الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبى الله إلاّ أن سرحة مالك
…
على كلِّ أفنان العضاه تروق
فقد ذهبت عرضاً وما فوق طولها
…
من السَّرح إلاّ عشَّة وسحوق
العشّة: القليلة الأغصان والورق، والسحوق: الطويلة المفرطة.
فلا الظلَّ من برد الضُّحى تستطيعه
…
ولا الفيء من برد العشيِّ تذوق
فهل أنا إن عللت
…
البيت، وهذه القصيدة طويلة أولها:
نأت أمُّ عمروٍ فالفؤاد مشوق
…
يحنُّ إليها والهاً ويتوق
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والعشرون بعد المائتين:
(228)
فو الله لا أنس قتيلاً رزئته
…
بجانب قوسي ما مشيت على الأرض
علي أنها تعفو الكلوم وإنَّما
…
يوكَّل بالأدني وإن جلَّ ما يمضي
علي أن "على" في قوله: على أنها، للاستدراك والإضراب، هذا مأخوذ من كلام ابن الحاجب؛ قال في "أماليه" علي أبيات "المفصلّ":"على" هذه تقع في شعر العرب وكلامهم كثيراً، والمعنى فيها استدراك وإضراب
عن الأول، ألا ترى أنك إذا قلت: لا يدخل فلان الجنة لسوء صنيعه، على أنه لا ييأس من رحمة الله؛ كان استدراكاً لما تقدم، وإضراباً عن تحقيقه! وكذلك قوله في البيت الذي قبله:
فو الله لا أنسى قتيلاً رزئته
…
البيت
ثم قال: علي أنها تعفو الكلوم .. لأن المعنى: على أن العادة نسيان المصائب إذا تطاولت، والجزع على ما كان من المصائب قريب العهد، وهذا إضراب واستدراك لما تقدم من قوله: لا أنسى. انتهي.
وقال شراح "الحمسة" منهم المرزوقي قال: قوله: على أنها تعفو الكلوم، يجري محرى الاعتذار والاستدراك على نفسه فيما أطلقه من قوله: لا أنسى قتيلاً رزنته، وتبعه التبريزي والطبرسي وغيرهما، ووقع في رواية أبي بكر القاري في "أشعار الهذليين"، وفي رواية المبرد في "الكامل" ورواية أبي علي القالي في "أماليه" ورواية ابن جني في "المحتسب":"بلى إنها تعفو الكلوم" وهذا يؤيد ما قاله ابن الحاجب، قال أبو عبيد البكري فيما كتبه علي "أمالي القالي": هذا رجوع من قوله الأول إلى ما هو أصح، وقال ابن جني فيما كتبه على سورة يس من "المحتسب": أكذب نفسه، وتدارك ما كان أفرط فيه لفظه بقوله: بلي، رجوعاً إلى الحق عنده، وانتكاثاً عما كان عقد يمينه عليه. انتهي.
والبيتان من أبيات لأبي خراش الهذلي أوردها السكري في "أشعار الهذليين" والمبرد في "الكامل" وأبو تمام في أول باب المرائي من "الحماسة" والأصبهاني في "الأغاني" والقالي في "أماليه" وهي:
حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا
…
خراش وبعض الشَّراهون من بعض
فو الله لا أنس قتيلاً رزئته
…
البيتين
ولم أدر من ألقى عليه رداءه
…
على أنَّه قد سلَّ من ماجدٍ محض
ولم يك مثلوج الفؤاد مبَّهجاً
…
أضاع الشّباب في الرَّبيلة والخفض
ولكنَّه قد نازعته مجاوع
…
على أنّه ذو مرَّةٍ صادق النَّهض
عروة: أخو أبي خراش، وخراش: ابن الشاعر، وهو أبو خراش، خويلد ابن مرة، قال صاحب "الأغاني": خرج زهير بن مرة أخو أبي خراش معتمراً، حتى ورد ذات الأقبر من نعملن، فبينا هو يقي إلاً له، إذ ورد عليه قوم من ثمالة فقتلوه، فغزاهم أبو خراش، وقتل منهم أهل دارين، أي: حلتين من ثمالة، ثم إن عروة وخراشاً خرجا مغيرين على بطنين من ثمالة، يقال لهما: بنو رزام، وبنو بلَاّل – بتشديد اللام الأولي – فظفر بها الثماليون، فأما بنو رزام فنهوا عن قتلهما، وأبت بنو بلال إلا قتلهما، حتى كاد يكون بينهما شرً، فألقي رجل منهم ثوبه علي خراش حين شغل القوم بقتل عروة، ثم قال: انج، وانحرف القوم بعد قتلهم عروة إلي الرجل، وكانوا سلموه إليه، فقالوا:
أين خراش؟ فقال: أفلت مني فذهب، فسعى القوم في إثره فأعجزهم، فقال أبو خراش في ذلك يرثي أخاه عروة، ويذكر خلاص ابنه خراش.
وقوله: حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا .. قال ابن جني في "إعراب الحماسة" إذ: بدل من بعد، والمعنى: أشكر الله بعد ما اتفق من قتل عروة على تخلص خراش، وقوله: وبعض الشر .. الخ، كأنه تصور قتلهما جميعاً لو اتفق، فرأى قتل أحدهما أهون، قال ابن جني: فإن قيل: ليس في الشرهيَّن، وأفعل هذا يستعمل في مشتركين في صفة زاد أحدهما على الآخر، فكيف يجوز هذا، ولاهيّن في الشر؟ ! وجوابه إن هذا كلام محمول على معناه دون لفظه، وذلك أنه إن كان هناك حال تهوّن الشر من صبر عليه أو احتساب أو طلب ذكر أو ثواب، فإنه أيضاً مراتب وليس بجار على سنن واحد.
وأجاب التبريزي: بأن للشر مراتب، فإذا جئت إلى آحادها، وقد تصورت جملها، ورتب الآحاد فيها، وجدت كل نوع منها بمضامّته للغير، له حال في الخفة والثقل، وإذا كان كذلك، فلا يمنع أن يوصف منه شيء بأنه أهون من غيره، وقوله: رزنته بالبناء للمفعول، أي: أصبت به.
قال المرزوقي: تعلق الباء من قوله: "بجانب" بـ "قتيلا"، كأنه قال: ما أنسى قتيلاً على الأرض بجانب قوسى رزنته، و [موضع] رزنته وبجانب جميعاً: صفة للقتيل، وقد دخله بعض الاختصاص بذكرهما. انتهي. وأراد بالتعلق التعلق المعنوي، وهو كونه صفة كما صرح به في آخر كلامه، وقد غفل عنه الدماميني فقال: الظاهر أنه لا يعني قتيلاً المذكور، لأن وصفه مانع من إعماله، وإنما
يعني قتيلاً محذوفاً، أي: رزنته حالة كونه قتيلاً بجانب قوسى، هذا كلامه، وقوسى: بفتح القاف والقصر، قال المبرد: هو بلد تحلُّه ثمالة بالسراة، وكذلك، ضبطه القالي في "المقصور والممدود" وقال: هو موضع ببلاد هذيل، وفيه قتل عروة، وأنشد البيت، وقال ياقوت في معجم البلدان": هو بفتح القاف وسكون الواو وسين مهملة، ثم ألف مقصورة تكتب ياء: بلد يالسراة، وقال أبو عبيد البكري في ما كتبه علي "أمالي القالي": إن قوسى رواه أبو على القالي بفتح القاف، وغيره يأبى إلا ضمهما، وقال أيضاً في "معجم ما استعجم": هو بفتح أوله وضمه معاً: موضع ببلاد هذيل، وفيه قتل عروة، وأخطأ في قوله: أخو أبي كبير، وقوله: ما مشيت: ما مصدرية ظرفيه.
وقوله: على أنها تعفو، قال شراح "الحماسة": الضمير للقصة، ولو قال: على أنه، لجاز وكان الضمير للشأن، وبه استشهد الرضي في "شرح الكافية" وتعفو: تبرأ وتذهب، من عفا المنزل يعفو عفواً وعفوّاً وعفاء بالفتح والمدّ، بمعني درس وانمحي، والكلوم: الجراح والآثار التي تشبهها، قاله المبرد، وقال التبريزي: يعني بالكلم الحزة عند ابتداء الفجيعة، وقوله: يوكل، بالبناء للمفعول، يروى بالمثناة التحتية وبالنون، من وكلته بأمر كذا توكيلاً:
إذا فوضته إليه، أي: ألزمته به إلزاماً، والأدني: الأقرب، أي: الرزء الأقرب، قال القاري: يقول: إنما نحزن على الأقرب فالأقرب، ومن مضى نسيناه ولو عظم ما مضى، وقال البكري في شرح "أمالي القالي": قال الأصمعي: هذا بيت حكمة؛ وقد ألم بهذا البيت ابن دريد، [من قصيدة] أوردها القالي في "ذيل أمالية" – وهو:
بلى غير أنَّ القلب ينكؤه الأسي السملّم وإن جلَّ الجوي المتقدّم
وقوله: علي أنه قد سل "على" هنا أيضاً مثل "على أنها تعفو" ويأتي إعرابها، وروى السكري: سوى أنه، وهو استثناء منقطع.
والمعنى: لا أعرف اسمه ونسبه، لكنه ولد كريم بما ظهر من فعله، قال القاري: لما صرع خراش ألقي عليه رجل ثيابه فواراه، وشغلوا بقتل عروة، فنجا خراش، والرجل الذي ألقى عليه ثوبه من أزد شنوءة، فقال: لا أدري من ألقى عليه ثيابه، ولكنه سل عن ماجد محض، يعني: الرداء، والماجد المحض، أي: خالص النسب، هو الذي ألقى عليه ثوبه. انتهي. فالمسلول على هذا: هو الرداء، لا معطي الرداء، كما قاله التبريزي، وقال البكري فيما كتبه على "أمالي القالي": في هذا البيت ثلاثة أقوال، قال قوم: إن عروة لما قتل، ألقى عليه رداءه رجل من القوم فكفنه به، وقال آخرون: بل الذي ألقى عليه الرجل [رداءة] هو خراش، وذلك أن رجلاً: من ثمالة ألقى عليه
رداءه ليخفى عليهم، وقد شغل القوم بقتل عروة، فقال: اهرب، وعطف القوم عليه فلم يروه. وقيل: يل ألقي رجل علي خراش رداءه إجارة له، وكذلك كانوا يفعلون، وهذا مثل قول بعضهم يذكر رجلاً منَّ عليه: ولمَّا رأيت أنَّه متعبِّط
…
دعوت بني بدرٍ وألحفته بردي
غير أبي خراش، وقال التبريزي: قد روي فيما حكي عن الأصمعي وأبي عبيدة أنهما قالا: لا نعرف من مدح من لا يعرفه غير أبي خراش، وقد سلك من شعراء الإسلام مسلكه أبو نواس في أبيات أولها:
ودار ندامى عطّلوها وأدلجوا
…
بها أثر منهم جديد ودارس
مساحب من جر الزَّقاق علي الثرى
…
وأضغاث ريحان جني ويابس
ولم أدر من هم غير ما شهدت لهم
…
بشرقّي ساباط الديار البابس
ويأتي إن شاء الله شح هذه الأبيات في بحث الواو: