الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: ترتيب المضمضة والاستنشاق في أعضاء الوضوء
.
المقصود بالمسألة: من نسي المضمضة والاستنشاق وتذكرهما بعد فوت محلهما هل يجب عليه أن يأتي بهما وبما بعدهما مراعاة للترتيب أم يكتفي بالإتيان بهما دون ترتيب ما بعدهما؟
اختيار القاضي:
اختار رحمه الله -وجوب الترتيب فيهما، فمتى ذكرهما يأتي بهما وبما بعدهما مراعاةً للترتيب، موافقاً في اختياره مذهب الحنابلة، كما سيأتي.
فقال رحمه الله: (واختلفت في وجوب الترتيب فيهما، وأنهما إذا تركهما حتى فرغ من الوضوء هل يعيد الوضوء أو يعيد غسلهما؟ فنقل أبو طالب وإسحاق بن إبراهيم وجوب الترتيب وإعادة الوضوء
…
ونقل أبو داود وإبراهيم بن الحارث سقوط الترتيب، ويعيد غسلهما،
…
والأولى أصح)
(1)
.
الأقوال في المسألة:
هذه المسألة إنما يأتي تصورها عند من يوجب المضمضة والاستنشاق لا غيرهم، وهم الحنابلة رحمهم الله، لذا فهي من المفردات كما نص على ذلك المرداوي رحمه الله
(2)
، وعليه فالخلاف فيها في دائرة المذهب فقط
(3)
.
واختلفت الرواية عن الإمام أحمد في هذه المسألة على روايتين:
الرواية الأولى: وجوب ترتيبهما، ومن تركهما يجب عليه أن يأتي بهما وبما بعدهما
(4)
.
وهي الرواية المعتمدة في المذهب
(5)
، واختارها القاضي أبو يعلى كما تقدم.
الرواية الثانية: لا يجب الترتيب فيهما، ويعيد غسلهما فقط
(6)
.
واختار هذه الرواية المجد ابن تيمية
(7)
.
(1)
انظر: المسائل الفقهية من الراويتين والوجهين (1/ 72)، الإنصاف (1/ 138).
(2)
انظر: الإنصاف (1/ 152).
(3)
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (38/ 106).
(4)
انظر: المسائل الفقهية من الراويتين والوجهين (1/ 72)، الشرح الكبير (1/ 125).
(5)
انظر: الإنصاف (1/ 132).
(6)
انظر: الشرح الكبير (1/ 125)،الإنصاف (1/ 132).
(7)
هو أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن الخضير بن محمد على بن تيمية، مجد الدين الحراني، محدث، مفسر أصولي، نحوي، مقرئ، وكان فرد زمانه في معرفة المذهب الحنبلي، وهو جد الإمام بن تيمية، من تصانيفه: المنتقى في أحاديث الأحكام، المحرر في الفقه، منتهى الغاية في شرح الهداية توفي سنة 653 هـ. انظر ترجمته: شذرات الذهب (5/ 257)، البداية والنهاية (13/ 185)، الأعلام (4/ 129)، انظر اختياره: في شرح الزركشي (1/ 187).
الأدلة:
أدلة الأصحاب في الرواية الأولى:
(1)
وجه الدلالة:
أن الآية رتبت أعضاء الوضوء والآية سيقت لبيان الوضوء الواجب لا المسنون، فيجب الترتيب بين الوجه وسائر الأعضاء والفم والأنف منه، فيجب غسلهما مع الوجه لا بعده
(2)
.
الدليل الثاني: القياس، فقاسوا وجوب ترتيب سائر أعضاء الوضوء على وجوب الترتيب بين المضمضة والاستنشاق وسائر الأعضاء، كما لو ترك موضعاً من ظاهر الوجه، حتى فرغ يعيد تلك الطهارة، فكذلك المضمضة والاستنشاق
(3)
.
ونوقش:
أن وجوب الترتيب في الوضوء غير مسلّم به لأن الواو في الآية لا تقتضي الترتيب.
وأجيب عنه:
كون الواو لا تقتضي الترتيب صحيح، لكن ذلك عند عدم القرائن الدالة على إرادة الترتيب، والقرائن الدالة عليه كثيرة، وهي المواظبة من النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم
(4)
.
(1)
المائدة:6.
(2)
انظر: المغني (1/ 90).
(3)
انظر: المسائل الفقهية من الراويتين والوجهين (1/ 72).
(4)
انظر: الفقه الإسلامي وأدلته (1/ 336).
أدلة الأصحاب في الرواية الثانية:
الدليل الأول: عن المقدام
(1)
بن معد يكرب قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا، ثم تمضمض واستنشق ثلاثا، ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما)
(2)
.
ونوقش:
أن جميع من نقل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أخبروا أنه بدأ بهما، وهذا الحديث حكى فعلاً واحداً، فلا يمكن الجزم بأنه كان متعمدا، وحينئذ فليس في تأخيرهما عمداً سنة، بل ذلك سنة في النسيان
(3)
.
الدليل الثاني: أن وجوبهما بالسنة والترتيب إنما وجب بدلالة القرآن معتضداً بالسنة ولم يوجد ذلك فيهما
(4)
.
ونوقش:
أن هذا فرقاً ضعيفاً، فإن الأنف والفم لو لم يكونا من الوجه لما وجب غسلهما
(5)
.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الأول القائل بوجوب ترتيبهما بين سائر أعضاء الوضوء، لقوة أدلتهم ومناقشة أدلة القول الثاني.
(1)
المقدام بن معديكرب بن عمرو بن يزيد بن معديكرب الكندي، أبو كريمة، وقيل: أبو يحيى وهو أحد الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات بالشام سنة 87 هـ، انظر ترجمته في: أسد الغابة (4/ 478).
(2)
رواه أحمد في المسند ح/17188 (28/ 425)، وأبوداود، كتاب الطهارة، باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ح/121 (1/ 30) وحسنه ابن الصلاح والنووي انظر: البدر المنير (2/ 207).
(3)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 409).
(4)
انظر: الإنصاف (1/ 132).
(5)
انظر: مجموع الفتاوى (21/ 409).