الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوصيك يا بنتي فإّني ذاهب
…
أوصيك أن يحمك الأقارب
والجار والضَّيف الكريم السّاغب
…
لا يرجع المسكين وهو خائب
ولا تني أظفارك السَّلاهب
…
لهنَّ في وجه الحماة كاتب
والزَّوج إنَّ الزَّوج بئس الصَّاحب
قال: فأي شيء قلت في تأخير تزويجها؟ قال: قلت:
كأنَّ ظلّامة أخت شيّان
…
يتيمة ووالداها حيَّان
الجيد منها عطلٌ والأذنان
…
وليس للرِّجلين إلاّ خيطان
وفضَّةٌ قد شيَّطتها النّيران
…
تلك الَّتي يضحك منها الشَّيطان
فضحك هشام، وضحكت الناس لضحكه، وقال للخصي: كما بقى من نفقتك؟ قال: ثلاثمائة دينا، قال: أعطه إياها يجعلها في رجل ظلامة مكان الخيطان. وتقدمت ترجمة أبي النجم في الإنشاد السابع والستين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والخمسون بعد المائتين:
(253)
كحملود صخر
…
حطَّه السَّبل من عل
على أن "على" هنا نكرة، قال ابن حني:"عل" فيه نكرة، ألا ترى أنه لا يريد من أعلى شيء مخصوص، فالكسرة إذن في لام "عل" هذه كسرة إعراب، ككسرة دال يد، وميم دم، ومن كان من العرب لغته تنوين أواخر الأبيات، نحو قوله:
أقلّى اللّوم عاذل والعتابن
وقوله:
يا صاح ما هاج الدُّموع الذُّرَّفن
وقوله:
من طلل كالأتحميّ أنهجن
فإنه إذا نون بيت أوس فقال:
كغرقئ بيضٍ كنَّه القيض من علن
فالتنوين عنده ليس تنوين الصرف، كالذي في قوله: رأيت زيدًا، ومررت بجعفر، ألا ترى أن هذا التنوين إنما يلحق في الصحيح حركات الإعراب، وضمة اللام من قوله:(كنه القيض من عل) إنما هي ضمة بناء، فالتنوين فيه إذن هو التنوين اللاحق للفعل في (أنهجن) ومع لام المعرفة في:(الذرفن) ومع الضمير في قوله:
يا أبتا علك أو عساكن
وأما التنوين من قوله:
كجلمود صخر حطَّه السَّيل من عل
فينبغي أن يكون تنوين الصرف، لأن الحركة قبل حركة إعراب، ولا أنكر أيضًا أن يعتقد فيه أنه تنوين الإنشاد اللاحق للفعل، ومع لام المعرفة والمضمر على ما قدمناه، والوجه هو الأول. انتهى.
والمصراع من معلقة امرئ القيس، وقبله:
وقد أغتدي والطَّير في وكناتها
…
بمنجردٍ قيد الأوابد هيكل
مكرِّ مفرِّ مقبلٍ مدبرٍ معًا
كجلمود صخرٍ حطَّة السَّيل من عل
قوله: وقد اغتدي، أي: أخرج غدوة للصيد، والوكنات، بضم الواو والكاف: جمع وكنة، بسكون الكاف، قال ابن جني في (المحتسب): قرأ عبد الكريم الجزري (فتكن في صخرة)[لقمان /16] بكسر الكاف، ومن قولهم: وكن الطائر يكن وكونًا: إذا استقر في وكنته، وهي مقره ليلًا، وهي أيضًا عشه الذي يبيض فيه، وكأنه من مقلوب الكون، لأن الكون الاستقرار، انتهى.
وقد استعمل امرؤ القيس هذا المصراع في عدة قصائد منها في اللامية، وتمامه:
لغيث من الوسميِّ رائده خالي
ومنها في الضادية، وتمامه:
بمنجردٍ عبل اليدين قبيض
ومنها في البائية، وتمامه:
وماء النَّدى يجري على كلِّ مذنب
وجملة: "والطير في وكناتها" حال من ضمير أغدو، والمنجرد قيل: الماضي في السير، وقيل: القليل الشعر، والباء متعلقة بأغتدي، والأوابد: الوحوش جمع آبدة، يريد أن هذا الفرس من شدة سرعته يلحق الوحوش فيصير لها بمنزلة القيد، قال أبو علي في "التذكرة": قيد الأوابد: صفة، وهو مصدر كأنه قال: تقييد الأوابد، ثم استعمل المصدر بحذف الزيادة فوصف به، وقال التبريزي: تقديره ذي تقييد الأوابد، قال الباقلاني في (إعجاز القرآن": قوله: "قيد الأوابد" عندهم من البديع، وهو من الاستعارة، ويرونه من الألفاظ الشريفة، وعني وبذلك أنه إذا أرسل هذا الفرس على الصيد صار قيداً لها، وكانت بحالة المقيد من جهة سرعة عدوه، وقد افتدى به الناس، واتبعه الشعراء فقيل: قيد النواظر، وقيد الألحاظ، وقيد الكلام، وقيد الحديث، وقيد الرهان، قال الأسود أبن يعفر:
بمقلِّص عتدٍ جهيزٍ شدُّه
…
قيد الأوابد والرِّهان جواد
وقال أبو تمام:
لها منظرٌ قيد الاوابد لم يزل
…
يروح ويغدو في خفارته الحبُّ
وقال آخر:
ألحاظه قيد عيون الورى
…
فليس طرفٌ يتعدَّاه
وقال آخر:
قيَّد الحسن عليه الحدقا
والهيكل قال ابن دريد: هو الفرس العظيم الجرم. وهاذ البيت موجود في شعر علقمة الفحل وهو عصريه ومشاعره، والله أعلم، وقوله: مكر مفر، بكسر ميمهما وجرهما، أي: جواد صالح للكر والفر، والكر: العطف، يقال: كر فرسه على عدوه، أي: عطفه عليه ومفعل، بكسر الميم، يتضمن مبالغة، كقولهم: فلان مسعر حرب، وفلان مقول ومصقع، وإنما جعلوه متضمنًا مبالغة لأن مفعلًا يكون من أسماء الآلة، فكأنه أداة للكر والفر، وآلة لتسعر الحرب أي: تلهبها، وآلة الكلام، ومقبل ومدبر: اسمًا فاعل من الإقبال والإدبار، والجلمود، بالضم: الصخر العظيم الصلب، والحط: إلقاء الشيء من علو إلى أسفل، ومن عل، أي: من مكان عال، وهذا البيت عدوه من باب الأتساع، قال ابن رشيق في (العمدة): الاتساع: أن يقول الشاعر بيتًا يتسع فيه التأويل، فيأتي كل واحد بمعنى، وإنما يقع ذلك لاحتمال اللفظ وقوته واتساع المعنى، من ذلك قول امرئ القيس: مكر مفر مقبل .. البيت، فإنه أراد أنه يصلح للكر والفر ويحسن مقبلًا ومدبرًا، ثم قال: معًا، أي: جمع ذلك فيه، وشبه في سرعته وشدة جريه وحضره بجلمود حطه السيل من أعلى الجبل، وإذا انحط من عل كان شديد السرعة، فكيف إذا أعانته قوة السيل من ورائه! وذهب قوم منهم عبد الكريم إلى أن معنى قوله: كجلمود صخر
…
إلخ، إنما
هو الصلابة، لأن الصخرة عندهم كلما كان أظهر للشمس والريح كان أصلب وقال بعض من فسره من المحدثين: إنما أراد الإفراط، فزعم أنه يرى مقبلًا ومدبرًا في حال واحدة عند الكر والفر لشدة سرعته، واعترض على نفسه فاحتج بما يوجد عيانًا، فمثله بالجلمود المنحدر من قنة الجبل، فإنك ترى ظهره في النصبة على الحال التي ترى فيها بطنه وهو مقبل إليك، ولعل هذا ما مر قط ببال امرئ القيس، ولا خطر في وهمه، ولا وقع في خلده ولا روعه، انتهى.
والمصراع الشاهد قد أنشده سيبويه في أواخر "كتابه" قال: وعل معناها الإتيان من فوق، قال امرؤ القيس:(كجلود صخر حطه السيل من عل) وقال جرير:
حتى اختطفتك يا فرزدق من عل
انتهى. قال الأعلم في شرحه: يريد أن معنى "عل" معنى "فوق" وأن الجر دخله لأن قدره نكرة غير مضاف إلى شيء في النية، وبناؤه على الضم أكثر لتضمه معنى الإضافة كقبل وبعد، انتهى.
وترجمة امرئ القيس تقدمت في الإنشاد الرابع من أول الكتاب.