الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: حكم اللبث فوق الحاجة
.
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله أن اللبث فوق الحاجة مكروه، مخالفاً في اختياره المشهور من مذهب الحنابلة كما سيأتي.
قال المرداوي رحمه الله (قوله ولا يلبث فوق حاجته، يحتمل الكراهة وهو رواية عن أحمد وجزم به في الفصول،
…
واختاره القاضي)
(1)
الأقوال في المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يستحب ألا يطيل القعود فوق الحاجة.
وبه قال: الحنفية
(2)
.
القول الثاني: أن اللبث فوق الحاجة مكروه.
وهو مذهب الشافعية
(3)
، و رواية عن الإمام أحمد
(4)
، اختارها القاضي أبو يعلى كما تقدم.
القول الثالث: القعود فوق الحاجة في الخلاء محرم.
وبه قال: الحنابلة في المشهور من المذهب
(5)
.
(1)
انظر: الإنصاف (1/ 96).
(2)
انظر: البحر الرائق (1/ 256)، حاشية ابن عابدين (1/ 345)،حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (1/ 36).
(3)
انظر: المجموع (2/ 105)، تحفة المحتاج (1/ 173)،أسنى المطالب (1/ 46)، روضة الطالبين (1/ 66)، كفاية الأخيار (ص 35).
(4)
انظر: الإنصاف (1/ 96).
(5)
انظر: الإنصاف (1/ 97،96)،كشاف القناع (1/ 63)،مطالب أولي النهى (1/ 71،70).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: عن زيد بن أرقم
(1)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث)
(2)
.
وجه الدلالة: أن هذه الأماكن تحضرها الشياطين ويهجر فيها ذكر الله فلا ينبغي إطالة المكث فيها
(3)
.
الدليل الثاني: أن في البقاء في الحمام فترة طويلة من غير حاجة كشف للعورة من غير مبرر
(4)
.
الدليل الثالث: أن هذا القعود الطويل يورث الباسور، ووجع الكبد
(5)
.
أدلة أصحاب القول الثاني:
أما أصحاب القول الثاني القائلين بالكراهة، فاستدلوا بما استدل به أصحاب القول الأول، وقالوا: أن هذه الأدلة لا تقل على أن يقال أن هذا الأمر مكروه
(6)
.
(1)
زيد بن أرقم هو: زيد بن أرقم بن زيد بن قيس، أبو عمر وقيل أبو عامر، الخزجي الأنصاري، صحابي، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، وهو الذي أنزل الله تصديقه في صورة المنافقين. وله في كتب الحديث 80 حديثاً. انظر ترجمته:[الإصابة 1/ 560، وأسد الغابة 2/ 219، وتهذيب التهذيب 3/ 394، والأعلام 3/ 395]
(2)
أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء، ح/6، (1/ 49)،والنسائي في "الكبرى: كتاب عمل اليوم والليلة: باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، ح/9903 (6/ 23)، وابن ماجة كتاب الطهارة وسننها: باب ما يقول إذا دخل بيت الخلاء، ح/296 (1/ 108)، وصححه ابن حبان والحاكم، انظر: البدر المنير (2/ 391)، وصححه الألباني في الصحيحة (1070).
(3)
انظر: معالم السنن (1/ 22).
(4)
انظر: الشرح الكبير للدردير (1/ 104)، منح الجليل (1/ 224).
(5)
انظر: البحرالرائق (1/ 256)،حاشية ابن عابدين (1/ 345).
(6)
انظر: المجموع (2/ 105)، تحفة المحتاج (1/ 173)،أسنى المطالب (1/ 46).
أدلة أصحاب القول الثالث: (القائلين بالتحريم).
استدلوا بما سبق من أدلة، غير أنهم حملوها على التحريم، واستدلوا أيضاً بحديث بهز بن حكيم
(1)
عن أبيه، عن جده قال: قلت: (يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك) قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض قال: (إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها) قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: (الله أحق أن يستحيا منه من الناس)
(2)
.
وجه الدلالة:
ظاهر الحديث أن التعري في الخلوة لغير حاجة غير جائز
(3)
.
ويناقش:
أن المنع من الكشف للنظر، وليس في الخلوة من ينظر، فلم يجب الستر، ثم إن إطالة اللبث تبع لأمر مباح، بخلاف من فعل ذلك ابتداءاً من غير حاجة.
الترجيح:
الراجح والله أعلم، أنه إذا ثبت أنه يورث بعض المرض فيحرم، لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا ضرر ولا ضرار)
(4)
، ومرجع ذلك إلى الطب، فإن ثبت في ذلك ضرر فإنه يحرم، أما إذا لم يثبت ذلك فالراجح هو القول الثاني القائل بالكرهة خاصة إذا لم تكن هناك حاجة للمكوث كالغسل والخلاء وغير ذلك، فإنه ينهى عن كشف السوءة لغير حاجة، فيقتصر على مقدار الحاجة ولهذا كره العلماء للمتخلي أن يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض
(5)
.
(1)
بهز بن حكيم هو: أبو عبد الملك بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري البصري، روى عن أبيه وزارة بن أوفى وهشام ابن عروة وغيرهم، وعنه سليمان التيمي ويحيي القطان وغيرهم توفي سنة 91 هـ. وثقه ابن المديني ويحيى بن معين، والنسائي. قال أبو زرعه: صالح. وقال البخاري: يختلفون فيه، وقال ابن عدي: لم أرله حديثاً منكراً. انظر ترجمته: [تهذيب التهذيب 1/ 498، ميزان الاعتدال 1/ 353، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 137]
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الحمام، باب ما جاء في التعري ح/4017 (4/ 40)، والترمذي وحسنه في كتاب الأدب، باب ما جاء في حفظ العورة ح/2794، (5/ 97) وابن ماجة في كتاب النكاح، باب التستر عند الجماع ح/1920، (1/ 618)، وأخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ومن تستر فالتستر أفضل معلقا بصيغة الجزم (1/ 64)،وحسنه الألباني في آداب الزفاف صـ 36.
(3)
انظر: عمدة القاري (3/ 228).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
انظر: شرح عمدة الفقه لابن تيمية (1/ 403)، مجموع الفتاوى (21/ 338).