الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة التاسعة: حكم تنشيف
(1)
الأعضاء من ماء الوضوء
.
المقصود بالمسألة: إذا توضأ المسلم وبقي عليه شيء من ماء وضوئه، فما حكم تنشيف أعضائه بمنديل ونحوه؟
اختيار القاضي:
اختار القاضي رحمه الله، أن تنشيف الأعضاء بعد الوضوء غير مكروه موافقاً في ذلك المشهور من مذهب الحنابلة، كما سيأتي في ذكر الأقوال.
فقال رحمه الله: (مسألة: واختلفت هل يكره أن تنشّف الأعضاء من ماء الوضوء، ومن غسل الجنابة؟ فنقل جماعة منهم أبو داود ويعقوب بن بختان وصالح أنه غير مكروه، وهو أصح).
(2)
تحرير محل النزاع:
اتفق الفقهاء على أنه لا يحرم تنشيف الأعضاء بعد الوضوء أو الغسل، وإنما وقع الخلاف في الكراهة، وأيهما أفضل التنشيف أو عدمه
(3)
؟
سبب الخلاف:
وسبب هذا الاختلاف أن هناك أحاديث دلت على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمسح بالمنديل بل رده حين عرض عليه، وهناك من الأحاديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له منديل ينشف به بعد الوضوء
(4)
، كما سيأتي في ذكر الأدلة.
(1)
التنشيف لغة مصدر نشف، يقال: نشف الماء تنشيفا أخذه بخرقة ونحوها. قال ابن الأثير: أصل النشف دخول الماء في الأرض والثوب، يقال نشفت الأرض الماء تنشفه نشفا: شربته، ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللفظ عن المعنى اللغوي، فقالوا: المراد بالتنشيف أخذ الماء بخرقة مثلا، انظر: القاموس المحيط، والمصباح المنير، والنهاية لابن الأثير مادة:" نشف "، وحاشية قليوبي وعميرة (1/ 55).
(2)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 76).
(3)
انظر: البناية شرح الهداية (1/ 253).
(4)
انظر: دفع إيهام تعارض أحاديث الأحكام في كتاب الطهارة ص 128، للدكتورة: رقية المحارب.
الأقوال في المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يباح التنشيف ويستوي فعله وتركه.
وبه قال: الحنفية
(1)
،و المالكية
(2)
، ووجه عند الشافعية
(3)
، ورواية عن الإمام أحمد
(4)
.
القول الثاني: ترك التنشيف أفضل.
وهو الصحيح من الأوجه عند الشافعية
(5)
، وهو مذهب الحنابلة
(6)
.
القول الثالث: التنشيف مكروه إلا لحاجة كبرد ونحوه.
وروي ذلك عن بعض الصحابة، منهم جابر بن عبد الله وابن عباس
(7)
رضي الله عنهم، وذهب إلى ذلك الزهري
(8)
،وهو وجه عند الشافعية
(9)
، ونُقلت رواية عن الإمام أحمد، وردها بعض أصحابه
(10)
.
(1)
انظر: المبسوط (1/ 73)، البحر الرائق (1/ 54)، البناية شرح الهداية (1/ 253)، رد المحتار (1/ 131).
(2)
انظر: المدونة (1/ 125)، مختصر خليل (ص 12)، شرح الخرشي (1/ 140)،حاشية الدسوقي (1/ 96).
(3)
انظر: فتح العزيز (1/ 445)، المجموع (1/ 461)، أسنى المطالب (1/ 42)، نهاية المحتاج (1/ 196).
(4)
انظر: الكافي (1/ 72)، الفروع (1/ 94)، المبدع (1/ 132)، الإنصاف (1/ 370).
(5)
انظر: فتح العزيز (1/ 445)، المجموع (1/ 461)، أسنى المطالب (1/ 42)، نهاية المحتاج (1/ 196).
(6)
انظر: الكافي (1/ 72)، الفروع (1/ 94)، المبدع (1/ 132)، الإنصاف (1/ 370)،كشاف القناع (1/ 106).
(7)
أخرجه عبد الرزاق (1/ 182) وابن أبي شيبة (1/ 149، 150)، وابن المنذر (1/ 418).
(8)
انظر: جامع الترمذي (1/ 77).
(9)
انظر: فتح العزيز (1/ 446 - 448)،المجموع (1/ 461 - 462)، مغني المحتاج (1/ 61).
(10)
ردها أبو بكر الخلال وخطأ نقلها عن الإمام أحمد انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 76).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: عن قيس بن سعد
(1)
قال:" أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فوضعنا له ماء فاغتسل، ثم أتيناه بملحفة ورسية
(2)
، فاشتمل بها، فكأني أنظر إلى أثر الورس على عكنه
(3)
)
(4)
.
الدليل الثاني: عن ميمونة رضي الله عنها قالت: (اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بالمنديل فلم يُرِدْها، وجعل ينفض الماء بيده)
(5)
.
وجه الدلالة من الحدثين:
أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتمل بملحفة بعد أن اغتسل، والملحفة تنشف الماء بعد الغسل، وترك التنشيف في حديث ميمونة رضي الله عنها، ففعله تارة وتركه تارة يدل على تساوي جانبي الفعل والترك.
الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء)
(6)
.
ونوقش:
بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة.
(1)
قيس بن سعد هو: قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي كان حامل راية الأنصار مع رسول صلى الله عليه وسلم وكان من ذوي الرأي من الناس، شهد فتح مصر واختط بها دارا ثم كان اميرها لعلي مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة، انظر: الإصابة (5/ 474).
(2)
ورسية: مصبوغة بالورس، وهو نبت أصفر يصبغ به. انظر: النهاية (5/ 173).
(3)
عكنه: ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا. انظر: القاموس مادة عكن (4/ 251).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/ 421)، وأبو داود، كتاب الأدب، باب كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان ح/5185 (4/ 347) ابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب المنديل بعد الوضوء ح 466/ (1/ 158)، وضعفه النووي في الخلاصة (1/ 124)، والألباني في ضعيف ابن ماجه (1/ 38).
(5)
أخرجه البخاري، كتاب الغسل، باب من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسدهح/270، (1/ 106)، ومسلم، كتاب الحيض، باب صفة الغسل من الجنابةح/317 (1/ 245).
(6)
أخرجه الترمذي، في أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب المنديل بعد الوضوء ح/53 (1/ 74)، وضعفه فقال:(حديث عائشة ليس بالقائم ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء).
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدل القائلون بأن ترك التنشيف أفضل:
الدليل الأول: حديث ميمونة رضي الله عنها السابق.
ونوقش:
بأن هذا الخبر لا يوجب حظر ذلك، ولا المنع منه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد كان يدع الشيء المباح لئلا يشق على أمته
(1)
.
الدليل الثاني: قالوا: إن أثر الوضوء عبادة، فكان تركه أفضل
(2)
.
(1)
انظر: الأوسط لابن المنذر (1/ 419،418).
(2)
انظر: أسنى المطالب (1/ 42).
أدلة أصحاب القول الثالث:
استدل القائلون بأن التنشيف مكروه:
الدليل الأول: حديث ميمونة رضي الله عنها السابق.
الدليل الثاني: عن أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا علي، ولا ابن مسعود)
(1)
.
نوقش:
بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة.
الدليل الثالث: قالوا: إن الوضوء يوزن
(2)
.
ونوقش: أن هذا تعليل غير صحيح، فإن ميزان الأعمال يوم القيامة ليس كموازين الدنيا، ولا هو مما يدخل تحت الحس في هذه الحياة، وإنما هذا من أمور الغيب الذي نؤمن به كما ورد
(3)
.
الترجيح:
بعد عرض أقوال أهل العلم في المسألة يترجح والله أعلم، القول القائل بجواز التمندل بعد الوضوء، لعدم صحة الخبر في النهي عن ذلك، وأما رده صلى الله عليه وسلم للمنديل في حديث ميمونة رضي الله عنها فإنه صلى الله عليه وسلم قد يترك المباح ولا يكون تركه لكراهته له، ولأنه ربما ترك المنديل لأمر يختص بعينه دون جنسه
(4)
.
(1)
أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ ص 145.، وضعف إسناده الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 170)
(2)
انظر: البناية (12/ 124).
(3)
انظر: جامع الترمذي تحقيق أحمد شاكر (1/ 77).
(4)
انظر: الشرح الكبير (1/ 66).