الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: حكم عظم الميتة
.
المقصود بالمسألة: حكم عظم الميتة من حيث الطهارة والنجاسة.
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله -نجاسة عظم الميتة موافقاً في اختياره المشهور من مذهب الحنابلة، كما سيأتي في ذكر الأقوال في المسألة.
فقال رحمه الله: (وعظم الميتة نجس)
(1)
.
تحرير محل النزاع:
اتفق الفقهاء على طهارة عظام ما لا ينجس بالموت كالسمك
(2)
،وإنما اختلفوا في عظام الميتة إذا كانت مما ينجس بالموت كبهيمة الأنعام.
سبب الخلاف:
السبب هو اختلافهم فيما ينطلق عليه اسم الحياة من أفعال الأعضاء، فمن رأى أن النمو والتغذي هو من أفعال الحياة قال: إن العظام إذا فقدت النمو والتغذي فهي ميتة، ومن رأى أنه لا ينطلق اسم الحياة إلا على الحس قال: العظام ليست بميتة؛ لأنها لا حس لها
(3)
.
(1)
انظر: الجامع الصغير (ص 30).
(2)
انظر: المغني (1/ 100)، الشرح الكبير (1/ 28).
(3)
انظر: بداية المجتهد (1/ 85).
الأقوال في المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن عظام الميتة طاهرة.
وبه قال: الحنفية
(1)
، ومالك في رواية
(2)
، وأحمد في رواية
(3)
، اختارها ابن تيمية
(4)
.
القول الثاني: أن عظام الميتة نجسة.
وبه قال: المالكية
(5)
، والشافعية
(6)
، والحنابلة
(7)
.
(1)
انظر: اللباب (1/ 99)،رؤوس المسائل (1/ 99)،المبسوط (1/ 203)،بدائع الصنائع (1/ 163).
(2)
انظر: الشرح الصغير (1/ 21،20).
(3)
شرح العمدة (1/ 128)،شرح الزركشي (1/ 157).
(4)
انظر: الفتاوى الكبرى (1/ 267)،مجموع الفتاوى (21/ 97).
(5)
انظر: التلقين (1/ 65)،بداية المجتهد (1/ 85)،الكافي (1/ 440)،الشرح الصغير (1/ 21،20).
(6)
انظر: مختصر الخلافيات (1/ 157)،الحاوي الكبير (1/ 73)،المجموع (1/ 236).
(7)
انظر: المغني (1/ 97)،شرح العمدة (1/ 128)،الإنصاف (1/ 92)،كشاف القناع (1/ 57،56).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: مارواه ثوبان
(1)
رضي الله عنه أن رسول رضي الله عنهم قال: (يا ثوبان اشتر لفاطمة
(2)
قلادة من عصب
(3)
، وسوارين من عاج
(4)
)
(5)
.
الدليل الثاني: عن أنس قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتشط بمشط من عاج)
(6)
.
ونوقش:
أنهما حديثان ضعيفان فلا حجة فيهما.
الدليل الثالث: ما قاله الزهري
(7)
رحمه الله -في عظام الموتى من الفيل وغيره: (أدركت ناساً من سلف العلماء يمتشطون بها، ويدهنون فيها، لا يرون به بأساً)
(8)
.
ونوقش:
بأن بعض السلف كرهوا عظام الفيل والعاج، والا متشاط بذلك لأنها ميتة
(9)
، وإذا اختلف السلف لم يجز المصير لقول أحدهم إلا بدليل.
(1)
ثوبان مولى رسول صلى الله عليه وسلم سبي من أرض الحجاز، فاشتراه صلى الله عليه وسلم وأعتقه ولزم النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه كثيراً من العلم مات بحمص سنة 54 هـ. انظر ترجمته: سير أعلام النبلاء (3/ 15)،شذرات الذهب (1/ 59).
(2)
هي فاطمة الزهراء بنت رسول صلى الله عليه وسلم الهاشمية القرشية ولدت سنة بناء الكعبة، وقيل قبل البعثة بنحو سنة تقريباً وتوفيت سنة 11 هـ، بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم بنحو ستة أشهر. انظر ترجمتها في: الإصابة (4/ 365) برقم 830.
(3)
العصب: بفتح الصاد، هي أطناب مفاصل الحيوانات التي تلائم بينها وتشدها. انظر: النهاية (3/ 245).
(4)
العاج: الذبل. وقيل: شيء يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية. فأما العاج الذي هو عظم الفيل فنجس عند الشافعي، وطاهر عند أبي حنيفة. انظر: النهاية (3/ 245).
(5)
رواه الإمام أحمد (5/ 275)،وأبوداود، كتاب الترجل، باب ماجاء في الانتفاع بالعاج ح/4213 (4/ 420،419)، وضعفه الإمام أحمد، وابن معين، وابن تيمية، انظر: التحقيق لابن الجوزي (1/ 93،92)،الفتاوى الكبرى (1/ 269).
(6)
رواه البيهقي في الكبرى وضعفه (1/ 26)، وضعفه أيضاً النووي في المجموع (1/ 238).
(7)
والزهري هو: محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري تابعي من كبار الحفاظ والفقهاء، ولد سنة 58 هـ، وهو أول من دون الأحاديث النبوية، ودون معها فقه الصحابة، قال أبو داود: جميع حديث الزهري " 2200 " حديث. أخذ عن بعض الصحابة، توفي سنة 124 هـ. انظر: تهذيب الكمال 26/ 419. سير أعلام النبلاء 5/ 326.
(8)
رواه البخاري في صحيحه معلقاً، كتاب الوضوء، باب مايقع من النجاسات في السمن والماء صحيح البخاري مع االفتح (1/ 342).
(9)
انظر: مصنف عبدالرزاق (1/ 68)،برقم 209،212،ومصنف ابن أبي شيبة (8/ 579)، والأوسط لابن المنذر (2/ 281).
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}
(1)
.
وجه الدلالة:
أن العظام جزء من الميتة فيكون حراما
(2)
.
الدليل الثاني: قوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)}
(3)
.
وجه الدلالة:
أن العظم يحيا بحياة الحيوان ويموت بموته، فدل على أن العظم من الميتة فيكون نجساً مثلها
(4)
.
الدليل الثالث: حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنتفعوا من الميتة بشيء)
(5)
.
وجه الدلالة:
أن (شيء) نكرة في سياق النهي فتعم كل أجزاء الميتة
(6)
.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الأخير القائل بنجاسة عظام الميتة، لقوة أدلتهم ولضعف ما استدل به المخالفون لهم.
(1)
المائدة:3.
(2)
انظر: المغني (1/ 98).
(3)
يس الآيتان: (79،78).
(4)
انظر: الأوسط (2/ 283).
(5)
رواه الطحاوي شرح معاني الآثار، باب دباغ الميتة هل يطهرها أم لا؟ (1/ 469،468)، وقال الحافظ في التلخيص (1/ 48)،في إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف.
(6)
انظر: شرح معاني لاآثار (1/ 469).