الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة: حكم التيمم في الحضر لعذر
.
المقصود بالمسألة: أن من عدم الماء في الحضر بانقطاعه عنه، أو حبس في مكان لا ماء فيه، أو كان برد شديد ولا يستطيع مع ذلك الطهارة بالماء، فهل يتيمم ويصلي أو أن التيمم خاص بالسفر فقط؟
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله،صحة صلاة من صلى بالتيمم في الحضر معذوراً، موافقاً في اختياره المشهور من مذهب الحنابلة كما سيأتي في ذكر الأقوال.
فقال رحمه الله: (مسألة: واختلفت فيمن عدم الماء في الحضر بحبس أو غيره وتيمم وصلى هل يعيد؟ فنقل إسماعيل بن سعيد لا يعيد وهو أصح)
(1)
.
تحرير محل النزاع:
أجمع أهل العلم على جواز التيمم في السفر عند عدم الماء
(2)
، واختلفوا في جوازه في الحضر على قولين، كما سيأتي.
سبب الخلاف:
هو في مرجع الضمير الذي في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية
(3)
، هل يعود على أصناف المحدثين، الحاضرين والمسافرين، أو على المسافرين فقط؟ فمن رآه عائدا على جميع أصناف المحدثين أجاز التيمم للحاضرين، ومن رآه عائدا على المسافرين فقط أو على المرضى والمسافرين لم يجز التيمم للحاضر الذي عدم الماء
(4)
.
(1)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 91).
(2)
انظر: التمهيد (19/ 270)، عمدة القاري (4/ 7)،بداية المجتهد (1/ 72)، مراتب الإجماع (ص 18).
(3)
المائدة:6.
(4)
انظر: بداية المجتهد (1/ 72).
الأقوال في المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين.
القول الأول: يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه.
وهو أحد القولين في مذهب الحنفية
(1)
، والمشهور من مذهب المالكية
(2)
، والمشهور من مذهب الحنابلة
(3)
، وهو اختيار القاضي كما تقدم.
القول الثاني: يتيمم ويصلي، ويعيد إذا وجد الماء لأن السفر شرط لإباحة التيمم.
وهو المشهور من مذهب الشافعية
(4)
، ورواية عن الإمام أحمد
(5)
.
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية.
(6)
وجه الدلالة:
أن الله شرع التيمم عند فقد الماء، ويستوي في ذلك الحاضر والمسافر.
الدليل الثاني: قال أبو الجهيم الأنصاري
(7)
(أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام
(8)
.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم لرد السلام في الحضر، فالصلاة التي من شرطها الطهارة أولى بالجواز، وقد بوب البخاري على هذا الحديث، باب التيمم في الحضر، إذا لم يجد الماء، وخاف فوت الصلاة.
(1)
انظر: البحر الرائق (1/ 147)،تبين الحقائق (1/ 37)،البناية (1/ 511)،حاشية ابن عابدين (1/ 233).
(2)
انظر: الذخيرة (1/ 335)،المعونة (1/ 143)، المدونة (1/ 44)،شرح الحطاب (1/ 329).
(3)
انظر: المبدع (1/ 206)، الإنصاف (1/ 279)، الكافي (1/ 65)، المحرر (1/ 21).
(4)
انظر: الأم (1/ 45)،المجموع (2/ 210).
(5)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 91).
(6)
المائدة:6.
(7)
أبو الجهيم الأنصاري هو: أبو جهيم ويقال أبو جهم بن الحارث بن الصمة الأنصاري المدني، قيل اسمه عبد الله وقيل اسمه الحارث بن الصمة، روى عنه بسر بن سعيد وعمير مولى ابن عباس في الصلاة والتيمم.
انظر: الإصابة (7/ 73).
(8)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التيمم، باب التيمم في الحضر، إذا لم يجد الماء، وخاف فوت الصلاة، ح/337 (1/ 75)، ومسلم، كتاب الحيض، باب التيمم في الحضر لرد السلام، ح/114 (1/ 281).
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية.
(1)
وجه الدلالة:
أن الله شرط السفر لجواز التيمم فلا يجوز لغيره
(2)
.
ونوقش:
أن الآية يحتمل أن يكون ذكر السفر فيها خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن الماء إنما يعدم فيه
(3)
.
الدليل الثاني: أن فقد الماء في الحضر عذر نادر، فلا يسقط به القضاء
(4)
.
ويناقش:
أن التيمم شرع لرفع الحرج عن الأمة، وفي إيجاب الإعادة عليه زيادة تكليف، لا تتناسب مع رخصة التيمم.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الأول القائل بجواز التيمم في الحضر لمن فقد الماء أو عجز عنه، ولا إعادة عليه، فكما أنه لا إعادة على من صلى بالتيمم في السفر فكذلك لا إعادة على من صلى بالتيمم في الحضر ولا فرق، والله أعلم.
(1)
المائدة:6.
(2)
انظر: الأم (1/ 58)،اللباب (1/ 72).
(3)
انظر: المغني (1/ 173).
(4)
انظر: المجموع (2/ 210).