الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة العاشرة: حكم صلاة فاقد الطهورين
.
المقصود بالمسألة: إذا حضرت الصلاة ولا يجد المسلم ماءاً ولا صعيداً، كما لو كان محبوساً فماذا يعمل؟
اختيار القاضي:
اختار القاضي-رحمه الله -أنه يصلي على حسب حاله ويعيد مخالفاً في اختياره المشهور من مذهب الحنابلة كما سيأتي.
فقال رحمه الله: (وكذلك اختلفت فيمن عدم الماء والتراب وصلى، فنقل الميموني وأحمد بن الحسين يصلي ويعيد، وهو أصح)
(1)
.
الأقوال في المسألة:
اختلف العلماء فيمن عدم الماء والصعيد على أربعة أقوال:
القول الأول: لا يصلي، ويقضي صلاته إذا قدر على الطهارة.
وبه قال: الحنفية
(2)
، وقول في مذهب مالك
(3)
،وقول في مذهب الشافعية
(4)
.
القول الثاني: لا يصلي ولا يعيد.
وهو مذهب المالكية
(5)
، وقول بعض الظاهرية
(6)
.
القول الثالث: يصلي ويعيد إذا قدر على الماء أو الصعيد.
وبه قال: الشافعية في المشهور من مذهبهم
(7)
، وهو قول في مذهب الحنابلة
(8)
، اختاره القاضي كما تقدم.
القول الرابع: يصلي ولا يعيد.
وهو المشهور من مذهب الحنابلة
(9)
.
(1)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 91).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (1/ 50)، أحكام القرآن للجصاص (2/ 535).
(3)
انظر: الاستذكار (1/ 305)،الذخيرة (1/ 350)،مواهب الجليل (1/ 360).
(4)
انظر: المجموع (2/ 322،321).
(5)
انظر: الذخيرة (1/ 350)، مختصر خليل (ص 25)،حاشية الدسوقي (1/ 156)،الفواكه الدواني (1/ 162).
(6)
انظر: شرح البخاري لابن رجب (2/ 223).
(7)
انظر: المهذب (1/ 42)،حلية العلماء (1/ 256)، المجموع (2/ 322،321)، مغني المحتاج (1/ 106).
(8)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 91)، شرح البخاري لابن رجب (2/ 223)، الإنصاف (1/ 282).
(9)
انظر: المحرر (1/ 23)، الفروع (1/ 222،221)، الإنصاف (1/ 283،282)، شرح المنتهى للبهوتي (1/ 96).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول: القائل (لا يصلي ويقضي إذا تمكن من أحد الطهورين)
الدليل الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} الآية
(1)
.
الدليل الثاني: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تقبل صلاة بغير طهور)
(2)
.
وجه الدلالة:
دلت الآية والحديث على أن من صلى بغير وضوء ولا تيمم صلى بغير طهور، ومن صلى بغير طهور لا تقبل صلاته.
ونوقش:
أن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور) أي مع القدرة على الطهور كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)
(3)
أي مع القدرة على الوضوء، لأنه لا خلاف أنه لو عدم الماء، وصلى بالتيمم صحت صلاته
(4)
.
أدلة أصحاب القول الثاني: القائل (لا يصلي ولا يعيد).
ودليل هذا القول: القياس على الحائض، فكما أن الحائض ليست أهلاً لأداء الصلاة، ولا يجب عليها قضاؤها، فكذلك فاقد الطهورين ليس أهلاً لأداء الصلاة، فإذا لم يكن كذلك سقطت عنه الصلاة، لأن الطهارة شرط في الوجوب، ولا يجب عليه قضاؤها، لأن القضاء فرع عن الأداء، وإذا سقط الأداء سقط القضاء
(5)
.
ويناقش:
بأن الله عز وجل قال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
(6)
، ومن صلى فاقداً للطهورين بعذر فقد فعل ما يستطيع، وأيضا القياس على الحائض لا يصح، ذلك أن الحائض يجب عليها ترك الصلاة، ولو وجدت الطهور، بخلاف الرجل، الفاقد للطهورين.
(1)
المائدة:6.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
انظر: شرح البخاري لابن رجب (2/ 223،223).
(5)
انظر: شرح الخرشي (1/ 254)،الفواكه الدواني (1/ 160)،الشرح الكبير للدردير (1/ 162)، منح الجليل (1/ 161).
(6)
التغابن:16.
أدلة أصحاب القول الثالث: القائل (يصلي ويعيد).
استدل أصحاب هذا القول بوجوب الصلاة عليه بقول الله عز وجل: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}
(1)
ولم يفرق بين فاقد الطهورين وغيره، ولأنه مكلف بالصلاة عدم شرطا من شرائطها فوجب أن يلزمه فعلها كالعريان
(2)
.
واحتجوا لوجوب الإعادة بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) ولأنه عذر نادر غير متصل فلم تسقط الإعادة كمن صلى محدثا ناسيا أو جاهلا حدثه
(3)
.
ونوقش:
أنه أدى العبادة التي عليه، كما أمره الله عزوجل؛ فلا وجه لأمره بإعادتها ثانيةً
(4)
.
(1)
الإسراء:78.
(2)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 268).
(3)
انظر: المجموع (2/ 281).
(4)
انظر: المغني (1/ 184).
أدلة أصحاب القول الرابع: القائل (يصلي ولا يعيد).
استدل أصحاب هذا القول بوجوب الصلاة عليه في الحال بما ا ستدل به أصحاب القول السابق، واستدلوا لقولهم بعدم الإعادة بعد بمايلي:
الدليل الأول: قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} الآية
(1)
وجه الدلالة:
أنه فعل العبادة كما أمر بحسب وسعه فلا إعادة عليه.
الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها (أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها، فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء، فصلوا، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله آية التيمم)
(2)
.
وجه الدلالة:
أنهم صلوا بغير وضوء ولم يكن يشرع التيمم بعد، وشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة، فإذا كان من فقد الماء قبل نزول التيمم صلى على حسب حاله، فكذلك من فقد الماء والصعيد صلى على حسب حاله ولم يؤمر بالإعادة فدل على أنها غير واجبة
(3)
.
الدليل الثالث: من النظر، والتعليل، حيث أن الله لم يأمر العبد أن يصلي الفرض مرتين إلا إذا لم يفعل الواجب الذي يقدر عليه في المرة الأولى، وكذلك لم يعرف قط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر العبد أن يصلي الصلاة مرتين لكن يأمر بالإعادة من لم يفعل ما أمر به مع القدرة على ذلك
(4)
.
الترجيح:
الراجح والله أعلم القول الأخير القائل يصلي ولا يعيد، لقوة أدلته وسلامتها من المعارضة، ولأنه أتى بما أمر، فخرج عن عهدته؛ لأن الطهارة شرط من شرائط الصلاة فتسقط عند العجز عنها، كسائر شروطها وأركانها؛ ولأنه أدى فرضه على حسبه، فلم يلزمه الإعادة
(5)
.
(1)
التغابن:16.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب التيمم، باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا ح/336، (1/ 74)، ومسلم، كتاب الحيض، باب التيمم، ح/367، (1/ 279).
(3)
انظر: المغني (1/ 184).
(4)
انظر: الفتاوى الكبرى (2/ 28)،مجموع الفتاوى (21/ 633).
(5)
انظر: المغني (1/ 184).