الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: لبس الخف قبل كمال الطهارة
.
المقصود بالمسألة:
إذا غسل رجله اليمنى ثم أدخلها الخف، ثم غسل رجله اليسرى ولبس خفه الآخر، فهل يجوز المسح عليهما أو لا؟
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله -عدم جواز المسح على الخفين إذا لبس أحدهما قبل تمام الطهارة، موافقاً في اختياره المشهور من مذهب الحنابلة، كما سيأتي في ذكر الأقوال.
فقال رحمه الله: (وإذا توضأ وغسل إحدى رجليه وأدخلها الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها لم يجز له المسح حتى يبتدئ اللبس بعد كمال الطهارة)
(1)
.
تحرير محل النزاع:
أجمع أهل العلم على أنه يشترط تقدم الطهارة لجواز المسح على الخفين
(2)
، كما أجمعوا أنه لو نزع الخف الأول بعد غسل الرجل الثانية، ثم لبسها جاز له المسح واختلفوا فيمن لبس إحدى خفيه قبل كمال الطهارة فهل يمسح عليهما أو لا
(3)
؟
(1)
انظر: الجامع الصغير (29).
(2)
انظر: الاستذكار (1/ 218)، المحلى (1/ 334).
(3)
انظر: بداية المجتهد (1/ 29،28).
سبب الخلاف:
السبب هو اختلافهم في الترتيب بين أعضاء الوضوء هل هو واجب أو لا؟ وهل الطهارة تصح لكل عضو قبل أن تكمل الطهارة لجميع الأعضاء، أو لا تصح إلا بعد كمال الطهارة؟
(1)
.
الأقوال في المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يجوز المسح على الخفين إذا لبسهما قبل كمال الطهارة.
وبه قال: الحنفية
(2)
، ومالك في رواية
(3)
، وأحمد في رواية
(4)
، اختارها ابن تيمية
(5)
.
القول الثاني: لا يجوز المسح عليهما قبل كمال الطهارة.
وبه قال: المالكية
(6)
، الشافعية
(7)
، الحنابلة
(8)
.
(1)
انظر: المصدر السابق.
(2)
انظر: مختصر الطحاوي (ص 21)، المبسوط (1/ 100،99)،بدائع الصنائع (1/ 9).
(3)
انظر: كتاب الكافي (1/ 176).
(4)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 48).
(5)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 210،209).
(6)
انظر: بداية المجتهد (1/ 28)،التاج والإكليل (1/ 470)،الشرح الكبير (1/ 144).
(7)
انظر: الأم (1/ 48)،الوسيط (1/ 396)،المجموع (1/ 512،511).
(8)
انظر: المغني (1/ 362)، االفروع (1/ 165)،شرح الزركشي (1/ 380)،كشاف القناع (1/ 113).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما)
(1)
.
الدليل الثاني: عن أبي بكرة
(2)
عن النبي صلى الله عليه وسلم (رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما)
(3)
.
وجه الدلالة من الحديثين:
أن معنى أدخلتهما طاهرتين يعني أدخلت كل واحدة طاهرة، فهو لم يدخل قدمه اليمنى الخف إلا بعد أن طهرها، واليسرى كذلك، فيصدق عليه أنه أدخلهما طاهرتين وكونهما طاهرتين أعم من أن يوجد ذلك معا، أو واحدة بعد الأخرى
(4)
.
ونوقش الحديثان:
بأن ذلك محمول على طهارتهما بطهر كامل، توفيقا بين الأحاديث، وحقيقة الطهارة لا تكون إلا بعد غسل الرجلين
(5)
.
الدليل الثالث: أننا إذا أمرناه أن ينزع خف الرجل الأولى ثم يلبسه، أن هذا نوع عبث لا غرض للشارع فيه، ولا مصلحة للمكلف؛ فالشرع لا يأمره به
(6)
.
ونوقش:
بأنه ليس عبثاً، بل هو تحقيق لشرط الإباحة، كما أن من باع طعاماً بالكيل ثم باعه فإنه يكيله ثانياً
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له، كتاب الوضوء، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، ح/206 (1/ 52)،ومسلم، كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، ح/274 (1/ 230).
(2)
هو نفيع بن الحارث بن كلدة، أبو بكرة الثقفي، صحابي من أهل الطائف، له 132 حديثا، وإنما قيل له " أبو بكرة " لأنه تدلى ببكرة من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ممن اعتزل الفتنة يوم الجمل وأيام صفين، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه أولاده توفي بالبصرة 52 هـ. انظر ترجمته: الإصابة (3/ 571)،وأسد الغابة (5/ 38).
(3)
أخرجه الدارقطني، كتاب الطهارة، باب ما في المسح على الخفين من غير توقيت، ح/782 (1/ 378)، وصححه الخطابي، انظر: التلخيص (1/ 157).
(4)
انظر: شرح الزركشي (1/ 382،381)، المبدع (1/ 139).
(5)
انظر: المجموع (1/ 513،512)، شرح الزركشي (1/ 382).
(6)
انظر: إعلام الموقعين (3/ 287).
(7)
انظر: شرح العمدة (1/ 278).
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: حديث المغيرة بن شعبة المتقدم.
وجه الدلالة:
أن ظاهر الحديث أنه لبسهما بعد كمال الطهارة، فجعل العلة وجود الطهارة فيهما جميعا وقت إدخالهما، ولم توجد طهارتهما وقت لبس الأول؛ ولأن الأول خف ملبوس قبل رفع الحدث، فلم يجز المسح عليه، كما لو لبسه قبل غسل قدميه، ودليل بقاء الحدث أنه لا يجوز له مس المصحف بالعضو المغسول، فأما إذا نزع الخف الأول، ثم لبسه، فقد لبسه بعد كمال الطهارة
(1)
.
الدليل الثاني: حديث أبي بكرة المتقدم.
وجه الدلالة:
أن من لم يغسل رجله اليسرى لم يصدق عليه أنه تطهر، والرخصة في المسح على الخفين إذا لبسهما بعد وضوءه.
الدليل الثالث: أن ما اعتبرت له الطهارة اعتبر له كمالها؛ كالصلاة ومس المصحف
(2)
.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الثاني القائل باشتراط لبسهما بعد كمال الطهارة، لقوة ما استدلوا به ولمناقشة القول الأول.
(1)
انظر: المغني (1/ 207).
(2)
انظر: شرح العمدة (1/ 280).