الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة: المراد بخلوة المرأة بالماء
.
المقصود بالمسألة: يقصد به ما الخلوة المعتبرة في استعمال المرأة الماء ليُمنع بعدها الرجل من استعمال ما فضل من طهورها؟
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله أن الخلوة لا تزول إلا بمشاهدة مكلف مسلم، فإن شاهدها صبي أو امرأة أو رجل كافر، لم تخرج بحضورهم عن الخلوة مخالفاً في ذلك المشهور من مذهب الحنابلة، كما سيأتي في ذكر الأقوال.
قال المرداوي: (
…
وقيل: لا تزول الخلوة إلا بمشاهدة مكلف مسلم، اختاره القاضي)
(1)
.
تحرير محل النزاع:
اتفق العلماء على جواز وضوء الرجل والمرأة معاً، وعلى جواز اغتسالهما من إناء واحد مشترك بينهما
(2)
، لعدم الخلوة، وإنما اختلفوا في وضوء الرجل بما خلت به امرأة لطهارة كاملة عن حدث
(3)
، كما اختلفوا في المراد بالخلوة، على ثلاثة أقوال.
(1)
انظر: الإنصاف (1/ 49).
(2)
انظر: المجموع (2/ 191) ، مجموع الفتاوى (21/ 51).
(3)
انظر: فتح الباري (1/ 300).
الأقوال في المسألة:
القول الأول: أن المراد بالخلوة هو انفرادها بالاستعمال فقط، ولو شاهدها أحد.
وبه قال: الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، ورواية عن الإمام أحمد
(4)
.
القول الثاني: أن المراد بالخلوة مع انفرادها بالاستعمال هو عدم مشاهدة المميز لها، ويزول حكم الخلوة بمشاهدة مميز وبكافر وامرأة كخلوة النكاح.
وبه قال: الحنابلة
(5)
.
القول الثالث: أن المراد بالخلوة هو عدم مشاهدة المكلف المسلم لها، وما عداه لا يزيل اسم الخلوة عنها.
وهو وجه عند الحنابلة
(6)
، اختاره القاضي كما تقدم.
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعا)
(7)
.
وجه الدلالة:
قوله صلى الله عليه وسلم: (جميعا) ظاهره معا لا واحد بعد واحد
(8)
.
الدليل الثاني: عن رجل، من بني غفار، قال:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل طهور المرأة)
(9)
.
وجه الدلالة:
قوله: (عن فضل طهور المرأة) أي عما فضل من الماء بعد ما توضأت المرأة منه
(10)
،و ظاهره العموم، إذ لم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم أن تخلو به
(11)
.
(1)
انظر: المبسوط (1/ 63،62)،حاشية ابن عابدين (1/ 133).
(2)
انظر: الخرشي (1/ 66) حاشية الدسوقي (1/ 35).
(3)
انظر: الأم (1/ 21)، المجموع (1/ 221).
(4)
انظر: المغني (1/ 158)، الإنصاف (1/ 49).
(5)
انظر: الكافي (1/ 62)،الإنصاف (1/ 48)،كشاف القناع (1/ 37)، شرح المنتهى للبهوتي (1/ 15).
(6)
انظر: الفروع (1/ 80)، البدع (1/ 35).
(7)
تقدم تخريجه.
(8)
انظر: مرعاة المفاتيح (2/ 166).
(9)
تقدم تخريجه.
(10)
انظر: تحفة الأحوذي (1/ 165).
(11)
انظر: الشرح الممتع (1/ 45).
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: توضأ أنت ها هنا وهي ها هنا، فأما إذا خلت به، فلا تقربنه
(1)
.
الدليل الثاني: عن غنيم بن قيس
(2)
قال: (إذا خلت المرأة بالوضوء دونك فلا توضأ بفضلها)
(3)
.
وجه الدلالة: أنهما دليلان على أن النهي خاص بالخلوة.
الدليل الثالث: القياس على خلوة النكاح لأنها إحدى الخلوتين، فنافاها حضور أحد سواء كان رجلا، أو امرأة، أو صبيا عاقلاً كالأخرى
(4)
.
الدليل الرابع: الجمع بين أحاديث الجواز
(5)
وأحاديث المنع فتحمل أحاديث الجواز على مالم تخل به، وأحاديث المنع على ما خلت به
(6)
.
أدلة القول الثالث:
القول الثالث هو وجه عند الحنابلة، ويقضي بأن الخلوة لا تزول إلا بمشاهدة مكلف مسلم وهو اختيار القاضي كما تقدم، لكن لم أقف على دليل لأصحاب هذا القول حسب بحثي، ولعله يستدل لهذا القول بتعليلين:
الأول: لعل ماحدا بالقاضي أن يخص انتفاء الخلوة بمشاهدة المكلف المسلم، لأنه هو الذي توجه إليه المنع من هذا الماء فمشاهدة غيره لا أثر لها؛ لأن الماء في حق غير المكلف المسلم طهور مطهر، فلما اختص بالمنع منه اختص انتفاء الخلوة بحضوره.
الثاني: اشترط أن يكون المكلف مسلماً لأن الخطاب الشرعي إنما يوجه للمسلم، لا الكافر.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الأول القائل بأن المراد بالخلوة انفرادها بالاستعمال، ذلك لأن الحديث نهى عن استعمال فضلها وأطلق ولم يقيده بخلوتها عن مشاهدة أحد.
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
غنيم بن قيس هو: غنيم بن قيس المازني أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وروى عن أبيه وله صحبة و عن سعد بن أبي وقاص وغيره حديثه عن الصحابة في مسلم وغيره مات 90 هـ. انظر ترجمته: الإصابة برقم 6933 (5/ 338)، التهذيب برقم 464 (8/ 225).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، (1/ 39).
(4)
انظر: المغني (1/ 158).
(5)
كحديث ميمونة رضي الله عنها أن النبي رضي الله عنهم اغتسل بفضلها، رواه مسلم في كتاب الحيض باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة، وغسل أحدهما بفضل الآخر، ح/323 (1/ 257).
(6)
انظر: كشاف القناع (1/ 36).
ئالمسألة السابعة: حكم الماء الذي خلت به المرأة لإزالة نجاسة.
المقصود بالمسألة: يقصد به ما تبقى في الإناء من الماء القليل
(1)
، الذي استعملته المرأة، بعد أن خلت به، لإزالة نجاسة.
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله -أنه لا يجوز التطهر بماء خلت به المرأة لإزالة نجاسة، كما لو خلت به لرفع حدث، وهو وجه عند الحنابلة
(2)
،وهو بذلك مخالف للمشهور عند الحنابلة كما سيأتي.
قال المرداوي رحمه الله: (وأما خلوتها به لإزالة نجاسة، فالصحيح من المذهب: أنه ليس كالحدث. فلا تؤثر خلوتها فيه
…
وقيل: حكمه حكم الحدث، اختاره القاضي)
(3)
.
أصل المسألة متفرع عن مسألة خلوة المرأة بماء قليل لطهارة كاملة عن حدث فالمذهب عند الحنابلة لا يجوز للرجل التطهر بفضل طهورها، وهو من مفردات المذهب
(4)
، وعليه فالخلاف في المسألة، إنما هو في دائرة مذهب الحنابلة فقط.
(1)
وهو ما كان أقل من قلتين عند علمائنا الحنابلة، وأما عند الظاهرية فإنه لا يكون فضلاً إلا أن يكون أقل مما استعملته منه، فإن كان مثله أو أكثر فليس فضلاً عندهم. انظر: المحلى (1/ 211) ، المنح الشافيات (1/ 132).
(2)
انظر: المغني (1/ 285)، الإنصاف (1/ 50).
(3)
انظر: الإنصاف (50،49).
(4)
انظر: المقنع (ص 11)، الفروع (1/ 83)، الإنصاف (1/ 48)، المنح الشافيات (1/ 131).
الأقوال في المسألة:
القول الأول: أن ما خلت به المرأة لإزالة نجاسة طهور يجوز للرجل استعماله.
وهو مذهب الحنابلة
(1)
.
القول الثاني: أنه لا يجوز التطهر به.
وهو وجه عند الحنابلة
(2)
.
أدلة أصحاب القول الأول:
وأدلتهم في هذا:
الدليل الأول: أن الأصل جواز الطهارة به.
(3)
الدليل الثاني: أن الطهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة.
(4)
أدلة أصحاب القول الثاني:
أدلة هذا القول: القياس على النهي عن وضوء الرجل بفضل طهور المرأة، والجامع بينهما أن الكل طهارة شرعية
(5)
.
ويجاب عنه: أن النهي محمول على ترك الأولى، لحديث ميمونة-رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل غسلها من الجنابة)
(6)
.
الترجيح:
الذي يظهر رجحانه- والله أعلم- هو القول الاول القائل بجواز الوضوء بما خلت به المرأة لإزالة نجاسة؛ لأن الأصل الذي قاسوا عليه النهي مختلف فيه، والصحيح فيه الجواز أيضاً، والنهي فيه محمول على التنزيه لا التحريم
(7)
، والله تعالى أعلم.
(1)
انظر: الإنصاف (1/ 49).
(2)
انظر: المصادر السابقة.
(3)
انظر: الشرح الكبير (1/ 50).
(4)
انظر: المغني (1/ 285)، الإنصاف (1/ 50).
(5)
انظر: المغني (1/ 285).
(6)
أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها باب الرخصة بفضل وضوء المرأة ح/372 (1/ 132)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/ 65 ح 298).
(7)
انظر: الاختيارات الفقهية (ص 14)، الشرح الممتع (1/ 37).