الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: حكم وضوء من نام راكعاً أو ساجداً
.
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله، عدم نقض وضوء من نام راكعاً أو ساجداً إلا إذا كثر، مخالفاً في ذلك المشهور من مذهب الحنابلة، كما سيأتي.
قال: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -عند كلامه على نقض الوضوء بالنوم حال الركوع والسجود ( .... والرواية الرابعة لا ينقض في حال من هذه الأحوال حتى يكثر
…
وهذه اختيار القاضي وأصحابه)
(1)
.
تحرير محل النزاع:
اتفق الأئمة الأربعة على انتقاض الوضوء بالنوم في الجملة
(2)
، وبزوال العقل بغير النوم كالجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل فينقض ذلك الوضوء بالإجماع
(3)
وبنوم المضطجع
(4)
، وعلى عدم انتقاضه بالنعاس
(5)
، وبالنوم اليسير من المتمكن بمقعدته من الأرض
(6)
، واختلفوا في النوم الكثير من القاعد
(7)
، وفي نوم الراكع والساجد والقائم، سواءً كان ذلك في صلاة أو غيرها، كثيراً كان أو قليلاً
(8)
.
سبب الخلاف:
السبب هو اختلافهم في النوم هل هو حدث أو ليس بحدث وإنما هو مظنة الحدث، بناءً على اختلاف الآثار الواردة في ذلك، فمنهم من سلك مسلك الترجيح، ومنهم من ذهب مذهب الجمع
(9)
.
(1)
انظر: شرح العمدة لابن تيمية (1/ 302)، الفروع وتصحيح الفروع (1/ 225)، الإنصاف (1/ 200).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (1/ 30، 31)، بداية المجتهد (1/ 31)، المجموع (2/ 17)، المغني (1/ 234).
(3)
انظر: الإجماع لابن المنذر: 31، المغني (1/ 234) ، شرح الزركشي (1/ 236).
(4)
انظر: الإفصاح (1/ 131)، المغني (1/ 235).
(5)
انظر: المجموع (2/ 15).
(6)
انظر: بدائع الصنائع (1/ 31)، بداية المجتهد (1/ 31)، حلية العلماء (1/ 184، 185)، المغني (1/ 235، 236).
(7)
انظر: المصادر السابقة.
(8)
انظر: الانتصار (1/ 303)، المغني (1/ 235، 236)، صحيح مسلم بشرح النووي (4/ 73).
(9)
انظر: بداية المجتهد (1/ 31، 32)، المغني (1/ 235)، مجموع الفتاوى (21/ 394).
الأقوال في هذه المسألة:
اختلف العلماء في هذه المسألة على ستة أقوال هي:
القول الأول: أن النوم ينقض الوضوء مطلقاً قليله وكثيره، سواءً أكان جالساً أم منكسراً أم مضطجعاً.
وهو مروي عن ابن عباس
(1)
، واختاره ابن المنذر
(2)
، وابن حزم
(3)
.
القول الثاني: لا ينتقض وضوؤه بالنوم إلا في حال الاضطجاع، والتورك.
وبه قال: أبو حنيفة
(4)
وهو المشهور المعتمد في مذهبه، وداود الظاهري
(5)
.
القول الثالث: ينتقض وضوؤه بالنوم إلا في حال الجلوس إذا كان ممكناً مقعدته من الأرض.
وبه قال: الشافعي في الجديد، وهو المعتمد عند الشافعية
(6)
.
القول الرابع: ينتقض وضوؤه بالنوم إلا يسير النوم من قائم أو قاعد.
وبه قال: المالكية
(7)
، والحنابلة
(8)
.
(1)
رواه عنه عبد الرزاق (1/ 129) ، وابن أبي شيبة (1/ 133) ، وابن المنذر في الأوسط (1/ 145) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 119)، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 73) ، المجموع له (2/ 17).
(2)
انظر: الأوسط (1/ 143) ، شرح مسلم للنووي (4/ 73) ، المجموع (2/ 17) ، فتح الباري (1/ 314).
(3)
انظر: المحلى (1/ 222).
(4)
انظر: بدائع الصنائع (1/ 31) ، اللباب للمنبجي (1/ 114).
(5)
انظر: المحلى (1/ 224) ، شرح مسلم للنووي (4/ 73) ، المجموع (2/ 17).
(6)
انظر: حلية العلماء (1/ 184) ، روضة الطالبين (1/ 74) ، المجموع (2/ 17) ، فتح الباري (1/ 314).
(7)
انظر: التهذيب للبرذاعي (1/ 177) ، الإشراف (1/ 145) ، بداية المجتهد (1/ 31).
(8)
انظر: الانتصار (1/ 203) ، المغني (1/ 235، 236) ، الإنصاف (1/ 199) ، شرح المنتهي (1/ 71) ، كشاف القناع (1/ 125، 126) ، الروض المربع (1/ 224 - 246).
القول الخامس: لا ينتقض وضوؤه بذلك مطلقاً (عكس القول الأول).
وهو محكي عن أبي موسى الأشعري
(1)
، وابن عمر
(2)
، وبه قال: الشافعي
(3)
في القديم، وأحمد
(4)
، في رواية نقلها الميموني
(5)
، وردَّها الخلال
(6)
، واختارها ابن تيمية لكنه قيدها بما إذا ظن بقاء طهارته
(7)
.
القول السادس: القول بالتفصيل، ففرقوا بين قليل النوم وكثيره فقالوا: إن قليل النوم لا ينقض الوضوء وكثيره ينقض على أي صفة كانت.
وهو محكي عن الزهري
(8)
، وربيعة
(9)
، والأوزاعي
(10)
، وبه قال: مالك
(11)
، وأحمد
(12)
-في إحدى الروايتين عنهما، وهي الرواية التي اختارها القاضي أبي يعلى رحمه الله -كما تقدم.
(1)
رواه عنه ابن أبي شيبة (1/ 133) ، وابن المنذر (1/ 154)، وانظر: الأوسط (1/ 153) ، المغني (1/ 234) ، المجموع (2/ 17) ، فتح الباري (1/ 315).
(2)
انظر: الأوسط (1/ 154، 155) ، المحلى (1/ 224) ، فتح الباري (1/ 315).
(3)
انظر: الإفصاح لابن هبيرة (1/ 132).
(4)
انظر: شرح الزركشي (1/ 237) ، الإنصاف (1/ 199).
(5)
الميموني هو: أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الرقي، من أصحاب الإمام أحمد، وله مسائل كثيرة عنه، وهو من كبار أهل الحديث، ومن الفقهاء، مات سنة 274 هـ، وكان سنة يوم مات دون المائة. انظر: ترجمته في طبقات الحنابلة (1/ 212) برقم 282، المقصد الأرشد (2/ 142) برقم 628.
(6)
انظر: شرح الزركشي (1/ 237) ، الإنصاف (1/ 199).
(7)
انظر: مجموع الفتاوي (21/ 230، 393، 395)، الفروع (1/ 178، 179)، الاختيارات الفقهية: 16، الإنصاف (1/ 199، 201).
(8)
رواه عنه عبد الرزاق (1/ 129). انظر: الأوسط (1/ 148) المجموع (2/ 17) ، شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 73).
(9)
انظر: الأوسط (1/ 148) ، المجموع (2/ 17) ، شرح صحيح مسلم (4/ 73).
(10)
انظر: المصادر السابقة.
(11)
انظر: الأوسط (1/ 148) ، التهذيب للبراذعي (1/ 177، 178) ، كتاب الكافي (1/ 146، 147) ، المقدمات الممهدات (1/ 67 - 68) ، بداية المجتهد (1/ 31) ، المجموع للنووي (2/ 17).
(12)
انظر: الانتصار (1/ 303) ، الإفصاح (1/ 132) ، التنقيح (1/ 429) ، الفروع (1/ 178، 179) ، المجموع للنووي (2/ 17) ، شرح مسلم له (4/ 73) ، بداية المجتهد (1/ 31).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: حديث معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العينين وِكاءُ
(1)
السَّهِ
(2)
، فإذا نامت العينان استطلق الوِكاءُ)
(3)
وفي رواية عن علي مرفوعاً: (فمن نام فليتوضأ)
(4)
.
وجه الدلالة:
أنه عام في النوم فيشمل الكثير واليسير
(5)
.
نوقش:
بأنهما ضعيفان
(6)
، وعلى فرض صحتهما فيفهم منهما أن النوم المعتاد هو الذي يستطلق منه الوكاء، ثم نفس الاستطلاق لا ينقض، وإنما ينقض ما يخرجه مع الاستطلاق، وقد يسترخي الإنسان حتى ينطلق الوكاء ولا ينتقض وضوؤه
(7)
.
الدليل الثاني: حديث صفوان بن عسال
(8)
رضي الله عنه (أمرنا أن لا ننزع خفافنا، إذا كان سفراً –أو مسافرين- ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، لكن من غائطٍ أو بول أو نوم)
(9)
.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم عمّ كل نوم، ولم يخص قليله من كثيره، ولا حالاً من حال، وسوّى بينه وبين الغائط والبول في الحكم
(10)
.
نوقش:
بأنه ليس فيه أن النوم ينقض الوضوء، وإنما فيه أنه لا ينزعهما من الغائط والبول والنوم
(11)
.
(1)
الوكاء بكسر الواو وبالمد -هو خيط الذي تشد به الصرة والكيس ونحوهما، انظر: النهاية (5/ 222) ، المجموع (2/ 14) ، اللباب للمنيجي (1/ 116) ، معالم السنن مع التهذيب (1/ 145).
(2)
السه: -بفتح السين المهملة، وكسر الهاء المخففة- وهو حلقة الدبر، والمعنى: إن اليقظة وكاء الدبر، حيث كنى بالعين عن اليقظة، لأن النائم لا عين له تبصر. انظر: المصادر السابقة.
(3)
رواه أحمد (4/ 97) ، واللفظ له، والطبراني في الكبير (19/ 372، 373) برقم 875، والدار قطني (1/ 190) ، وضعف إسناده الحافظ في التلخيص (1/ 108) وضعفه أيضاً الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 194).
(4)
رواه أحمد (1/ 111) ، وأبو داود، في كتاب الطهارة، باب في الوضوء من النوم (1/ 140) برقم 203، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء من النوم (1/ 161) برقم 477، والبيهقي (1/ 118) قال الحافظ في التلخيص (1/ 108) وحسن المنذري وابن الصلاح والنووي حديث معاوية يعني: هذا الحديث، قلت: وتحسين النووي له في المجموع (2/ 13، 18).
(5)
انظر: المجموع (2/ 18، 19).
(6)
انظر: المحلى (1/ 231) ، مجموع الفتاوي (21/ 395).
(7)
انظر: مجموع الفتاوي (21/ 395).
(8)
هو صفوان بن عسّال المرادي الجملي صحابي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وغزا معه اثنتي عشرة غزوة، وروى عنه عبد الله بن مسعود، وزر بن حبيش، وعبد الله بن سلمة، وحذيفة بن أبي حذيفة وغيرهم.
انظر: ترجمته: الإصابة (2/ 189)،وأسد الغابة (2/ 409).
(9)
رواه الترمذي وصححه، في أبواب الطهارة، باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم (1/ 159) برقم 96، والنسائي في كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر (1/ 83) برقم 27،وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء من النوم (1/ 161) برقم 478، وصححه النووي في المجموع (1/ 479).
(10)
انظر: المحلى (1/ 223) ، بداية المجتهد (1/ 32) ، فتح الباري (1/ 314).
(11)
انظر: مجموع الفتاوي (21/ 395).
الدليل الثالث: القياس على الإغماء بجامع زوال العقل، فإذا انتقض وضوؤه بالإغماء ولو كان يسيراً بالإجماع فكذلك ينتقض بالنوم اليسير
(1)
.
نوقش:
بأنه قياس مع الفارق حيث إن الإغماء لا شعور معه، بخلاف النوم اليسير فإن صاحبه غالباً يشعر بنفسه ولهذا إذا صيح به تنبّه
(2)
.
الدليل الرابع: إن النوم حدث في نفسه، والحدث لا يفرق بين كثيره ويسيره كالبول
(3)
.
نوقش:
بأنه غير مسلم، بل النوم ليس بحدث في نفسه، وإنما هو مظنة الحدث
(4)
.
(1)
انظر: المجموع (2/ 19، 20).
(2)
انظر: المصدر السابق.
(3)
انظر: فتح الباري (1/ 314).
(4)
انظر: مجموع الفتاوي (21/ 228).
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: حديث ابن عباس رضي الله عنه حيث قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعاً، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله)
(1)
.
الدليل الثاني: حديث حذيفة
(2)
رضي الله عنه أنه نام جالساً فقال: "يا رسول الله: أمن هذا وضوء؟ قال: (لا، حتى تضع جنبك على الأرض)
(3)
.
الدليل الثالث: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام جالساً فلا وضوء عليه، ومن وضع جنبه فعليه الوضوء)
(4)
.
وجه الدلالة من هذه الأحاديث:
أنها نصوص صريحة في عدم النقض بالنوم إلا إذا كان مضطجعاً، فإنه إذا نام مضطجعاً استرخت مفاصله فيخرج الحدث، بخلاف القعود والقيام والركوع والسجود، فإن الأعضاء متماسكة غير مسترخية فلم يكن هناك سبب يقتضي خروج الخارج
(5)
.
نوقش:
بأنها أحاديث ضعيفة، فلا حجة فيها
(6)
.
(1)
رواه أحمد (1/ 256) ، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب في الوضوء من النوم، واللفظ له (1/ 139) برقم 202، والترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء من النوم (1/ 111) برقم 77، قال النووي في المجموع (2/ 20): إنه حديث ضعيف باتفاق أهل الحديث، وانظر: التلخيص الحبير (1/ 119، 120).
(2)
هو أبو عبد الله حذيفة بن اليمان، واليمان لقبه، واسمه: حسيل، ويقال حسل العبسي من كبار الصحابة، وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم هو وأبوه وأرادا شهود بدر فصدهما المشركون، وشهد أحدًا فاستشهد اليمان بها. شهد حذيفة الخندق وما بعدها، كما شهد فتوح العراق، وله بها آثار شهيرة. خيره النبي صلى الله عليه وسلم بين الهجرة والنصرة فاختار النصرة. استعمله عمر على المدائن فلم يزل بها حتى مات بعد بيعة علي بأربعين يومًا، سنة 36 هـ. انظر: ترجمته: الإصابة (1/ 317)، تهذيب التهذيب (2/ 219).
(3)
رواه البيهقي (1/ 120)، وقال: تفرد به بحر بن كنيز السقاء عن ميمون الخياط وهو ضعيف، ولا يحتج براويته، وضعفه النووي في المجموع (2/ 19، 20)، وانظر: التلخيص الحبير (1/ 120).
(4)
رواه الدار قطني (1/ 160، 161) ، وضعفه النووي، والذهبي، والحافظ بن حجر. انظر: المجموع (2/ 13) ، تنقيح التحقيق (1/ 196) ، التلخيص الحبير (1/ 120).
(5)
انظر: المجموع (21/ 230).
(6)
انظر: المحلى (1/ 225 - 227) ، المغني (1/ 236، 237) ، المجموع (2/ 13، 20).
أدلة أصحاب القول الثالث:
الدليل الأول: حديث حذيفة رضي الله عنه أنه نام جالساً، فقال: يا رسول الله أمن هذا وضوء؟ قال: (لا، حتى تضع جنبك على الأرض)
(1)
.
وجه الدلالة:
أنه نص صريح في أن النوم في حال الجلوس لا ينقض الوضوء.
نوقش: بأنه ضعيف فلا حجة فيه.
الدليل الثاني: حديث عمرو بن شعيب
(2)
عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام جالساً فلا وضوء عليه ومن وضع جنبه فعليه الوضوء)
(3)
.
وجه الدلالة:
أنه نص صريح في أن الجالس لا ينتقض وضوؤه بالنوم.
نوقش:
بأنه ضعيف، فلا حجة فيه.
الدليل الثالث: حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضأون) وفي لفظ: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء فينامون ثم يصلون ولا يتوضئون)
(4)
.
وجه الدلالة:
أنهم كانوا ينامون قاعدين ينتظرون الصلاة حتى تخفق رؤوسهم
(5)
، وحتى يسمع لهم غطيط
(6)
، ومع ذلك لم ينتقض وضوؤهم، فهو دليل على أن النوم جالساً لا ينقض الوضوء ولو كان كثيراً.
الدليل الرابع: حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان ينام وهو جالس ثم يصلي ولا يتوضأ"
(7)
.
(1)
تقدم تخريجه قريباً.
(2)
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي، أحد علماء زمانه، قال الأوزاعي: ما رأيت قرشيا أكمل من عمرو بن شعيب، وسلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حسنة الإسناد صالحة للاحتجاج، قال أبو حاتم: سألت يحيى بن معين عنه، فغضب، وقال: ما أقول؟ روى عنه الأئمة، توفي سنة 118 هـ. انظر: تهذيب الكمال 22/ 64. سير أعلام النبلاء 5/ 165.
(3)
تقدم تخريجه قريباً.
(4)
رواه مسلم، في كتاب الحيض، باب الدليل على أن النوم الجالس لا ينقض الوضوء (1/ 284) برقم 376 واللفظ الأول له، وأبو داود في كتاب الطهارة باب في الوضوء من النوم (1/ 137) برقم 211، واللفظ الثاني له.
(5)
كما في بعض الروايات لهذا الحديث.
(6)
كما في بعض الروايات لهذا الحديث.
(7)
رواه عبد الرزاق (1/ 130) ، وابن أبي شيبة (1/ 132) ، والبيهقي (1/ 120) ، واللفظ له، وقال النووي في المجموع (2/ 19): رواه مالك والشافعي بإسناده الصحيح.
أدلة أصحاب القول الرابع:
"الذين قالوا: بانتقاض الوضوء بالنوم إلا يسير النوم من قائم أو قاعد".
الدليل الأول: عموم حديث علي وصفوان المتقدمين، ولكنهما مخصوصان بحديث أنس المتقدم، فإنه محمول على أن النوم اليسير لا ينقض
(1)
.
نوقش:
بأن حديث أنس ليس فيه بيان كثرة ولا قلة
(2)
.
وأجيب:
بأن النائم يخفق رأسه من يسير النوم، فهو يقين في اليسير، فيعمل به منه، وما زاد فهو محتمل لا يترك له العموم المتيقن
(3)
.
الدليل الثاني: إن نقض الوضوء بالنوم معلل بإفضائه إلى الحدث، ومع الكثرة والغلبة يفضي إليه، ولا يحس بخروجه منه، بخلاف اليسير، ولا يصح قياس الكثير على القليل، لاختلافهما في الإفضاء إلى الحدث
(4)
.
الدليل الثالث: قياس القائم على القاعد، لأنهما يشتبهان في الانخفاض واجتماع المخرج، فكما أن نوم القاعد لا ينتقض به الوضوء للأدلة المذكورة عند الشافعية -أصحاب القول الثالث- فكذا القائم مثله، بل أولى، لأن القائم منضم ومتحفظ كالقاعد، وهو أيضاً لا يستثقل نومه استثقال الجالس لاعتماد القاعد على مقعدته بخلاف القائم، وربما كان القائم أبعد من الحدث لعدم الاستثقال في النوم، فإنه لم استثقل لسقط، فيبعد خروج الحدث منه مع عدم العلم به في النوم اليسير
(5)
.
(1)
انظر: المغني (1/ 235).
(2)
انظر: المصدر السابق (1/ 235، 236) المجموع (1/ 19).
(3)
انظر: المغني (1/ 236).
(4)
انظر: المصدر السابق.
(5)
انظر: المغني (1/ 236) ، شرح العمدة (1/ 302) ، شرح الزركشي (1/ 238، 239).
أدلة أصحاب القول الخامس:"الذين قالوا بعدم انتقاضه بالنوم مطلقاً".
(1)
.
وجه الدلالة:
أنه سبحانه ذكر نواقض الوضوء ولم يذكر النوم
(2)
.
نوقش من وجهين:
أحدهما: أن المراد بالقيام في الآية هو القيام من النوم، مما يدل على أن النوم حدث في نفسه ناقض للوضوء
(3)
.
والوجه الثاني: أن الآية ذكر فيها بعض النواقض، وبينت السنة الباقي، ولهذا لم يذكر فيها البول وهو ناقض بالإجماع
(4)
.
الدليل الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)
(5)
.
وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر النقض بالنوم.
نوقش: بأنه إنما ورد في دفع الشك، لا في بيان نواقض الوضوء وحصرها، ولهذا لم يذكر فيه البول والغائط وزوال العقل وهي من نواقض الوضوء بالإجماع
(6)
.
الدليل الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم: (اضطجع فنام حتى نفخ، ثم أتاه بلال فآذنه بالصلاة، فخرج فصلى الصبح ولم يتوضأ)
(7)
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (تنام عيني ولا ينام قلبي)
(8)
.
وجه الدلالة:
أنه صلى الله عليه وسلم يشعر بما يخرج منه وهو نائم لأنه يقظان، ولأن قلبه الذي لم ينم كان يعرف به أنه لم يحدث. وهذا يدل على أن النوم ليس بحدث في نفسه، إذ لو كان حدثاً لم يكن فيه فرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، كما في البول والغائط والريح
(9)
.
(1)
المائدة:6.
(2)
انظر: المجموع (2/ 18).
(3)
انظر: بداية المجتهد (1/ 32) ، المجموع (2/ 18).
(4)
انظر: المجموع (2/ 18).
(5)
رواه أحمد (2/ 140، 435) ، والترمذي وصححه في أبواب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء من الريح (1/ 109) وابن ماجه، في كتاب الطهارة وسننها، باب لا وضوء إلا من حدث (1/ 172) برقم 515، وصححه النووي انظر: المجموع (2/ 3).
(6)
انظر: المجموع (2/ 18).
(7)
جزء من حديث رواه مسلم، في صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (1/ 528) برقم 186 (763).
(8)
جزء من حديث رواه البخاري، في كتاب المناقب، باب كتاب النبي -?- تنام عينه ولا ينام قلبه- الصحيح مع الفتح- (6/ 579) برقم 3569 و 3570.
(9)
انظر: مجموع الفتاوي (21/ 229، 391).
الدليل الرابع: حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: (أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضأون)
(1)
.
وجه الدلالة:
أنه يدل على أنه جنس النوم ليس بناقض، إذ لو كان ناقضاً لانتقض بهذا النوم الذي تخفق به رؤوسهم
(2)
.
أدلة أصحاب القول السادس:
"الذين قالوا بانتقاض الوضوء بكثير النوم الثقيل دون قليله الخفيف".
الدليل الأول: الجمع بين الأحاديث المتعارضة بحمل حديث علي وصفوان وما في معناهما
(3)
على النوم الكثير، وحمل أحاديث عدم النقض كحديث أنس وغيره
(4)
على النوم اليسير.
الدليل الثاني: إنه مع الاستثقال يغلب خروج الخارج بخلاف القليل
(5)
.
الدليل الثالث: أن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك
(6)
.
الدليل الرابع: حديث "إذا نام العبد وهو ساجد يباهي الله به الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي روحه عندي، وهو ساجد لي"
(7)
.
وجه الدلالة:
فلو انتقض وضوؤه لما جعله ساجداً
(8)
.
(1)
تقدم تخريجه قريباً.
(2)
انظر: مجموع الفتاوي (21/ 229).
(3)
المتقدمة قريباً.
(4)
المتقدمة قريباً.
(5)
انظر: المجموع (2/ 19).
(6)
انظر: شرح الزركشي (1/ 239، 240).
(7)
رواه ابن المبارك في كتاب الزهد: 427 برقم 1213، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه 190، 191 برقم 199، قال النووي في المجموع (2/ 13) ، حديث ضعيف جداً.
(8)
انظر: المجموع مع المهذب (2/ 13) ، شرح الزركشي (1/ 239).
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- هو القول الأخير فلا ينقض إلا النوم الطويل المستثقل الذي لا شعور معه ولا إحساس، لما يأتي:
1 -
أنه القول الذي تجتمع به الأدلة كلها، والأخذ بالأدلة كلها أولى من ترك بعضها.
2 -
أنه لا يمكن الجمع بين الأدلة إلا بالتفريق بين النوم الخفيف والثقيل فالنوم ليس بناقض، وإنما الناقض الحدث، فإذا نام النوم المعتاد كنوم الليل والقيلولة فإنه يكون نومه ثقيلاً لا يحس بخروج الريح منه، فلما كانت الحكمة خفية لا نعلم بها قام دليلها مقامها
(1)
.
3 -
أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينامون في المسجد وهم ينتظرون الصلاة ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم أحداً منهم عن كيفية نومه فلم يقل: هل رأيتم رؤيا؟ أو هل مكن أحدكم مقعدته من الأرض؟ أو هل كان مستنداً أو متكئاً؟ أو سقط شيء من أعضائه على الأرض؟ فلو كان الحكم يختلف لسألهم عن ذلك
(2)
، مما يدل على أن مجرد النوم لا ينقض بأي حال من الأحوال حتى ولو كان مضطجعاً مالم يفقد معه الإنسان شعوره فيستغرق فيه ولا يحس بشيء فحينئذ ينتقض لأنه مظنة خروج الحدث، وقد صح عن أنس:(أن أصحاب رسول الله ^ كانوا يضعون جنوبهم فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ)
(3)
، وهذا محمول على أن من توضأ هو الذي نام نوماً ثقيلاً لا شعور معه، ومن لم يتوضأ فلأنه لم يفقد شعوره بنومه لكونه خفيفاً.
(1)
انظر: مجموع الفتاوي (21/ 394).
(2)
انظر: المصدر السابق (21/ 393).
(3)
رواه البراز -كما في كشف الأستار- (1/ 147) برقم 282، وقال الحافظ في فتح الباري (1/ 315): إسناده صحيح، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 248): رجاله رجال الصحيح.