الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الحادية عشرة: حكم الترتيب والموالاة لمن توضأ وتيمم للجرح
.
المقصود بهذه المسألة: من كان في يده جرح، وتوضأ فهل يتيمم للجرح إذا وصل لموضعه في الوضوء مراعاةً للترتيب، أو يؤخر التيمم حتى ينتهي من وضوئه؟
اختيار القاضي:
اختار القاضي رحمه الله -أنه يجب على الجريح مراعاة الترتيب والمولاة في وضوئه، فيفصل بين أعضاء وضوئه بالتيمم، موافقاً في اختياره المشهور عند الحنابلة، كما سيأتي.
قال المرداوي رحمه الله: (لو كان الجرح في بعض أعضاء الوضوء: لزمه مراعاة الترتيب والموالاة على الصحيح من المذهب. وعليه جماهير الأصحاب
…
واختاره القاضي)
(1)
.
تحرير محل النزاع:
اتفقوا على أنه إذا كان الجرح في غير أعضاء الوضوء وأراد أن يتوضأ فلا يتيمم عنه، واختلفوا فيما إذا كان الجرح في أعضاء الوضوء هل يجمع بين التيمم والغسل أو لا يجمع؟ وإذا جمع بينهما فهل يفصل بين أعضاء الوضوء بالتيمم أو لا يفصل بينهما بالتيمم؟
(2)
(1)
انظر: الإنصاف (1/ 272).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (1/ 51)، التفريع (1/ 202)، المجموع (2/ 289)، المغني (1/ 338).
الأقوال في المسألة:
اختلف العلماء فيها على أربعة أقوال:
القول الأول: لا يجمع بين الغسل والتيمم، بل إن كان أكثر بدنه صحيحاً اقتصر على غسله ولا يلزمه تيمم، وإن كان أكثره جريحاً كفاه التيمم، ولم يلزمه غسل شيء.
وبه قال: الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
.
القول الأول: يغسل الصحيح، ويسقط حكم الجرح قل أو كثر فلا يتيمم عنه.
وبه قال: الظاهرية
(3)
.
القول الثالث: يجمع بين الغسل والتيمم، فيغسل الصحيح ويتيمم عن الجرح في موضعه فيفصل بين أبعاض الوضوء، مراعاة للترتيب.
وبه قال: الشافعية
(4)
، والحنابلة
(5)
.
القول الرابع: يتوضأ ويغسل الصحيح، ثم بعد الانتهاء من وضوئه يتيمم عن الجرح، ولا يجب الترتيب في ذلك.
وهو وجه عند الحنابلة
(6)
، اختاره الموفق ابن قدامة
(7)
، وابن تيمية
(8)
.
(1)
انظر: المبسوط (1/ 122)، بدائع الصنائع (1/ 51)، اللباب للمنبجي (1/ 141).
(2)
انظر: الكافي (1/ 181)، التفريع (1/ 202).
(3)
انظر: المحلى (2/ 137).
(4)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 273،272)، حلية العلماء (1/ 259)، المجموع (2/ 293،289).
(5)
انظر: المغني (1/ 338)، شرح العمدة (1/ 439)، التنقيح (1/ 582)، الإنصاف (1/ 272).
(6)
انظر: المغني (1/ 338)، شرح العمدة (1/ 438،439)، شرح الزركشي (1/ 358)، الإنصاف (1/ 272).
(7)
انظر: المغني (1/ 338).
(8)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 466،426).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: أن الله سبحانه أمر بالتيمم عند عدم القدرة على استعمال الماء
(1)
.
الدليل الثاني: أن التيمم بدل، ولا يجب الجمع بين البدل والأصل كالصوم والعتق في الكفارة
(2)
.
نوقش:
بعدم التسليم بذلك، لأن التيمم بدل لما لم يصل إليه الماء فليس فيه جمع بين المبدل والمبدل منه
(3)
.
الدليل الثالث: أن الأقل تابع للأكثر
(4)
، وأصول الشرع مقررة على أن الأغلب هو المعتبر في الحكم وما ليس بغالب تبع
(5)
.
نوقش:
بأنه أصل لا يعتبر في الطهارات، ألا ترى أنه لو غسل أكثر جسده من جنابة أو أكثر أعضاء وضوئه من حدثه لم يجز تغليباً للأكثر، فكذا هنا
(6)
.
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدلوا بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}
(7)
.
وجه الدلالة:
أنه عاجز عن تطهير الأعضاء، وليس من أهل التيمم لوجود الماء، فسقط عنه ما عجز عنه.
ونوقش:
أن التيمم من وسع الإنسان وليس تكليفاً له بما لا يطيقه.
وأن العجز عن إيصال الماء إلى بعض أعضائه لا يقتضي سقوط الفرض عن إيصاله إلى ما لا يعجز عنه
(8)
.
(1)
انظر: اللباب للمنبجي (1/ 141).
(2)
انظر: المبسوط (1/ 122)، الحاوي الكبير (1/ 273)، اللباب للمنبجي (1/ 141).
(3)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 273).
(4)
انظر: المبسوط (1/ 122).
(5)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 273).
(6)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 274).
(7)
جزء من الآية 286 من سورة البقرة.
(8)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 274).
أدلة أصحاب القول الثالث:
الدليل الأول: حديث جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي ? أخبر بذلك فقال: «قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده)
(1)
.
وجه الدلالة:
أنه نص صريح في الجمع بين الماء والتيمم
(2)
.
الدليل الثاني: القياس: أن العجز عن إيصال الماء لا يقتضي سقوط الفرض عن إيصاله إلى مالم يعجز عنه، قياساً على ما إذا كان عادماً لبعض أعضائه
(3)
.
الدليل الثالث: أن الترتيب يجب في الوضوء من الحدث الأصغر، فكذلك يجب الترتيب في بدله وهو التيمم
(4)
.
ونوقش:
أن التيمم طهارة مفردة، فلم يجب الترتيب بينها وبين الطهارة الأخرى
(5)
.
(1)
رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم، ح/336، (1/ 240،239)، وابن ماجه من حديث ابن عباس، كتاب الطهارة، باب في المجروح تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه إن اغتسل، ح/572، (1/ 89)، وضعفه البيهقى والألباني انظر: السنن الكبرى (1/ 347)، والإرواء (1/ 142).
(2)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 274،273).
(3)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 274).
(4)
انظر: شرح الزركشي (1/ 358).
(5)
انظر: المغني (1/ 338).
أدلة أصحاب القول الرابع:
الدليل الأول: قوله تعالى: {
…
وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الآية
(1)
.
وجه الدلالة:
أن في ذلك حرجاً ومشقة، وهما منفيان في شرعنا
(2)
.
الدليل الثاني: أنه يتيمم عن الحدث الأصغر، فلم يجب أن يتيمم عن كل عضو في موضع غسله، كما لو يتيمم عن جملة الوضوء حيث يسقط الفرض جملة واحدة فكذا يسقطه عن بعض الأعضاء ولو لم يرتب بين الطهارتين
(3)
.
الدليل الثالث: القياس على الجنب، لأن التيمم طهارة مفردة، فلم يجب الترتيب بينها وبين الطهارة الأخرى وهي الغسل بالماء، فكما لا يجب الترتيب في طهارة الجنب بين الغسل والتيمم، فكذا هنا لاختلاف الطهارتين
(4)
.
الترجيح:
الراجح والله أعلم القول الأخير، فلا يجب الترتيب في هذه المسألة، بل لا يجوز أن يفصل بين أعضاء الوضوء بالتيمم لعدم النص على ذلك كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية
(5)
رحمه الله، ولما في ذلك من الحرج والمشقة الذي تنفيه الشريعة ولا تأتي به
(6)
.
(1)
جزء من الآية (78) من سورة الحج.
(2)
انظر: المغني (1/ 338)، وشرح الزركشي (1/ 358).
(3)
انظر: المصدر السابق.
(4)
انظر: المغني (1/ 338).
(5)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 466،426).
(6)
انظر: شرح العمدة (1/ 439)، مجموع الفتاوى (21/ 427،426).