الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علّ
(بلام مشددة)
أنشد فيه، وهو الإنشاد الرابع والخمسون بعد المائتين:
(254)
لا تهين الفقير علَّك أن
…
تركع يومًا والدَّهر قد رفعه
على أن (عل) لغة في (لعل) وهما بمنزلة عسى في المعنى، وفيه شواهد أخر: أحدهما: حذف نون التوكيد الخفيفة، حذفت الالتقاء الساكنين والأصل: لا تهينن الفقير، فحذفت النون وبقيت الفتحة دليلًا عليها لكونها مع المفرد المذكر فإن لم تلاق النون ساكنًا فلا تحذف إلا للضرورة نحو ما أنشده أبو زيد في (نوادره):
أضرب عنك الهموم طارفها
…
ضربك بالسَّوط قونس الفرس
ورواه الجاحظ في (البيان): (لا تحقرن الفقير). وروى ثعلب: (ولا تعاد الفقير) فلا شاهد فيه.
ثانياً: اقتران الفعل الواقع خبراً لـ (علَّ)[بأن] كالحديث: (لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض)
ثالثها: وقوع الخرم بالراء المهملة في غير الوتد المجموع، وذلك أن البيت من المنسرح، وأول أجزائه مستفعلن، وقوله:(لا نهي) وزنه: فاعلن، حذف سين مستفعلن بالخبن، فبقى متفعلن، ثم حذف ميمه بالخرم فصار تفعلن، فنقل إلى فاعلن، ومثله شاذ، كقوله:
قاتلوا القوم يا خزاع ولا
…
يدخلكم في قتالهم فشل
وروي: "ولا تهين" بالواو، فلا خرم.
والبيت من أبيات للأضبط بن قريع السعدي، أوردها القالي في (أماليه) عن ابن دريد عن ابن الأنباري عن ثعلب، قال ثعلب: بلغني أنها قيلت قبل الإسلام بدهر طويل وهي:
لكلِّ همِّ من الهموم سعه
…
والمسي والصبُّح لا فلاح معه
ما بال من سرَّه مصابك لو
…
يملك شيئًا من أمره وزعه
أذود عن حوضه ويدفعني
…
يا قوم من عاذري من الخدعه
حتّى إذا ما انجلت عمايته
…
أقبل يلحى وغيُّه فجعه
قد يجمع المال غير آكله
…
ويأكل المال غير من جمعه
فاقبل من الدَّهر ما أتاك به
…
من قرَّ عينًا بعيشه نفعه
وصل حبال البعيد إن وصل الـ
ـحبل وأقص القريب إن قطعه
ولا تعاد الفقير علَّك أن
…
تركع يومًا والدَّهر قد نفعه
انتهى. ورواها أيضًا ابن الأعرابي في (نوادره) والجاحظ في (البيان) والشريف الحسيني في (حماسته) وصاحب (الحماسة البصرية) وابن قتيبة في كتاب (الشعراء) والأصبهاني في (الأغاني) وغيرهم بتقديم بعضها على بعض، وطرح بعض أبيات منها.
والمسي، بضم الميم وكسرها وسكون السين: أسم من الإمساء، والصبح اسم من الإصباح، قاله الجوهري وأنشد البيت، والفلاح: البقاء، وروي به أيضًا، وقوله: ما بال من سره
…
إلخ، المصاب، بالضم: المصيبة، وروي أيضًا:(ما بال من تتألم لفقره وخيبته، فإذا وجد شيئًا كفه عنك! وقوله: إذود عن حوضه، هذا مثل للحماية ودفع المكروه عنه، والخدعة، بضم الخاء المعجمة وفتح الدال: بطن من بني سعد بن زيد مناة بن تميم، وهم قومه، قاله صاحب (الأغاني) وغيره، والعماية، بفتح العين المهملة: الشدة التي تلتبس منها الأمور، يقال: عمي عليه الأمر: إذا التبس، وأقبل: شرع، ويلحى: يلوم، وغيه: الضلالة، وفجعه: أصابه بمكروه، والمراد بوصل الحبل: وصل حبل المودة والقيام بحقوقها، أي: دم على مواصلة الصديق البعيد في النسب القريب في الإخاء ما دام مواصلك في المودة، والحبل استعارة، لأنه من شأنه التمسك به، وأقص: أمرٌ من الإقصاء وهو الإبعاد، أي أبعد قريبك إذا قطع المودة، وقوله: ولا تعاد: نهي، من عاداه معاداة، والمشهور: لا تهين الفقير، والإهانة الإيقاع في الهون، بالضم، والهوان بالفتح، وهما بمعنى الذل والحقارة، ومثله في المعنى قول الآخر:
عسى سائلٌ ذو حاجةٍ إن منعته
…
من اليوم سؤلًا أن يكون له غد
واستشهد بهذا البيت في التفسير عند قوله تعالى (واركعوا مع الراكعين)
[البقرة/43] على أن الركوع هو الخضوع والانقياد كما في البيت، وجملة:(والدهر قد رفعه): حال من ضمير تركع.
وكان سبب هذا الشعر على ما في (الأغاني) عن أبي محلم أن أم الأضبط كانت عجيبة بنت دارم بن مالك بن حنظلة وخالته الطموح بنت دارم، فحاب بنو الطموح قومًا من بين سعد، فجعل الأضبط يدس إليهم الخيل والسلاح، ولا يصرح بنصرهم خوفًا من أن يتحزب قومه حزبين معه وعليه، وكان لما يشير عليهم بالرأي نقضوه وخالفوا عليه، وأروه مع ذلك أنهم على رأيه، فقال في ذلك هذه الأبيات. وروى المبرد في (الكامل):(ولا تهين الكريم) بدل الفقير، قال عند قول الشاعر:
وأكرم كريمًا إن أتاك لحاجة
…
لعاقبة إنَّ العضاه يروَّح
يقول: الشجر يصيبه الندى في آخر الصيف، فينشأ له ورق، فيقول: لعلك تحتاج إلى هذا الكريم وقد قدر. ومثله:
ولا تهين الكريم علَّلك أن
…
تركع يومًا والدَّهر قد رفعه
إذا خلَّةٌ نابت صديقك فاعتنيم
…
مرَّمتها فالدَّهر بالنَّاس قلَّب
وبادر بمعروفٍ إذا كنت قادرًا
…
زوال اقتدارٍ أو غنًى عنك يعقب
ومثل هذا كثير، وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم:
إني لأسارع إلى حاجة عدوي خوفًا من أن أرده فيستغني عني، وقال رجل من العرب: ما رددت رجلًا عن حاجة فولىّ عني إلا رأيت الغنى في قفاه. وقال عبد الله بن العباس: ما رأيت أحدًا أسعفته في حاجة إلا أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلًا رددته [عن حاجة] إلا أظلم ما بيني وبينه. وقال عبد الله ابن همام السلولي:
وأتلف فأخلف إنَّما المال عارةٌ
…
وكله مع الدَّهر الَّذي هو آكله
فأهون مفقودٍ وأيسر هالكٍ
…
على الحيِّ من لا يبلغ الحيَّ نائله
عارة أي: معارة، ووزنه فعلة، انتهى. ورأيت هذين البيتين في (إصلاح المنطلق) لابن السكيت أنشدها لابن مقبل لا لابن همام، والله أعلم.
وقائل الشعر هو الأضبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وقريع، بضم القاف، هو أبو جعفر الملقب بأنف الناقة أيضًا، قال ابن قتيبة في كتاب (الشعراء): الأضبط بن قريع السعدي: هو من عوف بن كعب بن سعد، رهط الزبرقان بن بدر ورهط بني أنف الناقة، وكان قومه أساؤوا مجاورته، فانتقل منهم إلى غيرهم، فأساؤوا مجاورته أيضًا، فرجع إلى قومه وقال:(بكلِّ واد بنو سعيد) وهو جاهلي قديم، وكان أعار على بني الحارث بن كعب، فقتل منهم وأسر وجدع وخصى، ثم بني أطمًا، وبنت الملوك حول ذلك الأطم مدينة صنعاء، فهي اليوم قصبتها، وهو القائل:
يا قوم من عاذري من الخدعه