الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة: أخذ ماء جديد للأذنين
.
المقصود بذلك: إذا توضأ المسلم هل يمسح أذنيه بما فضل من ماء رأسه، أو يأخذ لهما ماءً جديداً؟
اختيار القاضي:
للقاضي أبي يعلى رحمه الله -في هذه المسألة اختياران:
أحدهما: أنهما يمسحان بماء جديد، موافقاً في اختياره المشهور عند الحنابلة، كما سيأتي.
ونسب إليه هذا الاختيار الزركشي في شرحه
(1)
.
والآخر: لا يستحب أخذ ماء جديد لهما، بل يمسحان بماء الرأس، مخالفاً للمشهور عند الحنابلة، كما سيأتي في موضعه.
ونسب إليه هذا الاختيار ابن قاسم في حاشية الروض
(2)
.
ونسب إليه الاختيارين المذكورين: المرداوي رحمه الله، فقال:(قوله (وأخذ ماء جديد للأذنين) إن قلنا: هما من الرأس وهو المذهب فالصحيح: استحباب أخذ ماء جديد لهما، اختاره الخرقي، وابن أبي موسى، والقاضي في الجامع الصغير،
…
وعنه لا يستحب، بل يمسحان بماء الرأس، اختاره القاضي في تعليقه)
(3)
.
وذكر أن الاختيار الأول للقاضي في كتابه الجامع، والاختيار الثاني هو للقاضي في كتاب التعليقة، وبالرجوع لكتاب القاضي الجامع الصغير نجده قال رحمه الله:(والأذنان من الرأس يجوز مسحهما بماء الرأس)
(4)
.
والذي يبدو والله أعلم أن مثل هذا النص لا يدل على أنه يختار مسحهما لأن قوله رحمه الله (يجوز) يدل على مطلق المشروعية وهي تشمل المباح والمستحب، وأما كتاب التعليقة فالقسم الخاص بالطهارة مفقود؛ فيتعذر الرجوع إليه.
وعليه فيكون للقاضي في المسألة اختياران والله أعلم.
(1)
انظر: شرح الزركشي (1/ 175).
(2)
انظر: حاشية الروض المربع (1/ 174).
(3)
انظر: الإنصاف (1/ 135)، تصحيح الفروع (1/ 182).
(4)
انظر: الجامع الصغير (ص 24).
تحرير محل النزاع:
اتفق العلماء على مشروعية مسح الأذنين
(1)
، وتنازعوا هل يمسحهما بالبلل المتبقي بعد مسح رأسه أو يأخذ لهما ماءً جديداً؟!
سبب الخلاف:
وأما اختلافهم في تجديد الماء لهما، فسببه تردد الأذنين بين أن يكونا عضواً مفرداً بذاته من أعضاء الوضوء، أو يكونا جزءً من الرأس
(2)
.
الأقوال في هذه المسألة:
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: لا يستحب ذلك، وإنما يمسحان بالبلل المتبقي بعد مسح رأسه.
وبه قال: الحنيفة
(3)
، وأحمد في الرواية الثانية عنه
(4)
، اختارها ابن تيمية
(5)
، وتلميذه ابن القيم
(6)
، ومال إليه ابن المنذر
(7)
، وهي أيضاً اختيار للقاضي كما مر.
القول الثاني: استحباب أخذ ماء جديد لهما.
وهو مروي عن ابن عمر
(8)
، وبه قال: المالكية
(9)
، والشافعية
(10)
، وأحمد
(11)
في أشهر الروايتين عنه وهي المذهب عند أصحابه وهي إحدى اختيارات القاضي كما تقدم.
(1)
انظر: التمهيد (18/ 225)، الإفصاح (1/ 31).
(2)
انظر: بداية المجتهد (1/ 16).
(3)
انظر: مختصر الطحاوي: (18) ، مختصر اختلاف العلماء للجصاص (1/ 136) ، بدائع الصنائع (1/ 23) ، شرح فتح القدير مع الهداية (1/ 18، 19) ، اللباب للمنبجي (1/ 132).
(4)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 73) ، شرح العمدة (1/ 191) ، الفروع (1/ 149) ، شرح الزركشي (1/ 175) ، تصحيح الفروع مع الفروع (1/ 151) ، الإنصاف (1/ 135).
(5)
انظر: الاختيارات الفقهية: 12.
(6)
انظر: زاد المعاد (1/ 195)، وابن القيم: هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي المعروف بابن القيم، ولد سنة 691 هـ، كان من أركان الإصلاح الإسلامي، تفنن في علوم الإسلام، تتلمذ على ابن تيمية وانتصر له، وسجن معه بدمشق، من تصانيفه " الطرق الحكمية "، و " مفتاح دار السعادة"، و " الفروسية"، توفي سنة 751 هـ. انظر: ذيل طبقات الحنابلة 5/ 171. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 5/ 137.
(7)
انظر: الأوسط (1/ 404)، وابن المنذر هو: محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، ولد سنة 242 هـ، من كبار الفقهاء المجتهدين، لم يكن يقلد أحدا، لقب بشيخ الحرم، من تصانيفه:" الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف " و " الإشراف على مذاهب أهل العلم ". انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 102. سير أعلام النبلاء 14/ 490.
(8)
رواه عنه مالك في الموطأ (1/ 34) في الطهارة، باب ما جاء في المسح بالرأس على الأذنين، وصححه عنه ابن القيم في زاد المعاد (1/ 195).
(9)
انظر: المدونة (1/ 16) ، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/ 90) ، المقدمات الممهدات (1/ 82).
(10)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 120) ، حلية العلماء (1/ 152) ، المهذب مع المجموع (1/ 410).
(11)
انظر: مسائل أبي داود: 8، مسائل ابن هاني (1/ 8) ، المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 73) المغني (1/ 150) ، شرح العمدة (1/ 191) ، شرح الزركشي (1/ 175).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: أن غالب من وصف وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح رأسه وأذنيه بماء واحد
(1)
.
كحديث ابن عباس رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم أخذ شيئاً من ماء فمسح به رأسه، قال بالوسطيين من أصابعه في باطن أذنه، والإبهامين من وراء أذنيه)
(2)
.
الدليل الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه
…
)، وذكر الحديث إلى أن قال: (فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه
…
) الحديث
(3)
.
وجه الدلالة:
أنه دليل على دخول الأذنين في مسمى الرأس بنص هذا الحديث
(4)
، وإذا كانا من الرأس فإنهما يمسحان بمائه، ولا يؤخذ لهما ماء جديد.
(1)
انظر: شرح العمدة (1/ 191)، شرح الزركشي (1/ 175).
(2)
رواه ابن أبي شيبة (1/ 18)، وابن ماجة في كتاب الطهارة، باب ما جاء في مسح الأذنين (1/ 151) برقم 439، والترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما (1/ 52) برقم 36، والبيهقي -واللفظ له- في كتاب الطهارة، باب مسح الأذنين بماء جديد (1/ 67)، وقال الحافظ في التلخيص (1/ 90):(صححه ابن خزيمة، وابن منده). وكذلك جوَّد إسناده النووي في المجموع (1/ 415).
(3)
أخرجه مالك في كتاب الطهارة، باب جامع الوضوء (1/ 31) برقم 30، وابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها، باب ثواب الطهور (1/ 103) برقم 282، والنسائي في كتاب الطهارة، باب مسح الأذنين مع الرأس وما يستدل به على أنهما من الرأس (1/ 74) برقم 103، قال العراقي -في المغني مع الأحياء- (1/ 135):"إسناده صحيح".
(4)
انظر: شرح العمدة (1/ 190).
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه "أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه"
(1)
.
وجه الدلالة: أنه نص في أخذ ماء جديد للأذنين غير ماء الرأس.
نوقش: بأنه -على فرض صحته- فهو محمول على أنه لم يبق في يده بلل من ماء رأسه، فاضطر إلى أخذ ماء جديد لأذنيه
(2)
.
الدليل الثاني: ما رواه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه (كان إذا توضأ يأخذ بأصبعيه لأذنيه)
(3)
.
وجه الدلالة: أنه نص في المسألة.
نوقش:
بأنه لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو موقوف على صحابي، ولا حجة في قول أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت أحاديث تدل على أنه صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه بفضل ماء رأسه كما مر.
الترجيح:
الراجح هو القول الأول وأنه يمسح أذنيه بما فضل من ماء رأسه، فلا يستحب أن يؤخذ ماء جديد للأذنين، ولهذا قال ابن القيم:"ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخذ للأذنين ماء جديداً وإنما صح ذلك عن ابن عمر"
(4)
أ. هـ. وقال ابن المنذر: "وغير موجود في الأخبار الثابتة التي فيها صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه لأذنيه ماء جديداً"
(5)
.
(1)
رواه البيهقي، كتاب الطهارة، باب مسح الأذنين بماء جديد (1/ 65) واللفظ له، والحاكم (1/ 151) ، وصححة البيهقي، وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إذا سلم من ابن أبي عبيد الله هذا، فقد احتجا جميعاً بجميع رواته". وحسنه النووي في المجموع (1/ 412).
(2)
انظر: شرح العمدة (1/ 191) ، شرح فتح القدير (1/ 19).
(3)
رواه مالك في الموطأ (1/ 34) ، كتاب الطهارة – 7، باب ما جاء في المسح بالرأس والأذنين برقم: 37، والبيهقي، وابن القيم. انظر: مختصر خلافيات البيهقي (1/ 172) ، زاد المعاد (1/ 195).
(4)
انظر: زاد المعاد (1/ 195).
(5)
انظر: الأوسط (1/ 404).