الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: الطهارة الواجبة بخروج بقية المني بعد الغسل وقبل البول
.
المقصود بالمسألة: أن من اغتسل لخروج المني منه، ثم خرج منه بقية المني بعد اغتساله هل يكفيه الغسل الأول أو يجب عليه غسلٌ جديد؟
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله -أنه يجب عليه الغسل، إذا خرج منه المني قبل البول، مخالفاً في اختياره المشهور من مذهب الحنابلة كما سيأتي في ذكر الأقوال.
فقال رحمه الله: (مسألة واختلفت في بقية المني يخرج بعد الغسل، وقبل البول،
…
ونقل مهنا وحنبل ومحمد بن الحكم فيه الغسل، لأن انتقاله كان على وجه الشهوة
…
وهذه الرواية أصح)
(1)
.
تحرير محل النزاع:
اتفق الفقهاء على أن المني إذا نزل على وجه الدفق والشهوة يجب منه الغسل، واختلفوا فيما إذا نزل لا على وجه الدفق والشهوة
(2)
.
سبب الخلاف:
هو اختلاف العلماء في الصفة المعتبرة في كون خروج المني موجبا للطهر هل هو اعتبار اللذة في ذلك؟ أو أن نفس خروجه هو الموجب للطهر سواء أخرج بلذة، أو بغير لذة
(3)
(1)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 87).
(2)
انظر: حاشية ابن عابدين (1/ 108)، والاختيار (1/ 12)،وحاشية الدسوقي (1/ 127، 128) والشرح الصغير (1/ 61)، والخرشي (1/ 163) ومغني المحتاج (1/ 70) والقليوبي (1/ 63) والمجموع (2/ 140، 141) وكشاف القناع (1/ 139، 142).
(3)
انظر: بداية المجتهد (1/ 42).
الأقوال في المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن من جامع أو احتلم فأمنى ثم اغتسل ثم خرج منه المني بعد ذلك، فإنه لا يجب عليه الغسل مرة ثانية، وإنما يكفيه الوضوء.
روي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم
(1)
، وبه قال: أبوحنيفة
(2)
، و المالكية
(3)
، وهو المذهب عند الحنابلة
(4)
.
القول الثاني: أن من جامع أو احتلم فأمنى ثم اغتسل ثم خرج منه المني بعد ذلك فإنه يجب عليه الغسل مرة ثانية ولا يكفيه الوضوء.
وبه قال الشافعية
(5)
، وهي رواية ثانية عن أحمد
(6)
.
القول الثالث القول بالتفصيل: إذا خرج المني بعد البول فلا غسل عليه، ويكفيه الوضوء، وأما إذا خرج المني قبل البول فإنه يجب عليه الغسل.
وهو مذهب الحنفية
(7)
ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل
(8)
، وهي اختيار القاضي أبي يعلى كما تقدم.
(1)
انظر: المغني (1/ 201)، المجموع (2/ 139).
(2)
انظر: شرح فتح القدير (1/ 62)، تبيين الحقائق (1/ 16)، اللباب (1/ 16).
(3)
انظر: الكافي في فقه أهل المدينةص 15،الخرشي (1/ 163).
(4)
انظر: المغني (1/ 201)، الإنصاف (1/ 231).
(5)
انظر: المجموع (2/ 139)، ومغني المحتاج (1/ 70)، ونهاية المحتاج (1/ 1/216).
(6)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 87)، المغني (1/ 201)، والإنصاف (1/ 231).
(7)
انظر: شرح فتح القدير (1/ 62)، حاشية ابن عابدين (1/ 160)، تبيين الحقائق (1/ 16).
(8)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 87)، الإنصاف (1/ 231).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: أن ابن عباس رضي الله عنهم سئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل، قال: يتوضأ
(1)
.
الدليل الثاني: أنه مني واحد فأوجب غسلاً واحداً وهو الغسل الأول كما لو خرج دفقةً واحدةً
(2)
.
الدليل الثالث: أنه خارج لغير شهوة فلا يجب فيه الغسل قياساً على الخارج لبرد، ولأن الشهوة قد مضت، وإنما هو حدث كبقية الأحداث فيجزئ فيه الوضوء
(3)
.
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الماء من الماء)
(4)
وجه الدلالة:
أن الحديث عام لم يفرق بين خروج المني قبل الغسل أو بعده
(5)
.
ونوقش:
أن المراد من الحديث: (الماء من الماء) هو الماء المتعارف، وهو المنزل عن شهوة لانصراف مطلق الكلام إلى المتعارف
(6)
.
(1)
انظر: الأوسط لابن المنذر (2/ 112).
(2)
انظر: كشاف القناع (1/ 142).
(3)
انظر: كشاف القناع (1/ 142).
(4)
رواه مسلم في كتاب الحيض، باب إنما الماء من الماء (1/ 269) ح 343.
(5)
انظر: المجموع (2/ 140).
(6)
انظر: بدائع الصنائع (1/ 37).
الدليل الثاني: أنه نوع حدث يوجب الغسل مطلقاً، كالبول وسائر الأحداث التي تنقض الطهارة
(1)
.
ونوقش:
أنه حدث ارتفع بالغسل الأول، وما خرج امتداداً له يوجب الوضوء لا الغسل، ولأن الماء الموجب للغسل ما خرج دفقاً بلذة
(2)
.
أدلة أصحاب القول الثالث: (القائلين بالتفريق بخروجه قبل البول وبعده).
قالوا: لأن البول يقطع مادة الشهوة، فيخرج بلا شهوة فيشبه الودي فلا يجب عليه الغسل، وإن خرج قبل البول فهو بقية ماء خرج بالدفق والشهوة فيوجب غسلاً جديداً
(3)
.
ونوقش:
بأن جعل الضابط في ذلك البول فإن خرج المني قبله فإنه يجب عليه الغسل وإن خرج بعده فلا غسل عليه ويكفيه الوضوء غير دقيق إذ يأتي عليه ما لو خرج المني مرة ثانية بعد الغسل ولم يكن هناك بول فإنه سيلحقونه بما إذا خرج قبل البول فيجب عليه الغسل فكيف يغتسل مرتين والمني واحد؟!
(4)
.
الترجيح:
بعد عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة يترجح عندي -والله أعلم-:
القول الأول: القائل، بأن من خرج منه المني بعد الغسل فإنه يكفيه الوضوء وذلك لقوة أدلة هذا القول، فإن هذا المني الخارج واحد؛ لذلك يوجب غسلاً واحداً وهو الغسل الأول كما لو خرج هذا المني دفقة واحدة، ولأن قياسهم أيضاً صحيح فإنه خارج لغير شهوة فلم يوجب غسلاً جديداً قياساً على خروج المني من البرد ونحوه، فإنه لا يوجب الغسل فهو حدث كبقية الأحداث فيكفي فيه الوضوء، والله أعلم.
(1)
انظر: المجموع (2/ 140).
(2)
انظر: كشاف القناع (1/ 142).
(3)
انظر: المحيط البرهاني (1/ 85)، تبيين الحقائق (1/ 16)، البحر الرائق (1/ 58).
(4)
انظر: اختيارات ابن عبدالبر (ص 198).