الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة عشرة: حكم من وجد من الماء بعض ما يكفيه
.
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله -أن من وجد من الماء بعض ما يكفيه أنه يستعمله ثم يتيمم، موافقاً في اختياره المشهور من مذهب الحنابلة كما سيأتي في ذكر الأقوال.
فقال رحمه الله: (وإذا كان معه ماء لا يكفيه لجميع بدنه استعمله وتيمم)
(1)
.
تحرير محل النزاع:
اتفق الفقهاء على مشروعية التيمم عند فقد الماء
(2)
، واختلفوا فيمن وجد من الماء بعض ما يكفيه هل يستعمله ثم يتيمم أم يتركه ويكتفي بالتيمم فقط؟
الأقوال في المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يكفيه التيمم، ولا يلزمه استعمال الماء.
وهو مذهب الحنفية
(3)
، والمالكية
(4)
، وقول للشافعية
(5)
.
القول الثاني: أنه يجب عليه استعمال الماء ثم يتيمم للباقي.
وهو الأصح عند الشافعية
(6)
، والمشهور من مذهب الحنابلة
(7)
.
(1)
انظر: الجامع الصغير (ص 29).
(2)
انظر: المحلى (1/ 368)،الاستذكار (1/ 303)،الإفصاح (1/ 43).
(3)
انظر: المبسوط (1/ 113)،المحيط البرهاني (1/ 161)،البناية شرح الهداية (1/ 549).
(4)
انظر: الذخيرة (1/ 326)،مواهب الجليل (1/ 332)،حاشية الصاوي (1/ 179).
(5)
انظر: الحاوي (1/ 223)،التنبيه (1/ 21)،المهذب (1/ 70).
(6)
انظر: فتح العزيز (2/ 224)،المجموع (2/ 268)،مغني المحتاج (1/ 132).
(7)
انظر: الفروع (1/ 289)،شرح الزركشي (1/ 333)،الإقناع (1/ 53)،حاشية الروض المربع (1/ 310).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} ثم قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
(1)
.
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه وتعالى أراد بالماء في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
…
هو الماء الكافي للأعضاء الذي أمر بغسلها في أول الآية
(2)
.
نوقش:
بأنه لم يأت للماء ذكر في أول الآية حتى نحمل آخر الآية عليه
(3)
.
وأجيب عنه:
بأن مطلق الماء ينصرف إلى المتعارف عليه، والمتعارف عليه من الماء في باب الوضوء والغسل هو الماء الذي يكفي للاستعمال
(4)
.
الدليل الثاني: حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته)
(5)
.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فليمسه بشرته) ولم يقل: فليمسه بعض بشرته فدل ذلك على أن من وجد ما يكفي بعض بشرته لم يستعمله ويتيمم
(6)
.
الدليل الثالث: من النظر والتعليل قالوا: بأن هذا الماء لا يطهره فلم يلزمه استعماله
(7)
.
(1)
المائدة:6.
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن (5/ 222).
(3)
انظر: الانتصار (1/ 409).
(4)
انظر: بدائع الصنائع (1/ 51).
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
انظر: عيون الأدلة (ص 969).
(7)
انظر: الشرح الكبير (1/ 248).
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
(1)
.
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه وتعالى اشترط للتيمم عدم الماء، ومن كان عنده شيء من الماء فإنه يعتبر واجداً للماء
(2)
.
ونوقش:
أن المراد من الآية وجود الماء الكافي للطهارة، لا مجرد الماء
(3)
.
الدليل الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
…
وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)
(4)
.
وجه الدلالة:
دل الحديث على وجوب الإتيان ببعض ما يستطيعه من المأمور، وهذا مستطيع لأن يأتي ببعض وضوءه ففرض عليه أن يأتي به
(5)
.
ونوقش:
أن فاعل ذلك لا يسمى متوضئ ولا يصدق عليه أنه قد فعل ما أمره الله من الوضوء فالواجب عليه ترك غسل ذلك البعض الذي لم يجد من الماء إلا ما يكفيه ويعدل إلي التيمم فإن هذا هو المأمور في حقه
(6)
.
الدليل الثالث: من النظر والتعليل قالوا: يلزمه استعمال الماء أولاً لأن التيمم للعدم ولا يتحقق مع وجود الماء
(7)
.
ويناقش:
بأن هذا الماء بحكم العدم، لأنه ماء لا يرفع الحدث، فكان وجوده كعدمه.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الأول القائل بأن من وجد من الماء ما لا يكفيه يتركه ويعدل إلى التيمم، لقوة ما استدلوا به و لمناقشة أدلة القول الثاني.
(1)
المائدة:6.
(2)
انظر: المهذب (1/ 132).
(3)
انظر: المنتقى (1/ 115).
(4)
أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ح/6858 (6/ 2658)، و أخرجه مسلم في الحج باب فرض الحج مرة في العمر، ح/1337 (2/ 975).
(5)
انظر: نيل الأوطار (1/ 307).
(6)
انظر: السيل الجرار (ص 86).
(7)
انظر: الشرح الكبير (1/ 246).