الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية عشرة: حكم اشتباه الماء الطاهر بالنجس
.
المقصود بالمسألة:
أنه إذا كان معه إناءان أو أكثر أحدهما: نجس لا يعرفه بعينه وليس فيه أثر للنجاسة ولم يتغير منه لون ولا طعم ولا رائحة، والآخر: طاهر، ولم يستطع التمييز بينهما، ولم يكن عنده ماء غيرهما- إذ لو كان عنده ماء غير هما وجب عليه العدول عنهما إلى ما تيقن طهارته
(1)
- فهل يتحرى
(2)
بينهما أو يتركهما ويصير إلى التيمم؟
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله أنه إذا اشتبه الطاهر بالنجس، أنه يتحرى إذا كان عدد الطاهر كثيراً عرفاً، مخالفاً المشهور من مذهب الحنابلة، كما سيأتي في ذكر الأقوال.
قال المرداوي رحمه الله: (إذا قلنا يتحرى إذا كثر عدد الطاهر، فهل يكفي مطلق الزيادة ولو بواحد، أو لا بد من الكثرة عرفا ...... وقدم في الرعايتين والحاوي الكبير. العرف، واختاره القاضي في التعليق، فقال: يجب أن يعتبر بما كثر عادة وعرفا).
(3)
(1)
انظر: بدائع الفوائد: (3/ 258).
(2)
التحري: هو طلب ماهو أحرى بالاستعمال في غالب ظنه. انظر: لسان العرب (14/ 173).
(3)
انظر: الإنصاف للمرداوي (1/ 72).
الأقوال في هذه المسألة:
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يجوز التحري؛ بل يسقط استعمال الماء، ويتيمم.
وبهذا قال: الحنفية
(1)
، والحنابلة
(2)
، ورواية عند المالكية
(3)
.
القول الثاني: أنه يتوضأ من كل واحد منهما وضوءاً ويصلي به.
وقال بهذا بعض المالكية
(4)
.
القول الثالث: القول بالتحري وهو أنه لا تجوز الطهارة بواحد منهما إلا إذا اجتهد وغلب على ظنه طهارته بعلامة تظهر فإن ظنه بغير علامة تظهر لم تجز الطهارة به.
وقال بهذا الشافعية في القول الصحيح عندهم
(5)
.
(1)
انظر: البحر الرائق (1/ 140 - 141) والأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان (ص 111).
(2)
انظر: الإنصاف 1/ 71؛ وكشاف القناع (1/ 47)؛ والمغني (1/ 62).
(3)
انظر: قوانين الأحكام الشرعية ص 34؛ ومواهب الجليل (1/ 171) والخرشي (1/ 118).
(4)
انظر: مواهب الجليل (1/ 171) ،قوانين الأحكام الشرعية (ص 34) ، والكافي في فقه أهل المدينة المالكي (ص 17).
(5)
انظر: المجموع (1/ 180،) ونهاية المحتاج (1/ 88).
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)
(1)
.
وجه الدلالة:
أن وجود النجس تريب، فوجب تركه والعدول إلى ما لا ريب فيه وهو التيمم
(2)
.
ونوقش:
أن الريبة زالت بغلبة الظن بطهارته، وبقيت الريبة في صحة التيمم مع وجود هذا الماء
(3)
.
الدليل الثاني: قالوا: بأنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري
(4)
،كما لو اشتبه ماء وبول؛ لأنه لو اجتهد وتحرى لوقع في النجس
(5)
.
وأجيب عن ذلك:
بأن الماء يخالف البول من أوجه:
الأول: أن الاجتهاد يرد الماء إلى أصله بخلاف البول.
الثاني: أن الاشتباه في المياه يكثر فدعت الحاجة إلى الاجتهاد فيها، بخلاف الماء والبول
(6)
.
وأجيب عن ذلك:
بأن هذا الماء قد زال عنه أصل الطهارة وصار نجساً فلم يبق للأصل الزائد أثر، على أن البول قد كان ماءً فله أصل في الطهارة كهذا الماء النجس
(7)
.
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
انظر: المجموع (1/ 182).
(3)
انظر: المصدر السابق.
(4)
انظر: المغني (1/ 61).
(5)
انظر: المجموع (1/ 181).
(6)
انظر: المجموع (1/ 183).
(7)
انظر: المغني (1/ 61).
أدلة أصحاب القول الثاني:
قالوا: لأنه قادر على إسقاط الفرض بيقين باستعماله الإناءين فيلزمه ذلك كما لو اشتبه طاهر بطهور، وكما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها أو اشتبهت عليه الثياب
(1)
.
ونوقش:
بأن هذا العمل يؤدي إلى أن ينجس الإنسان نفسه قطعاً؛ لأن أحدهما نجس وبالتالي صلاته باطلة إجماعاً
(2)
،و أن قياسهم ذلك على اشتباه الطاهر بالطهور قياس مع الفارق، وذلك أن مسألتنا طاهر ونجس، ومثله القياس على نسيان صلاة من يوم لا يعلم عينها قياس مع الفارق أيضاً؛ لأنه يصلي الصلوات تكون إحداها هي التي نسيها، ولكن في مسألتنا يتوضأ بماء نجس فلو كان الوضوء الثاني من الإناء النجس فبطل عمله هذا، أما القياس على اشتباه الثياب فهذه أيضاً مسألة خلافية بين العلماء فلا يقاس عليها.
(1)
انظر: الذخيرة (1/ 176،175).
(2)
انظر: المغني (1/ 62).
أدلة القول الثالث:
الدليل الأول: قوله تعالى: {
…
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية.
(1)
وجه الدلالة:
أن من كان عنده إناءان أحدهما نجس فإنه واجد للماء فلم يجز التيمم.
ويناقش:
بأن هذا الماء في حكم المعدوم لوجود النجس الذي لا يعرف عينه.
الدليل الثاني: القياس قالوا: نقيس اشتباه المياه على اشتباه الثياب التي يكون إحداها نجس لا يعرفه بعينه، وقياساً كذلك على الأطعمة والقبلة فإن الإنسان إذا اشتبه عليه أي من هذه الأشياء فإنه يجتهد ويتحرى، فكذلك يجتهد ويتحرى عندما تشتبه عليه المياه
(2)
.
ونوقش:
بأن الثياب يجوز الاجتهاد فيها؛ لأنها أخف حكماً بدليل أنه يعفى عن النجاسة اليسيرة فيها
(3)
.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الثالث القائل بوجوب التحري والعمل به؛ لأن هذه المسألة أغلب الأدلة فيها هي القياس على الأشياء المشابهة لهذه المسألة مثل الاشتباه بالقبلة وبالثياب ونحو ذلك؛ لذلك على المسلم أن يجتهد رأيه ويتحرى أيهما الطاهر من النجس ثم يتوضأ بالذي يغلب على ظنه أنه الطاهر، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:(فليتحر الصواب)
(4)
.
(1)
المائدة:6.
(2)
انظر: المجموع (1/ 182).
(3)
انظر: المجموع (1/ 182).
(4)
رواه البخاري، كتاب الصلاة: باب التوجه نحو القبلة حيث كان، (1/ 89) رقم (401)، ومسلم، كتاب المساجد: باب السهو في الصلاة والسجود له، (1/ 401) رقم (572).