الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: حكم التسمية في الوضوء
.
اختيار القاضي:
اختار القاضي رحمه الله -أن التسمية عند ابتداء الوضوء واجبة على الذاكر وتسقط سهواً، موافقاً في اختياره المشهور من مذهب الحنابلة كما سيأتي في ذكر الأقوال.
قال المرداوي رحمه الله: (التسمية واجبة في أصح الروايتين، في طهارة الحدث كلها: الوضوء، والغسل، والتيمم اختارها
…
القاضي)
(1)
.
الأقوال في المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن التسمية عند ابتداء الوضوء سنة.
وبه قال: الحنفية
(2)
،والمالكية وهي عندهم من الفضائل لا السنن
(3)
،و الشافعية
(4)
، ورواية عن الإمام أحمد
(5)
.
القول الثاني أن التسمية عند ابتداء الوضوء واجبة على الذاكر دون الناسي.
وهو المشهور من مذهب الحنابلة
(6)
، وهو اختيار القاضي أبي يعلى كما تقدم.
القول الثالث: أن التسمية عند ابتداء الوضوء واجبة لا تسقط بجهل أو نسيان.
وهو رواية عن الإمام أحمد
(7)
.
(1)
انظر: الإنصاف (1/ 129،128).
(2)
انظر: البحرالرائق (1/ 255)، الدر المختار (1/ 350).
(3)
انظر: الفواكه الدواني (1/ 147)، التاج والإكليل (1/ 383).
(4)
انظر: اللباب (1/ 74)، المجموع (2/ 233).
(5)
انظر: المستوعب (1/ 301)، الفروع وتصحيحه (1/ 299).
(6)
انظر: الإنصاف (1/ 129،128)، كشاف القناع (1/ 421).
(7)
انظر: الإنصاف (1/ 129).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} الآية.
(1)
الدليل الثاني: عن رفاعة بن رافع
(2)
، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال له: (توضأ كما أمرك الله)
(3)
الحديث.
وجه الدلالة من الآية والحديث:
أن الوضوء الذي أمر الله به في الآية، والذي وجه النبي صلى الله عليه وسلم رفاعة لأن يمتثله لم يرد فيه ذكر التسمية.
الدليل الثالث: من المعقول قالوا: إنها طهاة لا تفتقر إلى تسمية كالطهارة من النجاسة، أو هي عبادة لا تجب فيها التسمية كسائر العبادات
(4)
.
واستدلوا للاستحباب بأن التسمية مستحبة في جميع العبادات، وغيرها من الأفعال حتى عند الجماع، لذا عقد البخاري في صحيحه باباً في ذلك فقال: باب التسمية على كل حال وعند الوقاع.
واحتج بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره)
(5)
.
فإذا كان حال الوقوع أبعد حال من ذكر الله تعالى، ومع ذلك تسن التسمية فيه، ففي سائر الأحوال من باب أولى
(6)
.
نوقش:
بأنه جاء في حديث أبي هريرة الأمر بالتسمية كما سيأتي، والأمر للوجوب.
(1)
المائدة:6.
(2)
هو رفاعة بن رافع بن مالك، أبو معاذ، الرزقي الأنصاري الخزرجي صحابي رضي الله عنه روى عنه ابناه عبيد ومعاذ وابن أخيه يحيى بن خلاد بن رافع وغيرهم. قال ابن إسحاق: إنه ممن شهد بدرا وأُحدا والخندق وبيعة الرضوان، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي سنة 41 هـ. انظر ترجمته: الاستيعاب (2/ 497)،وأسد الغابة (2/ 73).
(3)
أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، ح/861، (1/ 228)، والترمذي وحسنه، أبواب الصلاة، باب ما جاء في وصف الصلاة، ح/302 (2/ 202).
(4)
انظر: المغني (1/ 73).
(5)
أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب التسمية على كل حال وعند الوقاع، ح/141، (1/ 40)،ومسلم، كتاب النكاح، باب مايستحب أن يقوله عند الجماع، ح/1434، (2/ 1058).
(6)
انظر: شرح ابن بطال (1/ 230)،المجموع (1/ 344).
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدلوا بأن التسمية عند ابتداء الوضوء واجبة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه)
(1)
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أنه حديث ضعيف
(2)
.
الوجه الثاني: على فرض صحته أنه محمول على نفي الكمال دون الإجزاء
(3)
.
أدلة أصحاب القول الثالث:
استدل أصحاب القول ا لثالث القائلين بأن التسمية واجبة عمداً وسهواً، بحديث أبي هريرة السابق، وقالوا: الحديث عام يشمل العمد والسهو.
ويناقش:
بعموم قوله تعالى: {
…
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} الآية.
(4)
ولأن الوضوء عبادة تتغاير أفعالها فكان في واجباتها ما يسقط بالسهو كالصلاة
(5)
.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الأول القائل بأن التسمية عند ابتداء الوضوء سنة، لقوة ما استدلوا به ولمناقشة أقوال المخالفين.
ثمرة الخلاف:
أن من قال إنها سنة فلا يؤثر تركها نسياناً أو عمداً على صحة الوضوء، ومن قال إنها واجبة مع الذكر قال: الوضوء غير صحيح بتركها عمداً، ومن قال: لا تسقط نسياناً ولا عمداً قال: ببطلان الوضوء بدونها.
(1)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (9408)، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب في التسمية على الوضوء، ح/101، (1/ 25)،والترمذي، أبواب الطهارة، باب في التسمية على الوضوء، ح/25، (1/ 38): ثم قال: (قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد).
(2)
انظر: تخريج الحديث.
(3)
انظر: الحاوي الكبير (1/ 101).
(4)
البقرة: 286.
(5)
انظر: المغني (1/ 77).