الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: ولم يك مثاوج الفؤاد؛ يقال للرجل إذا لم يكن ذا رأي وحزم: ما أبرد فؤاده! أي: لم يكن بارد الفؤاد ضعيفة، والمبجّ، بفتح الموحدة المشددة بعدها جيم، هو المثقل الكثير اللحم، والربيلة، بفتح الراء وكسر الموحدة: النعمة والخصب، والبيت في معطي الرداء، وقيل: في عروة، لأنه كيف يمدح من لا يعرف بهذه الأوصاف! وقوله: ولكنه قد نازعته، أي: غيرته، والمجاوع: المجاوع: المخامص، وإنما أثرت فيه، لأنه إذا سافر آثر صحبه على نفسه بزاده ويجوع. وقوله: صادق النهض، يعني: النهوض للمكارم والعلى، لا يكذب فيما إذا نهض لها. وقد بسطنا شرح هذه الأبيات بأكثر من هذا في شرح الشاهد السادس بعد الأربعمائة من شواهد الرضي.
وأبو خراش الهذلي: أحد فرسان العرب وفتاكهم، أسلم وهو شيخ كبير، وحسن إسلامه، وذكره ابن حجر في "الإصابة" في قسم المخضرمين الذين لم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي صلي الله عليه وسلم، وفي "تاريخ الإسلام" للذهبي ما يدل على أن إسلامه كان يوم حنين، ومات في خلافه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وانشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والعشرون بعد المائتين:
(229)
بكلَّ تداوينا فلم يشف ما بنا
…
على أنَّ قرب الدار خير من البعد
على أنَّ قرب الدار ليس بنافعٍ
…
إذا كان من تهواه ليس بذي ودَّ
قال ابن الحاجب بعد كلامه في البيت السابق: قوله: علي أن قرب الدار خير من البعد؛ كالإضراب عن الأول، لأن المعني: فلم يحصل لنا شفاء أصلاً، وإذا كان قرب الدار خيراً في المعنى المراد، ففيه شفاء أو بعض شفاء، وكذلك قوله: على أن قرب الدار ليس بنافع؛ استدرك لعموم قوله: على أن قرب الدار خير من البعد. هذا معناها، وأما تعلقها علي الوجه الإعرابي فيحتمل أمرين، أحدهما: أن يتعلق بالفعل المتقدم قبلها، كما تعلقت حاشا الاستثنائية بما قبلها، لكونها أوصلت معنى ما قبلها إلى ما بعدها علي وجه الإضراب والإخراج. وأظهر منه أن يقال إنها في موضع خبر محذوف المبتدأ، كأنه قيل: والتحقيق على أن الأمر كذا، فتعلقها بمحذوف كما يتعلق كل خبر جار ومجرور، لأن الجملة الأولي وقعت من غير تحقيق؛ ثم جئ بما هو التحقيق فيها، وحذف المبتدأ لوضوح المعنى. انتهي.
وقال المرزوقي في بيت أبي خراش: إن موضع "على أنها تعفو الكلوم" من الإعراب نصب على الحال، والعامل فيه لا أنسى، والمعنى: إني أذكره عافياً كلمي كسائر الكلوم. انتهي. وكذا قال التبريزي وغيره من شراح "الحماسة". وقد اقتصر عليه المصنف في شرح أبيات ابن الناظم، وقال محمد العيزري في مختصر هذا الكتاب المسمي بـ "مدني الأريب من حاصل مغني البين"ك ومنها الاستدراك بإضراب، قال:
لن لم يسلموا في كلِّ أمري
…
فللوا شين ظلماً قد أطاعوا
على أنِّي سأنشد عند موتي
…
أضاعوني وأيَّ فتيً أضاعوا
ومنه قولهم: الحجاج عمل بعمل يستوجب النار، على أنه لا ييأس من رحمة الله. قال: فو الله لا أنسى قتيلاً رزئته
…
البيتين، يريد: تنسى الرزايا البعيدة ويعفو أثرها، ولا تنسى القريبة العهد، لصدمة النكاية، وقرب العهد يمنع النسيان. وقال:
فتىً فيه ما يسرُّ صديقه
…
على أنَّ فيه ما يسوء الأعاديا
وقال: بكل تداوينا
…
البيتين، وهذا من باب دخول الاستدراك على الاستدراك.
نكتة: "على" في قوله: على أن قرب الدار، منعلق بقوله:"بكل تداوينا فلم يشف ما بنا" وهي كتعلق على في قوله: "على أن فيه ما يسوء الأعاديا" بقوله: فتى تم فيه .. الخ، وسموه: إكمالاً، وإلا لو اكتفى بالشطر الأول لاحتمل سروره الصديق عن حلم وكرم، واحتمل عن عجز وذلة، فلما قال: على أن فيه ما يسوء الأعاديا؛ نفى الاحتمالين اللاحقين، وكذلك لو اكتفى بالاستدراك الأول لما تم مقصوده، فلذلك أدخل الاستدراك الثاني لبيان تمام مقصود، فأورد "على" على "على" فكأنه قال: لا يمكن مداوينا أن يشفينا إلا بقرب الدار، ولا يحصل الفاء بقربها إلا مع إبداء الود والمصافة. انتهي. ومن خطة نقلت، وكتب في آخره: تم على يد مؤلفه محمد العيزري في سلخ ذي الحجة الحرام، سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وهذه مسبة إلي العيزرية، وهي قوية بالجانب الشرقي من بيت المقدس، بها قبر سيدنا عازر نبي الله عليه السلام.
ولم يصب في إدخال "على" التي بمعنى "مع" في "على" التي للإضراب عما قبلها، ولقد أجاد ابن وحيي هنا قال: ولا تظن أن "على" هذه هي التي
تسمي "على" العلاوة، بل هي "على" التي للتعويل علي ما أشار إليه الفاضل الشريف في "شرح الكشاف" حيث قال: وأشار، يعني صاحب "الكشاف" بكلمة "على" في قوله: على أن المنافقين وذواتهم لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد، إلي أن الجواب الثاني إما علاوة وإما معوّل عليه. انتهي. ومن أراد الإطلاع على الحقيقة فليطالع الشرح المذكور. ويدل على ما قلنا تقرير ابن الحاجب ههنا، وأما "على" التي علاوة؛ فهي التي بمعنى مع في الحقيقة، كما في قوله تعالي:(وإنَّ ربَّك لذو مغفرةٍ للنّاس علي ظلمهم)[الرعد/6] ومثاله قول القائل: ابني لم يؤد حق الأبوة، ولك يكرمني، على أني وهبت له داراً، وأعطيته مالاً، فإن "على" فيه للتعويل، لأن الجملة الأولي وقعت على التحقيق، ولم ترد لإبطال ما قبلها، ونظيره قول الحريري في المقامة الرابعة والثلاثين:
ولم سمحت قرونك بامتهاني
…
وأن أشرى كما يشري المتاع
على أني سأنشد عند بيعي
…
أضاعوني وأيّ فتيً أضاعوا
حكاية عن لسان عبدٍ عرضه مولاه للبيع وهو يقول: لأي شيء انقادت نفسك لبيعي، مع حقوق كثيرة توجب عدم البيع، مع أني أنشد عند بيعي هذا الصراع، إلى هنا ابن وحي.
والبيتان آخر أبيات لابن الدمينة أوردها أبو تمام في "الحماسة" وهي:
ألا ياصبا نجدٍ متى هجت من نجد
…
لقد زادني مسراك وجداً على وجد
أأن هتفت ورقاء في رونق الضُّحى
…
على فنن غضِّ النَّبات من الرنَّد
بكيت كما يبكي الوليد ولم تكن
…
جليداً وأبديت الذي لم تكن تبدي
وقد زعموا أنَّ المحبَّ إذا دنا
…
يملُّ وأنَّ النّأي يسلي من الوجد
بكلٍّ تداوينا فلم يشف ما بنا
…
البيتين
قوله: ألا ياصبا نجد؛ العشاق يخاطبون الريح والبرق إذا كانا من نحو أرض المحبوب، وقوله: أأن هتفت: بفتح الهمزة في تأويل مصدر مجرور بلام العلة لبكيت، والاستفهام للتقرير، وهتفت: صاحت، والورقاء: الحمامة البرية، والرند: شجر طيَّب من أشجار البادية، والوليد: الصبي الصغير، والجليد: الذي له جلادة وتحمل، يقول: أتبكي بكاء الصغير لأجل أن هتفت حمامة فهيَّحت أحزانك؛ ويمل، بفتحتين: مضارع مللته ومللت منه مللاً، من باب تعب: إذا سئمت منه وضجرت، ويشف: بالبناء للفاعل، ويجوز بالبناء للمفعول، وروي:"يشفي" بدل "يسلي"، قال المرزوقي: يقول: زعم الناس أن الاستكثار من زيادة المحبوب، والتداني منه، يكسب المحب ملالاً، وأن الاستقال من زيارته، والتنأئي
عن محله وداره ينتج له سلواً، وقد تداوينا بكل واحد من ذلك فلم ينجع، إلا أنه على الأحوال كلها وجدت قرب الدار منه خيراً من بعدها منه، لما توسوس به النفس في الوقت من طمع فيه، ولتطلع المجاورين له، وتجدد والحديث عنه، إلى كثير مما يعدم في البعاد، ثم رجع عنه فقال: على أن تقارب الدار لا يكاد ينفع إذا كان المحبوب لا ودّ له، ولا ميل معه. انتهي. وما أحسن قول أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن إبراهيم بن الخصيب:
لا تجعلن بعد داري
…
مخسَّساً لنصيبي
فربَّ شخصٍ بعيدٍ
…
إلى الفؤاد قريب
وربَّ شخصٍ قريبٍ
…
إليه غير حبيبي
ما القرب والبعد إلَاّ
…
ما كان بين القلوب
وروى صاحب "الأغاني" بسنده إلي حماد بن إسحاق قال: كان العباس بن الأحنف إذا سمع شيئاً يستحسنه أطرفني به، وأفعل مثل ذلك، فجاءني يوماً فوقف بين الناس، وأنشد لابن الدمينة:
ألا ياصبا نجدٍ متى هجت من نجد
…
الأبيات المذكور
ثم ترنج ساعة وقال: أنطح العمود برأسي من حسن هذا؟ ! فقلت: لا، ارفق بنفسك. انتهي.
ورأيت البيتين الأخيرين قبل البيت في قصيدة عدتها تسعة عشر بيتاً ليزيد بن الطَّثرية، أوردها أبو علي القالي في "ذيل أماليه" قال: وأنشدنا