الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد حول سياسة ورياضة، فإذا بلغ حولين فهو جزع، فحينئذ يستغني عن الرياضة، يقول: أنا جذع البصيرة لا أحتاج إلى تهذيب، وإقدامي قارح، أي: قد بلغ النهاية. وقد استوفينا الكلام عليه في الشاهد التاسع والعشرين بعد الثمانية من شواهد الرضي.
وقطري هو رأس الخوارج كأن أحد الأبطال، خرج في مدة ابن الزبير، وبقي يقاتل ويستظهر بضعة عشر سنة، وسلم عليه بإمرة المؤمنين، وجهز عليه الحجاج جيشًا بعد جيش وهو يكسرهم، وتغلب على نواحي فارس وغيرها، وقد ذكر المبرد في "الكامل" كثيرًا من أخباره وأشعاره، وكان مع شجاعته من البلغاء، وله شعر جيد، وكان آخر أمره أن الحجاج ندب له سفيان ابن الأبرد في جيش كثيف، فأدركوه في شعب من شعاب طبرستان فقاتلوه، فتفرق عنه أصحابه، وسقط عن فرسه فتدهده إلى أسفل الشعب، وأتاه علج من أهل البلد، فحدر عليه جرًا من فوقه فأوهن وركه، وصاح بالناس فأقبلوا نحوه، وجاء نفر من أهل الكوفة فقتلوه، وأرسلوا رأسه إلى الحجاج، فسيره إلى عبد الملك، وذلك في سنة سبع وسبعين، بتقديم السين على الموحدة فيهما، كذا في "تاريخ النويري".
وقطري بفتحتين: منسوب إلى قطر، وهو موضع بين البحر وعمان من بلاد البحرين، وهو قطري بن الفجاءة المازني، نسبة إلى مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، وفجاءة، بضم الفاء بعدها جيم فألف ممدودة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الأربعون بعد المائتين:
(240)
على عن يميني مرَّت الطّير سنّحًا
تمامه:
وكيف سنوحٌ واليمين قطيع
على أن "عن" اسم لدخول "على" عليها، ولم ير جرٌّ "عن" بـ "على" إلا في هذا البيت، وقد أنشده أبو حيان في "شرح التسهيل" وفي "الارتشاف" كذا، وتبعه العيني والسيوطي وغيرهما، وعلى متعلقة بـ "مرت". وفي "تهذيب الأزهري" قال الليث: الطير معروف، وهو اسم جامع مؤنث والواحد طائر، وقلما يقولون طائرة للأنثى، وقال أحمد بن يحيى: الناس كلهم يقولون للواحد كائر، وأبو عبيد معهم، ثم انفرد فأجاز أن يقال طير للواحد، وجمعه على طيور. انتهى. والمراد هنا الجمع بدليل سنحًا، وهو حال منه، جمع سانح، وهو ما أتاك عن يمينك من طائر أو ظبي أو غير ذلك بتيمَّن به، تقول: سنح لنا سنوحًا كذا في "تهذيب أزهري" وقال المبرد: السانح: ما أراك مياسره فأمكن الصائد، والبارح: ما أراك ميامنه فلم يمكن الصائد إلا أن يتحرف له، وقال ابن دريد: السانح يتيمن به أهل نجد، ويتشاءمون بالبارح، ويخالفهم أهل العالية بالعكس، والجابه والناطح: اللذان يستقبلانك، والقعيد: الذي يأتي من ورائك. والكادس: الذي ينزل عليك من فوق الجبل، وكذا في "العمدة" لابن رشيق عن الليث. وقوله: وكيف سنوح؛ كيف: اسم استفهام للإنكار متعلقة بمحذوف على أنه خبر مقدم، وسنوح: مبتدأ مؤخر، وصح الابتداء بالنكرة لتقدم الخبر وتقدم الاستلهام، ولكون السنوح عبارة عن مرور
الطير من جهة اليمين، وجملة "واليمين قطيع": حال من ضمير الظرف، وهو كيف، يقول: أي يمن وأي فائدة في مرور الطير في حالة كون اليمين مقطوعة، ولو كانت اليمين سالمة لأمكن صيدها بسهم أو مقلاع أو غيرهما! أو المعنى: أي يمن في مرورها بعد قطع اليمين؟ ولو مرت قبل قطع يميني لتمنت بها.
ولم أقف على بقية الأبيات، ولا على قائله حتى أتحقق مقصود الشاعر من السياق. واليمين: اليد اليمنى مؤنثة، وقطيع: بمعنى مقطوع.
والمصنف إنما أنشد المصراع الأول اكتفاء لشهرته بشروح "التسهيل والارتشاف" ولكون الدماميني لم يستحضر المصراع الثاني، قال: هذا نصف بيت من بحر الطويل لا بيت، ولا أعرف تمامه، ولم أر من أنشده تامًا. انتهى. قال ابن الملا: وكأنه لم يقف عليه في "شرح الشواهد" بعد ذهاب الدماميني إلى الهند، وعلى فرض أنه شرحها قبل ذهابه لم يشتهر، مع أن المعاصر حاله معلومة، ورتبة العيني فى النحو وغيره بالنسبة إلى الدماميني ظاهرة واضحة، هذا وقد كمل العيزري في "مدني الأريب من حاصل مغني اللبيب" البيت بمصراع آخر قال:
على عن يميني مرَّت الطَّير سبحَّاً
…
رجومًا بأقطار الفضا وشمالي
أي: على جانب يميني، واستشهد بالبيت للغة "أكلوني البراغيث" ورووه لذلك:"على عن يميني مرّها الطير سبحًا .. " و"على" هذه من "علا يعلو" وفيه ضمير المرَّ، والهاء في مرها: ضمير الطير، لأنها مؤنثة، كما قال تعالى:{والطير محشورةً} [ص/ 19] وقدمه على ظاهره على مقتضى اللغة المذكورة، هذا كلامه، ومن خطه نقلت، وضبط في الموضعين "سبحًا" بموحدة بدل النون، وهو تحريف قطعًا والمصراع الثاني لا أشك أنه مصنوع، والله أعلم.