الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما زلت منشوراً علىَّ نواله
…
وعندي حتى قد بقيت لا عند
قال الإمام المرزوقي، وتبعه الخطيب التبريزي في شرحهما: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يريد قطعني عن الناس كلهم إلى نفسه إذ أغناني عن غيره فكل ما أملكه منه خاصة، حتى ليس لي أن أقول: عندي كذا إذا كان ما عندي له.
والثاني: أنه لم يزل يخولني إلى أن لم يكن للنعمة والإحسان عندي مكان، فبقيت لا عند، أي: لا سبيل إلى قبول الزيادة، انتهى.
وحكي الأزهري عن الليث، وتبعه صاحب (القاموس) أنه يقول القائل لشيء بلا علم: هذا عندي كذا وكذا، فيقال/ أو لك عند، برفع عند.
وقوله: كل عندي لك عندي
…
إلخ، أراد بـ (عند) الأول والثالث المقدار، أي: كل مقدار ثابت لك عندي لا يساوي نصف مقدار، والمراد: أنه لا يساوي شيئًا، ومحصل المعنى: أنه لا مقدار لك عندي.
والبيت لبعض المولدين، والمولد والمحدث- كمكرم- من الشعراء: من لا يصح الاستشهاد بكلامه، وهو من جاء بعد عصر المائتين، وأولهم بشار بن برد وأبو نواس، ومنهم أبو تمام والبحتري الطائيين والمتنبي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والخمسون بعد المائتين:
(258)
لدن شبَّ حتَّى شاب سود الذَّوائب
صدره:
صريع غوانٍ راقهنَّ ورقنه
على أن (لدن) مضافة إلى جملة، قال الرضي: إن أضيفت (لدن) إلى الجملة تمحضت الزمان، والبيت من قصيدة للقطامي، وهذه أبيات من أولها:
نأتك بليلى نَّيةٌ لم تقارب
…
وما حبُّ ليلى من فؤادي بذاهب
منعَّمةٌ تحلو بعود أراكةٍ
…
ذرى بردٍ عذبٍ شتيت المناصب
كأنَّ فضيضًا من غريض غامةٍ
…
على ظمأٍ جادت به أمُّ غالب
لمستهلك قد كان من شدَّة الهوى
…
يموت ومن طول العدات الكواذب
صريع غوانٍ راقهنَّ ورقنه
…
لدن شبَّ حتَّى شاب سود الذَّوائب
قديديمة التَّجريب والحلم إنَّني
…
أرى غفلات العيش قبل التَّجارب
قوله: نأتك بليلى نية
…
إلخ، قال شارح ديوانه: أي: بعدت عنك، وصوابه: أبعتها عنك، لأن الباء للتعدية تساوق الهمزة، ونية: فاعل نأت، وهي الوجه الذي ينويه الإنسان، والمراد السفرة، ومثلها النوي، وقوله: منعمة تجلو
…
إلخ، روى الأصمعي:(مناعمة) أي: غذيت غذاء ناعمًا، وأراد بتجلو: تستاك، والذرى: الأعالي، والبرد- بفتحتين- بح الغمام، شبه أسنانها في شدة بياضها بالبرد، وإنما خص الذرى لأنها صحاح لم تتكسر، وشتيت: متفرق، أراد أن في أسنانها فلجًا، والمناصب: حيث ركبت الأسنان. وقوله: كأن فضيضًا .. إلخ، فضيض السحابة، ماؤها إذا انفض منها، شبه
عذوبة ريقها بماء سحابة، والغريض: الطري. وقوله: لمستهلك .. إلخ، اللام متعلقة بجادت، وأراد بالمستهلك نفسه، لأنه هالك من حبها ومعرضها للهلاك. وقوله: صريع غوان، بالجر: بدل من مستهلك، ويجوز رفعه على إضمار المبتدأ، والصريع: المصروع، وهو المطروح على الأرض، يريد أنه قد أصيب من حبهن حتى لا حراك به، والغواني: جمع غانية، وهي التي استغنت بجمالها عن الزينة، وقيل: هي التي غنيت بزوجها عن غيره، وقيل: هي التي غنيت، أي: أقامت في بيت أبوبها ولم تتزوج، وراق: أعجب، أي: أعجبهن لجماله، وشبابه، وأعجبنه لحسنهن. وقوله: لدن شبَّ، أي: من أول زمن شبابه إلى وقت شيبه. فحتى بمعنى إلى، والذوائب: الضفائر من الشعر، جمع ذؤابة. وقد لقب القطامي صريع الغواني بهذا البيت، وهو أول من لقب به، وقد ذكر في الأوليات، ثم لقب به مسلم بن الوليد، قال صاحب (زهر الآداب): لقب مسلم صريع الغواني بقوله:
هل العيش إلّا أن تروح مع الصِّبا
…
صريع حميَّا الكأس والأعين النُّجل
قال صاحب (الأغاني): الذي لقب مسلمًا بهذا اللقب هارون الرشيد لهذا البيت.
وقوله: قديديمة التجريب .. إلخ، هو من شواهد (سيبوبة)(وجمل الزجاجي) وغيره، استشهد به على تصغير قديديمة بالهاء ومثلها: وريئة. وإنما
أدخلوا الهاء في تصغير قدام ووراء، وإن كانتا قد جاوزتا ثلاثة أحرف، لأن باب الظروف التذكير، فلما شذتا في بابها فرقوا بينهما وبين غيرهما فأدخلوا فيها علامة التأنيث، قال اللخمي. وقديديمة: منصوبة على الظرف، والعامل فيها: راقهنَّ ورقنة.
وقوله: أرى غفلات .. إلخ، يقول: إنما يستلذ بالعيش أيام الغفلة وفي أيام الشباب قبل التجارب، والتجارب إنما هي في الكبر، وهو وقت أن يزهد فيهن لسنة وتجريبه، وأن يزهدن فيه لشيبه. وقد يحتمل أن يكون العامل في قديديمة محذوفًا دلَّ عليه السياق، كأنه أراد: تظن طيب العيش ولذته قدام التجربة والحلم، أي: أمام ذلك ليس الأمر كذلك، إنما يطيب العيش ويحسن قبل التجارب، وفي عنفوان الشباب، وحين الغفلة، وأما بعد ذلك فلا، فيكون العامل فيها (تظن) المقدر، قال اللخمي أيضًا. وقوله: أنني، قال ابن السيد: يروى بكسر الهمزة على الاستئناف، وبفتحها، وهو مفعول من أجله، وقد تكون إن مكسورة وفيها معنى المفعول من أجله، كقول عز وجل:(ويصلى سعيرًا. إنَّه كان في أهلهِ مسرورًا)[الانشقاق/ 12] وجاز ذلك لأن (إن) داخلة على الجمل والجملة قد يكون فيها معنى العلة والسبب موجوداً كما قال تعالى: (وإنَّ هذه أمتَّكم أمًة واحدًة وأنا ربّكم فاتَّقون)[المؤمنون/ 52] ألا ترى أن المعنى: ولأن هذه أمتكم، ولكوني ربكم فاتقون. انتهى. وقد أوردنا أكثر من هذه الأبيات في الشاهد الثاني عشر بعد الخمسمائة من شواهد الرضي.
والقطامي: اسمه عمير بن شييم التغلبي، وعمير: مصغر عمرو، وشييم: مصغر أشيم، وهو الذي به شامة، وله لقبان، أحدهما: صريع الغواني، وتقدم. وثانيهما: القطامي، منقول من اسم الصقر، لأن الصقر يقال له قطامي، بفتح القاف وضمها، والقطامي كان نصرانيًا فأسلم، وهو ابن أخت الأخطل النصراني