الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: حكم وضوء من مس ذكره من غير شهوة
.
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله -انتقاض وضوء من مسه ذكره بغير شهوة موافقاً في ذلك ا لمشهور من مذهب الحنابلة كما سيأتي.
قال رحمه الله: (مسألة: واختلفت إذا مسه بغير شهوة، فنقل أبو داود نقض الوضوء وهو أصح)
(1)
.
تحرير محل النزاع:
اتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله على أن من مس الذكر من وراء حائل لا ينقض الوضوء
(2)
، واختلفوا في مس الذكر مباشرة هل هو يوجب الوضوء أو لا يوجبه؟
سبب الخلاف:
السبب هو اختلافهم في الأحاديث والآثار المتعارضة في هذه المسألة، فاختلف العلماء تبعاً لذلك
(3)
.
(1)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 84).
(2)
انظر: شرح فتح القدير (1/ 54 - 56)، وقوانين الأحكام الشرعية ص 27؛ والخرشي على مختصر خليل (1/ 156 - 157)، والأم (1/ 19) وفي الإنصاف (1/ 202).
(3)
انظر: بداية المجتهد (1/ 35).
الأقوال في هذه المسألة:
اختلف العلماء فيها على أربعة أقوال:
القول الأول: لا ينتقض الوضوء بمس الذكر مطلقاً.
وبه قال: أبو حنيفة وأصحابه
(1)
، ورواية للإمام أحمد
(2)
.
القول الثاني: أن مس الذكر ناقض للوضوء، فمن مس ذكره فيجب عليه الوضوء.
وبه قال: المالكية
(3)
، والشافعية
(4)
، وابن حزم
(5)
، وأحمد -في أشهر الروايتين عنه وهي المذهب عند الحنابلة
(6)
، وهي اختيار القاضي أبي يعلى كما تقدم.
القول الثالث: أن الوضوء من مس الذكر مستحب لا واجب.
وهذا قول للمالكية
(7)
،ورواية عن الإمام أحمد
(8)
، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية
(9)
.
القول الرابع: التفريق بين اللمس بشهوة واللمس بغير شهوة، فمن لمس ذكره بشهوة انتقض وضوءه، أما اللمس بغير شهوة فلا ينتقض الوضوء، وهذه رواية للإمام مالك
(10)
ورواية للإمام أحمد
(11)
.
(1)
انظر: شرح فتح القدير (1/ 54 - 56)،وحاشية رد المختار (1/ 147).
(2)
انظر: الانتصار (1/ 326) ، شرح العمدة (1/ 305) ، شرح الزركشي (1/ 246)،الإنصاف (1/ 202).
(3)
انظر: الإشراف (1/ 148)، المعونة (1/ 156)، كتاب الكافي (1/ 149)، بداية المجتهد (1/ 34).
(4)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 189)، المجموع (2/ 41).
(5)
انظر: المحلى (1/ 235).
(6)
انظر: المبدع (1/ 160)، الإنصاف (1/ 202)، شرح المنتهى (1/ 71)، الروض المربع (1/ 247)، كشاف القناع (1/ 126).
(7)
انظر: التمهيد (17/ 202).
(8)
انظر: شرح العمدة (1/ 305)، شرح الزركشي (1/ 246)،الإنصاف (1/ 202).
(9)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 241).
(10)
انظر: المدونة (1/ 121)،بداية المجتهد (1/ 45)، القوانين الفقهية (1/ 22).
(11)
انظر: الإنصاف (1/ 202).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول: القائلين بعدم النقض بالمس مطلقاً.
الدليل الأول: حديث قيس بن طلق
(1)
، عن أبيه
(2)
رضي الله عنه، قال: قدمنا على نبي الله ^ فجاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا نبي الله، ما ترى في مسّ الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ أعليه الوضوء؟ فقال: (هل هو إلا مُضْغة
(3)
منه)، أو قال: (بَضْعة
(4)
منه)
(5)
.
وجه الدلالة:
أنه نص صريح في عدم نقضه للوضوء.
نوقش من خمسة أوجه:
الوجه الأول: أنه ضعيف، فلا حجة فيه
(6)
.
وأجيب عنه:
بأن من أهل العلم من صححه
(7)
، بل قال الترمذي
(8)
: هذا الحديث أحسن شيء في هذا الباب
(9)
.
(1)
هو قيس بن طلق بن علي الحنفي ا ليمامي، تابعي مشهور، أبوه صحابي صدوق، وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، انظر ترجمته في: الإصابة (3/ 268) برقم: 7358، تهذيب التهذيب (8/ 398) برقم 708.
(2)
هو طلق بن علي بن طلق بن عمرو الحنفي، اليمامي، السحيمي، أبو علي، صحابي مشهور، قال الحافظ: له صحبة ووفادة ورواية. انظر ترجمته في: أسماء الصحابة الرواة: 138 برقم 147، الإصابة (2/ 224) برقم 4283، تهذيب التهذيب (5/ 33) برقم 51.
(3)
المُضْغَةُ: القطْعَةُ من اللحم، قَدْرَ ما يُمْضَغُ وجمعها: مُضَغُ، انظر: النهاية (4/ 339)، لسان العرب (8/ 451).
(4)
البَضْعة: بفتح الباء أو كسرها وإسكان الضاد، هي القطعة، من اللحم، انظر: النهاية (1/ 133)، لسان العرب (8/ 12).
(5)
رواه أحمد (4/ 22، 23)، وأبو داود، في كتاب الطهارة، باب الرخصة في ذلك، (1/ 127) برقم 182، واللفظ له، وابن ماجة، في كتاب الطهارة وسننها، باب الرخصة في ذلك (1/ 163) برقم 483، والترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر، (1/ 131) برقم 85، والنسائي في كتاب الطهارة، باب الوضوء من ذلك (1/ 101) برقم 165، صححه ابن حبان والطبراني وابن حزم، وادعى النووي أن الحفاظ اتفقوا على تضعيفه، وردّه ابن عبد الهادي فقال: أخطأ من حكى الاتفاق على ضعفه، انظر: المحرر في الحديث (1/ 120)، التلخيص الحبير (1/ 125).
(6)
ضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني انظر: المجموع (2/ 242)، شرح العمدة (1/ 308)، والتلخيص الحبير (1/ 125).
(7)
انظر: المحرر في الحديث (1/ 120)، التلخيص الحبير (1/ 125).
(8)
هو محمد بن عيسى بن سَوْرَة بن الضحاك السلمي (أبو عيسى الترمذي)، الحافظ، المحدث، صاحب الجامع في السنن، والعلل، وغيرها، كان ممن جمع وصنّف وحفظ وذاكر، وهو أحد العلماء الذين يفتدى بهم في علم الحديث، مات بَترْمِذ في رججب سنة 279 هـ. انظر ترجمته في: تذكرة الحافظ (2/ 633)، طبقات الحفاظ: 282 برقم 634، شذات الذهب (2/ 174).
(9)
انظر: سنن الترمذي (1/ 132).
الوجه الثاني: أنه -على فرض صحته- منسوخ، فإن وفادة طلق بن علي
(1)
على النبي صلى الله عليه وسلم كانت في السنة الأولى من الهجرة، وهم يؤسسون المسجد، ورواة حديث إيجاب الوضوء من مس الذكر منهم أبو هريرة لم يسلم إلا بعد خيبر في السنة السابعة من الهجرة، وبسرة بنت صفوان أسلمت عام الفتح سنة ثمان من الهجرة
(2)
.
ويجاب عنه:
بأنه لا يلزم من تقديم إسلام الراوي وهو طلق رضي الله عنه القول بنسخ حديثه لاحتمال أن يكون حدث به عن غيره، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث به بعد مدة طويلة من إسلام طلق لا في أول إسلامه، وإذا تطرق الاحتمال بطل الاستدلال، فيبطل القول بالنسخ.
(1)
راوي حديث عدم النقض بلمس الذكر.
(2)
انظر: الانتصار (1/ 335، 336)، المغني (1/ 242)، المجموع (2/ 43)، شرح العمدة (1/ 308)، شرح الزركشي (1/ 247).
الوجه الثالث: أنه محمول على المسّ من وراء حائل، لأن في بعض روايات هذا الحديث عن طلق قال: خرجنا وفداً حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه، فلما قضى الصلاة، جاء رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله ما ترى في جل مس ذكره في الصلاة، قال:(هل هو إلا مضغة منك)، أو (بضعة منك)
(1)
، والمصلي في الغالب إنما يمسّه من فوق ثيابه
(2)
.
وأجيب عنه:
بأن تعليل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إنما هو بضعة منك يرد احتمال كونه من وراء حائل
(3)
، ولو كان المراد به ذلك لقال: إنك لم تباشره بالمس، وإنما مسسته من وراء حائل فلا ينتقض وضوؤك، ولكنه عدل عن هذا التعليل إلى تعليل بعلة لا يمكن أن تزول، إذ لا يمكن أن يكون ذكر الإنسان ليس بضعة منه، والحكم يدور مع علته وهذه العلة لا تزول، فلا يزول الحكم
(4)
.
الوجه الرابع: أن حديث النقض بالمس ناقل عن الأصل، وحديث عدم النقض مبق على الأصل، والناقل عن الأصل أولى بالترجيح فإنه معه زيادة علم، وإلا للزم القول بالنسخ مرتين
(5)
، فيترجح حديث بسرة وما في معناه على حديث طلق، لأن حديثها ناقل عن الأصل، وحديثه مبق على الأصل.
(1)
هذه رواية النسائي، في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من ذلك (1/ 101) برقم 165.
(2)
انظر: المجموع (2/ 43).
(3)
انظر: شرح الزركشي (1/ 247).
(4)
انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين (1/ 325).
(5)
انظر: شرح العمدة (1/ 308)، شرح الزركشي (1/ 247).
الوجه الخامس: أنه –على تقدير التعارض بين الحديثين- فإن أحاديث النقض أكثر رواة، وأصح إسناداً، وأقرب إلى الاحتياط، وذلك يوجب ترجيحها، فإنه إن أعاد الوضوء وصلى، فإما أن يكون على وضوء فهو نور على نور، وإما أن يكون على غير وضوء فيكون مؤدياً فرضه بيقين
(1)
.
الدليل الثاني: حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسّ الذكر، فقال: (إنما هو حِذيَة
(2)
منك)
(3)
.
وجه الدلالة:
أنه إذا كان الذكر حذية من الإنسان أي قطعة منه فحكمه كسائر البدن، وسائر البدن لا ينتقض الوضوء بمسه فكذا مس الذكر.
نوقش:
بأنه حديث ضعيف، فلا حجة فيه
(4)
.
الدليل الثالث: القياس: حيث أنه مس عضو منه فلم ينتقض كسائر الأعضاء
(5)
.
نوقش: بأنه قياس مع الفارق فلا يصح، إذ الذكر تثور الشهوة بمسه غالباً بخلاف غيره من الأعضاء
(6)
، وتتعلق بإيلاج الذكر أحكام كثرة لا تتعلق بشيء من البدن
(7)
، ثم هو قياس في مقابلة النص فيبطل
(8)
.
(1)
انظر: الانتصار (1/ 336)، المجموع (2/ 43)، شرح العمدة (1/ 309).
(2)
وفي بعض النسخ (جزء منك)، وفي بعضها:(حِذْوة منك) بمعنى القطعة من اللحم، وهذا اللفظ المذكور (حِذْيَة منك) بمعنى ما قطع طولاً من اللحم. قال محمد فؤاد عبد الباقي المحقق لسنن ابن ماجة، وأثبت لفظ (الجزء) ابن تيمية في شرح العمدة (1/ 305)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 192).
(3)
رواه ابن ماجة، في كتاب الطهارة وسننها، باب الرخصة في ذلك (1/ 163)، برقم 484.
(4)
قال البوصيري: هذا إسناد فيه جعفر بن الزبير، وقد اتفقوا على ترك حديثه واتهموه. انظر: مصباح الزجاجة (1/ 192) برقم 199، وشرح العمدة (1/ 308).
(5)
انظر: المغني (1/ 241)، المجوع (2/ 42)، شرح العمدة (1/ 305).
(6)
انظر: المجموع (2/ 43).
(7)
انظر: الانتصار (1/ 338)، المغني (1/ 242).
(8)
انظر: المجموع (2/ 43).
أدلة أصحاب القول الثاني: القائلين بالنقض مطلقاً.
الدليل الأول: حديث بسرة
(1)
بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ)
(2)
.
الدليل الثاني: حديث أم حبيبة
(3)
رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس فرجه فليتوضأ)
(4)
.
الدليل الثالث: حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من مس ذكره فليتوضأ، أيما امرأة مسَّت فرجها فلتتوضأ)
(5)
.
(1)
بسرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد القرشية روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر حديثاً. قال الشافعي: "لها سابقة وهجرة قديمة عاشت إلى ولاية عثمان". الإصابة (4/ 252).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الطهارة، باب الوضوء من مسّ الفرج، حديث رقم (58) 1/ 42؛ وأحمد في المسند بلفظ مقارب 6/ 407؛ وأبو داود بلفظ مقارب في كتاب الطهارة، باب الوضوء من مسّ الذكر، حديث رقم (181) 1/ 125 - 126؛ والترمذي في كتاب الطهارة، باب الوضوء من مسّ الذكر بلفظ أحمد، حديث رقم (82) 1/ 126. وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح"، وقال البخاري: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة.
(3)
أم حبيبة هي: أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشية الأموية كانت من السابقين إلى الإسلام، هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فولدت هناك حبيبة، فتنصر عبيد الله ومات بالحبشة نصرانيا وبقيت أم حبيبة مسلمة بأرض الحبشة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها إلى النجاشي فتزوجها وهي بالحبشة روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وعن زينب بنت جحش وروت عنها بنتها حبيبة وأخواها معاوية وعتبة وآخرون. توفيت سنة 44 هـ. انظر: ترجمتها الإصابة (4/ 305)، وأسد الغابة (5/ 573).
(4)
أخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة، باب الوضوء من مسّ الذكر، حديث رقم (481) 1/ 162؛ والبيهقي في السنن الكبرى بلفظه في كتاب الطهارة 1/ 130؛ وصححه الإمام أحمد و يحيى بن معين وأبو زرعة والحاكم انظر: التلخيص الحبير (1/ 124).
(5)
أخرجه أحمد في المسند 2/ 223؛ والبيهقي بلفظ مقارب في كتاب الطهارة 1/ 132؛ وصححه البخاري انظر: التلخيص الحبير (1/ 124).
الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه، حتى لا يكون بينه وبينه حجاب ولا ستر، فليتوضأ وضوءه للصلاة)
(1)
.
وجه الدلالة:
أنها نصوص صريحة في وجوب الوضوء من مس الذكر.
ونوقشت:
بأنها أحاديث ضعيفه متكلم فيها، ضعفها يحيى بن معين
(2)
، وقال: ثلاثة أحاديث لا تصح وذكر منها أحاديث نقض الوضوء من مس الذكر
(3)
.
(1)
أخرجه الدارقطني في كتاب الطهارة، باب ما روي في لمس القبل والدبر والذكر والحكم في ذلك 1/ 147؛ وأخرجه أحمد في المسند 2/ 333 بلفظ مقارب؛ والبيهقي بنحوه في كتاب الطهارة (1/ 130 - 131).
(2)
هو أبو زكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام، وقيل: اسم جدّه غياث بن زياد بن عون بن سطام، الغطفاني، ثم المَرّيَ، مولاهم البغدادي، أحد الأعلام الأئمة، شيخ المحدثين، الحافظ الجهْبذ، ولد سنة 158 هـ ومات سنة 233 هـ، انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (11/ 71)، برقم 28، تذكرة الحفاظ (2/ 429، 431)، تهذيب التهذيب (11/ 280، 288).
(3)
انظر: الانتصار (1/ 327)، المجموع (2/ 42)، تنقيح التحقيق (1/ 449، 457).
وأجيب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا الحديث صحيح صححه الجماهير من الأئمة الحفاظ، واحتج به الأئمة الأعلام أهل الحديث والفقه، فلا يقدح فيه تضعيف ابن معين، وقد خالفه الأكثرون فصححوه
(1)
.
الوجه الثاني: أنه قد جاء عن يحيى بن معين رواية بالنقض
(2)
، فإما أن يكون رجع عن قوله الأول، وإما أن يكون لم يثبت عنه
(3)
، وعلى كل حال فقوله الموافق للحديث أولى لا سيما وقد وافق فيه أكثر العلماء.
أدلة أصحاب القول القول الثالث: القائلين أن الوضوء من مس الذكر مستحب لا واجب.
استدلوا أيضاً بالأدلة الموجبة للوضوء من مس الذكر ولكنهم خصوا ذلك بما إذا كان ذلك بشهوة.
ويجاب عن ذلك:
بأن الأدلة عامة والتخصيص يحتاج إلى دليل ولا دليل معهم.
(1)
انظر: المجموع (2/ 42).
(2)
فإنه لما اجتمع مع الإمام أحمد وابن المديني في مسجد الخيف بمنى -وتذاكروا نقض الوضوء بمس الذكر- قال يحيى: ينقض، واحتج بحديث بسرة. انظر: سنن الدارقطني (1/ 150)، الأوسط لابن المنذر (1/ 204)، المستدرك للحاكم (1/ 139)، السنن الكبرى للبيهقي (1/ 136)، الاستذكار لابن عبد البر (3/ 27، 28)، الانتصار (1/ 329)، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي، (1/ 454)، تنقيح التحقيق للذهبي (1/ 215، 216)، التلخيص الحبير (1/ 122، 123).
(3)
انظر: الانتصار (1/ 329)، تنقيح التحقيق (1/ 454).
أدلة أصحاب القول الرابع: القائلين بالتفريق بين اللمس بشهوة واللمس بغير شهوة، فمن لمس ذكره بشهوة انتقض وضوءه، استدل شيخ الإسلام ابن تيمية لهذا القول: بأن تحمل أحاديث الأمر بالوضوء من مس الذكر على الاستحباب وحمل الأمر على الاستحباب أولى من نسخ أحاديث عدم الوجوب، وبهذا تجتمع الأحاديث والآثار بحمل الأمر به على الاستحباب
(1)
.
الترجيح:
الأظهر والله أعلم هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الوضوء من مس الذكر مستحب مطلقاً وذلك لأنه القول الذي تجتمع به الأدلة بحمل الأمر بالوضوء في حديث بسرة للاستحباب، والنفي في حديث طلق لنفي الوجوب
(2)
؛ بدليل أنه سأل عن الوجوب فقال: (أعليه) وكلمة: (على) ظاهرة في الوجوب
(3)
.
ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله -بعدما ساق الخلاف في المسألة: (الوضوء من مس الذكر مستحب لا واجب وهكذا صرح به الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه وبهذا تجتمع الأحاديث والآثار بحمل الأمر به على الاستحباب ليس فيه نسخ قوله: (وهل هو إلا بضعة منك؟)، وحمل الأمر على الاستحباب أولى من النسخ)
(4)
.
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 241).
(2)
انظر: المجموع (2/ 42)، نيل الأوطار (1/ 251).
(3)
انظر: الشرح الممتع (1/ 282).
(4)
مجموع الفتاوى (21/ 241).