المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة السابعة: حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة - اختيارات القاضي أبي يعلى الحنبلي الفقهية من أول كتاب الطهارة إلى آخر باب التيمم

[عدنان الرشيدي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ أهمية الموضوع:

- ‌أسباب اختيار الموضوع:

- ‌ الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: التعريف بالمؤلف

- ‌1 - اسمه ونسبه و مولده ولقبه

- ‌2 - نشأته وحياة العلمية ورحلاته في طلب العلم

- ‌3 - مشايخه وتلاميذه

- ‌4 - مكانته العلمية ومكانته الاجتماعية

- ‌5 - ثناء العلماء عليه

- ‌6 - وفاته

- ‌المطلب الثاني:التعريف بمؤلفاته، وطريقته في الاختيار

- ‌1 - مؤلفات القاضي أبي يعلى المطبوعة

- ‌2 - مؤلفات القاضي أبي يعلى المخطوطة

- ‌تعرف الاختيارات:

- ‌الفصل الأولاختيارات القاضي أبي يعلى في أبواب المياه، والآنية، الاستنجاء

- ‌اختياراته في باب المياه

- ‌المسألة الأولى: ملاقاة الماء الجاري للنجاسة

- ‌المسألة الثانية: حكم الوضوء من الماء المشمس

- ‌المسألة الثالثة: حكم الماء المسخن بالنجاسة

- ‌المسألة الرابعة: الماء المنفصل عن غسل اليد من نوم الليل

- ‌المسألة الخامسة: حكم طهارة الرجل بفضل طهور المرأة إذا خلت به

- ‌المسألة السادسة: المراد بخلوة المرأة بالماء

- ‌المسألة الثامنة: هل مقدار القلتين(1)على وجه التقريب أو التحديد

- ‌المسألة التاسعة: الوضوء بالماء المتغير بمائع طاهر

- ‌المسألة العاشرة: حكم الماء الذي يمكن نزحه إذا وقع فيه بول الآدمي أو عذرته ولم يتغير

- ‌المسألة الحادية عشرة: حكم الباقي من الماء الكثير إذا تغير بعضه بنجاسة

- ‌المسألة الثانية عشرة: حكم اشتباه الماء الطاهر بالنجس

- ‌اختياراته في باب الآنية

- ‌التمهيد: في تعريف الآنية لغةً، واصطلاحاً

- ‌المسألة الأولى: حكم اليسير من الفضة في الإناء لغير حاجة

- ‌المسألة الثانية: جلد الميتة المدبوغ

- ‌المسألة الثالثة: حكم لبن الميتة وإنفحتها

- ‌المسألة الرابعة: حكم عظم الميتة

- ‌اختياراته في باب الاستنجاء

- ‌التمهيد: في تعريف الاستنجاء لغة، وشرعاً

- ‌المسألة الأولى: حكم اللبث فوق الحاجة

- ‌المسألة الثانية: حكم تطهير باطن فرج الثيب

- ‌المسألة الثالثة: حكم الاستجمار(1)بغير الأحجار

- ‌المسألة الرابعة: حكم الاستجمار بشعب الحجر الواحد

- ‌المسألة الخامسة: الاستجمار في الصفحتين(1)والحشفة

- ‌المسألة السادسة: حكم الاستجمار لو انسد المخرج وانفتح غيره

- ‌المسألة السابعة: حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة

- ‌الفصل الثانياختياراته في أبواب السواك وسنن الوضوء، و فروض الوضوء وصفته، و مسح الخفين، ونواقض الوضوء

- ‌اختياراته في باب السواك وسنن الوضوء

- ‌المسألة الأولى: حكم السواك للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المسألة الثانية: حكم تسوك الصائم قبل الزوال بسواك رطب

- ‌المسألة الثالثة: حكم التسوك بإصبعه أو بخرقة

- ‌المسألة الرابعة: حكم التسمية في الوضوء

- ‌المسألة الخامسة: أخذ ماء جديد للأذنين

- ‌اختياراته في باب فروض الوضوء وصفته

- ‌التمهيد: في تعريف الفرض، والوضوء، لغةً، وشرعاً

- ‌المسألة الأولى: ترتيب المضمضة والاستنشاق في أعضاء الوضوء

- ‌المسألة الثانية: حكم غسل داخل العينين في الوضوء

- ‌المسألة الثالثة: حكم غسل النزعتين

- ‌المسألة الرابعة: حكم استيعاب الرأس بالمسح

- ‌المسألة الخامسة: حكم تعيين الناصية(1)للمسح

- ‌المسألة السادسة: حكم ارتفاع الحدث إذا نوى ما تسن له الطهارة

- ‌المسألة السابعة: حكم طهارة من نوى بطهارته أحد الأحداث

- ‌المسألة الثامنة: حكم غسل الأقطع من المرفقين

- ‌المسألة التاسعة: حكم تنشيف(1)الأعضاء من ماء الوضوء

- ‌اختياراته في باب مسح الخفين

- ‌التمهيد: في تعريف المسح والخف في اللغة و الشرع

- ‌المسألة الأولى: حكم المداومة على المسح على الخفين

- ‌المسألة الثانية: حكم اشتراط إمكان المشي بالخف

- ‌المسألة الثالثة: لبس الخف قبل كمال الطهارة

- ‌المسألة الرابعة: حكم المسح على الفوقاني إذا كان مخرقا والتحتاني صحيحا

- ‌المسألة الخامسة: مدة مسح المسافر إذا مسح مقيماً ثم سافر

- ‌المسألة السادسة: المسح على القلانس

- ‌المسألة السابعة: بطلان الطهارة بخلع الخفين

- ‌المسألة الثامنة: اشتراط اللبس على طهارة للمسح على الجبيرة

- ‌اختياراته في باب نواقض الوضوء

- ‌التمهيد: في تعريف النواقض

- ‌المسألة الأولى: حد الفاحش من النجاسة الناقضة للوضوء الخارجة من غير السبيلين

- ‌المسألة الثانية: حكم وضوء من نام راكعاً أو ساجداً

- ‌المسألة الثالثة: حكم وضوء من مس ذكره بظهر كفه

- ‌المسألة الرابعة: حكم وضوء من مس ذكره من غير شهوة

- ‌المسألة الخامسة: حكم مس المرأة الميتة لشهوة

- ‌المسألة السادسة: حكم تصفح المحدث للمصحف بكمه

- ‌الفصل الثالثاختياراته في باب الغسل

- ‌التمهيد في تعريف الغسل لغةً، وشرعاً

- ‌المسألة الأولى: الطهارة الواجبة بخروج بقية المني بعد الغسل وقبل البول

- ‌المسألة الثانية: ارتفاع الحدث الأصغر بالطهارة عن الحدث الأكبر إذا نواهما

- ‌المسألة الثالثة: الغسل للحجامة

- ‌الفصل الرابعاختياراته في باب التيمم

- ‌التمهيد: في تعريف التيمم لغةً، واصطلاحاً

- ‌المسألة الأولى: حكم التيمم قبل الاستنجاء

- ‌المسألة الثانية: حكم التسمية في التيمم

- ‌المسألة الثالثة: حكم التيمم قبل طلب الماء

- ‌المسألة الرابعة: نفخ اليدين عن التراب في التيمم

- ‌المسألة الخامسة: حكم التيمم إذا وجد الماء وهو في الصلاة

- ‌المسألة السادسة: حكم التيمم إذا خرج الوقت

- ‌المسألة السابعة: حكم التيمم في الحضر لعذر

- ‌المسألة الثامنة: حكم التيمم لخوف زيادة المرض

- ‌المسألة التاسعة: حكم التيمم لخوف فوات الجنازة

- ‌المسألة العاشرة: حكم صلاة فاقد الطهورين

- ‌المسألة الحادية عشرة: حكم الترتيب والموالاة لمن توضأ وتيمم للجرح

- ‌المسألة الثانية عشرة: التيمم لنجاسة على بدنه عجز عن إزالتها

- ‌المسألة الثالثة عشرة: حكم تيمم من نوى وصمد للريح فعمه التراب

- ‌المسألة الرابعة عشرة: حكم من وجد من الماء بعض ما يكفيه

- ‌المسألة الخامسة عشرة: إذا اجتمع حي وميت، ولا يكفي الماء إلا لواحد فمن يأخذه

- ‌الخاتمة وفيها أهم نتائج البحث:

- ‌أ/ الاختيارات التي وافق فيها المشهور من مذهب الحنابلة

- ‌ب/ الاختيارات التي خالف فيها المشهور من مذهب الحنابلة

- ‌التوصيات والمقترحات:

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المسألة السابعة: حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة

‌المسألة السابعة: حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة

.

اختيار القاضي:

اختار رحمه الله تحريم استقبال القبلة واستدبارها عند التخلي في الفضاء دون البنيان موافقاً للمشهور من مذهب الحنابلة

(1)

.

قال رحمه الله: (

ونقل بكر بن محمد منع ذلك في الصحاري وجوازه في البنيان، وهو أصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استقبلها بمقعده قبل موته بعام)

(2)

.

سبب الخلاف:

تعارض الأحاديث والآثار في ذلك، فمن العلماء من سلك مسلك الترجيح، ومنهم من ذهب إلى الجمع بين الأحاديث، ومنهم من ذهب مذهب الرجوع إلى البراءة الأصلية عند التعارض، بناء على أن الشك يسقط الحكم ويرفعه، وأنه كَلَا حُكم

(3)

، فلما تعارضت الآثار لم يجب العمل بشيء منها، كالبينتين المتعارضتين

(4)

.

(1)

انظر: الإنصاف (1/ 100) ، شرح المنتهي (1/ 36) ، كشاف القناع (1/ 64).

(2)

انظر المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 80).

(3)

انظر: بداية المجتهد (1/ 95).

(4)

انظر: التمهيد (1/ 311).

ص: 126

الأقوال في هذه المسألة:

اختلف العلماء فيها على خمسة أقوال:

القول الأول: تحريم ذلك مطلقاً.

وبه قال: أبو أيوب الأنصاري

(1)

، والحنفية،

(2)

وأحمد في رواية

(3)

.

القول الثاني: جواز الاستقبال والاستدبار مطلقاً في البنيان دون الفضاء.

وبه قال: المالكية

(4)

، والشافعية

(5)

، وأحمد

(6)

-في الرواية المشهورة عنه وهي المعتمدة عند أصحابنا الحنابلة

(7)

.

(1)

انظر: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 150، 151) ، الأوسط (1/ 325، 326)، الاعتبار: 25، التمهيد (1/ 304، 309) ، المحلى (1/ 194) ، الحاوي الكبير (1/ 151) ، المغني (1/ 221) ، المجموع (2/ 81) ، شرح السنة للبغوي (1/ 358) ، وأبو أيوب هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبه الأنصاري، من بني النجار، صحابي من السابقين، روى عن النبي -^-، وروى عنه بعض الصحابة والتابعين، شهد العقبة وبدراً وما بعدها، وهو الذي نزل عنده الرسول -^- لما قدم المدينة مهاجراً، توفي في غزوة القسطنطينية سنة 50 هـ أو بعدها بقليل. انظر ترجمته في الإصابة (1/ 404) برقم 2163.

(2)

انظر: شرح معاني الآثار (4/ 223)، رؤوس المسائل للزمخشري: 107 برقم 14، الاختيار (1/ 46) ، اللباب للمنيجي (1/ 123، 125).

(3)

نقلها عنه الأثرم وإبراهيم بن الحارث انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 80) ، شرح العمدة (1/ 148)، الاختيارات الفقهية:8.

(4)

انظر: المدونة (1/ 7)، كتاب التلقين (1/ 60/، 61)، المعونة (1/ 163، 164)، بداية المجتهد (1/ 76).

(5)

انظر: الحاوي الكبير (1/ 150، 151)، الوسيط (1/ 391)، المجموع (2/ 81).

(6)

انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين (1/ 80)، المغني (1/ 221)، شرح العمدة (1/ 148).

(7)

انظر شرح العمدة (1/ 148)، الفروع (1/ 111)، الإنصاف (1/ 101).

ص: 127

القول الثالث: جواز الاستدبار مطلقاً- سواء كان في الفضاء أو في البنيان –دون الاستقبال.

وبه قال: أبو حنيفة- في رواية

(1)

،،وأحمد، في رواية

(2)

.

القول الرابع: جواز ذلك مطلقاً.

وبه قال: عروة بن الزبير

(3)

، وداود الظاهري

(4)

، وحكي رواية عن الإمام أحمد، ولكن ردها المرداوي في الإنصاف وتصحيح الفروع (3).

القول الخامس: جواز الاستدبار وحده في البيان دون الفضاء.

وبه قال: الإمام أحمد في إحدى الروايات عنه

(5)

.

(1)

انظر: الاختيار (1/ 46) ، اللباب للمنيجي (1/ 125).

(2)

انظر: سنن الترمذي (1/ 14) ، الإفصاح (1/ 127) ، المغني (1/ 222).

(3)

انظر: الأوسط (1/ 326)، الاعتبار: 25، المحلى (1/ 194) ، التمهيد (1/ 311) ، بداية المجتهد (1/ 76) ، المغني (1/ 220) ، المجموع (2/ 81)، وعروة: هو عروة بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي، أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، من التابعين، فقيه، عالم، قال عنه ابن شهاب: عروة بحر لا ينزف، ولد سنة 23 هـ أو 29 هـ، ومات سنة 91 هـ، أو بعدها. ترجمته في: تذكرة الحفاظ (1/ 62)، طبقات الحفاظ: 29 برقم 49.

(4)

انظر: الأوسط (1/ 326)،المجموع (2/ 81). وداود الظاهري هو: داود بن علي بن خلف الأصبهاني، أبو سليمان أحد الأئمة المجتهدين، تنسب إليه الطائفة الظاهرية، سميت بذلك لأخذها بظاهر الكتاب والسنة وتركها للقياس وكان داود أول من جهر بهذا القول ولد بالكوفة سنة 201 هـ، سكن بغداد وانتهت إليه رئاسة العلم بها، وبها توفي سنة 270 هـ. انظر: الأعلام 3/ 8، والأنساب للسمعاني ص 377، والجواهر المضية 2/ 419.

(5)

انظر: الفروع مع تصحيحه (1/ 112) ، الإنصاف (1/ 101).

ص: 128

الأدلة:

أدلة أصحاب القول الأول:

الدليل الأول: ما رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قيل له: "قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة؟ قال: أجل! لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول

"

(1)

.

الدليل الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ^: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها

)

(2)

.

الدليل الثالث: ما رواه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ولكن شرقوا أو غربوا) قال أبو أيوب: (فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله)

(3)

.

وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أنها صريحة في تحريم استقبال القبلة واستدبارها، والأصل في النهي التحريم، وهو عام في الفضاء والبنيان، ومما يدل على عمومه انحراف أبي أيوب رضي الله عنه عن القبلة، واستغفاره لربه عز وجل من ذلك، مع كونه في البنيان، والراوي أعلم بما روى.

(1)

سبق تخريجه.

(2)

رواه أبو داود واللفظ له في كتاب الطهارة، باب كراهة استقبال القبلة عند قضاء الحاجة (1/ 18) برقم 8، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الاستطابة (1/ 224) برقم 265.

(3)

رواه البخاري في كتاب الوضوء، باب لا تستقبل القبلة لغائط أو بول إلا عند البناء: جدار أو نحوه -صحيح البخاري مع الفتح (1/ 245) برقم 144، وفي كتاب الصلاة، باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق- صحيح البخاري مع الفتح (1/ 498) برقم 394، ومسلم، واللفظ له، في كتاب الطهارة، باب الاستطابة (1/ 224) برقم 264.

ص: 129

نوقشت هذه الأحاديث من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن أبا أيوب رضي الله عنه شك في عموم النهي فاحتاط لنفسه بالاستغفار

(1)

.

الوجه الثاني: أن هذا مذهبه، ولم ينقله صريحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد خالفه غيره من الصحابة

(2)

.

الوجه الثالث: أن هذه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم محمولة على الصحاري دون البنيان، لأن في بعض ألفاظ حديث أبي أيوب الأنصاري المتقدم:(إذا ذهب أحدكم إلى الغائط)

(3)

والذهاب إنما يطلق على التوجه إلى الصحاري، بخلاف الحمام في المنزل فإنه يقال: إذا دخل أحدكم الحمام

ثم إن الغائط هو الموضع المستقل بين عاليين وهذا في الصحراء ليس في البينان

(4)

.

الدليل الرابع: أنه إنما منع من ذلك لحرمة القبلة، وهذا موجود في البنيان كالصحراء

(5)

.

الدليل الخامس: أنه لو كفى الحائل في الصحراء، فإن بيننا وبين الكعبة أودية وجبالاً وأبنية

(6)

.

نوقش:

بأن الشرع قد جاء بالتفريق بين قضاء الحاجة في البنيان وبين قضائها في الصحراء، فلا يلتفت إلى قياس أو معنى يخالفه

(7)

.

(1)

انظر: المجموع (2/ 82).

(2)

انظر: المجموع (2/ 82).

(3)

رواه النسائي كتاب الطهارة، باب النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة (1/ 21) ح (20)، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (2/ 305).

(4)

انظر: الحاوي الكبير (1/ 154).

(5)

انظر: الحاوي الكبير (1/ 152)، المجموع (2/ 82).

(6)

انظر: المجموع (2/ 82).

(7)

انظر: المجموع (2/ 82).

ص: 130

أدلة أصحاب القول الثاني:

الدليل الأول: أنه القول التي تجتمع فيه الأدلة ولا تتعارض، وإذا أمكن الجمع تعين المصير إليه، وهو ممكن هنا بحمل أحاديث النهي على ما إذا كان ذلك في الفضاء، وحمل أحاديث الجواز على ما كان في البنيان

(1)

، ولهذا أخذوا بأدلة من قال بالجواز

(2)

، وبأدلة من قال بالتحريم

(3)

، فاجتمعت أدلة الأقوال كلها في هذا القول.

الدليل الثاني: ما رواه مروان الأصفر

(4)

قال: (رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أليس قد نهي عن هذا؟ قال: إنما نهي عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس)

(5)

.

وجه الدلالة:

أنه تفسير من الصحابي (ابن عمر) لنهي رسول الله ^ العام، وفيه جمع بين الأحاديث فيتعين المصير إليه

(6)

.

الدليل الثالث: أنه تلحقه مشقة في اجتناب القبلة في البناء دون الصحراء، ولم يجعل الله سبحانه علينا عسراً ولا حرجاً في ديننا، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها

(7)

.

(1)

انظر: الحاوي الكبير (1/ 153)، المغني (1/ 221)، المجموع (2/ 82).

(2)

كحديث جابر وعائشة وابن عمر رضي الله عنهم، ستأتي قريباً.

(3)

كحديث سلمان، وأبي هريرة، وأبي أيوب رضي الله عنهم، المتقدمة في القول الأول.

(4)

هو مروان بن خاقان وقيل: سالم، الأصفر، أبو خليفة البصري، ثقة، من الطبقة الرابعة. ترجمته في: تهذيب التهذيب (10/ 98)، تقريب التقريب (2/ 240) برقم 1027.

(5)

رواه أبو داود، في كتاب الطهارة، باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة (1/ 20) برقم 11، والدارقطني (1/ 58)، والحاكم (1/ 154)، والبيهقي (1/ 92)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وحسنه الحازمي في الاعتبار:26.

(6)

انظر: المغني (1/ 221، 222).

(7)

انظر: الحاوي الكبير (1/ 154)، المجموع (2/ 82).

ص: 131

أدلة أصحاب القول الثالث:

الدليل الأول: حديث سلمان المتقدم -وفيه-: (لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول)

(1)

.

الدليل الثاني: حديث معقل الأسدي رضي الله عنه

(2)

قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط)

(3)

.

الدليل الثالث: حديث ابن عمر -المتقدم- -وفيه-: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة)

(4)

.

وجه الدلالة من هذه الأحاديث:

أنها نصوص صريحة تدل على إباحة الاستدبار فيبقى الاستقبال على ظاهر النهي في التحريم

(5)

.

نوقش:

بأن هذا مردود بحديث جابر وفيه: (أنه نهى عن استقبال القبلة واستدبارها، ثم رآه جابر بعد ذلك يبول مستقبل القبلة)

(6)

، مما يدل على أن الرخصة وردت في الاستقبال أيضاً.

الدليل الرابع: أن كل حكم تعلق بالقبلة اختص باستقبالها دون استدبارها كالصلاة

(7)

.

(1)

تقدم تخريجه قريباً.

(2)

هو معقل ابن أبي معقل، ويقال: ابن أم معقل ويقال: ابن الهيثم أو ابن أبي الهيثم الأسدي، من حلفائهم، صحابي، له في السنن حديثان، توفي في خلافة معاوية، ترجمته في: أسماء الصحابة الرواة لابن حزم: 313 برقم 476، الإصابة (3/ 426).

(3)

رواه أبو داود في كتاب الطهارة، باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة (1/ 20) برقم 10، وابن ماجة، في كتاب الطهارة وسننها، باب النهي عن استقبال القبلة بالغائط والبول (1/ 115، 116) برقم 319 وضعفه الحافظ في الفتح (1/ 246).

(4)

تقدم تخريجه قريبا.

(5)

انظر: شرح العمدة (1/ 149).

(6)

رواه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الرخصة في ذلك (1/ 21) برقم 12، وابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها، باب الرخصة في ذلك في الكنيف، وإباحته دون الصحاري (1/ 117) برقم 325، والترمذي -وحسنه- في كتاب الطهارة، باب ما جاء من الرخصة في ذلك (1/ 15) برقم 9، وصححه الحاكم (1/ 154)، ووافقه الذهبي، وحسنه النووي في المجموع (2/ 82).

(7)

انظر: الحاوي الكبير (1/ 153).

ص: 132

أدلة أصحاب القول الرابع:

الدليل الأول: ما رواه جابر رضي الله عنه (نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها)

(1)

.

وجه الدلالة:

أنه نص صريح على نسخ النهي عن ذلك، فإنه إذا جاز استقبال القبلة ببول جاز استدبارها من باب أولى

(2)

.

نوقش:

بأنه محمول على أنه رآه في البنيان أو مستتراً بشيء، ولا يثبت النسخ بالاحتمال، بل يتعين حمله على ذلك لتتفق الأحاديث ولا تتعارض

(3)

، والنسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع، وهو هنا غير متعذر إذ يمكن الجمع بينهما بما ذكرنا

(4)

.

الدليل الثاني: ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناساً كانوا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوقد

(5)

فعلوها؟! حولّوا بمقعدتي

(6)

إلى القبلة)

(7)

.

الدليل الثالث: ما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال: (رقيت على ظهر بيت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنتين مستقبلاً بيت المقدس، مستدبراً الكعبة لقضاء حاجته)

(8)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

أنهما ناسخان لأحاديث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة.

نوقش: بأنهما محمولان على البنيان فهما خاصان، والخاص يقدم على العام

(9)

أو هما محمولان على ما قبل النهي، والنهي يرجح عليه، لأن النهي ناقل عن الأصل وهو الجواز، والناقل عن الأصل أولى، ثم إن حديث أبي أيوب قول، وحديث ابن عمر فعل، والفعل لا يعارض القول لاحتماله الخصوصية أو النسيان

(10)

.

(1)

تقدم تخرجه قريباً.

(2)

انظر: التمهيد (1/ 310)، المغني (1/ 220)، المجموع (2/ 82).

(3)

انظر: المغني (1/ 221).

(4)

انظر: المجموع (2/ 83).

(5)

هو بفتح الواو، والواو واو العطف، وهو استفهام توبيخ وتقريع. انظر: المجموع (2/ 78).

(6)

المقعدة: بفتح الميم، هي موضع القعود لقضاء حاجة الإنسان. انظر: المصدر السابق.

(7)

رواه أحمد (6/ 183، 184)، وابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها، باب الرخصة في ذلك في الكنيف، (1/ 117) برقم 324، والدارقطني (1/ 59، 60)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 92، 93)، وحسنه النووي في المجموع (2/ 82)، ولكن ضعفه ابن القيم في زاد المعاد (2/ 385).

(8)

رواه البخاري، في كتاب الوضوء، باب التبرز في البيوت -صحيح البخاري مع الفتح- (1/ 250) برقم 148، 149، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الاستطابة (1/ 225) برقم 266.

(9)

انظر: المغني (1/ 221).

(10)

انظر: زاد المعاد (2/ 386).

ص: 133

أدلة أصحاب القول الخامس:

الدليل الأول: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رقيت على ظهر بيت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنتين مستقبلاً بيت المقدس، مستدبراً الكعبة لقضاء حاجته)

(1)

.

وجه الدلالة:

إن هذا الفعل من النبي -^- ورد في الاستدبار في البينان فتخص هذه الحالة من عموم أحاديث النهي، ويبقى ما عداها على المنع.

نوقش:

بأنه في بعض ألفاظ هذا الحديث أنه رآه مستقبل القبلة فبطل التخصيص بالاستدبار

(2)

.

الدليل الثاني: أن الاستدبار أهون من الاستقبال، لا سيما في البنيان حيث يجد ما يستره

(3)

.

(1)

تقدم تخريجه قريباً.

(2)

كحديث جابر المتقدم.

(3)

انظرشرح الممتع (1/ 126).

ص: 134

الترجيح:

لعل الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني القائل بالتفريق بين الفضاء والبنيان فيحرم في الأول دون الثاني، لوجوه كثير من أهمها:

1 -

أنه القول الذي تجتمع به الأدلة كلها، فتحمل أحاديث النهي على ما كان في الفضاء، وأحاديث الرخصة على ما كان في البنيان، وقد صرح بذلك ابن عمر في رواية مروان الأصفر، فاجتمعت جميع الأحاديث والآثار على هذا المعنى بلا تعارض ولا اختلاف، فوجب استعمال السنن كلها على وجوهها الممكنة دون ردّ شيء ثابت منها

(1)

.

2 -

أن أدلة هذا القول قوية بخلاف القول بغيره فإن القول بالجواز مطلقاً معارض بأحاديث النهي، والقول بالنهي عن ذلك مطلقاً يرد عليه أحاديث الجواز والرخصة، والقول بقصر الرخصة على جواز الاستدبار يرد عليه ما ورد بإباحة الاستقبال أيضاً.

3 -

أنه لا يجوز القول بالنسخ مع إمكانية الجمع، فالعمل بالأدلة كلها أولى من إهدار بعضها

(2)

.

4 -

أن النهي عن ذلك عام في البنيان والفضاء، والرخصة خاصة بما إذا كان ذلك في البنيان، والخاص يقدم على العام

(3)

.

ولهذا قال ابن عبد البر

(4)

: لما روى ابن عمر أنه رأى رسول الله -^- قاعداً لحاجته مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة، استحال أن يأتي ما نهى عنه ^ فعلمنا أن الحال التي استقبل فيها القبلة بالبول أو الغائط غير الحال التي نهى عنها، فأنزلنا النهي عن ذلك في الصحاري والرخصة في البيوت، لأن حديث ابن عمر في البيوت

(5)

.

(1)

انظر: الحاوي الكبير (1/ 154)، التمهيد (1/ 312)، الاعتبار: ص 38.

(2)

انظر: المغني (1/ 221)، المجموع (2/ 83).

(3)

انظر: المغني (1/ 221).

(4)

وابن عبد البر هو: أبو عمر، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النّمري، الأندلسي، القرطبي المالكي، الإمام، العلامة، الحافظ، من تصانيفه:"التمهيد" و"الاستذكار" و"الكافي" و"الاستيعاب" وغيرها. ولد سنة 368 هـ وله خمس وتسعون سنة.

انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (18/ 153) برقم 85)، تذكرة الحافظ (3/ 1128)، شذرات الذهب (3/ 314).

(5)

انظر: الأوسط (1/ 328)، التمهيد (1/ 307، 311).

ص: 135