الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: حكم الاستجمار
(1)
بغير الأحجار
.
المقصود بالمسألة:
لو أحدث المرء واستخدم في استجماره غير الأحجار، كالمناديل ونحوها هل يجزئه، أم يقتصر على الأحجار فقط و لا يجزئه غيرها؟
اختيار القاضي:
أن الاستجمار بغير الأحجار من كل طاهر ينقي بشروطه جائز، موافقاً في ذلك المشهور من مذهب الحنابلة، كما سيأتي.
فقال رحمه الله: (مسألة واختلفت في جواز الاستجمار بغير الأحجار، فنقل الميموني جواز ذلك وهو اختيار الخرقي وهو أصح)
(2)
تحرير محل النزاع:
أجمع أهل العلم على جواز استخدام الحجارة في الاستجمار
(3)
، واختلفوا فيما عداها كالخِرق والخشب وغير ذلك على قولين:
القول الأول: جواز الاستجمار بغير الأحجار من كل طاهر ينقي بشروطه.
وبه قال: الحنفية
(4)
، المالكية
(5)
، والشافعية
(6)
، والحنابلة
(7)
.
القول الثاني: أن الاستجمار بالحجر متعين، ولا يجزئ غيره.
وبه قال بعض أهل الظاهر
(8)
وهي رواية عن الإمام أحمد
(9)
،اختارها أبو بكر عبدالعزيز غلام الخلال
(10)
.
(1)
الاستجمار طهارة مستقلة على الأصح، وهو استعمال الجِمار في إزالة النجاسة، والجِمار هي الحجارة ومنه رمي الجِمار: وهو رمي الحصا بمنى، انظر: شرح السنة (1/ 412)، مغني المحتاج (1/ 43)، الروض المربع 1/ 33، المبدع (1/ 78).
(2)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 81).
(3)
انظر: مراتب الإجماع (ص 20)،بداية المجتهد (1/ 90)، المجموع (2/ 125)، الشرح الكبير (1/ 94)، المبدع (1/ 91).
(4)
انظر: المبسوط للسرخسي (4/ 66)، تحفة الفقهاء (1/ 11)،تبيين الحقائق مع حاشية الشلبي (1/ 77)، البناية شرح الهداية (1/ 749).
(5)
انظر: الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 160)، الذخيرة للقرافي (1/ 209)، المدخل لابن الحاج (1/ 32)، التاج والإكليل (1/ 414).
(6)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 163)، نهاية المطلب (1/ 48)، المجموع (2/ 125)، تحفة المحتاج مع حواشي الشرواني والعبادي (1/ 179).
(7)
انظر: الكافي (1/ 100)، المغني (1/ 115)، كشاف القناع (1/ 68)، مطالب أولي النهى (1/ 76).
(8)
انظر: بداية المجتهد (1/ 90)، المغني (1/ 115)،نيل الأوطار (1/ 120).
(9)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 81)،المغني (1/ 147)،الشرح الكبير (1/ 94)،نقد مراتب الإجماع (1/ 288).
(10)
انظر: نقد مراتب الإجماع (1/ 288)، و (غلام الخلال):هو أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن احمد يزداد البغوي، أبو بكر، المشهور بغلام الخلال مفسر، محدث ثقة، من أعيان الحنابلة، ولد سنة 285 هـ قال ابن أبي يعلي:((كان أحد أهل الفهم؛ موثوقا به في العلم متسع الرواية)) من مصنفاته الشافي، المقنع، الخلاف مع الشافعي، وغيرها، توفي رحمه الله 363 هـ انظر: ترجمته في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلي (2/ 119 - 127)؛ والأعلام (4/ 139).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال له رجل: إن صاحبكم ليعلمكم كل شيء حتى الخِراءة
(1)
؟ قال: "أجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو أن نستنجي بأيماننا، أو أن نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع
(2)
أو عظم)
(3)
.
الدليل الثاني: عن خزيمة بن ثابت الأنصاري،: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الاستطابة فقال: (ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع)
(4)
.
وجه الدلالة من الحديثين:
أن تخصيص هذين بالنهي عنهما يدل على أنه أراد الحجارة، وما قام مقامها، فلولا أنه أراد الحجر وما في معناه لم يستثن منها الرجيع؛ لأنه لا يحتاج إلى ذكره، ولم يكن لتخصيص الرجيع بالذكر معنى
(5)
.
الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أعواد أو بثلاثة أحجار، أو بثلاث حثيات من التراب)
(6)
.
الدليل الرابع: عن يسار بن نمير
(7)
مولى عمر، قال: كان عمر رضي الله عنه إذا بال قال: ناولني شيئاً أستنجي به قال: فأناوله العود والحجر، أو يأتي حائطا يمسح به أو يمس الأرض، ولم يكن يغسله)
(8)
.
وجه الدلالة:
أن في هذا الحديث والأثر تصريح ظاهر في جواز الاستجمار بغير الأحجار.
الدليل الخامس: القياس، وهو أن كل جامد طاهر منقٍ غير مطعوم لا حرمة له فهو كالحجر
(9)
.
(1)
الخِراءَةَ: اسم لهيئة الحدث، وأما نفس الحدث فبحذف التاء وبالمد، مع فتح الخاء وكسرها، ذكره النووي. انظر: المجموع (2/ 82).
(2)
الرجيع: الروث والعذرة فعيل بمعنى فاعل لأنه يرجع عن حاله الأولي بعد أن كان طعاما أو علفا، انظر: المصباح (1/ 221).
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب الاستطابة ح 262/ (1/ 223).
(4)
أخرجه أبوداود، كتاب الطهارة، باب باب الاستنجاء بالحجارة، ح/41 (1/ 11)، وصححه الألباني في صحيح أبو داود الأم (1/ 73)، وأحمد ح/21856 (36/ 179)،وقال الأرناؤوط: صحيح لغيره.
(5)
انظر: المغني (1/ 115).
(6)
أخرجه الدارقطني، كتاب الطهارة، باب الاستنجاء، ح/155، (1/ 90)، البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الطهارة، باب ما ورد في الاستنجاء بالتراب، ح/538، (1/ 179)، وقال:(ولا يصح وصله ولا رفعه).
(7)
المدني، مولى عمر بن الخطاب، وخازنه، من كبار التابعين، ثقة نزل الكوفة، و روى عنه الكوفيون. انظر: ترجمته: الطبقات الكبرى (6/ 194)، التقريب (2/ 373).
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 56)، البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الطهارة، باب ما ورد في الاستنجاء بالتراب، برقم/540، (1/ 179) وقال:(هذا أصح ما روي في هذا الباب وأعلاه).
(9)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 81).
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط، فليذهب معه بثلاثة أحجار، يستطيب بهن، فإنها تجزي عنه)
(1)
.
وجه الدلالة:
أن النص ورد بالأحجار فيراعى عين المنصوص عليه
(2)
.
ونوقش:
إنما نُص على الأحجار؛ لكونها غالب الموجود للمستنجي بالفضاء، مع أنه لا مشقة فيها، ولا كلفة في تحصيلها؛ وهذا نحو قول الله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ}
(3)
(4)
ونظائر ذلك، فكل هذا مما ليس له مفهوم يُعمل به؛ لخروجه على الغالب
(5)
.
الدليل الثاني: أن الاستجمار بالأحجار موضع رخصة
(6)
، ورد الشرع فيها بآلة مخصوصة، فوجب الاقتصار عليها، كالتراب في التيمم
(7)
.
نوقش:
بأن الأحجار لقب لم يقل بمفهومه الجمهور، وإنما خص الحجر - والله أعلم - بالذكر لأنه أعم الجامدات وجودا، وأسهلها تناولا، ولأنه متى ورد النص بشيء لمعنى معقول وجب تعديته إلى ما وجد فيه المعنى، والمعنى ههنا إزالة عين النجاسة وهذا يحصل بغير الأحجار كحصوله بها فأما التيمم فإنه غير معقول
(8)
.
الترجيح:
بعد ذكر الخلاف الوارد في هذه المسألة مع أدلته يظهر جلياً، رجحان القول القائل، بجواز الاستجمار بالأحجار وغيرها من الخرق والمناديل، لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة ولمناقشة أدلة القول الثاني.
(1)
أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالحجارة ح/40 (1/ 10) النسائي، كتاب الطهارة، الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها، ح/44، (1/ 41)، والحديث صححه الألباني في الإرواء (1/ 84).
(2)
انظر: الشرح الكبير (1/ 94)،بدائع الصنائع (1/ 18).
(3)
جزء من الآية (151) من سورة الأنعام.
(4)
جزء من الآية (101) من سورة النساء.
(5)
انظر: المجموع (2/ 114).
(6)
انظر: بدائع الصنائع (1/ 18).
(7)
انظر: الشرح الكبير (1/ 95).
(8)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 147)، الشرح الكبير (1/ 95)، شرح الزركشي (1/ 224).