الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتهى. وقوله: إن أخاك الكاره، يقل: أخوك الذي يكره ورود حوض المنية، لابدَّ له من وروده على رغم أنفك، وإن كان بحضرتك بحيث يرى وجهك، ويسمع كلامك، وأنت لا تقدر على إنقاذه منه، وإذا كان الأمر على ذلك فسلم لقضاء الله، ولا تظهر الجزع، بل أنت لا تقدر على حفظ نفسك، ولا تصرف لك فيها، فلا تدري أين تموت أفي بلدك أم في غيرها؟ فإذا كان الإنسان لا يقدر أن يجلب النفع لنفسه، أو يدفع الضرَّ عنها، فعدم قدرته لغيره من باب أولى، والصدى: جسد الإنسان بعد الموت، والشق، فعدم قدرته لغيره من باب أولى، والصدى: جسد الإنسان بعد الموت، والشق، بالكسر: الجانب وقوله: "أتجزع إن نغسًا" الهمزة للاستفهام التوبيخي، وبخَّ ابن عمه على شدة جزعه على موت ولده- وابن وحيي قال مع وقوفه على الأبيات: خاطب به نفسه على وجه التجريد- وإن: شرطية، نفسًا: منصوب بفعل يفسره ما بعده، وروي: إن نفس، بالرفع؛ فتكون فاعلًا بفعل محذوف أيضاً، أي: إن هلكت نفس، وهو لازم. قوله: أتاها حمامها؛ والحمام بالكسر: الموت، ورأيته مضبوطًا بخط بعض المتقنين من المتقدمين: أن نفس، بفتحة على "أن" فتكون مصدرية واللام مقدرة قبلها، وكذلك يقدر الفعل الرافع لنفس، ورأيت في نسخة "المحتسب" وهي صحيحة مقروءة:"أتدفع عن نفس" فتكون "عن متعلقة بتدفع. ومفعول تدفع في جميع الوجوه محذوف، وهو الموت، وكذلك يقدر في الثاني، أي: فهلا تدفع الموت عن نفسك التي بين جنبيك.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والثلاثون بعد المائتين:
(238)
أعن ترسَّمت من خرقاء منزلة
…
الصّبابة من عينيك مجسوم
على أ، "عن" هي "أن" المصدرية عند بنى تميم، في "المفصل": وتميم وأسد يحولون همزتها عينًا، قال ابن يعيش في "شرح المفصل": وذلك في "أنْ""وأنّ" خاصة، ولا يجوز مثل ذلك في المكسورة. انتهى. وهي لغة مرجوحة، قال ثعلب في" أماليه": ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميم، وكشكشة ربيعة، وكسكسة هوازن، وتضجّع قيس، وعجرفية ضبة [وتلتلة بهراء].
فأما عنعنة تميم؛ فإن تميمًا تقول في موضع أن: عن، تقول: عنِّ عبد الله قائن، قال: وسعت ذا الرمة ينشد عبد الملك:
أعن ترسَّمت من خرقاء منزلةً
…
قال: وسمعت ابن هرمة ينشد هارون، وكان ابن هرمة ربي في ديار تميم:
أعن تغنَّت على ساقٍ مطوَّقةٌ
…
ورقاء تدعو هديلًا فوق أعواد
وأما تلتلة بهراء؛ فإنهم يقولون: تعلمون وتفعلون وتصنعون، بكسر أوائل الحروف. انتهى.
وقال ابن جني في "سر الصناعة" بعد نقله ما تقدم: فأما كشكشة ربيعة؛ فإنما يريد بها قولها مع كاف ضمير المؤنث: إنكش، ورأتكش، وأعطيتكش، تفعل هذا في الوقف، فإذا وصلت أسقطت الشين.
وأما كسكسة هوازن. فقولهم أيضًا: أعطيتكس، ومنكس، وعنكس، وهذا أيضًا في الوقف دون الوصل. انتهى.
والهمزة للاستفهام التقريري، جرد من نفسه نفسًا فخاطبها، وأن ترسمت: في تأويل مصدر مجرور بلام محذوفة متعلقة بمسجوم، والتقدير: الأجل ترسمك ونظرك دارها التي نزلت فيها بكت عينك وأسالت دموعها؟ قال شارح "ديوان ذى الرمة" أبو العباس الأحول: الترسّم: التفرس والتثبت في أثر الرسم، وروي:"أأن توهمت" أي: تخيلت، والعرب تقول: منزل ومنزلة، ومكان ومكانة، ودار ودارة، وباب وبابة. ومسجوم: مصبوب، سجمت عينه تسجم سجومًا وسجمًا، وهي عين سجوم، وكذلك سحابة. انتهى.
وقال الأصمعي في كتاب "خلق الإنسان": شخص كل شيء: طلله، فإذا كان أسر ليس له شخص مرتفع فهو رسم، وأنشد البيت: أأن ترسمت، ثم قال: وبعضهم يقول: أعن ترسمت، بقلب الهمزة عينًا. انتهى. والصبابة: رقة الشوق، وخرقاء، قيل: هي ميَّة صاحبة ذي الرمة، وقيل: هي غير ميَّة.
قال ابن قتيبة في ترجمته من كتاب "الشعراء": وكان ذو الرمة أحد عشاق العرب المشهورين بذلك، وصاحبته ميَّة بنت فلان بن طلبة بن قيس بن عاصم [بن سنان]، ومكثت ميَّة زمانًا لا تراه وتسمع بشعره، فجعلت الله عليها أن تنحر بدنة إن رأته، فلما نظرت إليه رأت رجلًا أسود دميمًا [وكانت من أجمل النساء]، فقالت: واسوأتاه! كأنها لم ترضه، فقال:
على وجه ميٍ مسحةٌ من ملاحةٍ
…
وتحت الثّياب الشَّين لو كان باديا
ألم تر أنَّ الماء يخبث طعمه
…
وإن كان لون الماء أبيض صافيًا
وكان يشيب [أيضًا] بخرقاء، وهي من بني البكاء بن عامر [بن صعصة] وكان سبب تشبيه بها أنه مرَّ في بعض أسفاره ببعض البوادي، وإذا خرقاء خارجة من خباء لها، فنظر إليها فوقعت في قلبه، فخرق إدواته ودنا منها، وقال: إني رجل علىظهر سفر، وقد تخرقت إدواتي فأصلحها [لي]، يستطعم بذلك كلامها، فقالت: والله إني ما أحسن العمل، وإني لخرقاء، والخرقاء: التي لا تعمل شيئًا بيدها لكرامتها على أهلها، فشبب بها وسماها خرقاء.
[و] قال المفضل الصبي: كنت أنزل على بعض الأعراب إذا حجت، فقال لي يومًا: هل لك في خرقاء صاحبة ذي الرمة"؟ قلت: بلى، فتوجهنا نريدها، فعدل بي عن الطريق بقدر ميل، فإذا أبيات [شعر]، فقرع بابًا منها فخرجت إلينا امرأة حسَّانة بها قوة، فتحدثنا طويلًا فقالت: أحججت قبل هذه؟ قلت: بلى قالت: فما منعك من زيارتي؟ أما علمت أني منسك من مناسك الحج! قلت: وكيف ذلك؟ قالت: أما سمعت قول ذي الرمة:
تمام الحجّ أن تقف المطايا
…
على خرقاء واضعة اللَّثام
انتهى كلام ابن قتيبة، وهو صريح في أنّ خرقاء غير ميَّة.
وقال ثعلب: خرقاء هي ميّة، وذلك أن ميّة لقبته بذي الرمة، واسمه غيلان، وذلك أنه مرّ بخبائها قبل أن ينسب بها، فرآها فأعجبته، فأحب الكلام معها، فخرق دلوه وأقبل إليها، وقال: يا فتاة! اخرزي لي هذا الدلو، فقالت: إنني خرقاء –والخرقاء: التي لا تحسن عملًا- فخجل ووضع دلوه على عنقه، وهي مشدودة بقطعة حبل بال، وولّى راجعًا، فعلمت ميّة ما أراد، فقالت: يا ذا الرمة انصرف، فانصرف، فقالت له: إن كنت أنا خرقاء فإن