الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة العاشرة: حكم الماء الذي يمكن نزحه إذا وقع فيه بول الآدمي أو عذرته ولم يتغير
.
المقصود بالمسألة:
أن يخالط الماء الكثير، نجاسة آدمي -بوله، أو عذرته- ولم يتغير الماء بها، ولا يشق نزحها فما حكم هذا الماء؟
اختار القاضي-رحمه الله: أن الماء في هذه الحالة نجس، مخالفاً في اختياره المذهب عند الحنابلة، كما سيأتي في ذكر الأقوال.
فقال- رحمه الله: (مسألة: واختلفت في الماء إذا كان يمكن نزحه فوقع فيه بول الآدميين أو عذرتهم المائعة، فنقل الجماعة منهم أبو طالب أنه ينجس، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح).
(1)
تحرير محل النزاع:
أجمع أهل العلم على أن الماء الكثير إذا خالطته نجاسة الآدمي، فلم تغيره، ويشق نزحه أنه طهور
(2)
واختلفوا في الماء الكثير إذا خالطته نجاسة الآدمي، فلم تغيره، ولا يشق نزحه على قولين:
القول الأول: أن الماء لا ينجس في تلك الحالة.
وهو مذهب الحنفية
(3)
، والمالكية
(4)
، والشافعية
(5)
، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد، اختارها أكثر المتأخرين وهي المذهب
(6)
.
القول الثاني: أن الماء ينجس في هذه الحالة.
وهي رواية عن الإمام أحمد
(7)
، اختارها أكثر المتقدمين
(8)
ونص المرداوي رحمه الله -أنها من مفردات المذهب
(9)
.
(1)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 61).
(2)
انظر: الأوسط (1/ 261)، الإجماع لابن المنذر (ص: 35)، مراتب الإجماع (ص: 17)، شرح الزركشي (1/ 134)، المبدع (1/ 38)، الشرح الكبير (1/ 26).
(3)
انظر: المبسوط (1/ 46)،بدائع الصنائع (1/ 24)،فتح القدير (1/ 68).
(4)
انظر: مختصرخليل (1/ 9)،الشرح الكبير (1/ 67) الكافي (1/ 38).
(5)
انظر: المهذب (1/ 160)، المنهاج (1/ 16)، المجموع (1/ 161).
(6)
انظر: المغني (1/ 30)،الفروع (1/ 85)، الإنصاف (1/ 59)،كشاف القناع (1/ 41)،شرح المنتهى للبهوتي (1/ 22).
(7)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 61).
(8)
انظر: شرح الزركشي (1/ 133)، الإنصاف (1/ 59)
(9)
انظر: الإنصاف (1/ 59)، مفردات الحنابلة للعجلان (1/ 97).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان الماء قلتين لم ينجس) وفي رواية: (لم يحمل الخبث)
(1)
.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الماء إذا بلغ قلتين، لا ينجس، ولا يحمل الخبث، وهذا عام في جميع الأنجاس، فيشمل بول الآدمي، وعذرته، ولا دليل على استثنائها من عموم الحديث
(2)
.
نوقش:
أن بول الآدمي مستثنى، بما سيأتي من حديث النهي عن البول في الماء، وحينئذ يجمع بين الحديثين، بحمل حديث القلتين على سائر النجاسات، عدا بول الآدمي وعذرته، لأنه حديث خاص، والخاص مقدم على العام، فيكون المعنى لم يحمل الخبث إلا بول الآدميين
(3)
.
ويجاب عنه:
أن حديث النهي عن البول في الماء، ليس فيه دلالة قطعية على نجاسة الماء
(4)
، بخلاف حديث القلتين، فإن دلالته على نفي النجاسة قطعية، بدليل ما سبق من الإجماع على نفي نجاسة الماء الكثير ما لم يتغير، وما كانت دلالته قطعية، يقدم على مالم تكن دلالته كذلك.
الدليل الثاني: أن بول الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب، وهو لا ينجس القلتين، فبول الآدمي وعذرته أولى، أن لا ينجس الماء الكثير بهما ما دام لم يتغير
(5)
.
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 33).
(3)
انظر: المغني (1/ 30)، شرح الزركشي (1/ 133)، كشاف القناع (1/ 40).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (20/ 388)، (21/ 34).
(5)
انظر: المغني (1/ 30)، الشرح الكبير (1/ 26)، شرح منتهى للبهوتي (1/ 22)، كشاف القناع (1/ 41).
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه)
(1)
.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الدائم، والنهي هنا خاص ببول الآدمي دون غيره من النجاسات وألحق به الغائط لأنه أفحش منه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، وذلك لأن النجاسة تفسد الماء، وهذا عام؛ لكن عفي عما يشق نزحه من أجل المشقة.
(2)
ونوقش:
لا يسلم بأن النهي للتحريم أو لتنجيس الماء؛ إذ ليس في الحديث ما يدل على ذلك، بل هو للكراهة التنزيهية
(3)
.
الدليل الثاني: ماروي أن علياً رضي الله عنه سئل عن (صبي بال في بئر فأمرهم بنزحها)
(4)
.
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا الأثر لا تعرف صحته، ومن ذكره لم يعزه إلى شيء من كتب التخريج المعتمده.
الوجه الثاني: على فرض ثبوته يحتمل أنه رضي الله عنه أمر بنزحها لأجل الاستقذار وتطيباً للنفوس، لا لأنها تنجست بسب البول فيها
(5)
.
الترجيح:
بالتأمل في أدلة القولين، يظهر والله أعلم أن القول الأول القائل بأن الماء لا ينجس أرجح، لقوة ما استدلوا به، ولمناقشة القول الثاني، وعدم نهوضها لمعارضة أدلة القول الأول، والله أعلم.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له، كتاب الطهارة، باب البول في الماء الدائم ح/239 (1/ 57)، و مسلم في كتاب الطهارة باب النهي عن البول في الماء الراكد ح/282 (1/ 235).
(2)
انظر: الكافي (1/ 26)، المغني (1/ 17)، الشرح الكبير (1/ 14)، المبدع (1/ 38)، الشرح الممتع (1/ 40).
(3)
انظر: بداية المجتهد (1/ 31)، المجموع (1/ 164)، مجموع الفتاوى (21/ 42)، نيل الأوطار (1/ 37).
(4)
انظر: الأوسط (1/ 273)، المغني (1/ 30)، الشرح الكبير (1/ 26)، ولم أعثر عليه في كتب التخريج التي لدي.
(5)
انظر: مفردات الحنابلة للعجلان (1/ 97).