الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأبسط مما هنا في الشاهد الثامن والعشرين بعد الثمانمائة من شواهد الرضي.
ومزاحم العقيلي: شاعر إسلامي من بني عقيل بن كعب بن ربيعة عامر بن صعصة، قال صاحب "الأغاني": هو مزاحم بن الحارث، وقيل: مزاحم بن الحارث، وقيل: مزاحم بن عمرو بن مرة بن الحارث، وهذا القول أقرب عندي إلى الصواب، وهو شاعر بدوي فصيح إسلامي، كان في زمن جرير والفرزدق، روي أن الفرزدق دخل على عبد الملك أو بعض نبيه، فقال له: أتعرف أحداً أشعر منك؟ قال: لا، إلا أنت غلامًا من بني عقيل يركب أعجاز الإبل، وينعت الفلوات فيجيد، ثم جاءه جرير فسأله مثل ما سأل الفرزدق، فأجابه بجوابه، فلم يلبث أن جاءه ذو الرمة، فقال له: أنت أشعر الناس، قال: لا، ولكن غلام من بني عقيل يقال له مزاحم، يسكن الروضات، يقول وحشيًا من الشعر، لا يقدر على قول مثله، فقال أنشدني بعض ما تحفظ من ذلك، فأنشده:
خليليَّ عوجا بي على الدار نسأل
…
متى عهدها بالظّاعن المتحمِّل
فعجت وعاجوا بين بيداء موَّرت
…
بها الرِّيح جولان التراب المنخَّل
حتى أتى على آخرها، ثم قال: ما أعرف أحدًا يقول قولًا يواصل هذا. انتهى. وهذان البيتان أول القصيدة التي منها الأبيات التي شرحناها.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والثلاثون بعد المائتين:
(231)
هوِّن عليك فإنَّ الأمور
…
بكفِّ الإله مقاديرها
على أن مجرور "على" وفاعل متعلقها الذي هو هون، ضميرا مخاطب واحد.
قال أبو حيان: استدل الأخفش على اسمية على بقول العرب: سويت علي ثيابي، ووجه الدلالة أنه قد تقرر أن فعل المضمر لا يتعدى إلى مضمره المتصل لا بنفسه ولا بواسطة، فلا تقول: زيد ضربه، تريد: ضرب نفسه، ولا: فرحت بي، تريد: فرحت بنفسي، وفي: سويت علي، قد تعدى إلى ضميره المتصل، فوجب أن يعتقد في "على: أنها اسم، لأنه يجوز: سويت فوقي ثوبي، قال بعض أصحابنا: وكذلك ينبغي أن يجعل "على" اسمًا في قول الشاعر: هون عليك .. البيت، للعلة التي ذكرها الأخفش، وكذلك في قوله: دع عنك نهبًا .. البيت، وهذا الذي ذهب إليه الأخفش وبعض أصحابنا لا يطرد، بل هو مراد غالب، لكنه قد جاء ذلك التعدي، قال تعالى:{وهزِّي إليك} [مريم/ 25] وقال تعالى: {واضمم إليك} [القصص/ 32] ولم يذهب أحد إلى أن "إلى" اسم/ فكذلك "على" فيما ذكر، لكن تلك التعدية قليلة. انتهى. وبعد هذا البيت:
فليس بآتيك منهيُّا
…
ولا قاصرٌ عنك مأمورها
قوله: هون عليك، أي: لا تتعب نفسك في طلب شيء، وعلل ذلك بقوله: فإن الأمور .. الخ، وقوله: بكف الإله؛ قال الدماميني: أراد بكف الله: يده، والمراد بها القدرة؛ ولا أعرف أنه ورد.
وأقول: قوله: والمراد بها القدرة؛ هذا على مذهب أهل التأويل، قال البيضاوي في "طوالع الأنوار": الأولى اتباع السلف فى ترك التأويل والرد إلى الله. وقوله: ولا أعرف أنه ورد، قد ورد في "الصحيحين" وغيرهما في فضل الصدقة في حديث أبي هريرة:"وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن" وفي حديث آخر: "إنما يضعها في كف الرحمن" أخرجه مالك في "الموطأ"
وذكراه بن الأثير في "النهاية" وقال: هو كناية عن محل القبول والإثابة، وإلا فلا كف لله ولا جارحة، تعالى الله عن ذلك، وقد تكرر ذكر الكف والحفنة واليد في الحديث، ولكنها تمثيل من غير تشبيه. انتهى. وقال السيوطي هنا: رأيت في كتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي ما نصه: وأما قوله: في كف الرحمن؛ فمعناه عند أهل النظر: في ملكه وسلطانه، ومنه قول عمر بن الخطاب، إن صح، فيما أخبرنا أبو النضر بن قتادة، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الضبعي، حدثنا الحسن بن زياد، حدثنا إسماعيل بن أبي أوبس، حدثني محمد بن عتبة الخرَّاز عن حماد بن عمرو الأسدي عن حماد بن فليح عن ابن مسعود قال: كان عمر بن الخطاب كثيراً ما يخطب، كان يقول على المنبر:
خفِّض عليك فإنَّ الأمور
…
بكفِّ الإله مقاديرها
فليس يآتيك منهيُّها
…
ولا قاصر عنك مأمورها
أي: في ملك الإله انتهى.
ويؤخذ من هذا أن الأعور الشني تابعي مسن أو مخضرم، والبيتان رأيتهما في ديوان أمير المؤمنين علي بن أبي طلب، رضي الله عنه، وشرهما حسين الميبدي في جملة ما شرحه من ديوانه، وقد أنشده سيبويه في "كتابه وكذا أنشدهما له صاحب "الحماسة البصرية" قال ابن
قتيبة في كتاب "الشعراء": الأعور الشني هو بشر بن منقذ من عبد القيس، وكان شاعراً محسناً، وله ابنان شاعران يقال لهما: جهم وجهيم، وكان المنذر بن الجاورد [العيدي] ولي "اصطخر" لعلي بن أبي طالب، فاقتطع عنها مائة ألف درهم، فحبسه علي بها، فتضمنها صعصعة بن صرحان العبدي، فقال الأعور:
ألا سألت بني الجارود أيُّ فتًى
…
عند الشَّفاعة والباب ابن صوحانا
هل كان إلّا كأمٍّ أرضعت ولدا
…
عقَّت فلمتجز بالإحسان إحسانا
لا تأمننَّ امرءا خان أمرءًا أبدًا
…
إنَّ من الناس ذا وجهيم خوَّانا
وهو القائل:
لقد علمت غميرة أنًّ جاري
…
إذا ضنَّ المثمِّر من عيالي
وأنِّي لا أضنُّ على ابن ابن عمِّي
…
بنصري في الخطوب ولا نوالي
ولست بقائلٍ قولًا لأحظى
…
بأمرٍ لا يصدِّقه فعالي
وما التَّقصير قد علمت معدٌّ
…
وأسباب الدَّنيَّة من خلالي
وأكرم ما تكون عليَّ نفسي
…
إذا ما قلَّ في اللَّزبات مالي
فتحسن صورتي وأصون عرضي
…
وتجمل عند أهل الذِّكر حالي
وإن نلت الغنى لم أغل فيه
…
ولم أخصص بجفوتي الموالي
وقد أصبحت لا أحتاج فيما
…
بلوت من الأمور إلى سؤال
وذلك أنَّني أدَّبت نفسي
…
وما حلت الرِّجال ذوي المحال
إذا ما المرء قصَّر ثمَّ مرَّت
…
عليه الأربعون عن الرِّجال
ولم يلحق بصالحهم فدعه
…
فليس بلاحقٍ أخرى اللَّيالي
هذا ما أورده ابن قتيبه. وقد استشهد سيبويه بالبيت الثاني في أوائل "كتابه" قال: وتقول: ما أبو زينب ذاهبًا، ولا مقيمةٌ أمها، ترفع، لأنك لو قلت: ما أبو زينب مقيمةٌ أمها؛ لم يجز، لأنها ليست من سببه، ومن ذلك قول العور الشني: وأنشد البيتين. قال ابن خلف قوله: ولا قاصر عنك مأمورها؛ ليس من سبب منهيها، كما أن أمها ليست من سبب أبي زينب، وفيه الشاهد: ومنهيها: مضاف إلى ضمير الأمور، ومأمورها: مضاف إلى ضمير الأمور، ومنهيها: رفع لأنه اسم ليس، وبآتيك: خبر ليس، وفي قوله: قاصر عنك مأمورها، وجوه ثلاثة:
أحدها: أن ترفع مأمورها بالابتداء، وقاصر مرفوع لأنه الخبر، والجملة معطوفة على الجملة المتقدمة، والجود رفع قاصر بالابتداء ومأمورها فاعله سد مسد الخير.
والوجه اثاني: أن تنصب قاصراً، وتعطف مأمورها علىسم ليس، وقاصراً على موضع بآتيك. فهذا عطف اسمين على اسمين، والعامل واحد، وهو: ليس، وتقديم الخبر في ليس شائع.
والوجه الثالث: جر قاصر، فبعض الناس يجيزه وبعضهم يأباه، ومن يجيزه طائفتان، إحداهما تزعم أن العطف على معمولي عاملين جائز، مثل: زيد في الدار، والقصر عمروٌ، فتعطف عمرو على زيد، والقصر على الدار، وطائفة لا تجيزه، وتجعله من نحو قولنا: ليس أمة عبد الله بذاهبة ولا قائم أخوها، تعطف قائم على ذاهبة، وتكون قد أخبرت عن أمة عبد الله بأنها ذاهبة، وبأنها قائم أخوها، فتكون قد عطفت خبرًا على خبر، وأخوها رفع بقائم، وإلى هذا الوجه ذهب سيبويه في جر "ولا قاصر"، فقيل لمن أجاز هذا الوجه: إن اسم ليس
"منهيُّها" والخبر "بآتيك" فإن جر "قاصر" بالعطف على آتيك لم يجز، لأن التقدير: فليس بآتيك منهي الأمور، ولا قاصر عنك مأمور الأمور، ولا يجوز أن تقول: فليس منهي الأمور بقاصر عنك مأمورها، لأن المأمور مضاف إلى ضمير الأمور، وليس بمضاف إلى ضمير المنهي، ولا يجوز أن يخبر عن الشيء بما ليس من فعله ولا فعل سببه، فكيف يجوز أن يجعل قاصراً خبراً عن المنهي، وليس قاصر هو فعل المنهي، ولا هو فعل لسببه، إنما هو فعل المأمور الذي هو مضاف إلى ضمير الأمور؟ وذكر سيبويه قبل إنشاده مسألة فقال: وتقول: ما أبو زينب ذاهبًا، ولا مقيمةٌ أمها، برفع مقيمة، ولا يجوز أن تنصب قيمة، وتعطفه على خبرها وتجعله خيرًا عن الأب، لأن الأم مضافة إلى ضمير زينب، وليس أمها من سبب الأم، ثم أتى بالبيت، وهو في الظاهر نظير المسألة، لأن مأمورها ليس بمضاف إلى ضمير المنهي، إنما هو مضاف إلى ضمير الاسم الذي أضيف إليه المنهي، فهو بمنزلة إضافة الأم إلى زينب، منهيها ولا قاصر عنك مأموره؛ لساغ من طريق اللفظ، والمعنى يبطله، ولكن الشعر يرده، والمعنى: أن منهي الأمور هي التي قد أراد الله، عز وجل، أن لا تكون أيداً، ولا يمكن أحدًا أن ينالها، وجعلها منهية لأنها في تقدير ما قد نهى عن فعله، ومنع من إيقاعه، ومأمورها: ما قال الله تعالى له: كن؛ فكان.
يقول: هون عليك الأمور، ولا تحزن لشيء يفوتك من الدنيا، فما أراد الله أن يرزقك إياه، فما لحزنك وجه. وقاصر عنك: مقصر أن يبلغك وياتيك.
والوجه الثاني من وجهي الجر، وهو وجه أجازه سيبويه في هذا البيت على ضرب من التأويل، وجعل اللفظ كاللفظ بالأمور، وكأنه حين قال: