الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة التاسعة: الوضوء بالماء المتغير بمائع طاهر
.
المقصود بالمسالة: هو الوضوء بالماء المتغير بالطاهرات وهو: الماء الباقي على اسمه، ولم يتحول إلى اسم آخر غير اسم الماء، ولكنه أضيف إليه طاهر فغير لونه أو طعمه أو ريحه مع بقاء اسم الماء عليه كماء الباقلاء ونحو ذلك.
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله أن الماء المتغير بمائع طاهر لا يجوز الوضوء به، موافقاً في اختياره المشهور من مذهب الحنابلة، كما سيأتي في ذكر الأقوال.
فقال-رحمه الله: (مسألة اختلفت الرواية عن أحمد في الماء إذا خالطه مائع طاهر فغير أحد صفاته،
…
نقل الصاغاني كلاماً يدل على أنه لا يجوز الوضوء به، وهو اختيار الحرقي وهو أصح).
(1)
تحرير محل النزاع:
اتفق الأئمة الأربعة
(2)
: على أن المياه التي لا تحصل بها الطهارة من الحدث تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
[1]
ما اعتصر من الطاهرات كماء الشجر ونحوه.
[2]
ما خالطه طاهر فغير اسمه، كالحبر، واللبن ونحوه.
[3]
ما طبخ فيه طاهر فتغير به كماء الباقلاء المغلي.
واختلفوا رحمهم الله في الماء إذا خالطه طاهر يمكن التحرز منه - كالزعفران، والورد والحمص، والعصفر، ونحو ذلك - فغير أحد صفاته، مع اتفاقهم أنه ماء طاهر في نفسه
(3)
، ولكن اختلفوا في رفع الحدث به.
(1)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 59).
(2)
انظر: مختصر القدوري المطبوع مع اللباب في شرح الكتاب (1/ 19،18)، البداية للمرغيناني (1/ 47، 48)، بدائع الصنائع (1/ 15)، الحاوي الكبير (1/ 52،43)، الوسيط (1/ 306)،المجموع (1/ 92)، المستوعب (1/ 87،98)، المغني (1/)، الإجماع لابن المنذر:32، الأوسط له (1/ 306).
(3)
انظر: بداية المجتهد (1/ 24).
سبب الخلاف:
وسبب خلافهم هو خفاء تناول اسم الماء المطلق للماء الذي خالطه مثل هذه الأشياء هل بقى على إطلاقه أو تقيد بهذه الإضافة ولم يتناوله اسم الماء المطلق؟
(1)
الأقوال في المسألة:
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا تحصل الطهارة بالماء المتغير بالطاهرات.
وبه قال: المالكية
(2)
والشافعية
(3)
وأحمد في رواية عنه، وهي المشهورة المعتمدة عند الحنابلة
(4)
.
القول الثاني: تحصل الطهارة به.
وبه قال: الحنيفة
(5)
، وهو قول الظاهرية
(6)
،وأحمد في الرواية الأخرى عنه
(7)
اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية
(8)
.
(1)
انظر: بداية المجتهد (1/ 24)، شرح فتح القدير (1/ 72).
(2)
انظر: الكافي لابن عبدالبر (1/ 155)، والمقدمات الممهدات (1/ 86)، الجامع لأحكام القران (13/ 42).
(3)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 52،46)، المجموع (1/ 104،103)، مغني المحتاج (1/ 18).
(4)
انظر: المغني (1/ 12)، الشرح الكبير (1/ 55)، المبدع (1/ 43) الإنصاف (1/ 32).
(5)
انظر: مختصر القدوري المطبوع مع اللباب في شرح الكتاب (1/ 19)، الهداية للمرغيناني (1/ 49)، بدائع الصنائع (1/ 15).
(6)
انظر: المحلى (1/ 201،199).
(7)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 59)، الانتصار (1/ 123،122)، المغني (1/ 21)، الإنصاف (1/ 56).
(8)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 28،25).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: أنه ماء تغير بمخالطة ما ليس بطهور وينفك عنه غالباً، ويمكن الاحتراز منه، أشبه إذا تغير بالباقلاء المغلي فلم يجز الوضوء به.
(1)
نوقش:
أن ماء الباقلاء أصبح أدماً فلم يجز التطهر به، ولا القياس عليه.
(2)
وأجيب:
بأنه لا تأثير لكونه أدماً، لأن الماء لو طبخ فيه حنظل وغيره لم يجز التطهر به بالاتفاق، وإن لم يصر أدماً، فدل على أنه لا تأثير للأدمية، وإنما الاعتبار بزوال إطلاق اسم الماء.
(3)
ورد: بأنه خالطه طاهر لم يسلبه اسم الماء و لا رقته و لا جريانه.
(4)
الدليل الثاني: أنه ماء مقيد زال عن إطلاقه فأشبه المغلي
(5)
، فلم يتناوله قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
(6)
، والنصوص إنما وردت في الماء المطلق العاري عن القيود بدليل صحة النفي
(7)
، فلو وكله أن يشتري له ماءً، فاشترى له هذا الماء المتغير لم يكن ممتثلاً، ولا يلزمه قبوله.
(8)
ونوقش:
أنه لم يخرج عن اسم الماء وإن خرج عن إطلاقه، فهو ماء، والطاهر الذي خالطه مغلوب، فأشبه ماء النيل، وماء البئر، فالمخالط المغلوب لا يسلب الإطلاق.
(9)
وأيضاً فإنه لو استقى ماء أو وكله في شراء ماء لم يتناول ذلك ماء البحر ومع هذا فهو داخل في عموم الآية فكذلك ما كان مثله في الصفة، فلا يلزم من عدم قبوله خروجه عن صفة الطهارة والتطهير.
(10)
(1)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 59)، المغني (1/ 22)، المجموع (1/ 104).
(2)
انظر: المجموع (1/ 104).
(3)
انظر: المجموع (1/ 104).
(4)
انظر: الكافي لابن قدامه (1/ 23).
(5)
انظر: المغني (1/ 22)، شرح الزركشي (1/ 119).
(6)
المائدة:6.
(7)
انظر: المبدع (1/ 43).
(8)
انظر: المجموع (1/ 104).
(9)
انظر: شرح فتح القدير (1/ 72).
(10)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 26)
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية
(1)
.
وجه الدلالة:
أن هذا عام في كل ماء لأن (ماء) نكرة في سياق النفي والنكرة في سياق النفي تفيد العموم فلا يجوز التيمم مع وجوده.
(2)
الدليل الثاني: عن أبي ذر
(3)
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء؛ فأمسه جلدك؛ فإن ذلك خير)
(4)
.
وجه الدلالة:
أن هذا واجد للماء.
(5)
الدليل الثالث: عن أم عطية
(6)
رضي الله عنها قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفت ابنته فقال: (اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك أن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور)
(7)
.
وجه الدلالة:
أن الماء سوف يتغير بالسدر والكافور، فلو كان هذا التغير يفسده لما أمر به.
(8)
نوقش:
أن التغير في محل الإزالة لا يمنع أشبه ما لو تغير الماء على عضوه بعجين عليه، فلا يؤثر.
(9)
وأجيب عنه:
أن هذا تفريق بوصف غير مؤثر لا في اللغة ولا في الشرع؛ فإن المتغير إن كان يسمى ماء مطلقا وهو على البدن فيسمى ماء مطلقا وهو في الإناء. وإن لم يسم ماء مطلقا في أحدهما لم يسم مطلقا في الموضع الآخر؛ فإنه من المعلوم أن أهل اللغة لا يفرقون في التسمية بين محل ومحل. وأما الشرع: فإن هذا فرق لم يدل عليه دليل شرعي فلا يلتفت إليه.
(10)
(1)
المائدة:6.
(2)
انظر: المغني (1/ 21)، شرح الزركشي (1/ 119).
(3)
وأبو ذر: قيل اسمه جندب بن جُنَادة بن قيس، من كبار الصحابة، مدحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:" ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، أصدق لهجة من أبي ذر" انتقل من المدينة إلى الرَّبذة، فمات بها سنة 32 هـ وصلى عليه ابن مسعود. انظر ترجمته: تهذيب التهذيب (12/ 91).
(4)
رواه أبو داود كتاب الطهارة، باب الجنب يتيمم (1/ 129)، الحديث رقم:332،والترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء (92)، الحديث رقم:124 وقال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح. وقال ابن القطان: (إسناده صحيح). انظر: المحرر في الحديث (1/ 144).
(5)
انظر: المغني (1/ 22،21).
(6)
أم عطية هي نسيبة بنت الحارث الأنصارية، صحابية روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر رضي الله عنه، انظر ترجمتها في الإصابة (4/ 455) برقم 1415.
(7)
رواه البخاري - الفتح- (3/ 125)، كتاب الجنائز (23)، باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر (8) الحديث رقم:1253، ورواه مسلم، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، (2/ 646) الحديث رقم:939.
(8)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 26).
(9)
انظر: المغني (1/ 133).
(10)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 27).
الدليل الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون وغالب أسقيتم الأدم والغالب أنها تغير الماء فلم ينقل عنهم تيمم مع وجود شيء من تلك المياه.
(1)
الترجيح:
والراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، القائل بأن هذا الماء المتغير بالطاهر يجوز الوضوء به، لقوة أدلتهم ووضوحها، ولأن اسم الماء باق على الإطلاق، يدل لذلك أنه لم يتجدد له اسم على حده.
(2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله: (لا فرق بين المتغير بأصل الخلقة وغيره ولا بما يشق الاحتراز عنه؛ ولا بما لا يشق الاحتراز عنه فما دام يسمى ماء ولم يغلب عليه أجزاء غيره كان طهورا كما هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه وهي التي نص عليها في أكثر أجوبته. وهذا القول هو الصواب؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا}
(3)
وقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}
(4)
نكرة في سياق النفي فيعم كل ما هو ماء لا فرق في ذلك بين نوع ونوع. فإن قيل: إن المتغير لا يدخل في اسم الماء؟. قيل: تناول الاسم لمسماه لا فرق فيه بين التغير الأصلي والطارئ ولا بين التغير الذي يمكن الاحتراز منه والذي لا يمكن الاحتراز منه فإن الفرق بين هذا وهذا إنما هو من جهة القياس لحاجة الناس إلى استعمال هذا المتغير دون هذا فأما من جهة اللغة وعموم الاسم وخصوصه فلا فرق بين هذا وهذا)
(5)
.
ثمرة الخلاف:
من قال: لا تحصل الطهارة به وأنه طاهر غير مطهر، منهم من قال: إذا لم يجد غيره استعمله وتيمم
(6)
، ومن قال: تحصل الطهارة به، قال: يتوضأ به ولا يحتاج إلى تيمم.
(1)
انظر: المغني (1/ 22،21).
(2)
انظر: الهداية للمرغيناني (1/ 72).
(3)
المائدة:6.
(4)
المائدة:6.
(5)
مجموع الفتاوى (21/ 26،25).
(6)
انظر: الإنصاف (1/ 42).