الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة: اشتراط اللبس على طهارة للمسح على الجبيرة
(1)
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله عدم جواز المسح على الجبيرة إن شدها على حدث، موافقاً في اختياره المشهور عند الحنابلة، كما سيأتي في ذكر الأقوال.
فقال رحمه الله (مسألة: واختلفت هل يجوز المسح على الجباير إذا شدها على غير طهارة؟ فنقل المروذي أنه لا يجوز، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأنه مسح على حائل، فأشبه الخفين والعمامة)
(2)
.
الأقوال في هذه المسألة:
اختلف العلماء فيها على قولين:
القول الأول: لا يشترط ذلك، فيجوز المسح على الجبيرة مطلقاً سواءً لبسها على طهارة أو على حدث.
وبه قال: الحنيفة،
(3)
والمالكية
(4)
، وأحمد في رواية
(5)
.
القول الثاني: يشترط -في جواز المسح على الجبيرة- أن يشدها على طهارة، فلا يصح المسح عليها إن شدها على حدث.
وبه قال: الشافعية
(6)
، وأحمد في الرواية المشهورة المعتمدة عند الحنابلة
(7)
.
(1)
الجبيرة: -بفتح الجيم- وجبارة -بكسر الجيم-، والجمع جبائر: وهي أخشاب أو نحوها ترطب على موضع الكسر وتشد عليه حتى ينجبر على استوائها. انظر: المجموع (2/ 324)، المطلع على أبواب المقنع (11/ 22).
(2)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 94،93).
(3)
انظر: مختصر الطحاوي: 21، بدائع الصنائع (1/ 14)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 31)، اللباب شرح الكتاب (1/ 41).
(4)
انظر: التفريع (1/ 215)، الإشراف (1/ 174)، كتاب الكافي (1/ 179).
(5)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين (1/ 94)، المغني (1/ 356).
(6)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 277)، المجموع (2/ 326).
(7)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 94)، المغني (1/ 356)، الشرح الكبير (1/ 70)، شرح العمدة (1/ 287)، الإنصاف (1/ 173)، كشاف القناع (1/ 114).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: ما رواه جابر رضي الله عنه حيث قال: (خرجنا في سفر، فأصاب رجل منا حجر، فشجه
(1)
في رأسه، ثم احتلم
(2)
، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة، وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: قتلوه، قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العي
(3)
السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب
…
على جرحه خرقة ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده)
(4)
.
وجه الدلالة:
أنه لم يذكر فيه أنه لبس الخرقة على طهارة، حيث إن طهارته الغسل
(5)
.
نوقش:
بأنه حديث ضعيف لا حجة فيه.
الدليل الثاني: حديث علي رضي الله عنه قال: (انكسرت إحدى زندي
(6)
، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أمسح على الجبائر)
(7)
.
وجه الدلالة:
أنه لم يشترط لذلك طهارة
(8)
.
و نوقش أيضاً:
بأنه حديث ضعيف لا حجة فيه.
(1)
أي: جرحه وشقه في رأسه، وأصل الشج في الرأس ثم استعمل في غيره من الأعضاء يقال: شجه يشجه شجاً. انظر: النهاية (2/ 445).
(2)
الحُلم: والاحتلام: هو الجماع في النوم، يرى الرجل في نومه أنه يباشر المرأة فيستيقظ وفي ثوبه بلل. انظر: لسان العرب (12/ 145).
(3)
العِيّ –بكسر العين وتشديد الياء- هو الجهل. انظر: النهاية (3/ 334).
(4)
رواه أبو داود، في كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم (1/ 239 - 240) برقم 336، واللفظ له، والدراقطني (1/ 190)، والبيهقي (1/ 228)، وضعفه البيهقي، والحافظ في بلوغ المرام:28.
(5)
انظر: المغني (1/ 356)، شرح العمدة (1/ 288).
(6)
الزندان: مثنى زند، وهما طرفا عظمي الساعدين، والزند: موصل طرف الذراع في الكف، وهما زندان الكوع والكرسوع، فالكوع يلي الإبهام، والكرسوع يلي الخنصر. انظر: لسان العرب (3/ 196).
(7)
رواه ابن ماجة، في كتاب الطهارة وسننها، باب المسح على الجبائر (1/ 215) برقم 657، والدراقطني (1/ 226، 227)، والبيهقي (1/ 228)، وضعفه الدراقطني، والبيهقي، والنووي في المجموع (1/ 324)، والحافظ في التلخيص الحبير (1/ 146) برقم 199.
(8)
انظر: المغني (1/ 356).
الدليل الثالث: أثر ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول: (من كان به جرح معصوب عليه توضأ، ومسح على العصابة، ويغسل ما حول العصابة، وإن لم يكن عليه عصابة مسح ما حوله)
(1)
.
الدليل الرابع: أثر عنه أيضاً رضي الله عنه: (أنه خرجت بإبهامه قرحة
(2)
، فألقمها مرارة
(3)
فكان يتوضأ عليها)، وفي رواية:(أنه توضأ وكفه معصوبة، فمسح عليها وعلى العصابة)
(4)
.
وجه الدلالة:
أنه قول وفعل صحابي لم يعلم له مخالف، ولم يشترط للعصابة أن تلبس على طهارة.
الدليل الخامس: أن اشتراط الطهارة للجبيرة تغليظ على الناس، وإنما جاز المسح عليها لمشقة نزعها، وهذه العلة موجودة إذا لبسها على غير طهارة
(5)
.
(1)
رواه عنه عبد الرزاق (1/ 162) برقم 625، وابن أبي شيبة (1/ 136)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 24)، والبيهقي (1/ 228)، وصححه البيهقي موقوفاً على ابن عمر رضي الله عنه.
(2)
القرحة: -بفتح القاف- هي الجراحة، والجمع قرح وقروح، ويطلق على البئر إذا ترامى إلى فساد. انظر: لسان العرب (2/ 557).
(3)
المرارة: -بفتح الميم- واحدة المرار- بكسر الميم- وهي التي تستخرج من جوف الشاة وغيرها من الحيوانات إلا الجمل، يكون فيها ماء أخضر من انظر: النهاية (4/ 316) ، لسان العرب (5/ 170).
(4)
رواه عنه ابن المنذر (2/ 24) ، والبيهقي (1/ 288) ، وصححه البيهقي عن ابن عمر موقوفاً عليه، وصححه أيضاً ابن تيمية في شرح العمدة (1/ 285).
(5)
انظر: المغني (1/ 356) ، الشرح الكبير (1/ 70).
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدلوا بدليل واحد وهو:
القياس على الخفين، فكما يشترط لبس الخفين على طهارة لجواز المسح عليها، فكذلك يشترط تقدم الطهارة قبل شد الجبيرة، لأنه مسح على حائل أشبه الخف
(1)
.
نوقش:
هذا الدليل بأنه قياس مع الفارق فلا يصح، لأن الفرق بين الخف والجبيرة ثابت من وجهين:
أحدهما: أن الكسر يقع فجأة، فيبادر إلى شد الجبيرة عليه للضرورة، ففي اشتراط شدها على طهارة حرج عظيم، وتلحقه مشقة كبيرة في نزعها، وربما تعذرت الطهارة بأن يجري دم ينقض الطهارة، ولا يمكن إعادتها إلا بغسل المحل وهو متعذر فيضطر إلى شدها على الحدث، فإما أن يؤمر بالتيمم فقط، فالمسح خير من التيمم، أو بهما وهو خلاف الأصول، فيتعين المسح
(2)
.
الوجه الثاني: أن الجبيرة كالأعضاء، وتجري مجرى جلدة انكشطت ثم أعيدت، بدليل أنها تمسح في الطهارة الكبرى، وأنه لا توقيت في مسحها بخلاف الخف
(3)
.
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- هو القول الأول، وأنه لا يشترط –لجواز المسح على الجبيرة- تقدم الطهارة، لقوة أدلة هذا القول، وضعف دليل أصحاب القول الثاني، حيث بطل قياسهم الذي هو عمدتهم في ما ذهبوا إليه
(4)
، وذكر شيخ الإسلام فساده من عدة وجوه
(5)
، وأنه قد صح ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه
(6)
، ولا يعرف عن صحابي ولا تابعي خلافه
(7)
أ. هـ.
وقال البيهقي
(8)
: (لا يثبت على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء، وإنما فيه قول الفقهاء من التابعين فمن بعدهم مع ما روينا عن ابن عمر في المسح على العصابة)
(9)
.
(1)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 94). المغني (1/ 356)، مجموع الفتاوى (21/ 179)، كشاف القناع (1/ 114).
(2)
انظر: شرح العمدة (1/ 288)، مجموع الفتاوى (21/ 179).
(3)
انظر: شرح العمدة (1/ 288)، مجموع الفتاوى (21/ 179).
(4)
كما تقدم.
(5)
انظر: مجموع الفتاوي (21/ 179).
(6)
انظر: شرح العمدة (1/ 285).
(7)
انظر: المصدر السابق.
(8)
والبيهقي هو: أحمد بن حسين بن علي البيهقي، ولد سنة 384 هـ، جمع بين علم الحديث والفقه، وبيان علل الحديث، ووجه الجمع بين الأحاديث، قال إمام الحرمين الجويني: ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي، فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه اهـ، ومن تصانيفه:"السنن الكبير" و"الصغير" و"الآداب" و"الخلافيات"، توفي سنة 458 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 4/ 8. سير أعلام النبلاء 18/ 163.
(9)
انظر: السنن الكبرى للبيهقي (1/ 228) بتصرف واختصار يسير.