الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن أخوك الناء ما كنت آمنًا
…
وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا
وهذا آخر القصيدة. وأراد التنقل عن المودة، وجحفل: كثير الأتباع، وجيش جحفل: إذا كان كثير الأصوات، وقوله: وهم لمقل المال .. إلخ، أي: يبغضون من لا مال له وإن كان شريفًا، والمحض: الخالص النسب، ومخول: اسم مفعول، من أخول الرجل: إذا صار كثير الأخوال، والناء: البعيد، وحذفت الياء للضرورة، وأعضل الأمر: اشتد وقد تقدمت ترجمة أوس ابن حجر في الإنشاد الثاني والأربعين.
وأنشد بعده:
وكلُّ أناس سوف تدخل بينهم
…
دويهية تصفرُّ منها الأنامل
وقد تقدم شرحه في الإنشاد الواحد والستين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد العاشر بعد المائتين:
(210)
فمثلك حُبلى قد طرقت ومرضع
تمامه:
فأليتها عن ذي تمائم محول
على أن مثلك مجرور بعد الفاء بإضمار رب، وكذا استشهد به سيبويه، لكنه روى البيت، على غير هذا الوجه، قال في باب كم: وزعم الخليل أن قولهم: لاه أبوك، و: لقيته أمس، إنما هو على: لله أبوك، و: لقيته بالأمس، ولكنهم حذفوا الجار والمجرور والألف واللام تخفيفًا، وليس كل جابر يضمر،
لأن المجرور داخل في الجار، فصار عندهم بمنزلة حرف واحد، فمن ثم قبح، ولكنهم قد يضموونه ويحذفونه فيا كثر من كلامهم، لأنهم إلي تخفيف ما أكثروا استعماله أحوج، قال امرؤ القيس:
ومثلك بكراً قد طرقت وثيّياً
…
فألهيتها عن ذي تمائم مغيل
أي: ورب مثلك، ومن العرب من ينصبه علي الفعل، وقال:
ومثلك رهبي قد تركت رذيَّةً
…
تلقِّب عينيها إذا سرِّ طائر
سمعنا ذلك ممن يرويه عند العرب، انتهي كلامه. قال الأعلم في البيت الأول: الشاهد فيه خفض مثلك علي إضمار رب، ونصبه علي الفعل بعده، ويروي:
"ومثلك حبلي قد طرقت ومرضعاً" يقول: أنا محب إلي النساء والمراضع علي زهدهن في الرجال، فكيف الأبكار الراغبات! والتمائم: معاذ يعلق علي الصبيان، واحدتها: تميمة، والمغيل: المرضع وأمه حبلي، ويقال: هو الذي يره أمه توطأ، وقال: البيت الثاني، الشاهد فيه نصب مثلك بالفعل الذي بعده، ويجوز جره علي إضمار رب، يخاطب ناقته، والرهبي: الخائفة، والرذيلة: العيبة الساقطة، أي: أعملها في السفر حتى أودعتها الطريق، فكلما مر عليها طائر قلبت عينها رهبة منه وخوفاً أن يقع عليها ليأكل منها. انتهي.
والبيت من معلقة امرئ القيس، وبعده:
إذا ما بكي من خلفها انصرفت له
…
بشقٍّ وتحتي شقُّها لم تحوَّل
وقبله:
فقلت لها سيري وأرخي زمانه
…
ولا تبعديني من جناك الممِّل
وتقدم شرح في الإنشاد الرابع قال الخطيب التبريزي تبعاً لأبى جعفر النحاس: ولو روي: فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعاً؛ لكان جيداً على أن تنصب مثلاً بطرقت، وتعطف عليه إلا أنا لا نعلم أحداً رواه نصباً.
انتهى. أقول: قد رواه سيويه والأعلم: ومثلك صفه لموصوف محذوف، أي: فربّ أنثى مثلك، والطروق: الإتيان ليلاً، والمرضع: التي لها ولد رضيع، جاء علي النسب كحائض، وإذا بانيت علي الفعل أنثت كمرضعة وحائضة ونحوهما، وألهيتها: أشغلتها، وقوله: عن ذي تمائم، أي: عن صبي ذي تمائم، ومحول أتى عليه حول، والعرب تقول لكل صغير محول، وإن لم يأت عليه حول، وكان القياس أن يقال: محيل، لأنه مثل مقيم، إلا أنه جاء علي الأصل، كما قيل: استحوذ ومستحوذ والقياس: استحاذ ومستحيذ. وروي: "عن ذي تمائم مغيل" بفتح الياء، اسم مفعول من أغيل الرجل ولده: إذا جامع أمه وهي ترضعه، ويقال أيضاً: أغاله إغاله، بالإعلال، والأسم: الغيلة بالكسر، واغالت المرأة ولدها وأغيلته: أرضعته وهي حامل، فهي مغيل علي القياس، ومغيل بكسر الياء علي خلاف القياس، والولد مغال علي القياس، ومغيل بفتح الياء علي غير القياس.
قال الغمام الباقلاني: قوله: فقلت لها سيري وأرخي زمامه .. البيت قريب المنسج، ليس له معني بديع، ولا لفظ شريف، كأنه من عبارات المنحطين في الصفة. وقوله: فمثلك حبلى .. البيت، عابه عليه أهل العربية، ومعناه عندهم حتى يستقيم الكلام: فرب مثلك قد طرقت، وتقديره أنه وزير نساء، وأنه يفسدهن ويلهيهن عن جبلهن ورضاعهن، لأن الحبلى والمرضعة أبعد من الغزل وطلب الرجال، وهذا البيت في الاعتذار ةالاشتهار والتيهام غير منتظم.
مع المعني الذي قدمه، لأن تقديره: لا تبعدني عن نفسك، فأني أغلي النساء وأخدعهن عن رأيهن، وأفسدهن بالتغازل، وكونه مفسدة لهن لا يوجب له وصلهن وترك إبعادهن إياه، بل يوجب هجره والاستخفاف به لسخفه ودخوله كل مدخل فاحش، وركوبه كل مركب فاسد، وفيه من الفحش والتفحش ما يستنكف الكريم من مثله، ويأنف من ذكره. انتهي.
ومثله للمرزباني في "الموشح" قال: عيب علي امرئ القيس فجوره وعهره في شعره، كقوله: مثلك حبلى .. إلى آخر البيتين، وقالوا: هذا معنى فاحش، قالوا: كيف قصد للحبلى دون البكر، وهو ملك وابن ملوك، ما فل هذا إلا لنقص همته. انتهي.
وقوله: إذا ما بكي من خلفها .. البيت، قال التبريزي: ويروى: "انحرفت له" قال ابن الأنباري: يقل: كانت تحته، فإذا بكي الصبي انصرفت له بشق ترضعه وهي تحته بعد، وإنما تفعل هذا لأن هواها معه. وقال أبو جعفر النحاس: معني البيت أنه لما قبِّلها أقبلت تنظر إليه وإلى ولدها، وإنما يريد بقوله: انصرفت له بشق، يعني أنها أمالت طرفها إليه، وليس يريد أن هذا من الفاحشة، لأنها لا تقدر أن تميل بشقها إلي ولدها في وقت يكون منه إليها ما يكون، وإنما يريد: يقبلها وخدّها تحته. انتهي ما قاله. وقال الإمام الباقلاني: هذا غاية في الفحش، ونهاية في السخف، وأي فائدة لذكره لعشيقته كيف كان يركب هذه القبائح، ويذهب هذه المذاهب، ويرد هذه الموارد؟ ! فإن هذا ليبغِّضه إلي كل من سمع كلامه، ويوجب له المقت، وهو لو صدق لكان قبيحاً، فكيف ويجوز أن يكون كاذباً! ثم ليس في البين لفظ بديع