الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السادس والثلاثون بعد المائتين:
(236)
وآس سراة الحيِّ حيث لقيتّهم
…
ولا تك عن حمل الرِّباعة وانيا
على أ، "عن" فيه بمعنى في. قال المصنف في الشرح: واستعمال "عن" موافقة لـ "في" كقول الشاعر: وآس سراة الحي .. البيت؛ أي: في حمل الرباعة وانيًا، وجعلت هنا الأصل "في" كقوله تعالى:{ولا تنيا في ذكري} [طه /42] انتهى. وتعديه "ونى: بـ "عن" مستعملة في لسان العرب، وفرق بين: نى عن كذا، وونى في كذا، فإذا قلت: ونى عن ذكر الله، فالمعنى المجاوزة، وأنه لم يذكره، وإذا قلت: ونى في ذكر الله، فقد التبس بالذكر ولحقه فيه فتور. انتهى. أقول: وفي "التهذيب" للأزهري: قال الليث: الونى: الفترة في الأعمال والأمور والثواني، تقول: فلان لا يني في أمرهن أي: لا يفتر ولا يعجز، وكذا قال الجوهري في "الصحاح". وفي "الجمرة" لابن دريد [الونى: الإعياء] وقال الزمخشري في "أساس البلاغة": وقد ونى في الأمر: ضعف وفتر، ثم قال: ومن المجاز قول ابن مقبل:
مرته الصَّبا بالغور غور تهامةٍ
…
فلّما ونت عنه بشفعين أمطرا
انتهى. وشعفان: مثنى شعف: قرنان من نجد، قال البكري: ويجوز إسكان العين من شعفين، وأنشد هذا البيت. وهذا ليل لما قاله أبو حيان. وموت الصبا السحاب: استدرّته، فلما ضعفت عنه بالتجاوز عنه أمطر بشعفين، والفتور في الصبا مجاز.
وقد حرف العيزري في "مدني الأريب من مغني اللبيب" موضعين من المصراع من البيت الشاهد قال: ومنها الظرفية قال:
وآس سراة الحيّ حيث لقيتهم
…
ولا تك عن حمل الرِّياضة واهنا
أي: في حمل، بدليل:{ولا تهنوا في ابتغاء القوم} [النساء /104] ومنه: وهن في الأمر بمعنى: أبطأ في أمضائه، ومثله: ونى فيه، بمعناه {ولا تنيا في ذكري} [طه /42] قال: وظاهر "ونى عن كذا": جاوز عنه فلم يدخل فيه، وونى فيه: دخل على فتور، وضعف عن إمضائه. إلى هنا كلامه. وباليته أبقى المتن على حاله، ولم يفسده بهذيانه، ومن كان مبلغه من العلم هذا، كيف يجوز له أن يختصر مثل هذا الكتاب، ويدعي تحريره في تهذيبه، وجهالته تفضحه وتهذي به!
والبيتمن قصيدة للأعشى ميمون البكري، تشتمل على نصائح وأمر بمكارم الأخلاق، وأولها:
ذريني لك الويلات آتي الغوانيا
…
متى كنت زرّاعًا أسواق السَّوانيا
ترِّّجي ثراءً من سياس ومثلها
…
ومن قلبها ما كنت للمرء راجيًا
سأوصي بصيرًا إن دنوت من البلى
…
وكلُّ امريءٍ يومًا سيصبح فانيا
بأن لا تأَنَّ الودَّ من متباعدٍ
…
ولا تنأ إن أمسى بقربك راضيا
وذا الشَّرِّ فاشنأه وذا الودِّ فاجزه
…
على ودّه أو زد عليه الغلانيا
وآس سراة الحيِّ حيث لقيتهم
…
ولاتك عن حمل الرِّباعة وانيا
وإن بشرا يومًا أحال بوجهه
…
عليك فحل عنه وإن كنت دانيا
وإنَّ تقى الرَّحمن لا شيء مثله
…
فصبر إذا تلقى السَّحاق الغوانيا
وربَّك لا تشرك به إنَّ شركه
…
يحط من الخيرات تلك البواقيا
بل الله فاعبد لا شريك لوجهه
…
يكن لك فيما تكدح اليوم راعيا
وإيّاك والميتات لا تقر بنَّها
…
كفى بكلام الله عن ذاك ناهيا
ولا تعدنَّ النّاس ما لست منجزًا
…
ولا تشمتن جاراً لطيفًا مصافيا
ولا تزهدن في وصل أهل قرابةٍ
…
ولا تك سبعًا في العشيرة عاديا
وإنَّ امرأً أسدى إليك أمانًة
…
فأوف بها إن متَّ سُمِّيت وافيا
ولا تحسد المولى وإن كان ذا غنّى
…
ولا تجفه إن كان في المال عافيا
ولا تخذلنَّ القوم إن ناب مغرمٌ
…
فإنَّك لا تعدم إلى المجد داعيا
وكن من وراء الجار حصنًا ممنَّعًا
…
وأوقد شهابًا يسفع النّاس خاميا
وجارة جنب البيت لا تبع سرَّها
…
فإنَّك لا تخفى من الله خافيا
قال ابن خالوية في كتاب "ليس": ليس أحد يقول في مصدر: غلوت
الغلو إلا غاوًا، إلا الأعشى فإنه قال: غلا غلانيًا، وهذا غريب. وسواس: قرية جاء بها سياس، أنشد له ثعلب:
ترجِّي ثراءً من سياس ومثلها
…
إلى آخر الأبيات المتقدمة
وقال في آخرها: الرباعة: ما ناب من نائبه، والسحاق: البعيدات من حاجتك الواحدة سحوق. انتهى. ونقل عن ابن دريد أبو عبيد البكري في "معجم ما استعجم" والصاغاني في "العباب" أن سواس، بسينين مهملتين كسحاب: جبل أو موضع، ولم أر من ذكر سياس. وقوله: ذريني لك الويلات
…
الخ، الغواني: جمع غانية، وهي التي استغنت بحسنها عن الزينة، والسواني: جمع سانية، وهو البعير الذي يسنى عليه، أي: يستقى من البئر، وقوله: سأوصي بصيرًا
…
الخ، السين للتأكيد، وبصيرًا: ابنه، فإنه يكنى به، فيقال له: أبو بصير، والبصير: من له بصيرة، وهو نور القلب، وقوله: بأن لا تأنَّ، الباء متعلقة بأوصي، ولا: ناهية، وتأنَّ: مجزوم بحذف الألف، يقال: تأنى في الأمر، أي: تنظرّ وترفّق، واستأنى به: انتظر به، ولا تنأ: لا تبعد، من النأي وهو البعد. وقوله: وذا الشر فاشنأه: أمر من شنأه كمنعه وسمعه، أي: أبغضع، وقوله: أو زد عليه الغلانيا: هذا الذي استغربه ابن خالويه، قال الأزهري في "التهذيب": وقال بعضهم: غلوت في الأمر غلانية: إذا جاوزت فيه الحد، زادوا فيه النون. انتهى. وقال السيوطي: الغلانية بالمعجمية:
الإسراف في الأمر والإفراط [فيه]. انتهى. ولم يذكر الجوهري هذا المصدر، وإنما قال: وغلا في الأمر يغلوا غلوًا: إذا جاوز فيه الحد، ولم يصب صاحب "القاموس" في جعله من ذوات الياء، قال: والغلانية: التغالي بالشيء، والنون زائدة. انتهى. وهذه الياء إنما هي منقلبة من الواو لانكسار ما قبلها. وقوله: وآس سراة الحي .. الخ، آس: أمر من آسيته بمالي مواساة، أي: جعلته أسوتي فيه، وسراة الحي، بفتح السين: أشراف القبيلة، وهو اسم جمع، كما قال المحقق الرضي، لا جمع سري كما قال الجوهري، لأن السراة وزنه فعلة، بفتحتين، وإنما يجمع على سروات، كقطاة يجمع على قطوات، ولو كان جمعًا ما كان يجمع على سروات، لأن فعلة لا يجمع هذا الجمع وليس بمفرد، مثل كاهل القوم وسنامهم، خلافًا للسهيلي، بدليل روع ضمير الجمع إليه في هذا البيتـ والرباعة: بكسر الراء، فسرها شارح ديوانه ونقله السيوطي: أن رباعة الرجل فخذه التي هو منها، وهذا هو المناسب هنا، وحكى صاحب "القاموس" هذا المعنى قال: الرباعة، بالفتح والكسر، قيل: القبيلة، وقيل: الفخذ، ثم قال تبعًا لصاحب "الصحاح": الرباعة بالكسر: نحو الحمالة.
والحمالة بالفتح: الدية يحملها قوم من قوم، فالرباعة تشمل الحمالة وغيرها من المغارم، ولهذا فسرها ابن خالوية بما ناب من نائبه، وأما قول المصنف: الرباعة: نحوم الحمالة؛ فلم أر من فسرها بهذا، وقد فتشت "الجمرة، والتهذيب،