الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا: من هو ربنا؟ قال: لولا أن تجيش نفس جائشة، أنبأتكم أنه حجر ضاحية؛ فركبت بنو أسد كل صعب وذلول حتى أنتهوا إلى حجر، فوجدوه نائماً فذبحوه، وشدوا على هجائنه فاستاقوها.
وكان امرؤ القيس أطرده أبوه لما صنع في الشعر بفاطمة ما صنع، وكان لها عاشقاً، فطلبها زماناً فلم يصل إليها، وكان يطلب غرة، حتى كان منها يوم الغدير بدارة جلجل ما كان، فقال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
فلما بلغ ذلك حجراً أباه، دعا مولى له يقال له ربيعة، فقال له: اقتل امرأ القيس وأتني بعينيه، فذبح جؤذراً فأتاه بعينيه، فندم حجر على ذلك، فقال: أبيت اللعن إني لم أقتله! قال: فأتني به، فانطلق فإذا هو قد قال شعراً في رأس جبل، وهو قوله:
فلا تتركنّي يا ربيع لهذه
…
وكنت أراني قبلها بك واثقا
فرده إلى أبيه، فنهاه عن قول الشعر. ثم إنه قال:
ألا أنعم صباحاً أيُّها الطَّلل البالي
فبلع ذلك أباه، فطرده إلى اليمن، وهناك بلغه مقتل أبيه. هذه رواية ابن قتيبة. وترجمة امرئ القيس تقدمت في الإنشاد الرابع من أول الكتاب.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والثمانون بعد المائة:
(181)
رسم دار وقفت في طلله
…
كدت أقضي الحياة من جلله
على أنه قيل: أراد الشاعر: من أجله، وقيل: أراد من عظمه في عيني، ففيه تفسيران، قال القالي في "أماليه": قرأت على أبي بكر بن دريد في كتاب "الأبواب" للأصمعي: فعلت ذاك من جلل كذا، أي: من عظمه في صدري، وقال أبو نصر: فعلت ذاك لجللك وجلالك، أي: لعظمتك في صدري، وأنشد الأصمعي لجميل: رسم دار وقفت في طلله .. البيت. وروي من غير هذا الوجه تفسير من جلله: من أجله، ويقال: فعلت ذلك من أجلك وجلك وجلالك. وأنشد الأصمعي في جلالك:
وغيد نشاوى من كرى فوق شزّب
…
من الليل قد نبَّهتهم من جلالك
أي: من أجلك. انتهى. وقال ابن السكيت في كتاب "الأضداد": يقال: فعلته من جللك، أي: من أجل عظمتك عندي. قال جميل: "كدت أقضي الغداة من جلله"، أي: من عظمتها في صدري.
وبما نقلنا يدفع قول الدّماميني: ليس الجلل بمعنى العظم حتى يفسر به، وإنما هو بمعنى العظيم، فلو قيل: أراد: من عظم أمره في عيني؛ لكان مناسباً. انتهى. وأيّ فرق بين من عظمه، ومن عظم أمره؟ ! وهل هما إلا سواء! وأعجب من هذا قول ابن الملا: وقع في "الصحاح" تفسير الجلل في البيت
بالعظم، لكن لا على أنه اسم جامد مما لا كلام فيه، بل على أنه من الجليل بمعنى العظيم. انتهى. ولا يخفي أن كليهما جامد، والمادة متحدة، ومعناهما متقارب.
ونقل أبو حيان في "تذكرته" من "النهاية": فعلت ذلك من جللك، قال:"كدت أقضي الحياة من جلله": ومن جلالك، قال:
حنيني إلى أسماء والخرق بيننا
…
وإكرامي القوم العدى من جلالكا
وقال الراعي:
ونحن قتلنا من جلالك وائلاً
…
ونحن ركبنا بالسيُّوف على عمرو
ويقال: فعلت ذلك من جرّاك، مشدد الراء، ومخففها فيها، أنشد اللحياني:
ومن جرّا بني أسد غضبتم
…
ولو شئتم لكان لكم جوار
ومن جرّائنا صرتم عبيداً
…
لقوم بعد ما وطئ الخيار
وفعلت ذاك من أجل كذا؛ أجل: مصدر أجل عليهم شراً يأجله أجلاً ويقال: من أجل، ومن إجلك، ومن أجلاك، ومن إجلاك، بفتح الهمزة وكسرها فيهن، ولم يرد إلا مضافاً. انتهى.
وقوله: رسم دار: مجرور بربّ المحذوفة، وقد استشهدوا به لذلك، وحذف حرف الجر ضرورة، وقد أورده ابن عصفور في "الضرائر" والرسم: ما كان لاصقاً بالأرض من آثار الدار كالرماد ونحوه، والطلل: ما شخص من آثارها كالوتد
والأثافي، وإضافته إلى ضمير الرسم بتقدير مضاف، أي: طلل داره، وقيل: ينبغي أن يراد بالرسم هنا الأثر أو بقيته، لإضافة الطلل إلى ضميره إن لم تجعل الإضافة لأدنى ملابسة، وجملة وقفت: في موضع الصفة لرسم، وكدت: جواب رب المحذوفة، وجملة أقضي الحياة: خبر كاد، من قضيت الشيء إذا أدّيته. وروي:"كدت أقضي الغداة" من قضى فلان: إذا مات. والغداة: الضحوة؛ ظرف لأقضي.
وهو أول أبيات عدتها اثنا عشر بيتاً لجميل العذري وبعده:
موحشاً ما ترى به أحداً
…
تنسج الريح ترب معتدله
وصريعاً من الثُّمام ترى
…
عارمات المدبّ في أسله
بين علياء وابش وبليِّ
…
والغميم الذي إلى جبله
واقفاً في رباع أمّ جسير
…
من ضحى يومه إلى أصله
وقوله: موحشاً: حال من طلل، وهو اسم مفعول، وجملة "ما ترى به أحداً": صفة كاشفة لموحش، ونسج الريح: هبوبها من جهات شتى، فتثير التراب، فتغطي المعالم فلا تعرف، والترب بالضم: لغة في التراب، وفيها حذف مضاف، أي: ترب مكانه المعتدل، قال شارح ديوانه محمد بن السائب الكلبي في البيت الأول: من جلله، أي: من أجله، ومن جلله: من عظمه في عيني، وقال في الثاني: يقول: ما سكن منه واعتدل فالريح تقلبه وتثيره. انتهى. وروي: "تمسح الريح" يقال: مسحته الريح، إذا غيرته. وقوله: وصريعاً من الثمام ترى؛ صريعاً: مفعول ترى، أي: ملقى على الأرض، والثمام بضم المثلثة: نبت معروف في البادية. وقوله: عارمات: مبتدأ، وفي أسله: الخبر، والمدب: مجرى السيل، وعارماته: حشراته وداوبه، من عرمت العظم،