الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة: حكم طهارة من نوى بطهارته أحد الأحداث
.
المقصود بالمسألة:
إذا أحدث
(1)
شخص أحداثاً متفرقة، كالبول والغائط والنوم ونحوها، فتوضأ ناوياً رفع أحدها فهل يرتفع سائرها؟
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله، أن من نوى بطهارته أحد الأحداث ارتفعت جميعها، موافقاً في اختياره مذهب الحنابلة كما سيأتي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وإذا اجتمعت عليه أحداث كبرى
…
أو صغرى مثل أن ينام ويخرج منه نجاسات، ويمس النساء، فنوى بطهارته عن جميعها - أجزأه، وإن نوى بطهارته عن إحداها ارتفعت جميعها عند القاضي)
(2)
تحرير محل النزاع:
لا خلاف بين العلماء فيمن أحدث أحداثاً متفقة أو متفرقة فنوى بطهارته جميعها بأنه يكفيه وضوء واحد وترتفع كلها، ووقع الخلاف فيما إذا نوى بطهارته أحدها هل يرتفع سائرها أو لا يرتفع إلا ما نواه
(3)
؟
(1)
الحدث: هو الحالة الناقضة للطهارة شرعاً. انظر: التعريفات للجرجاني ص 112، معجم لغة الفقهاء، ص 155.
(2)
انظر: شرح عمدة الفقه لابن تيمية (1/ 378).
(3)
انظر: فتح القدير (1/ 385)، التاج والإكليل (1/ 236)، الأم (1/ 39)، الأوسط (2/ 106)، المغني (1/ 292).
الأقوال في المسألة:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال.
القول الأول: يرتفع الجميع، لكن إن نوى ألا يرتفع غيره فلا يصح وضوؤه.
وبه قال المالكية
(1)
، ووجه عند الشافعية
(2)
.
القول الثاني: إذا نوى رفع الحدث عن واحد ارتفع عن الجميع، سواء نوى رفع حدث ونفى رفع غيره، أو لم يتعرض لنفي غيره.
وهو الصحيح من مذهب الشافعية
(3)
.
القول الثالث: يرتفع الجميع بوضوءٍ واحد، لكن إن نوى ألا يرتفع غيره فلا يرتفع إلا ما نواه.
وهذا القول هو المشهور عند الحنابلة
(4)
.
(1)
انظر: التاج والإكليل (1/ 236)، ومواهب الجليل (1/ 236)، الشرح الكبير للدردير (1/ 94).
(2)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 94)، المجموع (1/ 369)،روضة الطالبين (1/ 48).
(3)
انظر: المجموع (1/ 369)،روضة الطالبين (1/ 48)،مغني المحتاج (1/ 86)، حاشية الجمل (1/ 166).
(4)
انظر: المغني (1/ 292)، الفروع (1/ 114)،المبدع (1/ 119)، الإنصاف (1/ 317)، كشاف القناع (1/ 90،89).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
استدلوا بدليل عقلي فقالوا: إن الأحداث إذا كان موجبها واحداً واجتمعت تداخل حكمها، وناب موجب أحدها عن الآخر، لكن إن نوى أحدها وأخرج غيرها، فلا يصح وضوؤه، لأنه لما شرط في نيته بقاء أحد الحدثين، كان ذلك قادحاً ففسدت النية
(1)
.
نوقش:
بأن وضوءه صحيح وحدثه مرتفع، لأنه لما نوى رفع أحد الحدثين، كان ذلك أقوى حكماً، فبطل الشرط وهو ألا يرتفع غيره
(2)
.
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدل القائلون بأنه إذا نوى رفع الحدث عن واحد ارتفع عن الجميع بتعليل عقلي فقالوا: إن الأحداث تتداخل، فإذا ارتفع واحد ارتفع الجميع
(3)
.
ونوقش:
بأن هذا التعليل يمكن يناقش بالمثل، بأن يقال بأن الحدث لا يتجزأ، فإذا بقي بعضه بقي كله
(4)
.
وأجيب عن المناقشة:
بأن الأسباب التي هي الأحداث لا ترتفع، وإنما يرتفع حكمها الذي هو المنع من الصلاة ونحوها، وهو واحد تعددت أسبابه، ولا يجب على المتوضئ التعرض لها في نيته فيلغو ذكرها، فذكرها وعدمه سواء، لأن المراد رفع الحكم لا نفس الحدث
(5)
.
(1)
انظر: التاج والإكليل (1/ 236)، ومواهب الجليل (1/ 236)، الشرح الكبير للدردير (1/ 94).
(2)
انظر: الشرح الكبير للدردير (1/ 94).
(3)
انظر: المجموع (1/ 369)،روضة الطالبين (1/ 48).
(4)
انظر: مغني المحتاج (1/ 86)، حاشية الجمل (1/ 166).
(5)
انظر: الشرح الكبير على المقنع (1/ 316)، المبدع (1/ 119)، كشاف القناع (1/ 104).
أدلة أصحاب القول الثالث:
استدل القائلون بأنه يرتفع الجميع بوضوءٍ واحد، لكن إن نوى ألا يرتفع غيره فلا يرتفع إلا ما نواه.
الدليل الأول: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)
(1)
.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن ليس للمرء إلا ما نواه فقط، فإذا كان عليه أحداث متنوعة ونوى أحدها بالوضوء، فلا يرتفع إلا الذي نواه، لأنه لم ينوه أشبه إذا لم ينو شيئاً
(2)
.
ونوقش:
بأن من نوى رفع أحد الأحداث ارتفع جميعها تبعاً لتداخلها، ذلك لأن الحدث وصف واحد لا يتجزأ، فيدخل في ذلك كل حدث.
الدليل الثاني: استدلوا بالقياس، فقالوا: لو تطهر ولم ينو شيئاً فلا يرتفع حدثه فكذا هنا لا يرتفع إلا ما نواه فقط دون غيره لأنه لم ينوه
(3)
.
ونوقش:
بأنه قياس مع الفارق، لأنه إذا لم ينو شيئاً لم يرتفع حدثه، لأن النية شرط في الطهارة، بخلاف الصورة هنا، فالنية موجودة، لكنه نوى أحد الأحداث فيرتفع الباقي بالتداخل لأن الحدث وصف كما تقدم.
الترجيح:
بالنظر في الأقوال وأدلتها، يظهر لي والله أعلم رجحان القول الثالث القاضي بارتفاع الحدث عن الجميع مطلقاً، لكن إن نوى ألا يرتفع إلا هذا الحدث فلا يرتفع إلا ما نواه، لقوة تأثير النية في العمل ولصراحة قوله صلى الله عليه وسلم:(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)
(4)
والله أعلم.
(1)
أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي ح/1 مع الفتح (1/ 15)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنية ح/155، صحيح مسلم (ص 1056).
(2)
انظر: الشرح الكبير على المقنع (1/ 123).
(3)
انظر: المبدع (1/ 119).
(4)
تقدم تخرجه قريباً.