الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الحادية عشرة: حكم الباقي من الماء الكثير إذا تغير بعضه بنجاسة
.
المقصود بالمسألة:
لو كان عند الإنسان إناء فيه ماء بلغ أكثر من قلتين فوقع في جانب منه نجاسة فتغير بها، وبعض الماء لم يتغير، فما حكم هذا الذي لم يتغير؟
اختيار القاضي:
اختار القاضي- رحمه الله، أن الباقي الذي لم يتغير طهور ولو كان قليلاً، مخالفاً في اختياره المشهور من مذهب الحنابلة، كما سيأتي في ذكر الأقوال.
قال المرداوي رحمه الله: (لو تغير بعض الكثير بنجاسة: فباقيه طهور إن كان كثيرا على الصحيح من المذهب
…
وقيل: الباقي طهور وإن قل، ذكره في الرعاية، قلت: اختاره القاضي)
(1)
.
تحرير محل النزاع:
اتفق العلماء على أن الماء المتغير بالنجاسة نجس قل أو كثر، واختلفوا في القليل يلاقي النجاسة ولم يتغير بها
(2)
.
(1)
انظر: الإنصاف (1/ 62،61).
(2)
انظر: الإجماع لابن المنذر (ص 35)،بداية المجتهد (1/ 30)، المجموع (1/ 110)، مجموع الفتاوى (21/ 30).
الأقوال في المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: التفصيل إن كان الباقي كثير غير متغير فطهور، وإن كان الباقي قليل فهو نجس وإن لم يتغير.
وبه قال: الحنفية
(1)
، الشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
القول الثاني: أن الباقي من الماء إذا كان غير متغير فطهور، قل أو كثر.
وهو قول الظاهرية
(4)
، ومذهب المالكية
(5)
،ووجه عند الحنابلة
(6)
، اختاره القاضي كما تقدم.
القول الثالث: أن الباقي من الماء المتغير بالنجاسة نجس سواء كان هذا الباقي قليلاً أو كثيراً.
وقال به: بعض الشافعية
(7)
، وبعض الحنابلة
(8)
.
(1)
وحدوا الكثير بما لا يتحرك طرفه المتنجس بتحريك طرفه الآخر. انظر: المبسوط (1/ 70)،تحفة الفقهاء (1/ 57)،بدائع الصنائع (1/ 72)،حاشية ابن عابدين (1/ 192).
(2)
انظر: الأم (1/ 17)،حلية العلماء (1/ 77)، المجموع (1/ 111)، روضة الطالبين (1/ 20).
(3)
انظر: المغني (1/ 24،23)، الإنصاف (1/ 62،61)،كشاف القناع (1/ 42)، مطالب أولي النهى (1/ 40).
(4)
انظر: المحلى (1/ 135).
(5)
انظر: المدونه (1/ 28،27)،التمهيد (1/ 328)،بداية المجتهد (1/ 30)، الذخيرة (1/ 173).
(6)
انظر: شرح العمدة (1/ 70).
(7)
انظر: المهذب (1/ 8).
(8)
انظر: المغني (1/ 24).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء)
(1)
.
الدليل الثاني: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الماء طهور لا ينجسه شيء)
(2)
.
وجه الدلالة:
أن غير المتغير قد بلغ القلتين ولم يتغير، فيدخل في عموم الأحاديث، وأما إن كان قليلاً فقد دل مفهوم الحديث أنه إن كان أقل من قلتين فهو نجس لأنه قليل لا قي نجاسة فينجس
(3)
.
ونوقش:
بأن المفهوم لا عموم له، فلا يلزم أن كل ما لم يبلغ قلتين ينجس
(4)
.
الدليل الثالث: القياس: قالوا: لأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة، فكان طاهرا، كما لو لم يتغير منه شيء
(5)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
انظر: المغني (1/ 24).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (20/ 520).
(5)
انظر: المغني (1/ 24).
أدلة أصحاب القول الثاني:
واستدل القائلون بأن الباقي من الماء إذا كان غير متغير طهور، قل أو كثر بأدلة منها:
الدليل الأول: حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الماء طهور لا ينجسه شيء)
(1)
.
وجه الدلالة:
أنه صحيح صريح في أن الماء لا ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وهو لفظ عام في القليل والكثيير
(2)
.
الدليل الثاني: القياس على القلتين، حيث إنه ماء لاقى نجاسة ولم يظهر عليه إحدى صفاتها فلم ينجس بها كالقلتين
(3)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (12/ 33).
(3)
انظر: شرح الزركشي (1/ 128).
أدلة أصحاب القول الثالث:
واستدل القائلون بأن الباقي من الماء المتغير بالنجاسة نجس سواء كان هذا الباقي قليلاً أو كثيراً، بأدلة منها:
الدليل الأول: أن المأخوذ بعض الباقي والباقي نجس فكذلك المأخوذ منه نجس
(1)
.
الدليل الثاني: لأنه ماء راكد بعضه نجس، فكان جميعه نجسا، كما لو تقاربت أقطاره؛ ولأن المتغير مائع نجس، فينجس ما يلاقيه، ثم تنجس بذلك ما يلاقيه إلى آخره
(2)
.
ونوقش:
بأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة، فكان طاهرا، كما لو لم يتغير منه شيء؛ ولأن العلة في نجاسة الماء الكثير التغير فقط، فيختص التنجيس بمحل العلة
(3)
.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الثاني القائل بأن الماء الباقي إن كان غير متغير بالنجاسة فهو طهور قل أو كثر، ذلك لأن الخبيث متميز عن الطيب بصفاته فإذا كانت صفات الماء وغيره صفات الطيب دون الخبيث، وجب دخوله في الحلال دون الحرام
(4)
.
(1)
انظر: فتح العزيز (1/ 216).
(2)
انظر: المغني (1/ 24).
(3)
انظر: المغني (1/ 24).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (3221).