الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإني وإن أوعدته أو وعدته
…
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وأنشد بعده وهو الإنشاد الثامن والسبعون بعد المائة:
(178)
وقائلة أسيت فقلت جير
…
أسيٌّ إنَّني من ذاك إنَّه
على أنه استدل بالتنوين على اسميه جير، وخرّج على وجهين، ذكرهما المصنف تبعاً لغيره، قال المرادي في "الجنى الداني": واحتج من أثبت اسمية جير بتنوينه، ولا حجة فيه، لأنه فعل مضطر، ويحتمل أن يكون قائله أراد توكيد جير بـ"إن" التي بمعنى "نعم" فحذف همزتها، وخفف النون ويحتمل أن يكون شبَّه آخر النصف بآخر البيت، فنون تنوين الترنم، وهو لا يختص بالأسماء، بل يلحق الفعل والحرف أيضاً. قلت: أشار الشلوبين إلى هذا الاحتمال الثاني، وهو أقرب من الذي قبله. انتهى.
وتقدم أن القائل باسميتها أبو علي، ويريد باسميتها كونها اسم فعل، والمستدل بالتنوين على اسميتها هو ابن بري، قال الجزولي في "مقدمته": وقال لنا أبو محمد الدليل على أنها اسم التنوين، وأنشدناه: وقائلة أسيت فقلت جير ..... البيت، وهو عبد الله أبو محمد ابن بري، والمستدل في الحقيقة هو أبو علي كما تقدم، وهو كلام جيد، وكلا التخريجين تعسف ..
والبيت من أبيات أنشدها أبو علي عن ابن السكيت، وهي:
وقائلة أسيت فقت جير
…
أسيٌّ إنّني من ذاك إنَّه
أصابهم الحما وهم عواف
…
وكنَّ عليهم تعساً لهنَّه
فجئت قبورهم بدءاً ولمّا
…
فناديت القبور فلم يجبنه
وكيف تجيب أصداء وهام
…
وأبدان بدرن وما نخرنه
ورويت هذه الأبيات عن المفضل أيضاً، بزيادة بيت قبلها، وهو:
ألا ياطال بالغربات ليلى
…
وما يلقى بنو أسد بهنَّه
ويا: حرف نداء، والمنادى محذوف، أي: يا قوم، والغربات: جمع غربة، بضمتين، وهي المرأة الغربية، وبدون هاء: الرجل الغريب يريد التزوج بالغربيات. وليلي: فاعل طال، وقال ابن الملا: الغربات موضع، ويرده ضمير بهنه، والباء سببية، والهاء للسكت.
وقوله: وقائلة أسيت .. إلى آخره. الواو: واو رب، أي: ربّ امرأة قائلة، وأسيت، بالخطاب: جواب ربَّ، والأسى: الحزن، والإسى: الحزن يقال: أسي يأسى إسى، كرضي يرضى، رضى؛ إذا حزن. وأسىّ، كحزين وزناً ومعنى، وهو خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: أنا أسي، وخبر إنني محذوف مدلول عليه بما قبله، ومن متعلقة بذلك المحذوف؛ تعليلية، أي: إنني أسيّ من أجل ما لقي بنو أسد بسبب التزوج بالغريبات من المصائب، وكأنه اقتتل قومه مع قومها بسببها، فاسم الإشارة راجع إلى ما لقي بنو أسد بسببهن، وإنه: بمعنى نعم، والهاء للسكت. وقال ابن الملا: الإشارة للحزن، أي: إنني مخلوق من الحزن، قصداً للمبالغة، وإن الثانية للتأكيد للأولى، هذا كلامه.
وقوله: أصابهم الحما، بكسر الحاء، أصله: الحمام، وهو الموت، حذف منه الميم لضرورة الشعر، وهي: ما وقع في الشعر، وإن كان عنه مندوحة، وهذا هو الصحيح في تفسير الضرورة، فلا يرد قول ابن الملا. ولك أن تقول: أين الضرورة، وهو متمكن من أن يقول: أصابهم الحمام فهم عواف؟ بسكون الميم من غير وصل على الأصل. انتهى. وعواف: جمع عاف شذوذاً، أو جمع عافية، بمعنى جماعة عافية، من
عفا القوم: إذا كثروا، وفي التنزيل:(حتى عفوا)[الأعراف/95]، أي: كثروا، وجملة: وهم عواف: حال من هم، ولم يتنبه ابن الملا لهذا المعنى، وظن أنه من عفا المنزل بمعنى درس، ففسره بالرمم البالية، وشطب الواو بقلمه، ونزّل فاء على هم، وجعلها: فهم عواف، وهذا غير جائز في تغيير الرواية على حسب المراد! وضمير جمع الذكور في جميع المواضع لبني أسد، وضمير "كن" للنساء الغريبات، و "على" للمضرة، أي: كنّ عوناً للحمام عليهم. وقوله تعساً لهنه: دعاء عليهن: ومعناه: أتعسهن الله. قال صاحب "المصباح": والتعس، مصدر تعس تعساً، من باب نفع: أكبَّ على وجهه فهو تاعس، وتعس تعساً من باب تعب؛ لغة، [فهو تعس مثل تعب] وتتعدى هذه بالحركة وبالهمزة فيقال: تعسه الله بالفتح، وأتعسه، وفي الدعاء: تعساً له، وتعس وانتكس؛ فالتعس: أن يخر لوجهه، والنكس: أن لا يستقل بعد سقطته حتى يسقط ثانية، وهي أشد من الأولى، واللام في لهنه للتبيين، والهاء للسكت، وروي أيضاً:"وكن عليهم نحساً لعنه". فنحساً خبر كن. وهو ضد السعد، ولعنه: من اللعن، والهاء للسكت أيضاً، والجملة دعاء عليهن. وروي أيضاً:"وكرّ عليهم بخلاً فهنه"، وهذا ليس بشيء.
وقوله: فجئت قبورهم بدءاً
…
إلى آخره، البدء، بفتح الموحدة وسكون الدال بعدها همزة: السيد، وسمي السيد به، لأنه يبدأ به في العد إذا عدّ السادات. ومجزوم لما محذوف، والتقدير: ولما أكن بدءاً حين قتلوا، بل صرت بعدهم بدءاً وسيداً، وهذا كقول حارثة بن بدر الغداني:
خلت الديار فسدت عير مسوَّد
…
ومن العناء تفرُّدي بالسودد