الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة: حكم مس المرأة الميتة لشهوة
.
اختيار القاضي:
اختار القاضي رحمه الله -أن الملامسة الموجبة للوضوء هي التي تكون بلذة وشهوة، سواء كانت المرأة حية أم ميتة، أما إذا كانت بدون لذة أو شهوة فلا توجب الوضوء، موافقاً في اختياره مذهب الحنابلة، كما سيأتي.
قال: المرداوي رحمه الله -عند كلامه عن مس المرأة لشهوة (أما الميتة: فهي كالحية على الصحيح من المذهب .. اختاره القاضي)
(1)
الأقوال في المسألة:
للفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن لمس النساء لا ينقض الوضوء مطلقاً؛ أي: سواء كانت الملامسة بشهوة أو بدونها، للحية والميتة.
وهذا القول مروي عن: ابن عباس، وعلي بن أبي طالب
(2)
، وبه قال الحنيفة
(3)
وهو رواية عن الإمام أحمد
(4)
.
القول الثاني: أن لمس المرأة ينقض الوضوء مطلقاً حية كانت أو ميتة، سواءً أكان بشهوة أم بغير شهوة.
روي هذا عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود
(5)
، وبه قال: الشافعية
(6)
وهو رواية عن الإمام أحمد
(7)
.
القول الثالث: القول بالتفصيل: وهو: إن كان اللمس بشهوة نقض الوضوء ولو كانت ميتة، وإن كان بغير شهوة لم ينقض الوضوء.
وهو أصح الوجهين عند الشافعية
(8)
، وهو المشهور من مذهب الحنابلة
(9)
، وهو اختيار القاضي كما تقدم.
(1)
انظر: الإنصاف (1/ 211،212)
(2)
انظر: المجموع (2/ 30) والمغني (1/ 192).
(3)
انظر: شرح فتح القدير (1/ 54)؛ وحاشية رد المحتار (1/ 147).
(4)
انظر: المغني (1/ 192)، والإنصاف (1/ 211).
(5)
انظر: المجموع (2/ 30).
(6)
انظر: الأم 1/ 15 - 16؛ والمجموع شرح المهذب 2/ 30؛ وحاشية القليوبي وعميرة على منهاج الطالبين 1/ 32؛ ومغني المحتاج (1/ 34)؛ ونهاية المحتاج (1/ 116 - 118).
(7)
انظر: المغني (1/ 192)، والإنصاف (1/ 211).
(8)
انظر: الوسيط (1/ 488)، فتح العزيز (2/ 32)،المجموع (2/ 29)، روضة الطالبين (1/ 74).
(9)
انظر: المغني (1/ 192)، والإنصاف (1/ 211)؛ وكشاف القناع (1/ 128)، وشرح منتهى الإرادات (1/ 68).
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: من السنّة عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ"
(1)
.
الدليل الثاني: من السنّة أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتها. قلت:"والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح" متفق عليه
(2)
.
الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت رسول صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول:(اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)
(3)
.
وجه الدلالة:
أنه دليل صريح على أن لمس المرأة بمجرده لا ينقض الوضوء حيث أنه صلى الله عليه وسلم فعله وهو في صلب الصلاة ولم ينتقض وضوءه.
ونوقش:
بأن لمس النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة يحتمل أن يكون فوق حائل
(4)
أو أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ويناقش:
بأن هذا احتمال لا دليل عليه.
الدليل الرابع: "البراءة الأصلية" فقالوا: الأصل أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء فلا ينتقل إلى ضده إلا إذا ورد دليل شرعي صحيح صريح على ذلك.
(1)
أخرجه أحمد في المسند 6/ 210؛ وأبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من القبلة رقم (179) ص 124؛ وأخرجه الترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة، حديث رقم (86) 1/ 133، وممن قوّاه من المتأخرين أحمد محمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي 1/ 134 - 135 والألباني. انظر: صحيح سنن أبي داود باختصار السند 1/ 36.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة على الفراش 1/ 101؛ ومسلم في كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي، حديث رقم (512) 1/ 367.
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، حديث رقم (486) 1/ 352.
(4)
انظر: المجموع (2/ 33).
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: قوله تعالى: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ). الآية
(1)
وجه الاستشهاد من هذه الآية:
قالوا: جاء في قراءة "أو لمستم"
(2)
. واللمس يطلق على المس باليد كما قال تعالى: (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ)
(3)
وقال صلى الله عليه وسلم لماعز: (لعلك قبَّلت أو لمست)
(4)
، ونهى عن بيع الملامسة وهي: لمس الرجل الثوب بيده وقال صلى الله عليه وسلم: (واليد زناها اللمس)
(5)
، فإذا كان المقصود اللمس باليد فمن لمس بيديه فعليه الوضوء سواءً أكان ذلك بشهوة أم بدون شهوة
(6)
.
ونوقش:
بأن المقصود بقوله تعالى: (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ)
(7)
الجماع وليس مجرد اللمس، وقد فسرها بذلك حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه
(8)
.
ومما يدل على ذلك أيضاً أن المس أريد به الجماع في "آيات الطلاق" فكذلك اللمس
(9)
، فقد قال تعالى:(لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ)
(10)
.
(11)
(1)
المائدة:6.
(2)
وهي قراءة حمزة والكسائي. انظر: الجامع لأحكام القرآن 5/ 223.
(3)
الأنعام:7.
(4)
أخرجه أحمد في المسند (1/ 238، 225).
(5)
أخرجه أحمد في المسند 2/ 249.
(6)
انظر: المجموع (2/ 30).
(7)
الأنعام:7.
(8)
انظر: جامع البيان من تأويل القرآن، (4/ 103،101).
(9)
انظر: المغني 1/ 193.
(10)
البقرة:236.
(11)
الأحزاب:49.
أدلة أصحاب القول الثالث:
الدليل الأول: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان قاعداً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له فلم يدع شيئاً يصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصابه منها غير أنه لم يجامعها؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (توضأ وضوءاً حسناً ثم قم فصل)
(1)
.
ونوقش:
بأنه حديث ضعيف
(2)
.
فتبين أن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج، ثم لو صح سنده فليس فيه ما يدل على أن الأمر بالوضوء إنما كان من أجل اللمس؛ بل يحتمل أن الأمر إنما كان من أجل المعصية، ولو سلمنا أن الأمر بالوضوء من أجل اللمس فيحتمل أنه من أجل لمس خاص؛ لأن الحالة التي وصفها، هي مظنة خروج المذي الذي هو ناقض للوضوء لا من أجل مطلق اللمس
(3)
.
واستدلوا أيضاً بالأدلة التي استدل بها أصحاب القول الأول: وحملوها على أن اللمس كان بدون شهوة، ولكن هذا احتمال والأولى أن يحمل الحديث على عمومه وما يدل عليه إلا إذا صرف ذلك بدليل.
الترجيح:
بعد عرض أقوال الفقهاء في هذه المسألة وأدلة كل قول يظهر والله أعلم أن القول الأول القائل بأن لمس النساء لا ينقض مطلقاً هو الراجح وذلك لأن لمس النساء ليس حدثاً بحد ذاته وإنما هو مظنة لحصول الحدث خاصة إذا كان بشهوة إلا أن القول بأن الوضوء يستحب من ذلك قول وجيه، وهذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية
(4)
،خاصة مع وجود الشهوة التي هي مظنة خروج المذي، ولكن هذا الوضوء لا يجب وجوباً حتى ولو مع وجود الشهوة لعدم وجود دليل يدل على ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع، أما من قال: إن الملامسة توجب الوضوء مطلقاً سواءً أكان ذلك بشهوة أم لا فإن دليلهم الآية: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ)
(5)
، وتبين مما تقدم الكلام عن وجه استدلالهم بهذه الآية والرد عليه وأن المقصود بالآية الجماع وليس اللمس كما فسّر ذلك عبد الله بن عباس وغيره، والله أعلم.
(1)
أخرجه أحمد في المسند 5/ 244؛ والترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة هود، حديث رقم (3113)(5/ 291).
(2)
انظر: تضعيفه في سنن البيهقي 1/ 125 وقد ضعف هذا الحديث من المتأخرين الألباني. انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ 428.
(3)
انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/ 429).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (25/ 238).
(5)
المائدة:6.