‌2 - نشأته وحياة العلمية ورحلاته في طلب العلم - اختيارات القاضي أبي يعلى الحنبلي الفقهية من أول كتاب الطهارة إلى آخر باب التيمم

‌

‌2 - نشأته وحياة العلمية ورحلاته في طلب العلم

.

ولد القاضي ونشأ في بيت علم ودين، فقد كان أبوه الحسين بن محمد الفراء رجلاً صالحاً فقيهاً، درس على مذهب الإمام أبي حنيفة -رحمهما الله- وأسند الحديث، توفي سنة 390 هـ

(1)

، بالإضافة إلى نشأته في بيئة علمية، حيث ولد في بغداد ونشأ بها، وقد كانت آن ذاك عاصمة الخلافة العباسية، ومهد العلماء فكانت النهضة العلمية فيها متوافرة الدواعي مكتملة الأسباب، متنوعة العلوم والفنون، بالإضافة للمكتبات الزاخرة بالمصادر والمراجع في كل فن، مما كان له كبير الأثر في شخصية القاضي أبي يعلى وتكوينه العلمي وعلو منزلته فيه.

فقد سمع الحديث مبكراً، وعمره خمس سنوات في سنة 385 هـ

(2)

، وتوفي والده وهو لم يجاوز العاشرة من عمره، وكان وصيه رجلاً صالحاً يقال له الحربي

(3)

، فنقل القاضي إلى دار القز

(4)

حيث يسكن، وفيها مسجد يصلي فيه رجل صالح يقال له ابن مقدحة المقرئ

(5)

، يقرئ القرآن و يلقن من يقرأ عليه العبارات من مختصر الخرقي

(6)

فلقنه ما جرت عادته بتلقينه من العبادات فاستزاده القاضي فقال له ذلك الشيخ: هذا القدر الذي أحسنته فإن أردت زيادة عليه فعليك بالشيخ أبي عبد الله بن حامد

(7)

فإنه شيخ هذه الطائفة ومسجده بباب الشعير فمضى إليه وصحبه، ولازمه وتتلمذ عليه إلى أن توفي ابن حامد رحمه الله -سنة 403 هـ، وكان من المشايخ الذين لازمهم القاضي وتأثر بهم كثيراً.

وتصدر بأمره للإفادة سنة 402 هـ. فقد سئل ابن حامد رحمه الله -إمام الحنبلية في وقته عند خروجه إلى الحج في سنة اثنتين وأربعمائة فقيل له: على من ندرس؟ وإلى من نجلس؟ فقال: إلى هذا الفتى وأشار إلى القاضي الإمام أبي يعلي

(8)

.

ورحل لأجل طلب العلم وتحصيله إلى مكة، ودمشق، وحلب وسمع الحديث، من بعض المحدثين كالحافظ عبد الرحمن بن أبي نصر رحمه الله

(9)

في دمشق، وأبي نصر عبيد الله بن سعيد السجزي

(10)

في مكة، وتبادل الرسائل معه.

(11)

وسمع من أبي عبدالله الحاكم، صاحب المستدرك

(12)

، ولم يكن القاضي رحمه الله -كثير رحلات لما سبق من كون بغداد وقتئذ حاضنة العلم، ومقصد الطلبة.