الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: حكم الماء المسخن بالنجاسة
.
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله -كراهة استعمال الماء اليسير المسخن بالنجاسة، حتى لو غلب على الظن عدم وصولها إليه، موافقاً في ذلك المشهور من مذهب الحنابلة، كما سيأتي في ذكر الأقوال.
قال المرداوي
(1)
رحمه الله: (المسخن بها-أي بالنجاسة- قسمان. أحدها: إن غلب على الظن عدم وصولها إليه، فوجهان: الكراهة اختيار القاضي، وهو أشبه بكلام أحمد).
(2)
تحرير محل النزاع:
أجمع أهل العلم على أن المسخن بالنجاسة ليس بنجس إذا لم يتغير بها
(3)
، واختلفوا في حكم استعماله إذا لم يحتج إليه على قولين:
القول الأول: أنه طهور غير مكروه.
وهو مذهب الحنفية
(4)
، والشافعية
(5)
.
القول الثاني: أنه طهور مكروه.
وهو مذهب الحنابلة
(6)
، ومذهب المالكية
(7)
.
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: أن الأصل طهورية الماء
(8)
.
الدليل الثاني: أن هذه العين النجسة الخبيثة التي استخدمت وقوداً إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة، فإنها تطهر، فلا أثر لدخانها على الماء؛ لأنها بالاستحالة صارت طاهرة
(9)
.
(1)
المرداوي: هو علاء الدين علي بن سليمان بن أحمد بن محمد، المرداوي نسبة إلى (مردا) إحدى قرى نابلس بفلسطين ولد سنة 817 هـ، شيخ المذهب الحنبلي حاز رئاسة المذهب، انتقل إلى دمشق وتعلم بها، وانتقل إلى القاهرة ثم مكة، توفي سنة 885 هـ، ومن مصنفاته:" الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف "، و التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع "، و " تحرير المنقول في تهذيب علم الأصول. انظر ترجمته: الضوء اللامع (5/ 226،225)،والأعلام للزركلي (4/ 292).
(2)
انظر: الإنصاف (1/ 30).
(3)
انظر: المجموع (1/ 90)، مجموع الفتاوى (21/ 311)، الإنصاف (1/ 32).
(4)
جاء في حاشية ابن عابدين (1/ 180) قوله: (وكره أحمد المسخن بالنجاسة)، فلو كان مكروهاً، عند الحنفية لذكره، ومانسبه لأحمد. انظر: أحكام الطهارة للدبيان (1/ 393)، موسوعة الفقه الإسلامي (1/ 133).
(5)
انظر: البيان (1/ 15،14)،المجموع (1/ 90)، أسنى المطالب (1/ 9)، تحفة المحتاج (9/ 387).
(6)
انظر: المغني (1/ 15)، الفتاوى الكبرى (1/ 263)، الإنصاف (1/ 30)، شرح منتهى الإرادات للبهوتي (1/ 16)، كشاف القناع (1/ 27).
(7)
انظر: البيان والتحصيل (1/ 117)، مواهب الجليل (1/ 80)،و (1/ 160)، الشرح الكبيرللدردير (1/ 58).
(8)
انظر: شرح الزركشي (1/ 131)، مجموع الفتاوى (21/ 70)، الشرح الممتع (1/ 39).
(9)
انظر: المصادر السابقة.
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: عن الحسن بن علي
(1)
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)
(2)
.
وجه الدلالة:
خشية أن يكون قد وصل إلى الماء شيء من النجاسة فيكره لاحتمال تنجسه فيبقى مشكوكاً فيه
(3)
.
ويناقش:
أن الأصل طهارة الماء، ولا يُنتقل عن هذا الأصل بمجرد الشك.
الدليل الثاني: أن سبب الكراهة كونه سخن بإيقاد النجاسة؛ فحصلت السخونة بفعل مكروه؛ والحاصل بالمكروه مكروه
(4)
.
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن الروث النجس، إذا تحول إلى دخان، صار له حكم الدخان، والدخان من مسائل الاستحالة؛ فيكون طاهراً.
الوجه الثاني: بأن الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل، ولا دليل على الكراهة
(5)
.
الترجيح:
الراجح والله أعلم القول الأول القائل أنه طهور غير مكروه؛ لقوة أدلتهم، ولسلامتها من المناقشة، ومناقشة أدلة القول الثاني.
(1)
والحسن هو: الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو محمد الهاشمي، أمير المؤمنين، سبط رسول صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا ولد سنة 3 هـ، وهو أحد سيدي شباب أهل الجنة، روى عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيه علي وأخيه الحسين، كان حليمًا ورعًا فاضلا، ولي الخلافة بعد أبيه عدة أشهر، ثم تنازل لمعاوية، وصان الله بذلك جماعة المسلمين، انصرف الحسن إلى المدينة وأقام فيها إلى أن توفي، سنة 50 هـ وقيل غير ذلك. انظر: ترجمته: الإصابة (1/ 328)،وأسد الغابة (2/ 9)، وصفة الصفوة (1/ 340).
(2)
أخرجه الترمذي وصححه، في كتاب صفة القيامة و الرقائق والورع، باب رقم (60) ح، 2518 (4/ 668)، والنسائي كتاب الأشربة، باب الحث على ترك المشتبهات، ح، 5711 (8/ 327)، وصححه الألباني في الإرواء (1/ 44 ح 12).
(3)
انظر: شرح الزركشي (1/ 132).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 69،70، 612)، الفتاوى الكبرى (1/ 263).
(5)
انظر: الشرح الممتع (1/ 37).