الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
69 - رد عبد الله بن الزبير على معاوية
وكتب إليه عبد الله بن الزبير:
«ألا سمع الله الذى أنا عبده
…
فأخزى إله الناس من كان أظلما
وأجرا على الله العظيم بحلمه
…
وأسرعهم فى الموبقات تقحّما (1)
أغرّك أن قالوا حليم بعزّة
…
وليس بذى حلم ولكن تحلّما
ولو رمت ما إن قد عزمت وجدتنى
…
هزبر عرين يترك القرن أكتما (2)
وأقسم لولا بيعة لك لم أكن
…
لأنقضها، لم تنج منّى مسلّما»
(الإمامة والسياسة 1: 131)
70 - رد الحسين على معاوية
وكتب إليه الحسين رضى الله عنه:
«أما بعد: فقد جاءنى كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عنى أمور لم تكن تظنّنى بها رغبة بى عنها، وإن الحسنات لا يهدى لها ولا يسدّد إليها إلا الله تعالى، وأما ما ذكرت أنه رقّى (3) إليك عنى، فإنما رقّاه الملّاقون (4)، المشّاءون بالنّميمة المفرّقون بين الجمع، وكذب الغاوون المارقون، ما أردت حربا ولا خلافا، وإنى
(1)«أجرا» مسهل عن «أجرأ» وهو معطوف على «أظلما» اقتحم الإنسان الأمر وتقحمه:
رمى بنفسه فيه بغير روية.
(2)
الهزبر: الأسد، والعرين: بيته، والقرن: كفؤك فى الشجاعة أو عام، والأكتم والأكثم العظيم البطن. والمعنى: يتركه صريعا منتفخا بطنه.
(3)
رقى عليه كلاما ترقية: رفعه، وليتنبه إلى أن هذه العبارة لم ترد فى كتاب معاوية إلى الحسين، ولعلها سقطت من الأصل.
(4)
تملقه وتملق له تملقا وتملاقا (بكسر التاء والميم فى هذه) وملقه وملق له كفرح ملقا: تودد إليه وتلطف له، فهو متملق وملق (كفرح) وملاق.
لأخشى الله فى ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين (1)، المحلّين (2)، حزب الظالم، وأعوان الشيطان الرجيم، ألست قاتل حجر وأصحابه العابدين المخبتين (3)، الذين كانوا يستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فقتلتهم ظلما
(1) قسط كضرب قسطا بالفتح وقسوطا، فهو قاسط: جار وعدل عن الحق قال تعالى:
«وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً» وقسط كضرب ونصر قسطا بالكسر فهو قاسط، وأقسط إقساطا فهو مقسط: عدل، قال تعالى:«وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» وقال «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ» أى ذوات القسط- والقسط من المصادر الموصوف بها كالعدل يستوى فيه الواحد والجمع- وقد تبين مما تقدم أن العدل فيه لغتان قسط وأقسط، وأن الجور فيه لغة واحدة، قسط بغير ألف.
(2)
قال صاحب القاموس «ورجل محل: منتهك للحرام، أو لا يرى للشهر الحرام حرمة، وجاء فى اللسان «ويقال: المحل الذى يحل لنا قتاله، والمحرم: الذى يحرم علينا قتاله، ويقال: المحل: الذى لا عهد له ولا حرمة، والمحرم الذى له حرمة» وقد قدمنا فى الجزء الأول ص 403 أن الإمام عليا كرم الله وجهه كتب كتابا إلى مخنف بن سليم جاء فيه «لعلك تلقى معناه هذا العدو المحل» وكتابا إلى أخيه عقيل جاء فيه «فإن رأيى قتال المحلين» وأن ابن أبى الحديد فسره (م 4: ص 57) قال: «أى الخارجين من الميثاق والبيعة يعنى البغاة ومخالفى الإمام، ويقال لكل من خرج من إسلام، أو حارب فى الحرم، أو فى الأشهر الحرم، محل، وعلى هذا فسر قول زهير:
«وكم بالفتان من محل ومحرم» أى من لا ذمة له ومن له ذمة، وكذلك قول خالد بن يزيد بن معاوية فى زوجته رملة بنت الزبير بن العوام:
ألا من لقلب معنى غزل
…
بحب المحلة أخت المحل
أى ناقضة العهد أخت المحارب فى الحرم، أو أخت ناقض بيعة بنى أمية» وقال المبرد فى الكامل أيضا (ج 2: ص 168) «وكان عبد الله بن الزبير يدعى المحل لإحلاله القتال فى الحرم، وفى ذلك يقول رجل فى رملة بنت الزبير
…
الخ» وكذا فى العقد الفريد (ج 2: ص 268).
وكان العلويون والخوارج يصفون الأمويين «بالمحلين» كما ترى فى كتاب الحسين عليه السلام، وكما ورد فى كلام سليمان بن صرد لأصحابه:«وإن تستشهدوا فإنما قاتلتم المحلين، وما عند الله خير للأبرار والصديقين» انظر تاريخ الطبرى 7: 68 - وقال الصلت بن مرة شاعر الخوارج. لما كثر بينهم الخلاف وخلعوا قظرى بن الفجاءة وولوا عبد ربه الصغير:
قل للمحلين قد قرت عيونكم
…
بفرقة القوم والبغضاء والهرب
كنا أناسا على دين فغيرنا
…
طول الجدال وخلط الجد باللعب
(انظر الكامل للمبرد 2: 227)
(3)
أخبت: خشع وتواضع.
وعدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة، والعهود المؤكّدة (1)، جراءة على الله واستخفافا بعهده، أو لست بقاتل عمرو بن الحمق (2) الذى أخلقت وأبلت وجهه العبادة، فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم (3) نزلت من سقف (4) الجبال؟ أو لست المدّعى زيادا فى الإسلام، فزعمت أنه ابن أبى سفيان، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، ثم سلّطته على أهل
(1) يشير إلى ما كان أخذه الحسن عليه السلام من معاوية من كتاب الأمان لشيعته.
(2)
هو عمرو بن الحمق الخزاعى: صحابى هاجر بعد الحديبية، وكان ممن دخل الدار على عثمان، ثم صار من شيعة على، وشهد معه وقعة الجمل وصفين والنهروان، ولما طلب زياد رؤساء أصحاب حجر ابن عدى، خرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد حتى نزلا المدائن، ثم ارتحلا حتى أتيا أرض الموصل فأتيا جبلا فكمنا فيه، وبلغ عامل ذلك الرستاق (الرستاق: يستعمل فى الناحية التى هى طرف الإقليم، فارسى معرب) أن رجلين قد كمنا فى جانب الجبل، فاستنكر شأنهما- وهو رجل من همدان يقال له:
عبد الله بن أبى بلتعة- فسار إليهما فى الخيل نحو الجبل ومعه أهل البلد، فلما انتهى إليهما خرجا، فأما عمرو بن الحمق فكان مريضا، وكان بطنه قد سقى (السقى كشمس وحمل: ماء أصفر يقع فى البطن، وقد سقى بطنه كرمى) فلم يكن عنده امتناع. وأما رفاعة بن شداد- وكان شابا قويا- فوثب على فرس له جواد، فقال له: أقاتل عنك، قال: وما ينفعنى أن تقاتل، أنج بنفسك إن استطعت فحمل عليهم فأفرجوا له، فخرج تنفر به فرسه، وخرجت الخيل فى طلبه وكان راميا، فأخذ لا يلحقه فارس إلا رماه فجرحه أو عقره، فانصرفوا عنه.
وأخذ عمرو بن الحمق، فسألوه من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن قتلتموه كان أضر لكم، فسألوه فأبى أن يخبرهم، فبعث به ابن أبى بلتعة إلى عامل الموصل- وهو عبد الرحمن بن عبد الله ابن عثمان الثقفى- فلما رأى عمرو بن الحمق، عرفه وكتب إلى معاوية بخبره، فكتب إليه معاوية:
«أنه زعم أنه طعن عثمان بن عفان تسع طعنات بمشاقص كانت معه (المشاقص جمع مشقص كمنبر وهو النصل الطويل أو سهم فيه ذلك يرمى به الوحش) وإنا لا نريد أن نعتدى عليه، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان، فأخرج فطعن تسع طعنات فمات فى الأولى منهن أو الثانية (سنة 51 هـ) وبعث عبد الرحمن الثقفى برأسه إلى معاوية، وهو أول رأس أهدى فى الإسلام. وقيل إنه لما هرب بالوصل دخل غارا فنهشته حية فمات فأخذ عامل الموصل رأسه فأرسله إلى زياد فبعث به زياد إلى معاوية، وقيل إنه عاش إلى أن قتل فى وقعة الحرة سنة 63 هـ (انظر تاريخ الطبرى 6: 148 وخلاصة تهذيب الكمال فى أسماء الرجال ص 244 وأسد الغابة فى معرفة الصحابة 4: 100 والإصابة فى تمييز الصحابة 4: 294).
وقد جاء فى تاريخ الطبرى أيضا (5: 132) أن عمرو بن الحمق كان مع محمد بن أبى بكر حين تسور على عثمان الدار، فلما قتله كنانة بن بشر بن عتاب التجينى، وثب عمرو بن الحمق على عثمان فجلس على صدره وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، قال عمرو: فأما ثلاث منهن فإنى طعنتهن إياه لله، وأما ست فإنى طعنتهن إياه لما كان فى صدرى عليه».
(3)
العصم: جمع أعصم، وهو الوعل فى ذراعيه أو فى إحداهما بياض وسائره أسود أو أحمر.
(4)
لعله «من شم الجبال» جمع أشم. والجبل الأشم: المرتفع.
الإسلام: يقتلهم، ويقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلّبهم على جذوع النخل (1)، سبحان الله يا معاوية! لكأنك لست من هذه الأمة، وليسوا منك، أولست قاتل
(1) جاء فى شرح ابن أبى الحديد (م 3: ص 15).
روى أن أبا جعفر محمد على الباقر عليه السلام قال لبعض أصحابه- فى كلام له-:
وروى المدائنى فى كتاب الأحداث قال: «كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبى تراب وأهل بيته» فقامت الخطباء فى كل كورة، وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرءون منه ويقعون فيه وفى أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة على عليه السلام، فاستعمل عليهم زياد بن سمية، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام على عليه السلام، فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدى والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم، وكتب معاوية إلى عماله فى جميع الآفاق «ألا يجيزوا لأحد من شيعة على وأهل بيته شهادة» وكتب إليهم «أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه، وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا لى بكل ما يروى كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته» ففعلوا ذلك حتى أكثروا فى فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه فى العرب منهم والموالى، فكثر ذلك فى كل مصر، وتنافسوا فى المنازل والدنيا، فليس يجىء أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية، فيروى فى عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حينا، ثم كتب إلى عماله:«إن الحديث فى عثمان قد كثر وفشا فى كل مصر، وفى كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابى هذا فادعوا الناس إلى الرواية فى فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين فى أبى تراب إلا أتونى بمناقض له فى الصحابة مفتعلة، فإن هذا أحب إلى وأقر لعينى، وأدحض لحجة أبى تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله» فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة فى مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس فى رواية ما يجرى هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقى إلى معلمى الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، وحتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: «انظروا إلى من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه» وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة-
الحضرمىّ (1) الذى كتب إليك فيه زياد أنه على دين علىّ كرم الله وجهه، ودين علىّ هو دين ابن عمه صلى الله عليه وسلم الذى أجلسك مجلسك الذى أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّم الرّحلتين: رحلة الشتاء والصّيف (2)، فوضعها الله عنكم بنا، منّة عليكم، وقلت فيما قلت: لا تردّنّ هذه الأمة فى فتنة، وإنى لا أعلم لها فتنة أعظم من إمارتك عليها، وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد، وإنى والله ما أعرف أفضل من جهادك، فإن أفعل فإنه قربة إلى ربى، وإن لم أفعله فأستغفر الله لدينى، وأسأله التوفيق لما يحبّ ويرضى، وقلت فيما قلت:
- هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره» فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما بالكوفة حتى إن الرجل من شيعة على عليه السلام ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته فيلقى إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس فى ذلك بلية القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل. حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدى الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها.
فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن على عليه السلام (سنة 50) فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه، أو طريد فى الأرض، ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين عليه السلام، وولى عبد الملك بن مروان، فاشتد على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض على وموالاه أعدائه وموالاة من يدعى قوم من الناس أنهم أيضا أعداؤه، فأكثروا فى الرواية فى فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغض من على عليه السلام وعيبه والطعن فيه والشنآن له، حتى إن إنسانا وقف للحجاج، ويقال إنه جد الأصمعى عبد الملك بن قريب، فصاج به أيها الأمير إن أهلى عقونى فسمونى عليا، وإنى فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجاج، وقال: للطف ما توسلت به، قد وليتك موضع كذا» اه. ولا تنس أن الشيعة وضعوا أحاديث مختلفة فى صاحبهم، حملهم على وضعها عداوة خصومهم- انظر ابن أبى الحديد م 3 ص 17.
(1)
يعنى شريك بن شداد الحضرمى، وكان من أصحاب حجر بن عدى الذين بعث بهم زياد إلى معاوية وقتل مع حجر.
(2)
كان للقرشيين فى الجاهلية رحلتان كل عام: رحلة فى الشتاء إلى اليمن، ورحلة فى الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتجرون، وكانوا يخرجون بتجارتهم قوافل عظيمة وقد ذكر الطبرى أن إحدى هذه القوافل بلغت خمسمائة وألف بعير، وكانوا فى رحلتهم آمنين لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته، ذلك إلى ما أخذه لهم بنو عبد مناف من الإيلاف أى العهد بتأمين التجارة، وكان هاشم بن عبد مناف قد خرج إلى الشام-
متى تكدنى أكدك (1)، فكدنى يا معاوية ما بدا لك، فلعمرى لقديما يكاد الصالحون، وإنى لأرجو أن لا تضرّ إلا نفسك، ولا تمحق إلا عملك، فكدنى ما بدا لك، واتق الله يا معاوية. واعلم أن لله كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، واعلم أن الله ليس بناس لك قتلك بالظّنّة، وأخذك بالتّهمة، وإمارتك صبيّا يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب (2)، ما أراك إلا قد
- وأخذ إيلافا منها لمن تجر إليها من قريش، وخرج المطلب بن عبد مناف فأخذ إيلافا من اليمن، وأخذ عبد شمس بن عبد مناف إيلافا من الحبشة، وأخذ نوفل بن عبد مناف إيلافا من فارس (انظر ذيل الأمالى ص 204)، فكان تجار قريش يختلفون إلى هذه الأقطار آمنين فى امتيازهم وانتقالهم شتاء وصيفا لا يتعرض لهم، على حين أن الناس كانوا يتخطفون من حولهم ويغار عليهم، وكان أبو سفيان يرأس العير التى تتردد بين مكة والشام، ولا يغيبن عنك ما روى فى كتب السيرة فى غزوة بدر من:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بأبى سفيان بن حرب مقبلا من الشام فى عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تجاراتهم» .
(1)
وهذه العبارة أيضا لم ترد فى كتاب معاوية إليه.
(2)
روى المسعودى فى مروج الذهب (ج 2: ص 94) قال:
«وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب، وجلس ذات يوم على شرابه، وعن يمينه ابن زياد- بعد قتل الحسين- فأقبل على ساقيه فقال:
اسقنى شربة تروى مشاشى
…
ثم صل فاسق مثلها ابن زياد
صاحب السر والأمانة عندى
…
ولتسديد مغنمى وجهادى
«والمشاش كغراب: النفس والطبيعة» ثم أمر المغنين فغنوا، وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفى أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة واستعملت الملاهى، وأظهر الناس شرب الشراب وكان له قرد يكنى بأبى قيس، يحضره مجلس منادمته، ويطرح له متكأ، وكان قردا خبيثا، وكان يحمله على أتان وحشية، قد ريضت وذللت لذلك بسرج ولجام، ويسابق بها الخيل يوم الحلبة، فجاء فى بعض الأيام سابقا، فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل، وعلى أبى قيس قباء من الحرير الأحمر والأصفر مشهر (مخطط) وعلى رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان بشقائق (أى مصبغة بمثل الشقائق) وعلى الأتان سرج من الحرير الأحمر منقوش ملمع بأنواع من الألوان، فقال فى ذلك بعض شعراء الشام فى ذلك اليوم:
تمسك أبا قيس بفضل عنانها
…
فليس عليها إن سقطت ضمان
ألا من رأى القرد الذى سبقت به
…
جياد أمير المؤمنين أتان
وروى ابن طباطبا فى الفخرى ص 49: قال:
«كان يزيد بن معاوية أشد الناس كلفا بالصيد لا يزال لاهيابه، وكان يلبس كلاب الصيد الأساور من الذهب، والجلال المنسوجة منه «الجلال بالكسر جمع جل بالضم والفتح: ما تلبسه الدابة لتصان به ويهب لكل كلب عبدا يخدمه، قيل إن عبيد الله بن زياد أخذ من بعض أهل الكوفة أربعمائة ألف دينار جناية، وجعلها فى خزائن بيت المال، فرحل ذلك الرجل من الكوفة وقصد دمشق ليشكو حاله إلى يزيد وكانت دمشق فى تلك الأيام فيها سرير الملك- فلما وصل إلى ظاهر دمشق، سأل عن يزيد فعرفوه أنه-