الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: جلد الميتة المدبوغ
.
المقصود بالمسألة:
هل يطهر جلد الميتة بالدباغ
(1)
أو لا يطهر؟
اختيار القاضي:
اختار القاضي رحمه الله، أن جلد الميتة لا يطهر ولو دبغ، موافقاً في اختياره المشهور من مذهب الحنابلة، كما سيأتي في ذكر الأقوال.
فقال رحمه الله: (جلود الميتة لا تطهر بالدباغ)
(2)
.
تحرير محل النزاع:
أجمع أهل العلم على إباحة جلد الحيوان المذكى إذا كان مأكول اللحم
(3)
، واختلفوا في حكم جلد الميتة بعد دبغه، هل يطهر بذلك أو لا؟
سبب الخلاف:
سببه اختلافهم في التوفيق بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض في المسألة، وتنازعهم في معنى الإهاب لغة، وهل الدباغ كالحياة أو كالذكاة
(4)
، كما سيأتي.
(1)
الدباغ: مصدر دبغ الإهاب يدبغه دبغاً، ودباغةً، ويطلق على مايدبغ به من قرظ ونحوه. انظر: لسان العرب (8/ 424).
(2)
انظر: الجامع الصغير (ص 30).
(3)
انظر: مراتب الإجماع (ص 23)، روضة الطالبين (1/ 41)،المجموع (1/ 217)،المغني (1/ 89).
(4)
انظر: الأوسط (2/ 265)، شرح معاني الآثار (1/ 471)، المغني (1/ 91)،اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية للحارثي (1/ 214).
الأقوال في المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على خمسة أقوال:
القول الأول: لا يطهر جلد الميتة مطلقاً، دبغ أولم يدبغ.
وبه قال: المالكية
(1)
، والحنابلة
(2)
.
القول الثاني: يطهر بالدباغ كل جلد.
إلا الخنزير عند الحنفية
(3)
، واستثنى الشافعية الكلب والخنزير
(4)
.
القول الثالث: يطهر بالدباغ جلد كل ميتة مطلقاً.
وبه قال: الظاهرية
(5)
، وبعض الحنفية
(6)
.
القول الرابع: يطهر بالدباغ جلد ميتة ما كان طاهراً في الحياة سواء كان مأكولاً كالشاة، أو غير مأكول كالهرة.
وهو رواية عن الإمام أحمد
(7)
.
القول الخامس: لا يطهر بالدباغ من جلود الميتات، إلا جلد مأكول اللحم.
وبه قال: الإمام أحمد في رواية
(8)
، اختارها ابن تيمية
(9)
.
(1)
انظر: التلقين (1/ 65)، بداية المجتهد (1/ 68)، القوانين الفقهية (ص 26)، بلغة السالك (1/ 21،20).
(2)
انظر: المغني (1/ 89)،الإنصاف (1/ 86)،شرح النتهى (1/ 31)،كشاف القناع (1/ 54).
(3)
انظر: المبسوط (1/ 202)،بدائع الصنائع (1/ 86)،شرح فتح القدير (1/ 92)،حاشية ابن عابدين (1/ 260).
(4)
انظر: الأم (1/ 7)،روضة الطالبين (1/ 42)،المجموع (1/ 217)،مغني المحتاج (1/ 82).
(5)
انظر: التمهيد (4/ 172)،المجموع (1/ 217)،مجموع الفتاوى (21/ 95).
(6)
انظر: المبسوط (1/ 202)،بدائع الصنائع (1/ 86).
(7)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 66)،الكافي (1/ 19)،الإنصاف (1/ 86).
(8)
انظر: المغني (1/ 194)،شرح العمدة (1/ 125)،الإنصاف (1/ 87،86).
(9)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 95).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
استدلوا على أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ بما يأتي:
الدليل الأول: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}
(1)
.
وجه الدلالة:
أن الله عز وجل حرم الميتة في كتابة تحريماً عاماً، ويعم ذلك الجلد وغيره قبل الدبغ وبعده
(2)
.
نوقش:
أن المراد من تحريم الميتة تحريم أكلها لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما حرم من الميتة أكلها)
(3)
.
الدليل الثاني: عن عبدالله بن عكيم
(4)
رضي الله عنه قال: (كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب)
(5)
.
ونوقش:
بأن الحديث ضعيف، والضعيف لا تقوم به حجة
(6)
.
وأجابوا عن ذلك:
بأن هناك من الأئمة من صححه
(7)
.
ونوقش أيضاً:
بأنه على فرض صحته يجوز أن يكون أراد بذلك ما دام ميتة غير مدبوغ، فإنه كان يسأل عن الانتفاع بشحم الميتة فيجيب الذي يسأله بمثل هذا
(8)
.
(1)
المائدة:3.
(2)
انظر: الأوسط (2/ 265).
(3)
جزء من حديث سيأتي تخريجه.
(4)
هو أبو معبد عبد الله بن عكيم، الجهني، الكوفي، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهينة، واختلف في سماعه منه صلى الله عليه وسلم، وقيل: بل له صحبة، توفي في إمرة الحجاج. انظر ترجمته: في أسد الغابة (3/ 235)، وتهذيب التهذيب (5/ 323).
(5)
أخرجه الإمام أحمد (4/ 310)،وأبوداود، كتاب اللباس، باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة ح/4127، (4/ 370)،والترمذي، كتاب اللباس، باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت، ح/1729، (4/ 222)، والنسائي، كتاب الفرع والعتيرة، باب مايدبغ به جلود الميتةح/4251، (7/ 175)،وابن ماجه، كتاب اللباس، باب من قال: لاينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب. وصححه الإمام أحمد، وحسنه الترمذي انظر: تنقيح التحقيق (1/ 277).
(6)
أعله النووي في المجموع (1/ 276)، وانظر: الأوسط (2/ 270)، التخليص الحبير (1/ 48).
(7)
انظر: التخريج السابق للحديث.
(8)
انظر: شرح معاني الآثار (1/ 471).
الدليل الثالث: أن العلة في نجاسة الميتة هو الموت، والموت لا يزول بالدبغ
(1)
.
ونوقش:
بعدم التسليم بأن الموت هو المنجس لعينه، وإنما لمعنى فيه، وهو أن بالموت تحجز الرطوبات النجسة في الجلد و بالدباغ تزول هذه الرطوبات فيعود الجلد لحالته الأولى
(2)
.
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدلوا على أن جلد الميتة يطهر بالدباغ بالأدلة السابقة، واستثنوا جلد الكلب و الخنزير، لأمرين
الأول: لأن جلدهما نجس العين ولا يحتمل الدباغة
(3)
.
الثاني: أن الحياة أقوى من الدباغ، فإذا كانت الحياة لا تطهرهما لنجاستهما في الحياة، فكذلك الدباغ لا يطهر جلدهما من باب أولى
(4)
.
(1)
انظر: المغني (1/ 91).
(2)
انظر: الانتصار (1/ 168،167).
(3)
انظر: المبسوط (1/ 2020).
(4)
انظر: المجموع (1/ 222).
أدلة أصحاب القول الثالث:
استدل القائلون بطهارة كل جلد دبغ مطلقاً بما يأتي:
الدليل الأول: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما إيهاب دبغ فقد طهر)
(1)
.
الدليل الثاني: عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة، فقال:(هلا استمتعتم بإهابها قالوا: يا رسول الله إنها ميتة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما حرم أكلها)
(2)
.
وجه الدلالة:
أنهما نصان صريحان في طهارة جلد الميتة بالدباغ.
ونوقش:
بأن الحديث الأول ضعيف ضعفه الإمام أحمد
(3)
، والضعيف لا تقوم به حجة، والحديث الثاني محمول على جلد مأكول اللحم لا جلد كل ميتة
(4)
.
(1)
أخرجه والترمذي، كتاب اللباس، باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت، ح/1728 وقال: حسن صحيح، (4/ 193)، والنسائي كتاب الفرع والعتيرة، باب مايدبغ به جلود الميتة (7/ 173)، وابن ماجه، كتاب اللباس، باب لبس جلود الميتة إذا دبغت ح/3609 (2/ 1193)،وصححه النووي في المجموع (1/ 220).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب جلود الميتة ح/30، (6/ 231)، ومسلم في كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، ح/363، (1/ 276)، بزيادة (فدبغتموه فانتفعتم به).
(3)
انظر: طبقات الحنابلة (1/ 316).
(4)
انظر: فتح الباري (9/ 659).
أدلة أصحاب القول الرابع:
استدل القائلون: أن الدباغ يطهر جلد ميتة ما كان طاهراً في الحياة سواء كان مأكولاً كالشاة، أو لا كالهرة، بما يلي:
الدليل الأول: عن ابن عباس، قال:(أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ من سقاء فقيل له: إنه ميتة، فقال: دباغه يذهب بخبثه، أو نجسه، أو رجسه)
(1)
.
وجه الدلالة:
أنه لما ذهب بخبثه ونجسه عاد إلى حالته الأولى، فيطهر ما كان طاهراً في الحياة دون ما كان نجساً حال الحياة
(2)
.
الدليل الثاني: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما إيهاب دبغ فقد طهر)
(3)
.
وجه الدلالة:
أن الحديث عام يتناول المأكول وغيره وخرج منه ما كان نجسا في الحياة؛ لكون الدبغ إنما يؤثر في دفع نجاسة حادثة بالموت، فيبقى فيما عداه على قضية العموم
(4)
.
(1)
أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/ 265)، والبيهقي في السنن الكبرى وقال: إسناده صحيح (1/ 17).
(2)
انظر: الكافي (1/ 49).
(3)
تقدم تخريجه قريباً.
(4)
انظر ا لمغني (1/ 94).
أدلة أصحاب القول الخامس:
استدل القائلون: أن الدباغ يطهر جلد مأكول اللحم فقط بالإضافة لما سبق من الأدلة، بما يلي:
الدليل الأول: عن سلمة بن المحبق
(1)
رضي الله عنه أن صلى الله عليه وسلم أتى على بيت قدامه قربة معلقة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الشراب فقالوا: إنها ميتة. فقال: (ذكاتها دباغها)
(2)
.
وجه الدلالة:
أن في قصة الحديث دلالة على أنه في جلد ما يؤكل لحمه
(3)
.
الدليل الثاني: عن أبي المَلِيح
(4)
بن أسامة
(5)
عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن جلود السباع)
(6)
.
وجه الدلالة:
أن الحديث دل على أن الدباغ لا يطهر جلود السباع، ويقاس عليها غير مأكول اللحم
(7)
.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الأخير فلا يطهر بالدباغ إلا جلد ميتة مأكول اللحم، لأن فيه جمع بين الأدلة التي ظاهرها التعارض، وبه يتحقق العمل بجميع النصوص.
(1)
سلمة هو: سلمة بن المحبِّق الهذلي، بكسر الباء المشددة وقيل بفتحها، قيل: اسم المحبِّق، صخر، وقيل: ربيعة، يكنى أبا سنان، روى عنه ابنه سنان، وجَوْنُ بن قتادة، والحسن البصري، روى اثني عشر حديثاً انظر: الإصابة (3/ 128).
(2)
أخرجه أحمد في المسند (33/ 258)، البيهقي في السنن الكبرى (1/ 33)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، انظر: المستدرك مع التلخيص (4/ 157)،قال الحافظ: إسناده صحيح، انظر: التلخيص الحبير (1/ 80).
(3)
انظر: السنن الكبرى (1/ 33).
(4)
أبو المليح، بفتح الميم وكسر اللام واسمه عامر وقيل زيد بن أسامه الهذلي الكوفي ثم البصري من التابعين ثقة، مات سنة 98 هـ. انظر ترجمته: المغني في ضبط أسماء الرجال 240.
(5)
هو أسامه بن عمير الهذلي البصري له صحبة نزل البصره ولم يرو عنه إلا ولده انظر: تهذيب التهذيب برقم 394، (1/ 210).
(6)
أخرجه أحمد في المسند (5/ 74، 75) و الترمذي في سننه، كتاب اللباس، باب ما جاء في النهي عن جلود السباع 4/ 241 (1770) وأبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب في جلود النمور والسباع 4/ 374، 375 (4132) والنسائي في سننه، كتاب الفرع والعتيرة، باب النهي عن الانتفاع بجلود السباع 7/ 176 (4253) قال الحاكم:(هذا الإسناد صحيح). ووافقه الذهبي. انظر: المستدرك مع التلخيص (1/ 144).
(7)
انظر: كشاف القناع (1/ 287)،حاشية الروض لابن قاسم (1/ 112).