن ظفر به فأظهر عقوبته. كسر ذلك ثقات عيونك وخذلهم (5) عن تطلّب الأخبار من معادنها. واستقصائها من عيونها واستعذاب اجتنائها من ينابيعها (6). حتى يصيروا إلى أخذها مما عرض (7) من غير الثّقة ولا المعاينة لقطا لها (8) بالأخبار الكاذبة. والأحاديث المرجفة.
واحذر أن يعرف بعض عيونك بعضا، فإنك لا تأمن تواطؤهم عليك، وممالأتهم (9)
(1) المياحة والميح: الإعطاء، وفعله كضرب، وهذه الجملة ساقطة من المنظوم والمنثور.
(2)
وفى صبح الأعشى «متجسسة» .
(3)
وفى المنظوم والمنثور «وأن رأيه فى مكيدتك مثل ما تكايده به» .
(4)
المقارعة: المضاربة، ومن قوله «فيما تزاوله منه
…
» إلى قوله «تقارعه عنه» ساقط فى المنظوم والمنثور.
(5)
وفيه «وحوله» وصوابه «وحولهم» .
(6)
وهذه الجملة ساقطة منه.
(7)
فيه «عن عرض» .
(8)
فيه «ولا معاينة لغطا لها» وهو تحريف.
(9)
مالأه: شايعه وساعده.
عدوّك، واجتماعهم على غشك، وتطابقهم على كذبك، وإصفاقهم (1) على خيانتك، وأن يورّط بعضهم بعضا عند عدوك، فأحكم أمرهم فإنهم رأس مكيدتك، وقوام تدبيرك، وعليهم مدار حربك، وهو أول ظفرك، فاعمل على حسب ذلك، وحيث رجاؤك (2) به، تنل أملك من عدوك، وقوتك على قتاله، واحتيالك لإصابة غرّاته (3) وانتهاز فرصه إن شاء الله.
فإذا أحكمت ذلك وتقدّمت فى إتقانه، واستظهرت بالله وعونه، فولّ شرطتك وأمر عسكرك أوثق قوّادك عندك، وأظهرهم (4) نصيحة، وأنفذهم بصيرة فى طاعتك، وأقواهم شكيمة فى أمرك، وأمضاهم صريمة (5)، وأصدقهم عفافا، وأجزأهم غناء (6)، وأكفاهم أمانة، وأصحّهم ضميرا، وأرضاهم فى العامة دينا، وأحمدهم عند الجماعة (7) خلقا، وأعطفهم على كافّتهم رأفة، وأحسنهم لهم نظرا، وأشدّهم فى دين الله وحقّه صلابة، ثم فوّض إليه مقوّيا له، وابسط من أمله، مظهرا عنه الرضا، حامدا منه الابتلاء، وليكن عالما بمراكز الجنود، بصيرا بتقدّم المنازل، مجرّبا، ذا رأى وتجربة وحزم فى المكيدة، له نباهة فى الذّكر، وصيت فى الولاية، معروف البيت، مشهور الحسب، وتقدّم إليه فى ضبط معسكره، وإذ كاء أحراسه فى آناء ليله ونهاره، ثمّ حذّره أن يكون منه إذن لجنوده فى الانتشار والاضطراب والتقدم لطلائعك (8)، فتصاب لهم غرّة يجترئ بها عدوّك عليك، ويسرع إقداما إليك، ويكسر من إياد (9) جندك،
(1) أصفقوا عليه: أطبقوا واجتموا.
(2)
فى المنظوم والمنثور «وجنب رجاءك به نيل أملك» وهو تحريف.
(3)
هذه ساقطة منه.
(4)
فيه «وآمنهم نصيحة، وأقدمهم بصيرة» .
(5)
الصريمة العزيمة.
(6)
يقال: أجزأت عنك مجزأ فلان ومجزأته بفتح الميم وتضم فيهما، وأغنيت عنك غناءه بفتح الغين ومغناه ومغنانه بفتح الميم وتضم فيهما: أى كفيت كفايته.
(7)
وفيه «وأرضاهم صبرا. وأحمدهم خلقا، وأعطفهم على جماعتهم رأفة» .
(8)
فيه «للطائع» وهو تحريف.
(9)
وفيه «من أفئدة جنودك» والإياد ككتاب: ما أيد به من شىء أى قوى، والمعقل والكتف الجبل الحصين.
ويوهن من قوتهم، فإن إصابة (1) عدوّك الرجل الواحد من جندك وعبيدك مطمع لهم فيك، مقوّ لهم على شحذ أتباعهم عليك، وتصغيرهم أمرك، وتوهينهم تدبيرك، فحذّره ذلك وتقدّم إليه فيه، ولا يكونن منه إفراط فى التضييق عليهم، والحصر لهم، فيعمّهم أزله (2)، ويشملهم ضنكه، ويسوء عليه حالهم (3)، وتشتد به المؤنة عليهم، وتخبث له ظنونهم، وليكن موضع إنزاله إياهم ضامّا لجماعتهم، مستديرا بهم جامعا لهم (4)، ولا يكون منبسطا منتشرا متبدّدا، فيشق ذلك على أصحاب الأحراس، وتكون فيه النّهزة (5) للعدو، والبعد من المادّة، إن طرق طارق فى فجآت الليل وبغتاته، وأوعز إليه فى أحراسه، وتقدّم (6) إليه فيهم كأشدّ التقدّم، وأبلغ الإيعاز، ومره فليولّ عليهم رجلا ركينا مجرّبا جرئ الإفدام ذاكى (7) الصّرامة، جلد الجوارح، بصيرا بمواضع أحراسه. غير مصانع ولا مشفّع للناس فى التنحى إلى الرفاهية والسّعة وتقدّم العسكر أو التأخر عنه. فإن ذلك مما يضعف الوالى ويوهنه لاستنامته إلى من ولّاه ذلك. وأمنه به على جيشه.
واعلم أنّ مواضع الأحراس من معسكرك. ومكانها من جندك. بحيث الغناء والردّ عليهم، والحفظ لهم. والكلاءة لمن بغتهم طارقا. أو أرادهم مخاتلا. ومراصدها المنسلّ منها. والآبق (8) من أرقّائهم وأعبدهم. وحفظها من العيون والجواسيس من عدوهم. واحذر أن تضرب على يديه أو تشكمه عن الصّرامة بمؤامرتك (9) فى كل
(1) فى صبح الأعشى «فإن الصوت فى إصابة عدوك الرجل
…
الخ».
(2)
الأزل: الضيق والشدة.
(3)
وفى صبح الأعشى «وتسوء عليهم حاله» .
(4)
فى المنظوم والمنثور «مستديرا ضاما جامعا، ولا يكون منتشرا ممتدا» .
(5)
النهزة: الفرصة.
(6)
من هنا إلى قوله «وأبلغ الإيعاز» ساقط من المنظوم والمنثور.
(7)
أى مشتعل. من ذكت النار إذا اشتد لهبها، وفى المنظوم والمنثور «زكى الصرامة» وهو تحريف.
(8)
الآبق: الهارب.
(9)
المؤامرة: المشاورة. وفى المنظوم والمنثور «على الصرامة لمواصرتك» وهو تحريف.
أمر حادث وطارئ. إلا فى المهمّ النازل والحدث العام. فإنك إذا فعلت ذلك به، دعوته إلى نصحك. واستوليت على محض (1) ضميره فى طاعتك. وأجهد نفسه فى تزيينك (2). وأعمل رأيه فى بلوغ موافقتك وإعانتك (3). وكان ثقتك وردأك (4) وقوتك ودعامتك. وتفرغت أنت لمكايدة عدوك. مريحا نفسك من همّ ذلك والعناية به.
ملقيا عنك مؤنة باهظة. وكلفة (5) فادحة. إن شاء الله.
ثم اعلم أن القضاء من الله بمكان ليس به شىء من الأحكام: ولا بمثل (6) محلّه أحد من الولاة. لما يجرى على يديه من مغاليظ الأحكام ومجارى الحدود. فليكن من تولّيه القضاء فى عسكرك من ذوى الخير فى القناعة والعفاف والنّزاهة والفهم والوقار والعصمة والورع. والبصر بوجوه القضايا ومواقعها. قد حنّكته السن. وأيّدته (7) التجربة. وأحكمته الأمور. ممن لا يتصنّع للولاية. ويستعدّ للنّهزة وبجترئ على المحاباة فى الحكم. والمداهنة فى القضاء. عدل الأمانة. عفيف الطّعمة (8). حسن الإنصات (9) فهم القلب. ورع الضمير. متخشّع السّمت (10). بادى (11) الوقار. محتسبا (12) للخير.
ثم أجر عليه ما يكفيه ويسعه ويصلحه، وفرّغه لما حمّلته وأعنه على ما ولّيته، فإنك قد عرّصته لهلكة الدنيا وبوار (13) الآخرة، أو شرف العاجلة وحظوة الآجلة، إن حسنت نيّته، وصدقت رويته، وصحّت سريرته، وسلّط حكم الله على رعيته، مطلقا عنانه (14)، منفّذا قضاء الله فى خلقه؛ عاملا بسنّته فى شرائعه، آخذا بحدوده
(1) فى صبح الأعشى «على محصول ضميره» .
(2)
فى الأصل: «ترتيبك» .
(3)
هذه الجملة ساقطة من المنظوم والمنثور.
(4)
الردء: العون، وفيه «وزينك» .
(5)
فيه «وسلفة» وهو تحريف.
(6)
فيه «بمثله» .
(7)
أى فوته.
(8)
الطعمة: المأكلة.
(9)
وفى صبح الأعشى «الإنصاف» .
(10)
السمت: هيئة أهل الخبر.
(11)
فى المنظوم والمنثور «هادى الوقار» .
(12)
احتسب به أجرا عند الله: اعتده ينوى به وجه الله.
(13)
فى المنظوم والمنثور «وثواب الآخرة» وهو تحريف.
(14)
ساقطة من المنظوم والمنثور.
وفرائضه، واعلم أنه من جندك ومعسكرك بحيث ولايتك وفى الموضع الجارية أحكامه (1) عليهم، النافذة أقضيته بينهم، فاعرف من توليه ذلك وتسنده إليه إن شاء الله.
ثم تقدّم فى طلائعك، فإنها أول مكيدتك، ورأس حربك، ودعامة أمرك، فانتخب لها من كل قادة وصحابة: رجالا ذوى نجدة وبأس، وصرامة وخبرة، حماة كفاة، قد صلوا (2) بالحرب، وتذاوقوا سجالها، وشربوا مرار كئوسها، وتجرّعوا غصص درّتها (3) وزبنتهم (4) بتكرار عواطفها، وحملتهم على أصعب مراكبها، وذللّتهم بثقاف أودها (5)، ثم انتقهم (6) على عينك، واعرض كراعهم (7) بنفسك، وتوخّ فى انتقائك ظهور الجلد، وشهامة الخلق، وكمال الآلة (8)، وإياك أن تقبل من دوابهم إلا إناث الخيول مهلوبة (9)، فإنها أسرع طلبا وأنجى مهربا، وألين معطفا (10)، وأبعد فى اللّحوق غاية، وأصبر فى معترك الأبطال إقداما، وخذهم (11) من السلاح بأبدان الدّروع، ماذيّة الحديد، شاكّة (12) النّسج، متقاربة الحلق، متلاحمة المسامير وأسوق الحديد، مموّهة الرّكب، محكمة الطّبع (13)، خفيفة الصّوغ،
(1) فى صبح الأعشى «بحيث ولايتك، الجارية أحكامه الخ» .
(2)
صلى النار وبها: قاسى حرها.
(3)
الدرة: اللبن.
(4)
أى دفعتهم، وفى المنظوم والمنثور «وزنبتهم بتكرارها» .
(5)
هذه الجملة ساقطة منه، والثقاف: ما تسوى به الرماح.
(6)
فيه «ثم اتبعتهم» وهو تحريف.
(7)
الكراع. اسم يجمع الخيل.
(8)
فيه «وسماحة الخلق» وفيه أيضا» وجمال الآلة».
(9)
الأهلب: الذنب المنقطع، والذى لا شعر عليه (والكثير الشعر، ضد).
(10)
ساقطة من المنظوم والمنثور.
(11)
فى المنظوم والمنثور «ونجذهم» وهو تحريف، والأبدان جمع بدن بالتحريك: وهو الدرع من الزرد، قيل هى الدرع القصيرة على قدر الجسد، وقيل هى الدرع عامة، والإضافة فيه على حد «حق اليقين، وحب الحصيد» من إضافة الشىء إلى ما بمعناه لاختلاف اللفظين، والماذى والمادية:
الدرع اللينة السهلة.
(12)
الشك: الاتصال واللصوق، والمعنى محكمة النسج، والحلق بكسر الحاء وفتحها: جمع حلقة بالفتح وتسكين اللام، وأسوق جمع ساق.
(13)
من طبع السيف والدرهم: أى عملهما.
وسواعد طبعها هندىّ، وصوغها فارسىّ، رقاق المعاطف بأكفّ وافية (1)، وعمل محكم، ويلق (2) البيض مذهبة ومجرّدة، فارسيّة الصّوغ، خالصة الجوهر، سابغة (3) الملبس، واقية الجنن (4)، مستديرة الطّبع، مبهمة السّرد (5)، وافية الوزن، كتريك (6) النعام فى الصّنعة، واستدارة التّقبيب، واستواء الصّوغ (7) معلمة بأصناف الحرير وألوان الصّبغ، فإنها أهيب لعدوهم، وأفتّ (8) لأعضاد من لقيهم، والمعلم (9) مخشىّ محذور له بديهة رادعة (10)، وهيبة هائلة (11)، معهم السيوف الهندية، وذكور (12) البيض اليمانية، رقاق الشّفرات، مسمومة الشحذ غير كليلة الحدّ (13)، مشطّبة الضرائب (14)، معتدلة الجواهر، صافية الصفائح، لم يدخلها وهن الطبع، ولا عابها أمت (15) الصّوغ،
(1) فى صبح الأعشى «واقية» .
(2)
اليلق: الأبيض من كل شىء والبيضة من السلاح سميت بذلك لأنها على شكل بيضة النعام، وفى صبح الأعشى «ويلمق البيض» واليلمق كجعفر: القباء، والأولى أنسب.
(3)
درع سابغة: تامة طويلة.
(4)
الجنن: جمع جنة بالضم، وهى ما استترت به من سلاح، وفى المنظوم والمنثور «وافية اللين»
(5)
سرد الدرع: نسجها، وهو تداخل الحلق بعضها فى بعض. والمبهم: الصمت.
(6)
التريك والترائك: جمع تريكة كسفينة، وهى البيضة بعد أن يخرج منها الفرخ، أو بخص بالنعام
(7)
قوله «واستدارة التقبيب، واستواء الصوغ» ساقط من المنظوم والمنثور.
(8)
فت فى ساعده وفى عضده: أضعفه.
(9)
أعلم الفرس: علق عليها صوفا ملونا فى الحرب، وأعلم نفسه. وسمها بسيمى الحرب كعلمها
(10)
فى المنظوم والمنثور «وادعه» وهو تحريف.
(11)
هذه ساقطة منه.
(12)
الذكر بالتحريك: أيبس الحديد وأجوده. والشفرة: حد السيف.
(13)
فى المنظوم والمنثور «مسنونة الشحذ، غير كليلة الحد» وفى صبح الأعشى ومفتاح الأفكار «مسنونة الشحذ» فقط، وأراه محرفا، وصوابه كما أوردته وستتكرر الأولى فى أواخر الرسالة وشحذ السكين: أحدّها.
(14)
سيف مشطب ومشطوب: فيه شطب، وشطب السيف بضم الشين والطاء وفتحها وشطوبه:
طرائقه التى فى متنه، جمع شطبة كلقمة وهمزة ورفعة، والضرائب جمع ضريبة: وهى ما ضربته بالسيف وربما سمى السيف نفسه ضريبة وهو المراد هنا.
(15)
الأمت: الضعف والوهن والعوج والاختلاف فى الشىء.
ولا شانها خفّة الوزن، ولا فدح حاملها بهور (1) الثّقل، قد أشرعوا لدن القنا (2)، طوال الهوادى؛ مقوّمات الأود (3)، زرق الأسنّة، مستوية الثّعالب (4)، وميضها متوقّد، وسنخها (5) متلهب، معاقص عقدها منحوتة (6)، ووصوم (7) أودها مقوّمة، وأحباسها مختلفة، وكعوبها جعدة (8)، وعقدها حبكة (9)، شطبة الأسنان (10)، محكمة الجلاء (11)، مموّهة الأطراف، مستحدة الجنبات، دقاق الأطراف، ليس فيها التواء أود، ولا أمت وصم؛ ولا بها مسقط عيب، ولا عنها وقوع أمنيّة، مستحقى (12) كنائن النّبل وقسىّ الشّوحط والنّبع، أعرابيّة التّعقيب (13)، روميّة النّصول، مسمومة
(1) فدحه: أثقله، والبهور والبهر بالفتح: التكليف فوق الطاقة.
(2)
شرع الرمح وأشرعه: سدده، والقنا: الرماح، جمع قناة، ولدن بالضم جمع لدن بالفتح:
وهو اللين من كل شىء، والهادية من كل شىء أوله وما تقدم منه، والهادية والهادى: العنق لأنها تتقدم على البدن، والجمع هواد.
(3)
ساقطة من المنظوم والمنثور.
(4)
جمع ثعلب: وهو طرف الرمح الداخل فى جبة السنان.
(5)
سنخ النصل: الحديدة التى تدخل فى رأس السهم، وفى المنظوم والمنثور ومفتاح الأفكار «وشحذها متلهب» .
(6)
معاقص، جمع معقص كمنزل، اسم مكان من العقص، وأصله: لى الشعر وإدخال أطرافه فى أصوله، والمعنى أن عقدها مستوية محكمة البرى، بدليل قوله بعد «ووصوم أودها مقومة» (وأما تفسيرها بأنها جمع معقص كمنبر: وهو السهم المعوج، وما ينكسر نصله فيبقى سنخه فى السهم فيخرج ويضرب حتى يطول، فلا يستقيم به المعنى).
(7)
وصوم: جمع وصم بالفتح، وهو العقدة فى العود والعيب.
(8)
كعوب: جمع كعب بالفتح، وهو من القصب، والقنا: الأنبوبة بين العقدتين، وقيل هو عقدة ما بين الأنبوبين، وجعدة: أى قوية متينة، يقال ناقة جعدة: أى مجتمعة الخلق شديدة ورجل جعد:
أى مجتمع شديد.
(9)
الحبكة: الحبل يشد به على الوسط، والمعنى على التشبيه أى وعقدها محكمة قوية، أو هى حبيكة من الحبك وهو الشد والإحكام وتحسين أثر الصنعة فى الثوب، حبكه كنصر وضرب فهو حبيك ومحبوك.
(10)
أى طويلة. الشطب من الرجال والخيل: الطويل الحسن الخلق، وفى مفتاح الأفكار «سبطة» أى طويلة أيضا.
(11)
هذه ساقطة من صبح الأعشى.
(12)
استحقبه واحتقبه: احتمله، والكنائن: جمع كنانة بالكسر، وهى جعبة السهام بفتح الجيم، والشوحط: شجر تتخذ منه القسى، أو ضرب من النبع، والنبع: شجر تتخذ منه القسى أيضا، وتتخذ من أغصانه السهام.
(13)
العقب بالتحريك: العصب الذى تعمل منه الأوتار، وعقب السهم والقوس عقبا بالفتح: لوى شيئا من العقب عليه.
الصّوغ، ولتكن سهامها على خمس قبضات سوى النّصول (1)، فإنها أبلغ فى الغاية، وأنفذ فى الدروع، وأشكّ (2) فى الحديد، سامطين حقائبهم على متون خيولهم، مستخفّين من الآلة والأمتعة والزاد، إلّا ما لا غناء بهم عنه.
واحذر أن تكل مباشرة عرضهم وانتخابهم إلى أحد من أعوانك أو كتّابك فإنك إن وكلته إليهم أضعت مواضع الحزم، وفرّطت حيث الرأى، ووقفت دون عزم الروية (3)، ودخل عملك ضياع الوهن، وخلص إليك عيب المحاباة، وناله فساد المداهنة، وغلب عليه من لا يصلح أن يكون طليعة للمسلمين، ولا عدّة ولا حصنا يدّرئون به، ويكتهفون بموضعه (4). واعلم أن الطلائع حصون المسلمين وعيونهم، وهم أول مكيدتك، وعروة أمرك، وزمام حربك، فليكن اعتناؤك بهم وانتقاؤك إياهم (5) بحيث هم من مهمّ عملك، ومكيدة حربك، ثم انتخب للولاية عليهم رجلا بعيد الصّوت (6)، مشهور الاسم، ظاهر الفضل (7)، نبيه الذّكر، له فى العدوّ وقعات معروفات، وأيام طوال وصولات متقدّمات، قد عرفت نكايته، وحذرت شوكته، وهيب صوته، وتنكّب لقاؤه، أمين السّريرة، ناصح الجيب (8)، قد بلوت منه ما يسكنك إلى ناحيته، من لين الطّاعة (9)، وخالص المودّة، ونكاية (10) الصّرامة، وغلوب الشّهامة، واستحماع القوة، وحصافة التدبير، ثم تقدّم إليه فى حسن
(1) من قوله «مسمومة إلى سوى النصول» ساقط من المنظوم والمنثور».
(2)
أى أدخلا، وسمط الشىء كضرب ونصر: علقه.
(3)
فى المنظوم والمنثور «دون الحزم» .
(4)
فيه «ويكتفون.
(5)
هذه ساقطة منه.
(6)
الصوت والصيت والصات: الذكر الحسن.
(7)
فيه «مشهور الفضل» .
(8)
الجيب: طوق القميص، وفلان ناصح الجيب يعنى بذلك قلبه وصدره: أى أمين، وفيه «ناصح الغيب» .
(9)
فيه «من لين طباعه» .
(10)
فى صبح الأعشى «وركانة الصرامة» وركن إليه ركونا وركانة: سكن إليه ومال والمعنى يركن إليه فى الشدة.
سياستهم، واستنزال طاعتهم، واجتلاب مودتهم، واستعذاب (1) ضمائرهم، وأجر عليهم وعليه أرزاقا تسعهم، وتمد من أطماعهم، سوى أرزاقهم فى العامة، فإن ذلك من القوة لك عليهم، والاستنامة إلى ما قبلهم.
واعلم أنهم فى أهمّ الأماكن لك، وأعظمها غناء عنك وعمّن معك، وأقمعها كبتا لمحادّك، وأشجاها غيظا لعدوك (2)، ومن يكن فى الثقة، والجلد، والبأس، والطاعة، والقوة، والنصيحة، والعدّة والنّجدة، حيث وصف لك أمير المؤمنين وأمرك (3) به، يضع عنك مئونة الهمّ، ويرخ من خناقك (4) روع الخوف، وتلتجئ إلى أمر منيع (5)، وظهر قوى، ورأى حازم، تأمن به فجآت عدوك، وغرّات بغتاتهم، وطوارق أحدائهم (6)، ويصير إليك علم أحوالهم ومتقدمات خيولهم، فانتخبهم رأى عين، وقوّهم بما يصلحهم من المنالات والأطماع والأرزاق، واجعلهم منك بالمنزل الذى هم به من محارز علاقتك (7)، وحصانة كهوفك، وقوة سيّارة عسكرك.
وإياك أن تدخل فيهم أحدا بشفاعة، أو تحتمله على هوادة، أو تقدّمه لأثرة، أو أن يكون مع أحد منهم بغل نفل (8)، أو أفضل من ظهر، أو ثقل فادح، فتشتد عليهم مؤنة أنفسهم، ويدخلهم كلال السّآمة فيما يعالجون من أثقالهم، ويشتغلون به عن عدوهم، إن دهمهم منه رائع (9)، أو فجأهم منه طليعة، فتفقّد ذلك محكما له،
(1) من استعذب القوم ماءهم: إذا استقوه عذبا، والمعنى استمالة ضمائرهم واستهواؤها، وفى المنظوم والمنثور «واستعداد» وهو تحريف.
(2)
فى المنظوم والمنثور «وأقمعها كمتا، وأشجى لعدوك» وفيها تحريف.
(3)
وفيه «ومتى يكون فى البأس والثقة والجلد والطاعة والقوة والنصيحة حيث وصفت لك وأمرتك به تضع عنك
…
الخ».
(4)
الخناق بالكسر والضم: الحلق.
(5)
فيه «إلى أمر متين» «وأمر حارم» .
(6)
قوله «وغرات بغتاتهم، وطوارق فى أحداثهم» ساقط من المنظوم والمنثور.
(7)
وحرزه: حفظه، أو هو إبدال والأصل حرسه.
(8)
النفل والنافلة: الزيادة، كذلك، والثقل: متاع المسافر.
(9)
أى أمر رائع.
وتقدّم فيه آخذا بالحزم فى إمضائه، أرشدك الله لإصابة الحظ، ووفّقك ليمن التدبير، وقصد بك لأسهل الرأى وأعوده نفعا فى العاجل والآجل، وأكبته لعدوك وأشجاه لهم، وأردعه لعاديتهم (1).
ولّ درّاجة (2) عسكرك وإخراج أهله إلى مصافّهم ومراكزهم رجلا من أهل بيوتات الشرف، محمود الخبرة، معروف النجدة، ذا سنّ وتجربة، ليّن الطاعة، قديم النصيحة، مأمون السريرة، له بصيرة فى الحق نافذة تقدّمه، ونيّة صادقة عن الإدهان (3) تحجزه، واضمم إليه عدّة نفر من ثقات جندك وذوى أسنانهم يكونون شرطة معه، ثم تقدّم إليه فى إخراج المصافّ، وإقامة الأحراس، وإذ كاء العيون، وحفظ الأطراف، وشدة الحذر، ومره فليضع القواد بأنفسهم مع أصحابهم فى مصافّهم، كلّ قائد بإزاء موضعه، وحيث منزله، قد شدّ (4) ما بينه وبين صاحبه بالرّماح (5) شارعة، والتّراس موضونة (6) والرجال راصدة، ذاكية الأحراس، وجلة الرّوع، خائفة طوارق العدو وبياته (7)، ثم مره فليخرج كلّ ليلة قائدا فى أصحابه أو عدّة منهم إن كانوا كثيرا، على غلوة (8) أو غلوتين من عسكرك، منتبذا (9) عنك، محيطا بمنزلك، ذاكية أحراسه، قلقة التّردّد، مفرطة الحذر، معدّة للرّوع، متأهّبة للقتال، آخذة على أطراف العسكر ونواحيه، متفرقين فى اختلافهم كردوسا كردوسا (10)، يستقبل بعضهم بعضا فى الاختلاف، ويكسع تال (11) متقدّما فى التردد
(1) من قوله «وقصد بك
…
إلى قوله وأردعه لعاديتهم» ساقط من المنظوم والمنثور.
(2)
دراجة عسكرك كقوله قبل «سيارة عسكرك» من درج كنصر: أى مشى، والمصاف جمع مصف وهو موضع الصف.
(3)
الإدهان: الغش وإظهار خلاف ما يضمر.
(4)
فى المنظوم والمنثور «قد سد»
(5)
شرعت الرماح كقطع: تسددت، فهى شارعة وشوارع، وشرعها وأشرعها فهى مشروعة ومشرعة.
(6)
وضن الشىء كوعد فهو موضون ووضين: ثنى بعضه على بعض وضاعفه ونضده.
(7)
بيت العدو: أوقع بهم ليلا.
(8)
الغلوة: رمية سهم أبعد ما يقدر عليه» قيل هى ثلثمائة ذراع إلى أربعمائة.
(9)
قوله «منتبذا عنك» ساقط من المنظوم والمنثور وانتبذ عنه: تنحى.
(10)
الكردوس: القطعة العظيمة من الخيل، وكردس القائد خيله: جعلها كتيبة كتيبة.
(11)
كسعه كمنعه: ضرب دبره بيده أو بصدر قدمه.
واجعل ذلك بين قوادك وأهل عسكرك نوبا معروفة، وحصصا مفروضة، لا تعر (1) منها مزدلفا منك بمودّة، ولا تتحامل فيه على أحد بموجدة، إن شاء الله تعالى.
فوّض إلى أمراء أجنادك وقوّاد خيلك أمور أصحابهم، والأخذ على قافية (2) أيديهم، رياضة منك لهم على السمع والطاعة لأمرائهم، والاتباع لأمرهم، والوقوف عند نهيهم، وتقدّم إلى أمراء الأجناد فى النوائب التى ألزمتهم إياها، والأعمال التى استنجدتهم لها، والأسلحة والكراع التى كتبتها عليهم، واحذر اعتلال أحد من قوادك عليك بما يحول بينك وبين تأديب جندك، وتقويمهم لطاعتك، وقمعهم عن الإخلال بمراكزهم لشىء مما وكّلوا به من أعمالهم، فإن ذلك مفسدة للجند، مفثأة للقوّاد عن الجد والإيثار للمناصحة (3)، والتقدم فى الأحكام.
واعلم أن فى استخفافهم بقوادهم، وتضييعهم أمر رؤسائهم، دخولا للضّياع على أعمالك، واستخفافا بأمرك الذى يأتمرون به، ورأيك الذى ترتئى، وأوعز إلى القّوّاد أن لا يقدم أحد منهم على عقوبة أحد من أصحابه إلّا عقوبة تأديب وتقويم ميل، وتثقيف أود، فأمّا عقوبة تبلغ تلف المهج وإقامة حدّ فى قطع، أو إفراط فى ضرب، أو أخذ مال، أو عقوبة فى شعر (4)، فلا يليّن ذلك من جندك أحد غيرك، أو صاحب شرطتك، بأمرك، وعن رأيك، وإذنك، ومتى لم تذلّل الجند لقوادهم؟ وتضرعهم (5) لأمرائهم، توجب عليك لهم الحجّة بتضييع- إن كان منهم- لأمرك، أو خلل- إن تهاونوا به- من عملك، أو عجز- إن فرط منهم- فى شىء وكلّتهم به أو أسندته إليهم، ولا تجد إلى الإقدام عليهم باللوم وعضّ العقوبة مجازا
(1) أى لا تخل، وفى المنظوم والمنثور «لا يعد منه» وهو تحريف.
(2)
قافية الرأس: مؤخره، وقيل وسطه، وقافية كل شىء آخره، ومنه قافية بيت الشعر.
(3)
مفثأة: مفعلة من فثأه إذا سكنه وكسره، وفثأ القدر: سكن غليانها، وفى المنظوم والمنثور «فإن ذلك مفسدة للجند، معى للقواد عن الجد والمناصحة» ومعى: معجز.
(4)
أى جلد على شعر الجسد، وفى المنظوم والمنثور «فى سفر» وهو تحريف.
(5)
أى تذلل.
تصل به إلى تعنيفهم، بتفريطك فى تذليل أصحابهم لهم، وإفسادك إياهم عليك وعليهم، فانظر فى ذلك نظرا محكما، وتقدّم فيه برفقك تقدّما بليغا، وإياك أن يدخل حزمك وهن، أو يشوب عزمك إيثار، أو يخلط رأيك ضياع، والله يستودع أمير المؤمنين نفسك ودينك (1).
إذا كنت من عدوك على مسافة دانية، وسنن (2) لقاء مختصر، وكان من عسكرك مقتربا، قد شامت (3) طلائعك مقدّمات ضلالته، وحماة فتنته، فتأهّب أهبة المناجز، وأعدّ إعداد الحذر، وكتّب خيولك، وعبّ جنودك، وإياك والمسير إلا فى مقدّمة وميمنة وميسرة وساقة (4)، قد شهروا الأسلحة، ونشروا البنود (5) والأعلام، وعرّف جندك مراكزهم سائرين تحت ألويتهم، قد أخذوا أهبة القتال، واستعدوا للّقاء، ملتجئين (6) إلى مواقفهم، عارفين بمواضعهم فى مسيرهم ومعسكرهم، وليكن ترحّلهم وتنزّلهم على راياتهم وأعلامهم ومراكزهم، قد عرّف كلّ قائد منهم أصحابه مواقفهم، من الميمنة والميسرة والقلب والسّافة والطّليعة، لازمين لها، غير مخلّين بما استنجدتهم له، ولا متهاونين بما أهبت بهم إليه، حتى تكون عساكرك فى كل منهل تصل إليه، ومسافة تجتازها (7)، كأنها عسكر واحد فى اجتماعها على العدوّ وأخذها بالحزم، ومسيرها على راياتها، ونزولها على مراكزها، ومعرفتها بمواضعها، إن أضلّت دابة موضعها، عرف أهل العسكر: من أى المراكز هى؟ ومن صاحبها؟
وفى أى المحل حلوله منها؟ فردّت إليه هداية معروفة بسمت صاحب قيادتها (8)، فإن
(1) فى المنظوم والمنثور «وإياك أن يدخل حزمك وهن أول عزمك أمارا من رأيك ضياع والله أستودع دينا فى نفسك» وهو تحريف.
(2)
السنن: الطريق.
(3)
نظرت، وأصله من شام البرق: إذا نظر إليه أين يقصد وأين يمطر.
(4)
الساقة: مؤخرة الجيش.
(5)
البنود جمع بند بالفتح وهو العلم الكبير.
(6)
فى المنظوم والمنثور «ملحين» وهو تحريف.
(7)
فى صبح الأعشى والمنظوم والمنثور «تختارها» وهو تصحيف، وفى مفتاح الأفكار «ومفازة تجتازها» .
(8)
وفى المنظوم والمنثور «هداية ومعرفة ونسبة قيادة صاحبها» .
تقدّمك فى ذلك، وإحكامك له، طارح عن جندك مئونة الطلب، وعناية المعرفة، وابتغاء الضّالّة.
ثم اجعل على ساقتك أوثق أهل عسكرك فى نفسك صرامة ونفاذا، ورضا فى العامة، وإنصافا من نفسه للرعية، وأخذا بالحق فى المعدلة، مستشعرا تقوى الله وطاعته، آخذا بهديك وأدبك، واقفا عند أمرك ونهيك، معتزما على مناصحتك وتزيينك، نظيرا لك فى الحال، وشبيها بك فى الشّرف، وعديلا فى الموضع، ومقاربا فى الصّيت (1)، ثم أكثف (2) معه الجمع، وأيّده بالقوة، وقوّة بالظهر، وأعنه بالأموال، واعمده (3) بالصلاح، ومره بالعطف على ذوى الضعف من جندك، ومن أزحفت (4) به دابته، وأصابته نكبة من مرض أو رجلة (5) أو آفة، من غير أن يأذن لأحد منهم فى التنحّى عن عسكره، أو التخلّف بعد ترحّله، إلا لمجهود سقما، أو لمطروق بآفة جائحة، ثم تقدّم إليه محذّرا، ومره زاجرا، وانهه مغلظا، فى الشدة على من مرّ به منصرفا عن معسكرك من جندك بغير جوازك، شادّا لهم أسرا، وموقرهم (6) حديدا، ومعاقبهم موجعا، وموجّههم إليك فتنهكهم (7) عقوبة، وتجعلهم لغيرهم من جندك عظة.
واعلم أنه إن لم يكن بذلك الموضع من تسكن إليه، واثقا بنصيحته، عارفا ببصيرته (8)، قد بلوت منه أمانة تسكنك إليه، وصرامة تؤمنك مهانته، ونفاذا فى أمرك يرخى عنك خناق الخوف فى إضاعته، لم يأمن أمير المؤمنين تسلل الجند عنك
(1) فى صبح الأعشى «فى السب» والأولى أنسب.
(2)
أى اجعله كثيفا، وفى المنظوم والمنثور «اكشف» وهو تحريف.
(3)
عمده كضرب: أقامه بعماد: أى قوه بالسلاح، وفى المنظوم والمنثور «واغمره» .
(4)
أزحف البعير: أعيا، وفيه «ومن رخفت» ورخف العجين كنصر وفرح وكرم: استرخى
(5)
رجل الرجل كفرح فهو راجل ورجلان: إذا لم يكن له ظهر يركبه.
(6)
أوقره: أثقله.
(7)
نهكه عقوبة كسمعه وأنهكه: بالغ فى عقوبته.
(8)
هذه ساقطة من صبح الأعشى.
لواذا (1)، ورفضهم مراكزهم، وإخلالهم بمواضعهم، وتخلّفهم عن أعمالهم، آمنين تغيير ذلك عليهم، والشدة على من اجترمه (2) منهم، فأوشك ذلك فى وهنك، وخذل من قوتك، وقلّل من كثرتك.
اجعل خلف ساقتك رجلا من وجوه قوّادك، جليدا ماضيا، عفيفا صارما، شهم الرأى، شديد الحذر، شكيم القوة، غير مداهن فى عقوبة، ولا مهين (3) فى قوة، فى خمسين فارسا من خيلك، يحشر إليك جندك، ويلحق بك من يتخلّف عنك، بعد الإبلاغ فى عقوبتهم، والنّهك لهم، والتنكيل بهم، وليكن بعقوتك (4) فى المنزل الذى ترتحل عنه، والمنهل الذى تتقوّض منه، مفرطا فى النقض له، والتتبع لمن تخلف عنك به، مشتدا فى أهل المنزل وساكنه بالتقدّم، موعزا إليهم فى إزعاج الجند عن منازلهم وإخراجهم من مكامنهم، وإيعاد العقوبة الموجعة والنّكال المبسل (5) فى الأشعار والأبشار، واستصفاء الأموال، وهدم العقار، لمن آوى منهم أحدا، أو ستر موضعه، وأخفى محلّه، وحذّره عقوبتك إياه فى الترخيص لأحد، والمحاباة لذى قرابة والاختصاص بذلك لذى أثرة وهوادة، وليكن فرسانه منتخبين فى القوة، معروفين بالنجدة، عليهم سوابغ الدروع، دونها شعار الحشو وجبب الاستجنان (6)، متقلدين سيوفهم، سامطين كنائنهم، مستعدّين لهيج أن يبدههم، أو كمين أن يظهر لهم وإياك أن تقبل فى دوابهم إلا فرسا قويا، أو برذونا وثيجا (7)، فإن ذلك من أقوى القوة
(1) بأن يستتر بعضهم ببعض حتى يخرج، أو يلوذ بأحد فينطلق معه كأنه تابعه، وهو منصوب على الحال مصدر بمعنى اسم الفاعل.
(2)
فى المنظوم والمنثور «على من اخترمه منهم ما
…
ذلك فى وهنك، وأحدل من قوتك».
(3)
المهين: الضعيف الحقير.
(4)
العقوة: الساحة وما حول الدار والمحلة.
(5)
أبله: أسلمه للتهلكة، وفى المنظوم والمنثور «والنكاء المبسل- فى الأشعار واصفا الأموال» وهو تحريف، واستصفى ماله: أخذ منه صفوه.
(6)
استجن: استتر، وفى المنظوم والمنثور «وحبب الاستحبات» وهو تحريف.
(7)
البراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العرب، والوثيج: المكتنز، وقد وثج ككرم وثاجة.
لهم، وأعون الظهير (1) على عدوهم، إن شاء الله.
ليكن رحيلك إبّانا (2) واحدا، ووقتا معلوما، لتخفّ المئونة بذلك على جندك، ويعلموا أوان رحيلهم، فيقدّموا فيما يريدون من معالجة أطعمتهم، وأعلاف دوابّهم، وتسكن أفئدتهم إلى الوقت الذى وقفوا عليه. ويطمئن ذوو الرأى (3) إلى إبان الرحيل ومتى يكن رحيلك مختلفا، تعظم المؤنة عليك وعلى جندك، ويخلّوا بمراكزهم (4)، ولا يزال ذوو السّفه والنّزق يترحّلون بالإرجاف (5)، وينزلون بالتوهّم، حتى لا ينتفع ذو رأى بنوم ولا طمأنينة.
إياك أن تظهر استقلالا، أو تنادى (6) برحيل من منزل تكون فيه، حتى تأمر صاحب تعبئتك بالوقوف بأصحابه على معسكرك، أخذا بفوّهة جنبتيه (7) بأسلحتهم، عدّة لأمر إن حضر، أو مفاجأة من طليعة للعدو إن رأت منكم نهزة، أو لمحت عندكم غرّة، ثم مر الناس بالرحيل، وخيلك واقفة، وأهبتك معدّة، وجنّتك واقية، حتى إذا استقللتم (8) من معسكركم، وتوجّهتم من منزلكم، سرتم على تعبيتكم، بسكون ريح، وهدوّ حملة، وحسن دعة.
فإذا انتهيت إلى منهل أردت نزوله، أو هممت بالمعسكر به، فإياك ونزوله إلا بعد العلم بأهله، والمعرفة بمرافقه، ومر صاحب طليعتك أن يعرف (9) لك أحواله، ويستثير لك علم دفينه، ويستبطن علم أموره، ثم ينهيها إليك على ما صارت إليه لتعلم: كيف احتماله لعسكرك؟ وكيف ماؤه وأعلافه (10)، وكيف موضع عسكرك منه؟ وهل لك
(1) فى صبح الأعشى «وأعون الظهرى» وقد تقدم معناه.
(2)
أى وقتا.
(3)
فى المنظوم والمنثور «ذوا
…
إبان الرحيل».
(4)
هذه الجملة ساقطة من صبح الأعشى.
(5)
النزق: الطيش والخفة، وأرجف القوم فى الشىء وبه إرجافا: أكثروا من الأخبار السيئة واختلاف الأقوال الكاذبة، حتى يضطرب الناس منها.
(6)
فى المنظوم والمنثور «إياك أن تنادى» .
(7)
فى صبح الأعشى «آخذا بجنبتى فوهته» .
(8)
استقل القوم: ذهبوا وارتحلوا.
(9)
فى المنظوم والمنثور «إلا بعد العلم أن يعرف لك أحواله أو يسير علم دفينه» .
(10)
فيه «وكيف مأواه وأعلامه» وهو تحريف.
- إن أردت مقاما به، أو مطاولة عدوك ومكايدته فيه- قوة تحملك، ومدد يأتيه، فإنك إن لم تفعل ذلك لم تأمن أن تهجم على منزل يعجزك ويزعجك منه ضيق مكانه، وقلة مياهه، وانقطاع موادّه، إن أردت بعدوك مكيدة، أو احتجت من أمرهم إلى مطاولة، فإن ارتحلت منه كنت غرضا لعدوك؛ ولم تجد إلى المحاربة والأخطار سبيلا، وإن أقمت به أقمت على مشقة وحصر، وفى أزل وضيق، فاعرف ذلك وتقدّم فيه.
فإذا أردت نزولا أمرت صاحب الخيل التى وكّلت بالناس (1)، فوقفت خيله، متنحّية من معسكرك، عدّة لأمر إن غالك (2)، ومفزعا لبديهة إن راعتك، فقد أمنت بحمد الله وقوته (3) فجأة عدوك، وعرفت موقعها من حرزك (4)، حتى يأخذ الناس منازلهم، وتوضع الأثقال مواضعها، ويأتيك خبر طلائعك، وتخرج دبّابتك (5) من معسكرك درّاجة ودبّابا (6) محيطين بعسكرك، وعدّة لك إن احتجت إليهم؛ وليكن دبّاب جندك أهل جلد وقوة، قائدا أو اثنين أو ثلاثة بأصحابهم، فى كل ليلة ويوم، نوبا بينهم، فإذا غربت الشمس، ووجب (7) نورها، أخرج إليهم صاحب تعبئتك أبدا لهم، عسسا بالليل فى أقرب من مواضع دبّابى النهار، يتعاور ذلك قوادك جميعا، بلا محاباة لأحد منهم فيه ولا إدهان إن شاء الله.
إياك أن يكون منزلك إلا فى خندق وحصن تأمن به بيات عدوك، وتستنيم فيه إلى الحزم من مكيدتك، إذا وضعت الأثقال، وحطّت أبنية أهل العسكر، لم يمدد طنب (8)، ولم يرفع خباء، ولم ينصب بناء، حتى تقطع لكل قائد ذرعا معلوما من
(1) فى المنظوم والمنثور «التى رحلت الناس» .
(2)
فيه «إن راعك» .
(3)
فيه قد أمنت بإذن الله وحوله.
(4)
فيه «من حربك» .
(5)
المراد بالدبابة هنا. الجماعة التى تدب حول الجيش لحراسته، من دب كضرب إذا مشى على هينته وقد تقدم فى هذه الرسالة نظيرها وهى سيارة من سار، ودراجة من درج، وليس المراد بها الآلة التى تتخذ للحروب فتدفع فى أصل الحصن فينقبون وهم فى جوفها، كما فسرت بذلك.
(6)
دبابا: جمع داب كعذال جمع عادل.
(7)
غاب.
(8)
وفيه «لم يمد خباء ولم تنصب بناء» والطنب: حبل طويل يشد به سرادق البيت.
الأرض بقدر أصحابه، فيحتفروه عليهم خندقا، يطيفونه بعد ذلك بخنادق الحسك (1)، طارحين لها دون اشتجار الرماح (2)، ونصب التّرسة، لها بابان قد وكّلت بحفظ كل باب منهما رجلا من قوادك، فى مائة رجل من أصحابه، فإذا فرغ من الخندق كان ذلك القائدان بمن معهما من أصحابهما أهل ذلك المركز، وموضع تلك الخيل، وكانوا هم البوابين والأحراس لذينك الموضعين (3)، قد كفوهما وضبطوهما، وأعفيوا من أعمال العسكر ومكروهه غيرهما.
واعلم أنك إذا كنت على خندق أمنت (4) بإذن الله وقوته طوارق عدوّك وبغتاتهم، فإن راموا تلك منك، كنت قد أحكمت ذلك وأخذت بالحزم فيه، وتقدمت فى الإعداد له، ورتقت مخوف الفتق منه، وإن تكن العافية (5) استحقبت حمد الله عليها، وارتبطت شكره بها، ولم يضررك أخذك بالحزم، لأن كل كلفة ونصب ومئونة إنفاق ومشقّة عمل، مع السّلامة، غنم وغير خطر بالعاقبة، إن شاء الله.
فإن ابتليت ببيات عدوك، أو طرقك رائعا (6) فى ليلك، فليلفك حذرا معدا مشمّرا عن ساقك، حاسرا عن ذراعك، متشزّنا لحربك، قد تقدّمت درّاجتك
(1) الحسك: نبات له شوك صلب، ويعمل من الحديد أداة للحرب على مثال شوكه فيلقى حول العسكر، ويسمى باسمه (وهذا هو المراد هنا) أى الأسلاك الشائكة.
(2)
اشتجار الرماح: تشابكها فى الطعان.
(3)
فى المنظوم والمنثور بعد ذلك «فدالى الرفاهة والسعة وتقدم العسكر أو التأخر عنه، فإن ذلك مما يضعف الوالى ويوهنه لاستنامته إلى من ولاه ذلك، وأمنه به على جيشه» وفى أول العبارة تحريف وقد تقدمت فى صفحة 433 وموضعها هنالك، وقوله «قد كفوهما
…
إلى غيرهما» ساقط منه.
(4)
فيه «واعلم أنك إذ
…
أمنت بإذن الله طوارق
…
».
(5)
من قوله «وإن تكن العاقبة
…
إلى بالعافية» ساقط من المنظوم والمنثور، وفى مفتاح الأفكار «استحقبت» بالباء أى احتملت، وفى صبح الأعشى «استحقيت» .
(6)
أى مفزعا لك، من راعه إذا أفزعه، وفى المنظوم والمنثور «أو طرقك رائعا فى
…
حذرا معدا مشمرا عن ساقك مسترا لحربك» وفيها نقص وتحريف.
إلى مواضعها، على ما وصف (1) لك أمير المؤمنين ودبابتك فى أوقاتها التى قدّر لك، وطلائعك حيث أمرك، وجندك على ما عبّأ لك، قد خطرت عليهم بنفسك، وتقدّمت إلى جندك إن طرقهم طارق، أو فاجأهم عدو، ألّا يتكلّم أحد منهم رافعا صوته بالتكبير، مغرقا فى الإجلاب، معلنا بالإرهاب لأهل (2) الناحية التى يقع بها العدوّ طارقا، وليشرعوا رماحهم مادّين (3) لها فى وجوههم، ويرشقونهم بالنّبل مكتنّين (4) بترستهم، لازمين لمراكزهم، غير مزيلى (5) قدم عن موضعها، ولا متجاوزين (6) إلى غير مركزهم، وليكبّروا ثلاث تكبيرات متواليات، وسائر الجند هادون، لتعرف موضع (7) عدوك من معسكرك، فتمدّ أهل تلك الناحية بالرجال من أعوانك وشرطتك، ومن انتخبت قبل ذلك عدّة للشدائد بحضرتك، وتدسّ إليهم النشّاب والرماح.
وإياك أن يشهروا سيفا يتجالدون به، وتقدّم إليهم أن لا يكون قتالهم فى تلك المواضع لمن طرقهم إلا بالرماح، مسندين لها إلى صدورهم، والنّشّاب راشقين به وجوههم، قد ألبدوا (8) بالتّرسة، واستجنّوا بالبيض، وألقوا عليهم سوابغ الدروع وجباب الحشو، فإن صدّ العدو عنهم حاملين على ناحية أخرى، كبّر أهل تلك الناحية التى يقع فيها كفعل الناحية الأولى (9)، وبقيّة العسكر سكوت، والناحية التى صدّ عنها العدو لازمة لمراكزها منتطقة الهدو، ساكنة الريح (10)، ثم عملت فى تقويتهم وإمدادهم بمثل صنيعك بإخوانهم.
(1) فيه «على ما وصفت لك
…
التى قدرت لك» وفيها نقص.
(2)
فيه «مغرورا فى إجلاب، معلنا للإهراب إلا أهل الناحية» وهو تحريف.
(3)
فى صبح الأعشى «ناشبين بها» .
(4)
فى المنظوم والمنثور «ملبدين» وفى صبح الأعشى مكتنين بأترستهم وفى «هامشه» قال ابن السكيت لا يقال أترسة وزان أرغفة، وإنما جمع الترس ترسة وتروس وتراس وربما قيل أتراس.
(5)
قوله «غير مزيلى
…
» ساقط من المنظوم والمنثور.
(6)
فيه «ولا منحازين» .
(7)
قوله «لتعرف موضع
…
» ساقط منه.
(8)
أى لصقوا بها.
(9)
فيه «كبر أهل تلك الناحية الأولى» .
(10)
قوله «منتطقة
…
إلى الريح» ساقط منه.
وإياك أن تخمد نار رواقك (1)، وإذا وقع العدو فى معسكرك، فأججها ساعرا لها، وأوقدها حطبا جزلا، يعرف بها أهل العسكر، مكانك وموضع رواقك، فيسكن نافر قلوبهم، ويقوى واهن قوتهم، ويشتدّ منخذل ظهورهم، ولا يرجمون بك الظنون، ويجعلون لك آراء السّوء ويرجفوون بك آناء الخوف (2)، وذلك من فعلك رادّ عدوّك بغيظه، لم يستفلل منك ظفرا (3)، ولم يبلغ من نكايتك سرورا إن شاء الله.
فإن انصرف عنك عدوّك، ونكل عن الإصابة من جندك، وكانت بخيلك قوة على طلبه، أو كانت لك من فرسانك خيل معدّة، وكتيبة منتخبة، وقدرت أن تركب بهم أكساءهم (4)، وتحملهم على سننهم، فأتبعهم جريدة (5) خيل عليها الثقات من فرسانك، وأولو النجدة من حماتك، فإنك ترهق (6) عدوك، وقد أمن بياتك، وشغل بكلاله عن التحرّز منك، والأخذ بأبواب معسكره، والضبط لمحارسه عليك موهنة حماتهم، لغبة (7) أبطالهم. لما ألفوكم عليه من التّشمير والجد قد عقر (8) الله فيهم. وأصاب منهم؛ وجرح من مقاتلتهم، وكسر من أمانىّ ضلالهم وردّ من مستعلى جماحهم.
وتقدّم إلى من توجّهه فى طلبهم، وتتبعه أكساءهم، أن يكونوا وهم فى سكون الريح، وقلة الرّفث (9)، وكثرة التسبيح والتهليل، واستنصار الله عز وجل بقلوبهم
(1) الرواق: بيت كالفسطاط.
(2)
فى المنظوم والمنثور «ولا يرجفون فيك بالظنون، ويجيلون لك آراء السوء، وذلك من فعلك
…
الخ».
(3)
فيه «ولم يستقل منك بظفر» ويقال: استقل غربه: أى كسره.
(4)
الأكساء: الأدبار جمع كسء بالضم، وكسء كل شىء: مؤخره.
(5)
الجريدة: خيل لا رجالة فيها.
(6)
أرهقه عسرا: كلفه إياه، وحمله على مالا يطيقه.
(7)
وصف من اللغوب، وهو التعب والإعباء.
(8)
عقر البعير: ضرب قوائمه بالسيف وهو قائم، والمعنى قد اندحروا وهزموا.
(9)
الرفث: الفحش.
وألسنتهم سرّا وجهرا، بلا لجب ضجّة، ولا ارتفاع ضوضاء، دون أن يردوا على مطلبهم، وينتهزوا فرصتهم، ثمّ ليشهروا السّلاح، وينتضوا السّيوف، فإنّ لها هيبة رائعة، وبديهة مخوفة، لا يقوم لها فى بهمة (1) الليل وحندسه إلا البطل المحارب، وذو البصيرة المحامى، والمستميت المقاتل، وقليل ما هم عند تلك الحميّة، وفى ذلك الموضع (2).
ليكن أول ما تتقدم به فى التهيؤ لعدوك، والاستعداد للقائه، انتخابك من فرسان عسكرك، وحماة جندك، ذوى البأس والحنكة، والجلد (3)، والصّرامة ممن قد اعتاد طراد الكماة (4)، وكشر (5) عن ناجذه فى الحرب، وقام على ساق فى منازلة الأقران، ثقف الفروسية (6)، مستجمع القوة، مستحصد المريرة (7) صبورا على أهوال الليل، عارفا بمناهز الفرص، لم تمهنه (8) الحنكة ضعفا، ولا بلغت به السن كلالا (9) ولا أسكرته غرّة الحداثة جهلا، ولا أبطرته نجدة الأغمار (10) صلفا، جريئا على مخاطرة التلف، مقدما على ادّراع الموت، مكابرا لمرهوب (11) الهول، متقحّما مخشىّ الحقوف، خائضا غمرات المهالك، برأى يؤيّده الحزم ونيّة لا يخالجها الشكّ، وأهواء مجتمعة، وقلوب مؤتلفة (12)، عارفين بفضل الطاعة وعزّها وشرفها، وحيث محلّ أهلها من التأييد والظفر والتمكين، ثم اعرضهم رأى عين على كراعهم وأسلحتهم، ولتكن دوابّهم إناث عتاق الخيل، وأسلحتهم سوابغ الدّروع وكمال آلة المحارب،
(1) البهمة: السواد، والحندس: الظلمة والليل المظلم.
(2)
فى المنظوم والمنثور «عند تلك المواضع» .
(3)
فيه «والجد» .
(4)
الكماة جمع كمىّ كغنى. وهو الشجاع: المتكمى فى سلاحه: أى المتغطى المتستر بالدرع والبيضة.
(5)
الناجذ: أقصى الأضراس، وكشر عن أسنانه: أبدى.
(6)
فيه «سقف الفراسة» وهو تحريف.
(7)
المريرة: العزبمة، وأصلها الحبل الشديد الفتل، واستحصد الحبل: استحكم.
(8)
أمهنه: أضعفه.
(9)
فيه «دلالا» .
(10)
الأغمار. جمع غمر كشمس وقفل وسبب وكتف، وهو من لم يجرب الأمور، ومغمر أيضا كمعظم.
(11)
وفى صبح الأعشى «لمهيب» .
(12)
وفى المنظوم والمنثور «موسعة» .
متقلّدين سيوفهم المستخلصة من جيد الجوهر وصافى الحديد، المتخيّرة من معادن الأجناس، هنديّة الحديد أو تبّتيّة (1)، يمانية الطّبع، رقاق المضارب، مسمومة (2) الشّحذ، مشطّبة الضريبة، ملبدين بالتّرسة الفارسية. صينيّة التعقيب، معلمة، المقابض بحلق الحديد، أنحاؤها مربّعة، ومخارزها بالتجليد مضاعفة، ومحملها (3) مستخف، وكنائن النبل وجعاب القسىّ قد استحقبوها، وقسىّ الشّريان (4) والنّبع، أعرابية الصنعة، مختلفة الأجناس، محكمة العمل، مقوّمة التثقيف (5)، ونصول النبل مسمومة، وعملها مصّيصىّ (6)، وتركيبها عراقىّ، وترييشها بدوىّ، مختلفة الصوغ فى الطبع، شتّى الأعمال فى التّشطيب والتجنيح والاستدارة (7)، ولتكن الفارسية مقلوبة المقابض، منبسطة السّية (8) سهلة الانعطاف، مقرّبة الانحناء، ممكنة الرمى، واسعة الأسهم، فرضها (9) سهلة الورود، ومعاطفها غير مقتربة (10) المواتاة.
ثم ولّ على كل مائة رجل منهم رجلا من أهل خاصّتك وثقاتك ونصحائك، له صيت فى الرياسة، وقدم فى السابقة، وأوّليّة فى المشايعة (11)، وتقدّم إليه فى ضبطهم وكفّ معرّتهم (12)، واستنزال نصائحهم، واستعداد طاعتهم، واستخلاص ضمائرهم، وتعاهد كراعهم وأسلحتهم، معفيا لهم من النوائب التى تلزم أهل العسكر وعامة
(1) نسبة إلى التبت، وهى الجزء الجنوبى الغربى من الصين، وهذه الكلمة ساقطة من صبح الأعشى، وفى المنظوم والمنثور «أو بتتية» وهو تحريف.
(2)
وفيه «مستوية» وهو تحريف.
(3)
المحمل: علاقة السيف.
(4)
الشريان بالفتح ويكسر: شجر للقسى.
(5)
هذه ساقطة من المنظوم والمنثور.
(6)
وهذه أيضا ساقطة منه، والمصبصة: بلد بالشام.
(7)
وفيه «فى التشطيب والاستزادة» وفيها نقص وتحريف.
(8)
سية القوس: ما عطف من طرفيها، وفيه «السنة» .
(9)
الفرض: جمع فرضة كفرصة، والفرضة من النهر: ثلمة يستقى منها، ومن البحر: محط السفن.
(10)
فيه «معنوية» وهو تحريف.
(11)
من قوله «له صيت- إلى فى المشايعة» ساقط منه.
(12)
وهذه الكلمة أيضا ساقطة منه.
جندك، واجعلهم عدّة لأمر إن حزبك (1) أو طارق إن أتاك (2). ومرهم أن يكونوا على أهبة معدّة، وحذر ناف لسنة الغفلة عنهم (3)، فإنك لا تدرى: أىّ الساعات من ليلك ونهارك تكون إليهم حاجتك؟ فليكونوا كرجل واحد فى التّشمير والتّرادف (4) وسرعة الإجابة فإنك عسيت أن لا تجد عند جماعة جندك فى مثل تلك الرّوعة والمباغتة- إن احتجت إلى ذلك منهم- معونة كافية. ولا أهبة معدّة. بل ذلك كذلك.
فليكن هؤلاء القوم الذين تنتخب عدّتك. وقوّتك. بعوثا قد وظّفتها (5) على القواد الذين ولّيتهم أمورهم. فسميّت أوّلا. وثانيا. وثالثا. ورابعا. وخامسا إلى عشرة:
فإن اكتفيت فيما يبدهك ويطرقك ببعث واحد. كان معدّا لم تحتج إلى انتخابهم (6) فى ساعتك تلك. فقطّع البعث عليهم عند ما يرهقك. وإن احتجت إلى اثنين أو ثلاثة وجّهت منهم إرادتك أوما ترى قوتك (7). إن شاء الله.
وكّل بخزائنك ودواوينك رجلا ناصحا أمينا (8) ذا ورع حاجز. ودين فاضل.
وطاعة خالصة. وأمانة صادقة (9). واجعل معه خيلا يكون مسيرها ومنزلها وترحّلها مع خزائنك وحولها. وتقدّم إليه فى حفظها. والتوقّى (10) عليها. واتّهام كلّ من تسند إليه شيئا منها على إضاعته والتهاون به، والشدة على من دنا منها فى مسير، أو ضامّها فى منزل، أو خالطها فى منهل (11)، وليكن عامّة الجند والجيش- إلا من استتخلصت (12) للمسير معها- متنحّين عنها، مجانبين لها فى المسير والمنزل، فإنه ربما كانت
(1) فيه «إن فاجأك» وحزبه الأمر: اشتد عليه.
(2)
فيه «أو طارق بيتك» .
(3)
فيه «وحذرهم، فإنك لا تدرى
…
».
(4)
فيه «والتردف» وهو تحريف.
(5)
فيه محل قوله «فليكن
…
إلى قد وظفتها» «فاذكرها ولى الدين نبحث عدتك وقوتك تقويا قد قطعتها على القواد» وهو تحريف.
(6)
فيه «امتحانهم فى ساعتهم» وهو تحريف.
(7)
هذه الجملة ساقطة منه.
(8)
فيه «رجلا أمينا صالحا» .
(9)
قوله «وطاعة
…
إلى صادقة» ساقطة منه.
(10)
فيه «والتوقى عليها واتهام من يسند إليه شيئا منها» .
(11)
هذه الجملة ساقطة منه.
(12)
فيه «استصلحت» .
الجولة، وحدثت الفزعة، فإن لم يكن للخزائن ممّن يوكّل بها أهل حفظ لها وذبّ عنها. وحياطة دونها. وقوّة على من أراد انتهابها (1). أسرع الجند إليها. وتداعوا نحوها. حتى يكاد يترامى ذلك بهم إلى انتهاب العسكر. واضطراب الفتنة، فإن أهل الفتن وسوء السيرة كثير، وإنما همّتهم الشر، فإياك وأن يكون لأحد فى خزائنك ودواوينك وبيوت أموالك مطمع. أو يجد سبيلا إلى اغتيالها ومرزئتها (2)، إن شاء الله.
اعلم أن أحسن مكيدتك أثرا فى العامة. وأبعدها صيتا فى حسن القالة. ما نلت الظفر فيه بحزم الروية. وحسن السيرة (3)، ولطف الحيلة، فلتكن رويّتك فى ذلك وحرصك على إصابته بالحيل، لا بالقتال وأخطار التلف، وادسس إلى عدوك، وكاتب رءوسهم وقادتهم، وعدهم المنالات، ومنّهم الولايات، وسوّغهم التّراث (4) وضع عنهم الإحن (5)، واقطع أعناقهم بالمطامع، واستدعهم بالمثاوب (6) واملأ قلوبهم بالترهيب، إن أمكنتك منهم الدوائر، وأصارتهم (7) إليك الرواجع وادعهم إلى الوثوب بصاحبهم أو اعتزاله إن لم يكن لهم بالوثوب عليه طاقة، ولا عليك (8) أن تطرح إلى بعضهم كتبا كأنها جوابات كتب لهم إليك، وتكتب على ألسنتهم كتبا إليك تدفعها إليهم، وتحمل بها صاحبهم عليهم، وتسنزلهم عنده بمنزلة التّهمة ومحل الظّنة (9) فلعلّ مكيدتك فى ذلك أن يكون فيها افتراق كلمتهم، وتشتيت جماعتهم، وإحن (10) قلوبهم، وسوء الظن من واليهم بهم، فيوحشهم منه خوفهم
(1) من قوله «وحياطة
…
إلى انتهابها» ساقط منه.
(2)
فيه «ومريتها» ورزأه ماله كجعل وعلم رزءا ومرزئة. أصاب منه شيئا.
(3)
فيه «بحسن الروية وحسن التدبير» .
(4)
فيه «التراب» وهو تصحيف.
(5)
الإحن: جمع إحنة بالكسر: وهى الحقد.
(6)
هذه الجملة ساقطة منه.
(7)
فيه «وأصاربهم» وهو تصحيف.
(8)
أى ولا حرج عليك.
(9)
قوله «ومحل الظنة» ساقط منه.
(10)
فيه «واحش» وهو تحريف.
إياه على أنفسهم إذا أيقنوا باتهامه (1) إياهم، فإن بسط يده بقتلهم، وأولغ سيفه فى دمائهم، وأسرع الوثوب بهم، أشعرهم جميعا الخوف، وشملهم الرعب، ودعاهم إليك الهرب، فتهافتوا نحوك بالنصيحة، وأمّوك بالطلب (2) وإن كان متأنّيا محتملا، رجوت أن تستميل إليك بعضهم، وتستدعى بالطمع ذوى الشّره (3) منهم، وتنال بذلك ما تحبّ من أخبارهم إن شاء الله.
إذا تدانى الصّفّان، وتواقف الجمعان، واحتضرت الحرب، وعبّأت أصحابك لقتال عدوهم، فأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، والتوكل على الله عز وجل، والتفويض إليه، ومسألته توفيقك وإرشادك، وأن يعزم لك على الرشد المنجى (4)، والعصمة الكالئة، والحياطة الشاملة.
ومر جندك بالصمت وقلة التلفّت عند المصاولة (5)، وكثرة التكبير فى نفوسهم، والتسبيح بضمائرهم، وألّا يظهروا تكبيرا إلا فى الكرّات والحملات، وعند كل زلفة يزدلفونها، فأمّا وهم وقوف فإن ذلك من الفشل والجبن وليذكروا الله فى أنفسهم، ويسألوه نصرهم وإعزازهم (6) وليكثروا من قول: لا حول ولا قوّة إلا بالله العلى العظيم، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم انصرنا على عدوك وعدونا الباغى، واكفنا شوكته المستحدّة، وأيّدنا بملائكتك الغالبين، واعصمنا بعونك من الفشل والعجز، إنك أرحم الراحمين.
وليكن فى عسكرك مكبّرون بالليل والنهار قبل المواقتة، وقوم موقوفون (7) يحضّونهم على القتال، ويحرّضونهم على عدوهم، ويصفون لهم منازل الشهداء وثوابهم
(1) فيه «بأنها مناياهم» وهو تحريف.
(2)
هذه الجملة ساقطة منه.
(3)
فيه «ذوى الشر» وهو تحريف.
(4)
هذه الكلمة ساقطة منه، وفيه «والحيطة» وهو تحريف.
(5)
فيه «وقلة التلفت إلى المشار له» .
(6)
قوله «وليذكروا
…
إلى وإعزازهم» ساقط منه.
(7)