الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والأربعون بعد المائتين:
(241)
دع عنك نهبًا صيح في حجراته
تمامه:
ولكن حديثًا ما حديث الرّواحل
على أن "عن" فيه اسم لما ذكره، وتقدم الجواب عنه من كلام أبي حيان في شرح: هون عليك
…
البيت، وهو أول أبيات تسعة لامرئ القيس، وهو ما ذكره المصنف هنا، قالا لجاحظ في كتاب "البيان": إن امرأ القيس بعد أن قتل أبوه طلبه المنذر بن ماء السناء، فأعجزه وخرج هاربًا حتى استجار بهانئ بن مسعود الشيباني، فلم يجره، فلحق بسعد بن الضباب الإيادي فأجاره، فخافه امرؤ القيس، فخرج عنه حتى نزل برجل من طيء، يقال له: طريف بن مل، وكان في قلة، فخاف أن لا يمنعه، فظعن من عنده وأنشأ فيقول:
لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره
…
طريف بن ملً ليلة الجوع والخصر
فنزل على المعلى بن تيم بن ثعلبة الطائي، وذكر له خيل سلمى وعدد أهلها، فظعن إليها وهو يقول:
كأنِّي إذ نزلت على المعلَّى
…
نزلت على البواذخ من شمام
قما ملك العراق علىلمعلَّى
…
بمقتدرٍ ولا ملك الشام
أقرَّ حشا امرئ القيس بن حجرٍ
بنو تيمٍ مصابيح الظَّلام
فانتهى إليهم، فاستجار بسيدهم خالد بن سدوس بن أصبغ النبهاني فأجاره، فأغار باعث بن خويص على إبل امرئ القيس فاستاقها، فقال امرؤ القيس: يا خالد، خفارتك! قال: لا والله ما عندي من ظهر أطلب الرجل عله، قال: فعليك نجائبي هذه فاطلبه عليها، فركبها في عصابة من قومه فأدركوا باعثًا، فقال: أي باعث، أعلىّ جاري وثبت، وعلى حرمتي انتهت! ؟ فقال باعث: والذي بيته بالسماء، إن السمة التي بنجائبي هذه لبهذه الرواحل، قالوا: كذلك، فأنزلوه وأصحابه وذهبوا بها، فأقبل إلى امرئ القيس فأخبره، فقال امرؤ القيس يهجوه:
دع عنك نهبًا صيح في حجراته
…
ولكن حديثًا ما حديث الرّواحل
كأنَّ دثارًا حلَّقت بلبونه
…
عقاب تنوفى لا عقاب القواعل
تلعَّب باعثٌ بجيران خالدٍ
…
وأودى دثارٌ في الخطوب الأوائل
وأعجبني مشي الحزَّقة خالدٍ
…
كمشي الأتان حلَّئت بالمناهل
ثم ظعن ارء القيس، ارتحل عنه حتى نزل على عامر بن جوين الطائي، فلما رأى عامر أعجبه، وحدث نفسه بالغدر به، فقال عامر:
لم أر مثلها خباسة واحدٍ
…
ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله
هنالك لا أعطي مليكًا قياده
…
ولا سوقًة حتًّى يؤوب ابن مندله
فلما سمع ذلك امرؤ القيس ارتحل عنه جتى نزل على أبي حنبل، وهو حارثة ابن مر التغلبي، ومن هنا ظعن امرؤ القيس إلى قيصر ملك الروم، وذكر حكايته إلى أن هلك بأنقرة.
وقوله: "دع عنك نهبًا صيح في حجراته": هذا المصراع أورده الميداني في كتابه "مجمع الأمثال" وقال: النهب: المال المنهوب وكذلك النهبى، والحجرات: النواحي، يضرب لمن ذهب من ماله شيء، ثم ذهب بعده ما هو أل منه، ثم أورد حكاية الرواحل كما أوردها الجاحظ وقال: يقول: دع النهب الذي انتهبه باعث، / ولكن حدثني حديثًا عن الرواحل التي ذهبت أنت بها ما فعلت؟ ثم قال في هجائه:
وأعجبني مشي الحزقَّة خالدٍ
…
.. البيت
وكذاك أورد المصراع الأول إسماعيل بن هبة الله الموصلي الشافي في أولياته المسماة: "غاية الوسائل إلى معرفة الأوائل" وحكي الحكاية نحو ما تقدمت، وقال: فقال له خالد: أعطني رواحلك حتى أطلب عليها مالك، ففعل امرؤ الفيس فانطوى عليها، ويقال: بل لحق بباعث وأصحابه فقال لهم: أغرتم على جاري يا بني جديلة! قالوا: والله ما هو لك بجارٍ، قال: بلى والله ما هذه الإبل التي معكم إلا كالرواحل التي تحتي، فقالوا: هو كذلك، فأنزلوه وذهبوا بها. يضرب لمن ذهب من ماله شيء، ثم ذهب بعده ما هو أجل منه. انتهى. وقيل:
نهب مضاف محذوف، ي: دع عنك ذكر نهب، وصيح: مجهول صاح به، وفي حجراته: نائب الفاعل، وهو بفتح الحاء والجيم؛ جمع حجرة، بسكون الجيم، وهي الناحية، والجملة صفة نهب، والمراد: صيح عليه في حجراته، وحديثًا: عامله محذوف، أي: ولكن حدثني حديثًا. وما: استفهامية مبتدأ وحديث: خبره، أو بالعكس، وقد أخطأ ابن الملا هنا في المعنى والإعراب، فإنه قال: اترك نهب المال، واشتغل بأمر النساء ذوات الرواحل، وما: زائدة، وحديث الرواحل: بدل من "حديثًا" بدل معرفة من نكرة. انتهى. وقوله: كأن دثارًا .. الخ، هو راعي إبل امرئ القيس، وحلقت: من التحليق، وهو ارتفاع الطير في الجو، واللبون من الإبل والشاء: ذات اللبن، وننوفى بالقصر: جبل عالٍ، والقواعل: جبال صغار، ويأتي إن شاء الله تعالى شرح هذا البيت مفصلًا في بحث "لا" العاطفة.
وقوله: وأعجبني مشي الحزقة خالد: الحزقة بضم الحاء، المهملة والزاء المعجمة وتشديد القاف: هو القصير العظيم البطن، وخالد بالجر بدل منه، وقال العيني: الحزقة: لقب، ويقال: ضرب من المشي، فمن جعله ضربًا من المشي نصبه، ومن جعله لقبًا رفعه. انتهى. وهو كلام لا يعقل لأنه وقع هنا مضافًا إليه، وكيف يتصور نصبه أو رفعه على أني لم أر الحزقة بمعنى المشي، وحلئت بالبناء للمفعول: من حلأت الإبل عن الماء تحلئة، بالهمز، إذا طردتها عنه ومنعتها أن ترد، والأتان: أثنى الحمار، شبهه بها تحقيرًا له، والمنهل: المورد، وهو عين ماء ترده الإبل وغيرها. وبعد هذا أبيات خمسة شرحناها في الشاهد الثاني عشر بعد التسعمائة من شواهد الرضي، وترجمة امرئ القيس تقدّمت في الإنشاد الرابع